Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يفتح دمج الحركات المسلحة في الجيش السوداني بوابة الخلافات؟

ترى جهات أن اتفاق جوبا انتهج التمييز المناطقي وخص جنوب وغرب البلاد من دون الشرق والشمال والوسط

لم تستفد المجتمعات المحلية من الحروب والصراعات التي خاضتها الحركات المسلحة ضد حكومة المركز (أ ف ب)

أعلنت الحكومة الانتقالية السودانية اكتمال دمج أولى دفعات مقاتلي "الحركة الشعبية - شمال" في الجيش السوداني. والحركة التي كانت تقاتل في إقليم النيل الأزرق ضمن مكونات "الجبهة الثورية" بدأ تدريبها في سبتمبر (أيلول) 2021 لتكون ضمن القوات المسلحة.
وجاء هذا الدمج تنفيذاً لبند "الترتيبات الأمنية" وتوفيق أوضاع الفئات المختلفة، وهو أحد بنود "اتفاق جوبا للسلام" الذي وقعته بعض الحركات السودانية المسلحة في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وهو اتفاق من بنود عدة من بينها مشاركة قادة الحركة الشعبية في السلطة وتنسيب مقاتليها إلى القوات النظامية، بينما رفضت حركات مسلحة أخرى مثل "الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال" جناح عبدالعزيز الحلو، وهي المنشقة عن "الحركة الشعبية - شمال" جناح مالك عقار، التي اكتمل دمجها الآن بعد توقيعها الاتفاق. ومن الحركات الرافضة أيضاً "حركة تحرير السودان" جناح عبدالواحد محمد نور الذي ينتمي إلى قبيلة الفور، والمنشقة من "حركة تحرير السودان" جناح مني أركو مناوي الذي ينتمي إلى قبيلة الزغاوة وهي الموقعة على الاتفاق.
وعلى رغم أن نشاط "الحركة الشعبية" الأم بمواجهة حكومة الخرطوم زعزع استقرار السودان خلال أكثر من نصف قرن، فإن الحركات الأخرى في الجنوب الجديد وغرب السودان أثرت مباشرة في وحدة الدولة السودانية في ظل نظام عمر البشير. وانقسمت الآراء بين تيار يرى عدالة القضية التي يحملها زعماء هذه الحركات ومن يرى أنهم يستغلون مجتمعاتهم لتحقيق مكاسب خاصة بهم.
وإضافة إلى الحروب والنزاعات التي تقودها هذه الحركات فإنها حملت شعار "الانفصال" للتنديد بالتهميش الاقتصادي والسياسي الذي تعانيه تلك الأقاليم. وأصبح سلاحاً ترفعه لتسيير شؤون قادتها في السلطة والثروة عبر اتفاقيات وقعتها الحكومة معهم. ومع ذلك لم تستفد مجتمعاتهم المحلية بل لم تنل أياً من حقوقها، إذ ظلت القيادات تمارس سلطاتها الجديدة من العاصمة الخرطوم، بينما تحرك مواطنو تلك المناطق للحصول على مزيد من المكاسب السياسية. وفاقم من أوضاع تلك الجماعات المتاجرة بها وجذب أطراف دولية وإقليمية لدواعي التمييز الإثني والإبادة الجماعية وغيرها.

حركات مناوئة

وانطلقت شرارة الحركات المسلحة في السودان بتمرد قامت به "الفرقة الاستوائية" التابعة للقوات السودانية في مدينة توريت الواقعة في جنوب السودان عام 1955، وتنوع نشاطها بين نزاعات وهدنة ومصالحات مع النظم الحاكمة، حتى تجدد التمرد مرة أخرى في عام 1983 وتشكلت "الحركة الشعبية لتحرير السودان". واستمر التمرد حتى توقيع "اتفاق نيفاشا للسلام" في عام 2005 ومهدت بدورها لانفصال إقليم الجنوب إلى دولة مستقلة في عام 2011. وزرعت "الحركة الشعبية" بذور الحركات المسلحة في جنوب السودان الجديد الذي تمثله منطقتا جبال النوبة والنيل الأزرق، وأخرى مثلت الحركات المتمردة في دارفور.
ونشأ في إقلیم دارفور عدد من الحركات المناوئة التي دخلت في نزاعات مسلحة مع النظام السابق، وعانى شعب دارفور القتل والتشريد والنزوح إلى بقية الأقاليم أو المعسكرات التي أقامتها المنظمات الدولية. وتمثلت المطالب التي طرحتها هذه الحركات في تقاسم السلطة والثروة، وتنمية الإقليم لرفع التهمیش والمظالم. وأهم هذه الحركات "جبهة تحرير دارفور" التي تحولت إلى "حركة تحریر السودان" بعد اتهامها بالسعي إلى فصل إقليم دارفور عن السودان. وتكونت من أبناء قبیلتي الفور والزغاوة، بهدف إحباط سیادة القبائل العربية في دارفور.
وعند تأسيسها أصدرت بياناً أكدت فیه أن "حكومات السودان خلال مرحلة ما بعد الاستقلال اتبعت سیاسات التهمیش والتمییز العنصري وإثارة الفرقة، على نحو أدى إلى اضطراب أجواء التعایش السلمي بین الجماعتین العربیة والأفریقیة في الإقلیم". ومن وقتها اتخذت هدف إيجاد "سودان ديمقراطي موحد على أساس المساواة وفصل الدين عن الدولة".

وهنالك "حركة العدل والمساواة" التي نشأت من أبناء قبیلة الزغاوة، منشقة عن "حركة تحریر السودان"، وبدأت عندما استقال خلیل إبراهيم من منصبه كوزیر للتعلیم في ولایة شمال دارفور ثم أصدر مؤلفاً بعنوان "الكتاب الأسود" في عام 1999 قال فيه إن مجموعة سكانیة صغیرة تسیطر على البلاد، وإن سكان دارفور مهمشون وغالب الوظائف يشغلها موظفون شماليون. وكان إبراهيم قيادياً في "الجبهة الإسلامية القومية"، وصادف إصداره الكتاب وانشقاقه "المفاصلة" الشهيرة بين زعيم الحركة حسن الترابي ومجموعته، والبشير ومجموعته. وفي عام 2001 أصدر البيان التأسيسي للحركة، وفي عام 2003 أعلن عن شن عمليات عسكرية ضد النظام ثم دخلت قواته الخرطوم في عام 2008، وقتل في غارة جوية في عام 2011.

الاستعانة بالميليشيات

أما الحركات المسلحة في دارفور التي تنتمي إلى العنصر العربي فأبرزها ميليشيات "الجنجويد"، وتعني "جن على جواد"، ويقال إنها تنسب إلى أحد الصعالیك الذین ینتمون إلى عرب دارفور كان ينشط في عمليات القتل والنهب ضد المواطنين يدعى حمید جنجویت، فأطلق الاسم على الجماعة التي يشاع أنها كانت في بداياتها تمارس النهب قبل ظهور حركات التمرد. وتزعم الحركة موسى هلال، ناظر قبیلة المحامید العربیة بدارفور، ثم انتقلت رئاسة الحركة إلى محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع الحالية. وهي الميليشيات التي استعملها البشير ضد الحركات الأخرى، وكان من قبل استعمل قوة مسلحة للتصدي لقوات من "الجيش الشعبي لتحرير السودان" بقيادة داوود يحيى بولاد الذي ينتمي إلى "الجبهة الإسلامية" وتوغلت في جنوب دارفور عام 1991، لكنه انشق عن الجبهة وانضم إلى "الحركة الشعبية لتحرير السودان" وتمت تصفيته في عام 1992 بواسطة الأجهزة الأمنية. وبعد اندلاع الحرب في دارفور نشط نظام البشير في الاستعانة بالميليشيات القبلية ذات الأصول العربية لمواجهة الحركات من القبائل الأفريقية لتثبيت أواصر حكمه في الخرطوم.

قرار جذري

ولاقى اتفاق جوبا للسلام تأييداً بداية التوقيع عليه أملاً في أنه سيحقن الدماء ويوقف النزاعات، ولكن مع استمرارها، بدأت بعض الأطراف بإعادة النظر في جدواه، خصوصاً أن هناك جهات ترى أن الاتفاق انتهج التمييز المناطقي وخص جنوب وغرب السودان دون الشرق والشمال والوسط. ووقفت الحكومة الانتقالية وسط تجاذب الأطراف الرافضة للاتفاق، وضغوط الجهات الموقعة عليه بضرورة الوفاء ببنوده. ووفقاً لذلك بدأ التشكيك يدب في مقدرة الحكومة على الوفاء بهذه البنود وعلى رأسها "الترتيبات الأمنية".
وعندما كانت القوات التابعة للحركات المسلحة بعيدة في أقاليمها، كان ينظر لها من قبل مؤيديها نظرات استحسان لنضالها ضد النظام السابق، ولكن بمجيئها إلى الخرطوم بعد الثورة واحتكاكها ببقية المؤسسات النظامية، مما أفرز مشكلات كثيرة أمنية وتنظيمية وتداخلاً في الأدوار والمهام، ظهر تردد بين دمجها بسرعة قبل حدوث نزاعات في قلب العاصمة وإعادتها إلى مناطقها. ولم يكن أي من الحلين مخرجاً للأزمة القائمة وحالة السيولة الأمنية التي تصعب السيطرة عليها في ظل انتشار الأسلحة في يد هذه القوات ومعداتها العسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعبت في هذه الأزمة عوامل عدة أبرزها عدم اتخاذ قرار جذري بعيداً من المواجهة المباشرة وكذلك عدم إهمالها كلياً. والعامل الأول، فكان أنه مع تكاثر الحركات المسلحة منذ تسعينيات القرن الماضي شهد التاريخ السياسي الحديث رفد تلك الحركات بمصطلح الانفصال، وهو تعبير سياسي وشعبي وعسكري لجماعات تتبنى قضايا مناطقها، وفي مراحل متطورة تتبنى الانفصال نتيجة تباين المقومات الذاتية وتكوينها الإثني والقبلي مع بقية المكونات الأخرى. أما العامل الثاني فكان أنه على رغم أن هذه الحركات المسلحة قامت في خضم النزاعات الأهلية وأبرزها الحرب في دارفور، فقد أثبتت أنه يصعب التفاوض معها، وإن تم فسرعان ما تنقض الاتفاق الموقع وتنشق عن مؤيديه داخل صفوفها، لتكون حركة أخرى مستقلة وتطالب بالتفاوض مع الحكومة وحدها وفق مخصصات لا تشمل غيرها.
العامل الثالث يظهر في أن بعض الحركات تبدو منخرطة في تعديل سلوكها السياسي للمشاركة في الحكومة أملاً في الانتقال الديمقراطي، ولكن الأحزاب السياسية تعودت على انتقاد الحركات المسلحة التي تتفق مع الحكومة. ولا تفرق الأحزاب بين تفاوض الأحزاب في ظل النظام السابق أو في عهد الحكومة الانتقالية الحالية. وبما أن الأحزاب ليست على وئام كامل مع الحكومة فإنها لا تريد مغادرة موقعها القريب منها، ولكنها تريد من يقوم ببعض التمرد نيابة عنها. وهذه العادة درجت عليها الأحزاب السودانية منذ تأسيسها، فلا بد أن يكون هنالك جسم مسلح يصادم ويفتح لها الطريق حتى تصل إلى السلطة.

رهان الحركات
هنالك تصور نابع عن تساؤل: ماذا سيحدث لو لم تستجب الحكومة وتطبق دمج هذه القوات؟ وما يخطر إلى الذهن مباشرة هو أنه نظراً إلى محدودية صبر قادة هذه الحركات، وربما خيبتهم في ما كانوا يعتقدون أن الحكومة ستوفره لهم، ربما يعودون بالحركات إلى النضال المسلح في مناطقها وإن صدتها القوات المسلحة فستدير الصراع من دول الجوار كما كانت تفعل دوماً. وقد يسهم في ذلك أن حركتها بين السودان وجيرانه سهلة بضمانة الجماعات الإثنية التي تنتمي إليها، فخلال تاريخها لم تواجه هذه الحركات موانع لعبور الحدود، بل نجحت في إنشاء جيوب في كل منها.
وإضافة إلى المجتمعات المحلية تراهن هذه الحركات على المجتمع الدولي الذي فضل من قبل التفاوض مع الحركات المتمردة التي تعود إلى أصول أفريقية في دارفور، ولم يتحمس للتفاوض مع الحركات المسلحة ذات الأصول العربية لأنهم كانوا مدعومين من نظام البشير الواقعة عليه عقوبات دولية.

تحديات الدمج

وتواجه الحكومة في حالة دمج الحركات المسلحة تحديات عدة، أهمها جمع السلاح بعد استكمال هذه الترتيبات، وتبدو هذه مهمة شائكة في ظل عدم الثقة بين الأطراف حتى بعد الدمج، إذ يظن كثيرون أن الحالة أقرب إلى تجريد القوات من أسلحتها أكثر منه استيعاباً داخل القوات المسلحة.
أما التحدي الأخطر فيكمن في بروز ميليشيات في مناطق أخرى من السودان لم تكن شهدت تنظيمات مسلحة من قبل. وظهرت أخيراً ميليشيات جديدة باسم "درع السودان" بمنطقة سهل البطانة وسط البلاد، مكونة من أكثر من 35 ألف جندي يتدربون على القتال في معسكرات بالمنطقة. وقال قادتها العسكريون إن "قواتهم مستقلة ولا ترتبط بحزب سياسي أو قبلي ولا تتبع أياً من القوات النظامية، وتسعى إلى صون وحماية أقاليم من شمال وشرق ووسط السودان، في وقت تتكاثر فيه الجيوش والميليشيات بالبلاد ويتداعى السلم والأمن الأهليان".

وتكونت هذه القوات إثر شعور أهالي المنطقة التي تشمل أجزاء واسعة من وسط وشرق وشمال البلاد بالضيم، إذ يعتقدون أن اتفاق جوبا للسلام ضمن حقوق جنوب وغرب السودان بمخصصات واسعة في السلطة والثروة، ووضع ترتيبات أمنية لقوات هذين الإقليمين، بينما همشهم، كما رأوا أن الاتفاق أدى إلى محاولات حركات مسلحة من الجنوب والغرب تجنيد أبناء تلك المناطق، مما عدوه تعدياً عليهم وهضماً لحقوقهم واختزالاً لقضاياهم ضمن هذا الاتفاق الذي لم يشملهم.
ونتيجة لذلك طالب زعيم قوات "درع السودان" أبوعاقلة كيكل بدمجها في القوات المسلحة أسوة بقوات الدعم السريع وبقية الحركات المسلحة. وهدد القائد الذي يتبنى خطاباً يعتمد على فكرة التهميش كأساس للتعبير عن مطالب أهل منطقة سهل البطانة، بأنه إن لم يتم دمج قواته فستبقى "لحماية السودان".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل