Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فوضى"... دراما عسكرية بين إسرائيل و"حزب الله" 

مسلسل تعرضه "نتفليكس" لغته البصرية جميلة مع كثير من المبالغات الاستخباراتية

المشهد الأخير في المسلسل (نتفليكس)

قد يكون المشهد الأخير من "فوضى" الذي تبثه "نتفليكس"، الأجمل في المسلسل الذي بدأ عرض جزئه الرابع قبل أيام. والجمال هنا ليس فنياً بحتاً، بل لما يحمله من رسائل سياسية وعسكرية وإنسانية، وقدرة إخراجية على فتح المجال لتأويل العديد من الأفكار التي وردت في العمل المتقن، كقراءة جنود النخبة الإسرائيليين لسورة الفاتحة وهم ملقون على الأرض، بعد قتلهم لعناصر خلية فلسطينية "مخربة".

 

 
 
يمكن الكلام كثيراً عن هذا المشهد، بخاصة أن الجنود الإسرائيليين أصيبوا جميعاً ومنهم من قتل، وهذا يظهر الجماعة على أنهم ضحايا في هذا الصراع الممتد منذ عشرات السنين، وللمشهد أيضاً قوة تأثيرية على الصعيد النفسي، خصوصاً لمن لا يعرف حقيقة هذا الصراع.
البداية
في العام 2015 ولدى عرض الجزء الأول من "فوضى"، أثار العمل الكثير من الآراء السلبية حوله، لأنه قدّم الرواية الإسرائيلية فقط، وتحيّز لوجهة نظر واحدة، ما لم يساعد في انتشاره كثيراً.
يتناول المسلسل قصة وحدة إسرائيلية سرية تسمى "مستعرفيم" (المستعربون)، تنفذ قواتها الخاصة مهمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي تتنكر كالعرب. ركز الجزء الأول والثاني من العمل على العمليات السرية للوحدة في الضفة الغربية، فيما انتقل في جزئه الثالث للعمليات المنفذة في غزة. 
في الأجزاء الثلاثة الأولى، لم يخرج المسلسل كثيراً من محليته، على عكس الجزء الرابع الذي يعرض حالياً، إذ تطورت الحبكة الدرامية وخرجت من تل أبيب والضفة الغربية وجنين، إلى بروكسيل ولبنان وإيران.
في المقابل، تجسّد الحلقات الجديدة من العمل، ما يحصل في الحقيقة من صراع سياسي وعسكري ما بين إسرائيل و"حزب الله" وإيران، والتهديدات المتكررة بينهم. لم تظهر حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في ثنايا الجزء الرابع، إلا ضمن مشاهد قليلة جداً، ويبرز هنا هذا التطور الدراماتيكي في الحبكة الدرامية، إذ يُذكر "حزب الله" للمرة الأولى وبشكل فعال في العمل.
في الجزء الجديد، تختطف خلية فلسطينية مدعومة من الحزب في بروكسيل ضابطاً كبيراً في الاستخبارات الإسرائيلية، ومن هناك يُنقل إلى لبنان، ويتسلم الحزب التحقيق معه وينجح في استخراج معلومات استخباراتية هامة منه، تُساعد الخلية لاحقاً في ضرب أهداف حيوية في تل أبيب، والكشف عن شبكة جواسيس كبيرة، ما يُعطل عمل "الشاباك"، ويفقده القدرة على معرفة التطورات.
 
 
وتكمن الذروة الدرامية، حين تقرّر الاستخبارات الإسرائيلية إنقاذ الضابط واستعادته من قلب العاصمة اللبنانية، فتحبك قصة على ضابطة يهودية عربية، لتساعد أخاها الذي اختطف الضابط وسلمه إلى "حزب الله". في الخلاصة تنجح مجموعة "مستعرفيم" (المستعربون) في استعادة رجل الأمن، وتقضي على مجموعة الحزب والخلية الفلسطينية.

"المستعربون"

ظهر "المستعربون" حتى قبل النكبة، يرجح في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو المصطلح الذي يشار به إلى قوات إسرائيلية خاصة قادرة على الانخراط في أوساط المواطنين الفلسطينيين بهوية فلسطينية أو عربية مزيفة. أسلحتهم في هذه المهمة ملامحهم الشرقية، وإجادة اللغة العربية، والقدرة على ممارسة طقوس الدين الإسلامي ببراعة، والمعرفة الواسعة بالعادات الفلسطينية. وكثيراً ما يحمل هؤلاء المستعربون أسلحة خفيفة يسهل إخفاؤها تحت ملابسهم. 
تعدّدت أغراض تشكيل هذه الوحدات، أهمها الانخراط في أوساط الفلسطينيين بأماكن وجودهم بغية معرفة كيف يفكرون وما مواردهم وكيف يمكنهم مواجهة أي اعتداء على أراضيهم كما حدث إبان النكبة، إضافة إلى التجسس عليهم ومعرفة ما يدور في خلدهم وفي ما بينهم وتنفيذ عمليات اختطاف واغتيال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

أحياناً، ترسل إسرائيل "مستعربين" إلى عمق الأراضي الفلسطينية لجمع معلومات أمنية أو تهيئة الطريق للقوات العسكرية الرسمية لشن حملات اعتقالات لفلسطينيين مطلوبين لديها.
خلال المدة الأخيرة، باتت وحدات "المستعربين" أو القوات الخاصة الإسرائيلية، التي انتشرت في الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والاستخبارات وغيرها من أجهزة الأمن، مصدر رعب في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تهاجم من دون إنذار وفي أي وقت بكل وحشية وعنف.
إتقان بصري
من الناحية الفنية، يتمتع العمل برؤية إخراجية جميلة، وتنوّع مشاهد ما بين الداخل والخارج، وتنقل الكادرات ما بين العام والخاص والعاطفي والعسكري بجمال وإتقان، كما نجح العمل في تقديم مشاهد حربية على درجة عالية من الحرفية، بخاصة أن بعض الممثلين كقائد الفرقة مثلاً والذي شارك في كتابة العمل ليئور راز، كان ضابطاً سابقاً، ما ساعد في نقل خبرته العسكرية إلى زملائه.
اللغة البصرية جميلة والتمثيل في كثير من الحلقات جيد، لكن الدراما العسكرية السياسية لا يمكن الحكم عليها فقط من خلال عناصرها الفنية، فالسيناريو هنا وتواتر الأحداث فيه الكثير من اللغط والمبالغة.

فوضى

حاول العمل جاهداً التركيز على اللحظات العاطفية، بخاصة من الجانب الإسرائيلي، كقصص الحب التي جمعت الجنود، وانفراط بعض العائلات بسبب الخوف والتوتر الدائمين، والتذكير دوماً بقضية الطيار رون آراد، وأنه من المستحيل أن تُعاد هذه المأساة مع الضابط المختطف.
في المقابل، تكرّس الرواية الإسرائيلية فكرة الجندي الخارق، الذي لا يُهزم أو يخاف، والقادر على تنفيذ العمليات الانتحارية والخروج منها سالماً معافى، كتحرير الضابط الأسير من قبضة "حزب الله" ومن وسط بيروت بكل سهولة. وهنا تكمن المشكلة الأساسية في العمل: المبالغة.
 
 
دفعت المبالغة القيّمين على العمل، إلى تقديم العدو والذي هو في المسلسل "حزب الله"، على أنه ساذج ومن دون قدرات لا عسكرية أو استخباراتية، في حين أن الحرب بين الطرفين في فلسطين أو سوريا أو لبنان، تظهر إخفاقات استخباراتية لتل أبيب أبرزها كمين أنصارية جنوب لبنان (1997) والتي راح ضحيتها 12 جندياً إسرائيلياً.
ومن نقاط الضعف أيضاً، الاستخفاف بعقول المشاهدين، وافتقاد السيناريو في حلقاته الأخيرة إلى الواقعية، بخاصة أن صناع العمل يقولون إنه مبني على أحداث حقيقية. كما أن عملية إنقاذ الضابط الإسرائيلي، فيها الكثير من التباهي الاستخباراتي والقتالي الإسرائيلي. 
من جهة ثانية، لا يعطي المسلسل المجال للرواية الفلسطينية في التطور، وإن درامياً، إذ يعالجها على وجه السرعة، وبمشاهد عادية، كأن لا يظهر مثلاً أين سقطت الصواريخ، وكيف تضررت تل أبيب (ثمة مشاهد في المسلسل لإطلاق صواريخ على تل أبيب)، وما تسببت به من توتر وقلق للسكان.
في حين، يركز صناع العمل، في حبكته على العوائل الفلسطينية الرافضة لمنطق المقاومة والتصدي، كأبي إبراهيم الرافض لاستعمال أرضه كمنصة لإطلاق الصواريخ، وأبو خالد الذي قال إن ابنه مات ولم يستشهد، و"ثمة من غسل دماغه بكل هذه الأفكار عن المقاومة".
ويركز المسلسل على الحياة الخاصة لجنود النخبة في الجيش، وكيف أنهم متأهبون دائماً للعمل على جبهات القتال، وإظهار ما يعانونه جراء ذلك من تأزم في العلاقات الزوجية والعاطفية لديهم.
في سياق متصل، الخط الدرامي الذي سار عليه العمل، ابتعد عن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وصبّ تركيزه على الصراع الجديد مع "حزب الله" وإيران، التي لا تظهر بشكل علني في المسلسل، بل في الأحاديث المبطنة عن الحزب. وهذا ما ظهر حين لم تُعلن الحركتان مسؤوليتهما عن إطلاق الصواريخ، ما يعني أن المجموعة المسلحة الجديدة المدعومة من الحزب هي من تولت العملية.

لبنان

فشل العمل تقنياً في تقديم صورة احترافية من لبنان، وهنا لا نقصد التعاون مع ممثلين محليين مثلاً لإتقان اللهجة أو التفاصيل الباقية، لأن تواصل أي لبناني مع إسرائيل يعتبر جرماً، ولكن في كيفية توظيف المعلومات الاستخباراتية التي بحوزة تل أبيب لمنح العمل مصداقية أكبر.
فالمكان الذي استضاف الضابط الإسرائيلي، يظهر في العمل أنه حي الصيفي، القريب من مرفأ بيروت، والمطلع البسيط على الأحداث يعرف أن الضاحية الجنوبية لبيروت هي معقل "حزب الله" وأساس قوته الشعبية أو اللوجستية، إضافة إلى العديد من الأخطاء الإخراجية المتعلقة بإنقاذ الضابط بخاصة في المسافات بين المدن. 
وهنا قد يكون هذا التفصيل ثانوياً في مواقف أو مسلسلات ثانية، إنما في الصراع العسكري بين الحزب وتل أبيب هو في صلب المعادلة، لما يعرفه الطرفان عن بعضهما البعض، وسهولة الحصول على المعلومات بما أن الأحداث والمشكلات بينهما شبه يومية.
 

 

من جهة ثانية، ثمة رسائل سياسية وانتقادات إسرائيلية للدور الإيراني في لبنان، وكيف ساعدت طهران على انهيار الدولة وتفككها، وسيطرة الحزب على مفاصل الحكم، و"بدلاً من تعيين حكومة للشعب، دمروا دولتكم". (هذه الجملة من حوار بين الضابط المختطف ومسؤول في حزب الله – الحلقة الأخيرة).

ومن الأمور البارزة أيضاً والمقصودة ربما، العلاقة ما بين السجان والضحية، فالحزب أمّن طبيباً للإشراف على صحة الضابط الإسرائيلي المصاب، والحرص على شفائه ليس لأنه كنز معلومات فقط، بل أهميته كورقة في مفاوضات مقبلة.
كثيرة هي الأعمال التي تُهمل العلاقة ما بين السجان والضحية وتظهر الصورة غير الآدمية، لكن الدافع السياسي هنا أبرزها بصيغتها الإنسانية وإن كانت لغاية في نفس يعقوب.
يفتح المشهد الأخير من المسلسل، باب الجزء الخامس على كثير من الأحداث المتوقعة، وقد يكون الجزء الجديد قراءة درامية تمثيلية لما حصل وسيحصل ما بين طهران وتل أبيب بشكل مباشر ومن دون رسائل مبطنة كما حصل في الجزء الحالي.
اقرأ المزيد

المزيد من منوعات