Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عائلات فلسطينية وإسرائيلية ثكلى تتوحد ضد العنف

ظلت الفكرة سرية منذ عام 1996 لتجنب المواجهات وتضم اليوم المئات من كلا الجانبيين

قد يكون إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين أن يصبحوا شركاء أو زملاء في شيء واحد فقط من أكبر التحديات (منتدى العائلات الثكلى الفلسطيني - الإسرائيلي)

في ظل ما تشهده الضفة الغربية من تصعيد ميداني هو الأشد والأعنف والأكثر دموية خلال السنوات الأخيرة، والمتزامن مع انسداد الأفق السياسي وتخوف من اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، قد يكون إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين أن يصبحوا شركاء أو زملاء في شيء واحد فقط، من أكبر التحديات التي تواجه هؤلاء الذين يسعون إلى تحقيق مستقبل من التعايش المشترك، إلا أن عائلات ثكلى فلسطينية وإسرائيلية تمكنت من تحويل الألم الذي لا يطاق بسبب مآسيهم الشخصية إلى حركة سلام شعبية، تعمل للتأثير في الرأي العام ومتخذي القرارات من أجل تفضيل سبل السلام والحوار على العنف والحرب.

 

واقع قاسٍ

ويسعى منتدى العائلات الثكلى الفلسطيني - الإسرائيلي من أجل المصالحة والسلام (غير ربحي)، الذي يضم في عضويته أكثر من 600 عائلة فقدت أحد أبنائها نتيجة الصراع الدموي المتواصل، لوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى تسوية سياسية مقبولة عند الطرفين، للحيلولة دون استخدام القتل كأداة لتوسيع دائرة العداء بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقال المدير الشريك للمنتدى أسامة أبو عياش، "في ظل الواقع القاسي والألم المتزايد، ينقل أفراد من عائلات الثكلى رسائل السلام والمصالحة واللا عنف، والأعمال التضامنية المشتركة في ما بينهم هي جزء مهم من النضال من أجل التغيير"، مضيفاً، "أدركنا بأكثر الطرق إيلاماً أن الانتقام والغضب والكراهية والقتل لن توفر لنا الراحة أو الحل، بل مزيداً من الألم. منتدى العائلات الثكلى لا يبحث عن أعضاء جدد"، وهو رأي شاطره فيه صيام نوارة والد نديم الذي قتل بعد إطلاق النار عليه خلال احتجاجات عنيفة قرب رام الله في 2014 "كان عليّ اختيار الانتقام أو الغضب أو الكراهية، ولكن بعد تفكير عميق قررت اختيار طريق السلام والقانون واللا عنف والتسامح".

 

في المقابل، قال الإسرائيلي رام الحنان الذي فقد ابنته في عملية وقعت عام 1997، "حانت الساعة لنربط معاً كل آلامنا، ونصرخ معاً، لحظة قبل أن تسحبنا جميعاً دائرة الدماء المتجددة إلى الهوة السحيقة التي لا نهاية لها من الألم الأشد فظاعة، والذي لا دواء له".

أنشطة علنية

وبعد أن ظلت فكرة المنتدى سرية منذ تأسيسه عام 1996 بدأ تجمع العائلات الثكلى من كلا الجانبين بإجراء لقاءات شبه علنية في الآونة الأخيرة، بخاصة أن الأنشطة الرئيسة للمنتدى باتت تتطلب ظهور العائلات الثكلى الفلسطينية والإسرائيلية إلى جانب بعضها، فبرنامج "لقاءات الحوار" مع الأبناء الشبيبة والبالغين، يعد من أهم النشاطات المركزية في منتدى العائلات الذي يتطلب توجيه اثنين من أعضاء المنتدى (إسرائيلي وفلسطيني)، ليرويا قصتيهما ويتحدثا عن خيارهما لطريق الحوار بدلاً من طريق الانتقام، وقد أدرجت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية لقاءات الحوار الخاصة بالمنتدى في البرامج الخارجية التابعة لها، سواء في المدارس أو الأطر الأخرى. وعلى مر السنوات، نظم المنتدى ما يقارب 8500 من اللقاءات الحوارية التي شارك فيها ما يزيد على مئتين و50 ألفاً من أبناء الشبيبة والبالغين، إضافة إلى ذلك، تتم دعوة ممثلي المنتدى مرات عدة في السنة لعقد عديد من اللقاءات والمحاضرات والمؤتمرات المتنوعة حول العالم.

ولفت المدير المشارك لمنتدى العائلات الثكلى الفلسطيني - الإسرائيلي يوفال رحاميم إلى أنه "ليس من السهل علينا، مرة بعد مرة، أن ندخل إلى الفصول الدراسية ونتحدث للطلبة عن الطريق الصعب والمتعرج الذي سلكناه من أعماق الفجيعة والغضب والرغبة في الانتقام، واللقاء والمصالحة والاعتراف بأننا جميعاً متجهون للعيش هنا معاً، وهذا هو جوهر لقاء الحوار". .أضاف، "هناك إسرائيليون، وبخاصة نشطاء من اليمين المتطرف، يعتقدون أن طلاب المدارس الثانوية لا ينبغي أن يسمعوا هذه الحقيقة بآذانهم التي تتيح لهم رؤية مختلفة للصراع وإمكانية حله، ويحاولون شيطنة المنتدى والقائمين عليه واتهامهم بدعم الإرهاب".

يوم الذكرى المشترك

ويعد حفل "مراسم يوم الذكرى الفلسطيني - الإسرائيلي" من أحد أكثر الأنشطة الرئيسة إثارة للجدل، إذ تحيي منظمتا "مقاتلون من أجل السلام" ومنتدى العائلات الثكلى، حفلاً مشتركاً لأسر ضحايا إسرائيليين وفلسطينيين في يوم الذكرى السنوية نفسه لتخليد قتلى حروب ومعارك إسرائيل، على مدى السنوات الـ10 الماضية.

ويرى المنتقدون الإسرائيليون للحدث أنه "يضفي الشرعية على الإرهاب ويساوي بين الجنود القتلى وبين مهاجميهم"، ووفقاً لما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية، فقد طالبت أكثر من 100 عائلة ثكلى إسرائيلية وزارة الدفاع بمنع المنتدى من إحياء يوم ذكرى إسرائيلي - فلسطيني مشترك في يوم الذكرى السنوية الإسرائيلي.

وفي وقت سابق، ندد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالحدث في تل أبيب، وأمر بوقف التصاريح لعشرات الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين كانوا يحضرون الحدث سنوياً، متذرعاً بالاحتياطات الأمنية، في حين قال رئيس حزب "الصهيونية المتدينة" بتسلئيل سموتريتش "من المعيب الجلوس مع إرهابيين، يظهر ذلك أن اليسار ضل طريقه، وليست لديه القوة للقتال من أجل الطريق العادل".

في المقابل، ترفض الغالبية العظمى من الفلسطينيين الانخراط في أنشطة المنتدى، بدعوى أن يوم الذكرى المشترك الذي ينظمه "يساوي بين الجنود الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يتعرضون للاضطهاد والقمع والعنصرية"، فيما يسعى آخرون إلى صد أعضاء المنتدى من الفلسطينيين ومحاولة إقناعهم للتراجع عن مواصلة الانخراط في هذه المؤسسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدورها، قالت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها BDS، في بيان، "إن المشاريع التي تجمع بين فلسطينيين وإسرائيليين ولا تكون العلاقة فيها لمقاومة منظومة الاستيطان والاحتلال والأبارتهايد الصهيوني (نظام فصل عنصري)، ولا يعترف فيها الطرف الإسرائيلي بالحقوق الفلسطينية الثابتة بموجب القانون الدولي، وأهمها حق العودة تطبيع صارخ". وأضاف البيان، "التذرع بأن هذه المشاريع تحشد الدعم والتضامن لشعبنا لا يلمع صورتها، فالنكبة الفلسطينية لم تبدأ منذ عام 1967، بل بدأت المعاناة الفلسطينية بسبب الاستعمار منذ 100 عام، والمساواة بين الضحية والجلاد، كما تريد المؤسسات الإسرائيلية لا تنهي الظلم، بل تطيل أمده وتعززه وتعفي المستعمر من المحاسبة على جرائمه".

كسر العنف

وسط هذه الأجواء، يقول المؤيدون للمنتدى من كلا الجانبين إنه يمثل الجهود التي يبذلها أناس فقدوا أعز ما لديهم في الصراع، لإعطاء معنى لوفاة أعزائهم من خلال نبذ العنف، وتجنياً لوقوع مواجهات في كل من المناطق الإسرائيلية والفلسطينية، يتم الحفاظ على سرية أماكن بعض الأنشطة والفعاليات مع عدم فتحها لعامة الناس، في وقت تتعرض فيه صفحات المنظمين على مواقع التواصل الاجتماعي لوابل من التهديدات والشتائم من كلا الطرفين.

وأوضحت منظمة "مقاتلون من أجل السلام"، في بيان، "أنه في حين أن إحياء الذكرى المشترك يشكل تحدياً للمجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، فهو مهم جداً في كسر دائرة العنف السياسي". وأضاف، "علينا أن نتذكر أن الحرب ليست مصيراً، لكنها خيار بشري، لهذا السبب ندعو الجانبين إلى الاعتراف بألم وأمل أولئك الذين يعيشون على الطرف الآخر من الجدار، ومحاولة منع الحرب المقبلة. وهكذا، ربما في يوم الذكرى القادم، لن نكون مضطرين إلى عد مزيد من الضحايا".

 

ومنذ عام 2014 تم تجميد محادثات السلام الرسمية والمباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن مسؤولين حكوميين إسرائيليين كباراً اجتمعوا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ ذلك الحين.

ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أخيراً، فإن 72 في المئة من الفلسطينيين يؤيدون إنشاء مزيد من المجموعات المسلحة في الضفة الغربية التي تعمل ضد إسرائيل، وأظهرت النتائج أن 69 في المئة ممن شملهم استطلاع الرأي أن حل الدولتين لم يعد ممكناً بسبب التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. وعند سؤالهم عن السياسات التي سيدعمونها لكسر الجمود الحالي في عملية السلام، أيد 59 في المئة انضمام السلطة إلى مزيد من المنظمات الدولية، و55 في المئة أيدوا العودة إلى المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، بينما أيد 51 في المئة اللجوء إلى المقاومة السلمية. وقال 48 في المئة إنهم يؤيدون حل السلطة الفلسطينية، فيما كان 27 في المئة مع التخلي عن فكرة حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة للفلسطينيين والإسرائيليين.

المزيد من تحقيقات ومطولات