Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعليم في سوريا... فوضى وتسرب وصدمات نفسية

اتجه كثير من الأهالي إلى تسجيل أبنائهم بمدارس وجامعات خاصة والحكومة تسعى لعلاج الصدمات

العامل الاقتصادي يلعب دوراً رئيساً في تسرب الأطفال من المدارس (أ ف ب)

"لم يعد التعليم أولوية"، تلك العبارة الصادمة خلصت إليها دراسة أجرتها منظمة يونيسف في سوريا بين عامي 2010 و2015، بعنوان "آثار الأزمة على التعليم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية"، وقالت المنظمة "قبل الحرب كان هناك ما يقارب من 22 ألف مدرسة متاحة، ومنذ بدء الأزمة دمرت أو خربت الصفوف الدراسية واستخدمت هذه المباني كملاجئ".

وعن الأطفال غير اللاجئين، تقول الدراسة إنه "إذا استخدمت الفرضية الأرجح (25 في المئة من المدارس قيد الخدمة)، ستكون النسبة الإجمالية للالتحاق هي 60 في المئة من رياض الأطفال إلى الصف الـ12 في عام 2014، مما يعني أن ما يقرب من 40 في المئة من الأطفال السوريين في عمر المدرسة لا يذهبون إليها".

ووقعت معظم خسائر الالتحاق في التعليم الأساسي (الصفوف من واحد إلى تسعة)، مع خسائر كبيرة لا سيما بمحافظات حلب (0.9 مليون دولار) ودير الزور (0.4 مليون دولار)"، وبحسبة إجمالية فإن ما نسبته 78.1 في المئة من الأطفال هم من التحقوا بالدراسة، وهو رقم اعتبرته الدراسة "مقلقاً لأنه أسوأ بكثير مما كانت عليه حتى أقرب قيمة مسجلة للنسبة الإجمالية للالتحاق في التعليم الأساسي عام 1996 (91.72 في المئة)، وبذلك تكون الحرب قد أعاقت التقدم التعليمي لأكثر من عقدين من الزمن".

منهاج صعب

استطاع الطالب السوري أن يتفوق في كل بلد أجنبي سافر إليه، وذلك يعود إلى صعوبة المنهاج المحلي واعتماده أسلوباً يقول عنه المتخصصون إنه غير مبني على أسس علمية تساعد التلاميذ في النقد والتحليل، بل يعتمد على التلقين والحفظ، مما يجعل الطالب يعمل باجتهاد لنيل علامات عالية والحصول على ما يريد في الجامعة.

 

 

لكن هذا المنهاج بدأت تتصاعد وتيرة صعوبته ووصلت إلى درجة أن كثيراً من الأهالي اشتكى منه ومن ضخامته، وكذلك عدم قدرتهم على مراجعته مع أبنائهم، ومن ثم يضطرون للجوء إلى الدروس الخصوصية مما يشكل أعباء إضافية على كاهلهم، هم بغنى عنها.

ولم يقف الوضع عند الأهالي، بل تعداه إلى المدرسين أنفسهم، إذ يحكى في الغرف المغلقة عن شكاوى المدرسين من صعوبة المنهاج وعدم قدرتهم على فهمه بالكامل، فكيف سيشرحونه للطلاب.

وعن ذلك تقول سابين (35 سنة) الحاصلة على علامة تامة في مادة الجغرافيا بالبكالوريا، التي حاولت تدريسها إحدى قريباتها، "عندما رأيت كتاب الجغرافيا الجديد لطلاب المرحلة الثانوية ارتبكت ولم أعرف من أين أبدأ، فالكتاب مختلف وكذلك طريقة تقديم الدروس، والأهم أني شعرت بأنها غير منسقة بطريقة يسهل درسها وحفظها".

المعلم السوري قديما وحديثاً

تبدل حال المعلم السوري، إذ كان قبل سنوات الحرب يشهد له في معظم البلدان العربية لكفاءته وتميزه. تقول سابين "كان أستاذ مادة التاريخ موسوعة في معرفته واطلاعه، إذ استطاع تحويل حصة التاريخ إلى تاريخ ولغة عربية وجغرافية ورياضيات، حيث كانت المعلومة تصل بكل سهولة وسلاسة، وهو ما يفتقده اليوم كثير من المعلمين إلا ما ندر".

في المقابل تقول أستاذة لمادة العلوم الطبيعية إنها تسعى جاهدة لإيجاد طريقة لتتعامل بها مع هذا الجيل، وبخاصة الفتيان، وتضيف "أصبح كثير من الطلاب انفعاليين وغير قابلين للتواصل معهم بأية طريقة، وهم دائمو التململ وإطلاق النكات والمسخرة"، وتتابع "هذا لا يحدث فقط معي كمعلمة امرأة بل مع زملائي الرجال أيضاً، وبتحليل بسيط يبدو أنه ينم عن خلل واضح في علاقة هؤلاء الطلبة ضمن أسرهم، وأستطيع أن أقول كذلك إن هناك تأثيراً للحرب بشكل غير مباشر".

أسباب تسرب الطلاب

تواجه كثير من المدارس السورية تسرب عدد كبير من التلاميذ، وعلى رغم أن الوضع سابقاً كان يعزى للوضع الأمني السيئ، إلا أنه أصبح اليوم يعود إلى أسباب أخرى، أبرزها حاجة الأسر إلى عمل أبنائها، فعمل الوالد وحده لا يكفي.

وهناك سبب آخر تطرقت إليه دراسة منظمة يونيسيف، إذ أشارت إلى أن "رحيل أعداد كبيرة من الناس ووصول نازحين أدى إلى إعادة تعريف النسيج الاجتماعي للمجتمع، وبما أن الأفراد قد لا يميزون مجتمعهم أو يشعرون بالألفة والراحة مع محيطهم فقد تتطلب المجتمعات المحلية المساعدة الخارجية في بناء هوية جديدة، ولأن المدارس متأصلة بقوة داخل المجتمع، فإن الإحساس الإيجابي بالهوية المجتمعية أمر ضروري لتلبية الاحتياجات التعليمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى جانب ذلك فإن العامل الاقتصادي يلعب دوراً رئيساً في تسرب الأطفال من المدارس لعدم قدرتهم على شراء مستلزمات الدراسة، كما أن الصدمات النفسية تقلل من مستوى الأولوية المعطاة للتعليم.

ونوهت الدراسة إلى ضرورة التواصل مع أولياء الأمور، فقالت "يعتقد 53 في المئة من مجموعات نقاش المعلمين بأن المتابعة مع أولياء أمور للأطفال، من شأنه أن يكون أفضل طريقة لإعادتهم مرة أخرى إلى المدرسة".

وقالت الدراسة إن "أولياء الأمور لهم دور فعال في إبقائهم خارج المدرسة، وكشف المسح عن أن هذه الأسباب تختلف، فقد يطلب الآباء من أطفالهم العمل أو البقاء في المنزل بسبب الخوف على سلامتهم، بالتالي فإن التواصل مع أولياء الأمور هو التداخل الأكثر فاعلية وخصوصاً أن عديداً من الأطفال قد يكونون من القاصرين".

العلاج النفسي

وتسعى الحكومة السورية مع عدد من المنظمات الدولية والمحلية إلى تقديم الاستشارات والعلاجات النفسية للطلاب في المدارس، وأوضحت مديرية الصحة بوزارة التربية أنها تعمل على تدريب 175 طبيب صحة مدرسية على برنامج يسمى "رأب الفجوة بالصحة النفسية" ومعهم 150 مساعدة ومثقفة صحية، وتدرب 250 مرشدة نفسية على برنامج الصحة العقلية المدرسية.

كما بينت أنها أجرت حملة للصحة النفسية وإدارة القلق الامتحاني في المدارس، شملت 2800 مدرسة وأكثر من مليون تلميذ وطالب في جميع المراحل وشارك بها 713 طبيباً وممرضة ومرشداً وإدارياً من جميع المحافظات، ورصدت ثمانية آلاف و326 حالة نفسية خلال الحملة و500 حالة بعدها، وتم تقديم العلاج لها أو إحالتها إلى طبيب نفسي اختصاصي.

 

 

لكن يبدو أن تلك الجهود لا تكفي مع استمرار آثار الحرب التي تزيد الوضع سوءاً، إذ يعاني عدد كبير من الطلاب بمختلف الأعمار والمراحل الدراسية عدم وجود الكهرباء للدراسة في ضوئها، مما يسبب ضعفاً للنظر، إذ يدرس الطالب على ضوء ما يسمى (اللدة) التي تنال فقط عشر دقائق من الكهرباء لتشحن بطاريتها، بينما تسعى عينه جاهدة إلى توسيع الحدقة لإدخال أكبر كمية من الإضاءة لتستطيع النظر والقراءة.

التوجه للمدارس الخاصة

ومع تراجع العملية التعليمية في المدارس الرسمية، اتجه كثير من الأهالي إلى تسجيل أبنائهم في مدارس وجامعات خاصة. يقول عيسى، وهو أب لطالب في مدرسة خاصة بريف حمص الغربي، "فكرت ملياً بتسجيل ابني في تلك المدرسة على رغم بعض المعارضة لارتفاع قسطها، لكن ما رأيته من مهارات طلابها دفعني لأقدم على هذه الخطوة من دون تردد، فالله هو الرزاق وأنا أريد لابني مهارات ومستقبل جيد".

أما رزان التي دفعت بابنتها إلى التسجيل في إحدى المدارس الدولية في دمشق، فقالت "لدى ابنتي مهارات علمية في الفيزياء والعلوم عامة وأريد لها أن تنمي هذه المهارات وتزيد شغفها لذلك سجلتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير