Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحركة الاعتراضية تحاصر نقابات التعليم في لبنان

خلق الإضراب سجالاً بين وزير التربية وروابط الأساتذة

بدأت أخيراً الحركة الاعتراضية بامتناع أحادي من الأساتذة عن الالتحاق بمدارسهم (اندبندنت عربية)

دخل التعليم الرسمي في لبنان مرحلة التوقف القسري عن الأعمال بعد القرار الذي اتخذته الروابط النقابية بسبب عدم قدرة الأساتذة في الوصول إلى المدارس وفق الأجور الحالية. ويستمر العمل بهذا القرار، مدة الأسبوعين السابقين لعطلة رأس السنة، حيث يمتنع الأساتذة عن العمل يومين في الأسبوع.  في الموازاة، تتسع الحركة الاعتراضية بين صفوف الأساتذة في لبنان في ظل عجز الروابط عن فرض الحلول الناجعة على الحكومة.

وخلق الإضراب سجالاً محدوداً بين وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي وروابط الأساتذة. فبعد بيانه الحاد تجاه الروابط والمدراء مساء الأحد 11 ديسمبر (كانون الأول)، والذي طالبهم فيه بفتح المدارس محذراً من المساءلة القانونية بحقهم، عاد الحلبي، الإثنين 12 ديسمبر، إلى اللغة الدبلوماسية مشيراً إلى أنه "لا يبغي إطلاقاً الدخول في سجال مع الرابطة ولا مع سواها". وقال "إذا ما استمرت هذه الدينامية من الإضراب فنقفل يومين ونفتح يومين، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى تكريس الفاقد التعليمي لتلامذة المدرسة الرسمية"، مناشداً المعلمين والعاملين وأركان المدرسة الرسمية "التحلي بالقدر العالي من المسؤولية التربوية والوطنية لحفظ المدرسة الرسمية".

الفجوة النقابية تتسع

وبدأت أخيراً الحركة الاعتراضية بامتناع أحادي من الأساتذة عن الالتحاق بمدارسهم، إلا أنها بدأت تتخذ اليوم طابع الفعل الجماعي في أكثر من منطقة لبنانية من دون العودة إلى الجسم النقابي الموحد. وتتخذ هذه الخطوات أبعاداً مختلفة، فهي تعبر في حال التعليم الثانوي عن اتساع الفجوة بين القاعدة التربوية والهيئة الإدارية للرابطة وإمكان بروز أجسام نقابية مستقلة، وربما تظهير نموذج من "اللامركزية" التربوية بين المناطق اللبنانية، وازدياد حال التشظي، في وقت ازدادت معاناة القطاع التربوي العام الذي بدأ جزء كبير من ملاكه بالاستقالة وهجر التعليم إلى عمل آخر أو مغادرة البلاد.

حراكات اعتراضية

وفي مناطق مختلفة من لبنان، بدأت مجموعات من الأساتذة بالانقطاع عن التعليم بسبب عدم القدرة على الاستمرار، فالأجور التي يتقاضاها هؤلاء لم تعد كافية لتأمين كلفة النقل. فقد تبخرت الأجور، والزيادات التي أقرت تآكلت بفعل التضخم وأصبحت لا تساوي شيئاً أمام دولار بلغ عتبة 43 ألف ليرة لبنانية (42900 ليرة لقاء الدولار الواحد). ومن أجل إيضاح الحالة التي بلغها الأساتذة، فالمعلم الذي كان يتقاضى ثلاثة ملايين ليرة، كانت تساوي ألفي دولار أميركي (كان الدولار الواحد يساوي حوالى 1500 ليرة)، ولكن هذا المبلغ بات لا يساوي اليوم أكثر من 70 دولاراً أميركياً. ويأتي الحديث عن زيادة الأجور ثلاثة أضعاف ليفاقم النقاش في أوساط الأساتذة الذين يعتبرون الأكثر انتظاماً في الالتحاق بمراكز عملهم مقارنة بموظفي القطاع العام إذ يؤدون عملهم بدوام كامل. لذلك كان الاقتراح بالسعي لتأمين "حوافز" بقيمة 130 دولاراً أميركياً شهرياً، على أن يتم تمويلها من الجهات الدولية المانحة، ولكن يتضح أن هذه الحلول الظرفية تواجه عراقيل كبيرة ما يزيد حدة التشنج بين أساتذة موجوعين وروابط نقابية مكبلة.

وشكل الحراك ضمن ثانوية "مواهب أسطى" في طرابلس (شمال)، وإعلان مجموعة كبيرة من الأساتذة في عاليه (جبل لبنان)، وفرع رابطة أساتذة التعليم الثانوي في بعلبك – الهرمل (البقاع)، جرس إنذاراً بأن الثقة تتراجع إلى حد كبير بالجسم النقابي الموحد. وتتحدث أوساط الأساتذة المعترضين عن "موجة" تتسع شيئاً فشيئاً، لأن الأساتذة شعروا بأن الرابطة تخلت عن وعودها بالتحرك في حال لم يحصلوا على حقوقهم كاملة.

ولهؤلاء منطلقان وهدفان لهذا التحرك، فهو انطلق من الواقع المتردي السيئ للأساتذة، والصمت المريب للرابطة ما جعل جزءاً من الجسم التربوي لا يثق بها ويتجه لتحصيل حقوقه لأن "الرابطة عند بدء العام الدراسي حددت بداية شهر ديسمبر مهلة قصوى لتحصيل حقوق الأساتذة، وعند انتهاء نفسها لم تكلف نفسها عناء إصدار بيان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتستغرب الحالة الاعتراضية ما يروَّج عن حصول الأساتذة على جزء من حقوقهم، "فقد قاموا، في الشهر الأخير من العام، بدفع بدل النقل عن العام الماضي على التسعيرة القديمة، وهو لا يساوي صفيحتي بنزين، كان في حينه الدولار عند مستوى 20 ألف ليرة، أما اليوم فتجاوز 40 ألفاً، وصفيحة البنزين باتت بحوالى 800 ألف ليرة"، مضيفة "أنهم يستخدمون أسلوب المماطلة لتمرير العام الدراسي على حساب الأساتذة".

ويتأسف الأساتذة أن "هذه الوظيفة لم تعد لها قيمة مطلقاً" و"بعض الأساتذة يبحثون عن عمل آخر لإعالة أبنائهم"، كما يتطرقون إلى بعض المحاذير من خلال الضغط على الأساتذة من خلال "الاستجوابات والحسومات"، مقرين أن "بعض المعترضين قد يدفع الثمن، وقد تتم محاصرته".

 

الحراك النقابي والطريق المسدود

وتتخذ الحالة الاعتراضية طريقاً تصاعدياً، ويعيش الأساتذة حالة من السخط، ويتحدث مدير إحدى الثانويات في المتن الأعلى (جبل لبنان) غسان زيدان عن معاناة كبيرة للأساتذة، و"لم يعد يصح أنهم يعلمون باللحم الحي، لأنه لم يعد توجد لدى الأساتذة قدرة على الاحتمال والاستمرار، وهو لمس ذلك من خلال تواصله مع أساتذة من مختلف المناطق اللبنانية بحكم عضويته في الهيئة الإدارية لأساتذة التعليم الثانوي". ويتأسف زيدان أن الأدوات المتاحة لحل مشاكل الأساتذة باتت محدودة في ظل إفلاس الدولة، وعدم تقديم الجهات المانحة ما تعهدت به للدولة اللبنانية كما يجب، متخوفاً من الوصول إلى طريق مسدود.

ويرفض زيدان تحميل الرابطة المسؤولية، فهي تسعى جاهدة للمطالبة بحقوق الأساتذة، وهي تتشكل من أساتذة في الملاك الرسمي، وسبق لها أن اتخذت خطوات تصعيدية، وأعلنت الإضراب المفتوح، لكن السلطة لم تستجب لمطالب الأساتذة والقطاع العام. ويلفت إلى دور السلطة في تطويق العمل النقابي قائلاً "في بعض الأحيان كان السياسيون يعاندون الحراك النقابي، ويهددونه بعدم الحصول على أي مطلب في حال الاستمرار بالتصعيد"، و"نجحت أحزاب السلطة في تفقيس نقابات وتنظيمات نقابية للإمساك بقرار الحراك النقابي وتطويقها".

ويعترف زيدان بأن الرابطة في موقع لا تحسد عليه، فهي من جهة ملزمة بالحفاظ على التواصل مع الجميع بما فيها أطراف السلطة ووزارة التربية للمطالبة بتحسين الأساتذة، ومن جهة أخرى، مضطرة لاتخاذ الخطوات التي ترضي الأساتذة الذين لم تعد لديهم قدرة الاحتمال بفعل الانهيار الاقتصادي والوضع الوظيفي. ويتحفظ على طرح تقليص دوام التعليم إلى يومين أسبوعياً من منطلق تربوي لأنه "إجراء غير تربوي في ظل المناهج التعليمية القائمة التي أعلنت الوزارة إعادة العمل ببعض المضامين المعلقة سابقاً، وكأن البلد في أحسن حال".

 

الرابطة إلى جانب الأساتذة

وتتفاقم معاناة الجسم التربوي في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، فهو انعكاس لواقع القطاع العام والدولة. ويشير عضو الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي أنطوان بو عبدالله إلى أن الجهد النقابي الحالي ينصب لتأمين الحوافز المالية للأساتذة التي لم تتم جدولتها بعد أي مبلغ 130 دولاراً التي تم الاتفاق عليها مع وزير التربية، بعد أن تمت جدولة الرواتب تمهيداً لدفعها من قبل وزارة المالية، ويؤكد أن "الأستاذ لم يعد قادراً على الوصول إلى مركز عمله وما تقوم الدولة بدفعه كبدل نقل يأتي متأخراً وفاقداً لقيمته الشرائية"، يتمنى بو عبدالله أن نكون أمام عام دراسي مستقر ومنتظم، ولكن لا بد من تأمين الحد الأدنى من المقومات والعيش الكريم، ما يتطلب المتابعة مع الحكومة والجهات المانحة، موضحاً أن "الهيئة الإدارية التي تمثل الأساتذة أمام خيارات مختلفة، والإضراب ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما وسيلة بالتوازي مع التفاوض إلى جانب وسائل أخرى يحميها القانون قد تلجأ إليها الهيئة". ويرى بو عبدالله أن "الحراكات التربوية الناشئة في المناطق ليست تمرداً على الرابطة، وإنما هي تعبير عن وجع الأساتذة الذين تعبوا، ولم تعد لديهم مقدرة الاستمرار"، مؤكداً وقوف الرابطة إلى جانب الأساتذة "المتعبين" إزاء الإجراءات التي تتخذ بحقهم كالاستجواب أو طلب الوزارة تقديم جداول يومية بالمتغيبين والمنقطعين، لأن "وجع الأساتذة واحد".

وعن مساعي الرابطة لتحسين أوضاع الأساتذة صحياً واستشفائياً لدى تعاونية موظفي الدولة، يلفت بو عبدالله إلى أن "التقديمات المتاحة ليست كما يستحق الأستاذ، وهذه شكوى أساسية، والتحسينات التي يحكى عنها لا تسد رمق القطاع التعليمي، والبعض منهم يموت على باب المستشفى بسبب عدم قدرته على تأمين فروق مصاريف الاستشفاء والعلاج".

كما تعاني المدارس إشكاليات كبيرة قد تشكل عقبات أمام استمرار العام الدراسي، إذ أنهك عبء الإنارة والتدفئة موازنات المدارس الشحيحة في الأصل، كما تفتقد إلى كل المقومات التي تبدأ مع تأمين القرطاسية والحبر والأوراق لتصل إلى صيانة المرافق المشتركة والخدمات الأساسية من مياه نظيفة ومكتبات ناهيك عن الحفاظ على سلامة الأبنية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير