Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال كامل مروة رصاصة في قلب "الحياة"

أول كاتم صوت بين القاهرة وبيروت

كامل مروة وراء مكتبه في بداية تأسيس "الحياة" (الموقع الإلكتروني KAMELMROUWA.COM)

ملخص

في هذه الحلقة نتناول قضية #اغتيال صاحب ومؤسس ورئيس تحرير جريدة "الحياة" #كامل_ مروة في 16 مايو (أيار) 1966 في عز الصراع بين السعودية والرئيس المصري جمال #عبدالناصر بعد تدخله في اليمن، وقد كانت "الحياة" ضد هذا التدخل.

في هذه الحلقة نتناول قضية اغتيال صاحب ومؤسس ورئيس تحرير جريدة "الحياة" كامل مروة في 16 مايو (أيار) 1966 في عز الصراع بين السعودية والرئيس المصري جمال عبدالناصر بعد تدخله في اليمن، وقد كانت "الحياة" ضد هذا التدخل.

فمنذ بداية القرن العشرين هزت العالم العربي عمليات اغتيال كثيرة غيرت في مسارات الأحداث والتطورات، وبدلت في تاريخ المنطقة. معظم هذه الاغتيالات تم بالرصاص قبل أن تتحول إلى عمليات تفجير، وأكثرها كان نتيجة الصراع السياسي.

في عام 1958 كان كامل مروة في مكتبه بجريدة "الحياة" عندما دخل عليه شاب يحمل مسدسين، ووضعهما أمامه على الطاولة، وقال له، "كلفوني أن أقتلك، ولكنني لم أنس فضلك على والدي، ولذلك جئت أخبرك"، ولكن ليس كل الذين كلفوا قتله جاءوا وأخبروه.

في 16 مايو (أيار) 1966 السابعة مساءً ترأس اجتماعاً لهيئة تحرير "الحياة" في مكتبه بالطابق الأول من مبنى الجريدة، وسأل المحررين عما حضروه لمناسبة زيارة الرئيس السنغالي ليوبولد سينغور إلى لبنان، ونحو الثامنة والنصف غادرت أمينة السر إيفون مامو، المكتب، وبقي كامل مروة في الطابق الأول يكتب مقالته اليومية. خارج المكتب كان عامل الهاتف محمود الأروادي وحارس مكتب مروة جميل خريس، وبقي بعض المحررين في مكاتبهم في الطابق الأرضي يتابعون أعمالهم.

رسالة بالرصاص

أجرى الأروادي مكالمة هاتفية وطلب من خريس التحدث إلى الهاتف قائلاً إن المكالمة له. تكلم خريس مع الشخص الآخر الذي ادعى أنه ضابط في قوى الأمن، وأبلغه أن حريقاً شب في منزله، وتم نقل امرأتين إلى المستشفى، وعليه الحضور إلى المخفر للتحقيق معه. غادر خريس مبنى الجريدة مسرعاً، وبقي الأروادي وحده، حيث مكتب مروة.

في هذا الوقت وصل شاب إلى مدخل مبنى الجريدة يرتدي بزة لونها "بيج" مع ربطة عنق ونظارة سوداء، ويحمل في يده حقيبة زرقاء، وسأل عن محمود الأروادي، وصعد إلى الطابق الأول عنده. كان محمود في انتظاره. سلم عليه، وفتح باب مكتب كامل مروة، وقال له إن موظفاً من "بنك إنترا" يحمل له رسالة سرية يريد أن يسلمها إليه شخصياً. دخل الشاب وفتح الحقيبة وأخرج الرسالة وسلمها إلى مروة. رن جرس الهاتف، وبينما كان مروة يرفع السماعة ليرد سحب الشاب من الحقيبة مسدساً مجهزاً بكاتم للصوت، ووجهه إلى مروة، وأطلق عليه الرصاصة الأولى، وأصابه في صدره، ولكن مروة نهض من وراء مكتبه، واندفع نحو الشاب الذي تعطل مسدسه، فلقمه من جديد، وأطلق رصاصتين أخطأتا مروة الذي تمكن من دفعه، وأوقعه أرضاً، مما أحدث ضجة بسبب ارتطامه بباب خشبي، وتحطم الزجاج. وقع المسدس من يد الشاب، وسقط رئيس تحرير "الحياة" إلى جانبه مضرجاً بدمائه. نهض القاتل ونفض الغبار عن ثيابه وأشعل سيجارة وخرج من المكتب، وأقفل الباب.

 

المطاردة

سمع المحررون الذين كانوا في الجريدة صوت التكسير، فتوجهوا إلى الطبقة الأولى، والتقوا القاتل وهو ينزل الدرج، فقال لهم إن الأستاذ يقول إن الضجة من تحت، ونزل معهم على الدرج كأن شيئاً لم يحصل. خرج إلى الشارع، من حيث أتى. اشتبه فيه حارس مدخل الجريدة، فأخذ يصرخ "حرامي، حرامي"، بينما عاد المحررون إلى الطابق الأول، ودخلوا مكتب مروة ليجدوه على الأرض والدم ينزف من صدره. تبع الحارس القاتل الذي تمكن من الفرار ودخل إلى بناء قريب من مبنى الجريدة، فتبعه أحد المواطنين، رفيق المير، الذي كان موجوداً مصادفة في المكان، معتقداً أنه "الحرامي". صعد القاتل في سيارة أجرة، وطلب من سائقها نقله إلى السفارة المصرية، فلحقه هذا المواطن بسيارة أخرى أوقفها على الطريق، مدعياً أنه من رجال التحري، وتمكن من توقيفه بعد أن توقف سائق السيارة التي تقله، وطلب منه أن ينزل منها. نزل من السيارة واعتقله رفيق المير، وأعاده إلى مبنى الجريدة حين وصلت قوة أمنية، فاعتقلته. تعرف عليه العاملون في الجريدة، وأكدوا أنه القاتل. تم التثبت من هويته. كان يدعى عدنان سلطاني. في اليوم التالي، احتل خبر اغتيال كامل مروة مع صورته، الصفحات الأولى لجريدة "الحياة"، والصحف الأخرى الصادرة في بيروت.

تم نقل القاتل إلى مقر قيادة قوى الأمن الداخلي، حيث تولى التحقيق معه قاضي التحقيق الأول في بيروت أمين الحركة بإشراف مدعي عام التمييز نبيه البستاني، وبينما كانت التحقيقات مستمرة وتنكشف معها خلفيات عملية الاغتيال والمشاركين فيها غير عدنان سلطاني، اجتمع مجلس الوزراء في 18 مايو، وقرر إحالة الجريمة إلى المجلس العدلي بناءً على اقتراح وزير العدل فيليب تقلا. وتقرر تعيين القاضي أمين الحركة محققاً عدلياً، فنقل مكتبه من مقر قيادة قوى الأمن الداخلي إلى مكتب أمر فصيلة درك سجن الرمل، حيث أمر بوضع القاتل عدنان سلطاني في السجن الانفرادي ومنع عنه المقابلات.

من "النداء" إلى "النهار" إلى "الحياة"

ولد كامل مروة في بلدة الزرارية بجنوب لبنان في عام 1915. وعاشت العائلة في صيدا بمبنى كان يقطنه أيضاً رضا بك الصلح والد رياض الصلح أول رئيس للحكومة في الجمهورية اللبنانية المستقلة. توفي والده جميل، الذي كان يعمل في التجارة بين لبنان والمكسيك، وهو في عمر 10 سنوات، وقد ظهر ميله إلى الصحافة وهو تلميذ عندما أصدر على مقاعد الدراسة مجلة "ثمرة الفنون". وبعد أن أنهى دروسه الثانوية انتقل إلى بيروت وعمل في صحيفة "النداء" لصاحبها كاظم الصلح، وبقي فيها خمسة أعوام، انكب خلالها على ترجمة كتاب "كفاحي" للزعيم النازي أدولف هتلر.

عندما عطلت سلطات الانتداب الفرنسي جريدة "النداء" بسبب ميولها القومية العربية انتقل مروة إلى جريدة "النهار" التي كان قد أسسها جبران تويني. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية استمر في "النهار"، ولكنه أصدر مع فؤاد حبيش مجلة "الحرب المصورة"، ووسع شبكة معارفه وعلاقاته لتشمل عدداً من المؤيدين لألمانيا والمتعاونين معها في لبنان وسوريا والعراق، ومن بينهم رشيد عالي الكيلاني في العراق ومفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني. هذه العلاقات أجبرته على مغادرة لبنان مع عدد من هؤلاء بعد طرد القوات التابعة للألمان ولحكومة فيشي الفرنسية من لبنان. فتوجه إلى تركيا عبر سوريا، حيث بقي حتى فبراير (شباط) 1942، ومنها انتقل إلى صوفيا، عاصمة بلغاريا، ليبدأ منها مرحلة العمل المباشر مع الألمان رئيساً لمكتب الدعاية العربية. بعد ثلاثة أعوام سيصاب بنكسة كبيرة نتيجة خسارة الألمان الحرب، وسيعود إلى لبنان ليبدأ مساراً جديداً في حياته، انتقل بعده إلى نقد المرحلة النازية الألمانية والشيوعية السوفياتية.

في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1944 غادر مروة بلغاريا متخفياً بعد دخول الجيش السوفياتي إليها، وانتقل إلى تركيا سالكاً طريق العودة إلى لبنان. اعتقلته السلطات الفرنسية عندما حاول الدخول إلى سوريا، ونقلته إلى السجن في لبنان في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1944، ثم أطلقت سراحه في 3 فبراير (شباط) 1945، ليبدأ التحضير لإصدار جريدته الخاصة. قدم له صاحب جريدة "النهار" مكتباً في مبنى الجريدة، واشترى مروة امتياز مجلة "الحياة الرياضية"، وبدأ العمل في غرفة واحدة صغيرة مع ثلاثة محررين. وفي 28 يناير (كانون الثاني) 1946 صدر العدد الأول بأربع صفحات. ومنذ ذلك اليوم ستتطور الجريدة لتصبح خلال أعوام قليلة أهم جريدة في الشرق الأوسط، وأهم مؤسسة صحافية في لبنان. استقرت في مبنى مستقل بوسط بيروت، حيث حصلت عملية الاغتيال، وصار لها منشورات شقيقة باللغتين الإنجليزية "الدايلي ستار"، والفرنسية "لو ماتان"، وصار الشارع كله يعرف بشارع "الحياة".

الصراع مع عبدالناصر

استطاع مروة أن يدخل مواقع القرار في العالم العربي بسرعة قياسية، نظراً إلى خبرة سياسية وتجربة غنية في العمل الصحافي والعلاقات الدولية، وإلى طموح جامح نحو التطور والنجاح الذي لم يقف في وجهه أي حاجز. اجتاز مسافات في العمل الصحافي وتطورت المهنة معه، حتى استطاع أن يطور الخط العربي في الطباعة، وصار يعرف له "خط مروة". ونظراً إلى الدور الذي لعبته "الحياة"، دخل مروة في لعبة التحالفات التي كانت تهتز معها المنطقة العربية، وكان داعماً لفكرة الوحدة العربية الطبيعية القائمة على الثقافة والعلم وحرية الأفراد والدول، وليس على قاعدة الشعبوية والتجييش والاتحاد المفروض بالقوة.

"الحياة" لم تعارض "حلف بغداد"، ووقفت ضد الانقلابات العسكرية والأنظمة التي نشأت منها. لم تعارض جمال عبدالناصر في البداية، وتحول إلى معارض شرس بعد أن أرسل عبدالناصر جيشه إلى اليمن ودعم ثورة العقيد السلال في عام 1962 ليؤسس الجمهورية اليمنية ويحاول اختراق السعودية.

عايش كامل مروة حروب فلسطين وقيام دولة إسرائيل وهزيمة الجيوش العربية وحرب اليمن والثورة الجزائرية والانقلابات العسكرية وانتقد الشيوعية بشراسة، وطالب بالانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أنها الأقدر على مساعدة العرب. وكان صديقاً شخصياً لأكثر من زعيم ورئيس عربي. خلقت له هذه المهنة صداقات كثيرة، وأيضاً عداوات كثيرة.

من اتخذ القرار باغتياله؟

عندما اتخذ القرار باغتياله كان النظام المصري يواجه أياماً صعبة في اليمن نتيجة وقوع خسائر فادحة في صفوف جيشه. وكانت "الحياة" تركز على هذا الواقع، وتبرز هذه الخسائر وتنشر مقالات ضد هذه الحرب. في التحقيق الأولي مع عدنان سلطاني أعطى معلومات شاملة عن العميلة، وكيف بدأت علاقته مع إبراهيم قليلات الذي كان متعاوناً مع الاستخبارات المصرية في لبنان في أحداث 1958. وعن علاقته مع عبدالحميد السراج رئيس الاستخبارات في سوريا، الذي انتقل إلى مصر بعد انهيار دولة الوحدة، وبقي يدير المجموعات التي كانت تابعة له في لبنان. ومن خلال هذه العلاقات تم اختيار قليلات الذي اختار سلطاني، وكان معهما شخصان آخران هما سائق قليلات أحمد المقدم، ومحمود الأروادي عامل الهاتف في مبنى "الحياة". وكان سلطاني قد تدرب على عملية الاغتيال واستخدام المسدس، واستطلع مع قليلات والمقدم محيط منزل كامل مروة في بيت مري بجبل لبنان، قبل أن يتخذ القرار باغتياله في مكتبه، بعد توظيف الأروادي في الجريدة ليسهل عمل سلطاني. وكانت الخطة تقضي بسفر قليلات إلى فرنسا كي يبعد الشبهة عنه في حال انكشاف العملية، وبلجوء سلطاني والأروادي والمقدم إلى السفارة المصرية، وهو الأمر الذي كشف عنه سلطاني عندما استقل السيارة بعد ارتكاب الجريمة. وكانت الخطة تقضي أيضاً بالاختباء في شقة بمنطقة رأس بيروت في حال تعذر الوصول إلى السفارة المصرية، وحكي وقتها عن طائرة مصرية هبطت في مطار بيروت لنقل المنفذين، فتشت بعد الاغتيال وتوقيف سلطاني، وحكي أيضاً عن سفينة أرسلت إلى الشواطئ اللبنانية لتكون وسيلة نقل إضافية، ولكن كل هذه الخطة فشلت نتيجة توقيف سلطاني بطريقة غير متوقعة، فبدأ العمل على إخراج قليلات من القضية، وعدم اتهام الاستخبارات المصرية وعبدالناصر بالوقوف وراءها.

غيروا المجلس العدلي

كانت العلاقة جيدة بين النظام المصري والاستخبارات اللبنانية في لبنان على عهد الرئيس شارل حلو، وهي علاقة استمرت منذ كان فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية. هذه العلاقة أثرت على سير المحاكمة من أجل إخراج إبراهيم قليلات من القضية، ومن خلال تركيبة المجلس العدلي الذي سيحاكم المتهمين حضورياً وغيابياً، فقد تعاقب ثلاثة رؤساء على رئاسته، وتم تبديل الأعضاء لتكون الأكثرية مؤيدة مسبقاً لتبرئة قليلات، وعدم ربط العملية بالنظام المصري. ونتيجة هذا التدخل عاد إبراهيم قليلات إلى لبنان ووضع في أحد المستشفيات، بدلاً من السجن، وصدر الحكم في 15 مارس (آذار) 1968، وقضى بتبرئة قليلات للشك، وعدم كفاية الدليل، بينما حكم على سلطاني حضورياً بالإعدام وعلى الأروادي والمقدم غيابياً بالإعدام، وخفضت عقوبة المقدم إلى 15 عاماً أشغالاً شاقة.

أمضى سلطاني 10 أعوام في السجن، وكانت تصل إليه مخصصات مالية شهرية من السفارة المصرية في لبنان. وتمكن الأروادي والمقدم من الانتقال إلى مصر، حيث عاشا حتى وفاتهما. وعندما خرج سلطاني من السجن في عام 1976 اختلف مع قليلات الذي نجا بنفسه وتركه يتحمل نتيجة العملية وحده، وتوجه إلى مصر عن طريق البحر من مرفأ صيدا، والتقى عبدالحميد السراج ليجري تقييماً معه حول العملية. السراج قال إن سلطاني كان يجب أن يستعين بسيارة خاصة لتوصله إلى مبنى "الحياة"، وتنتظره لتنقله بعد تنفيذ العملية إلى السفارة المصرية أو إلى الشقة المتفق على الاختباء فيها، ولكن سلطاني طلب من شقيقه أن يوصله على دراجته النارية من دون أن يطلعه على ما كان ينوي أن يقوم به.

في 27 يوليو 2001 توفي عدنان سلطاني، ودفن في لبنان. وفي 22 سبتمبر (أيلول) 2013 توفي السراج في مصر، بينما إبراهيم قليلات يعيش خارج لبنان منذ عام 1985، بعد أن تمت تصفية تنظيم "المرابطون" الذي كان رئيساً له خلال الحرب على يد حركة "أمل". استمرت جريد "الحياة" بالصدور بعد اغتيال مؤسسها حتى عام 1976، عندما توقفت بسبب الحرب. وعادت مرة ثانية في عام 1988، وأقفلت في 30 يونيو (حزيران) 2018.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات