Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البراءة والتضخم... الأزمة المالية تمد يد "القلق" إلى الأطفال

العائلات التي تأثرت حالتها المادية للأسوأ اضطرت لمشاركة همها مع أبنائها والنتيجة ليست سارة دائماً

ألعاب الأطفال قد تظل حبيسة أحلامهم لدى بعض الأسر بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية  (أ ف ب)

توقع كثير من الأهالي ممن اضطروا إلى اتخاذ قرارات صعبة متعلقة بمستقبل أبنائهم الدراسي بعد نقلهم إلى مدارس أقل كلفة أنها المواجهة المالية والنفسية الأقسى مع الصغار في موسم التضخم العابر للقارات ولكن اتضح أن الأمر كان مجرد بداية وأن هناك مفاجآت أكثر عنفاً تتعلق بتفاصيل لم تكن تخطر على البال، بدءاً من محتويات صندوق الغذاء المدرسي وصولاً إلى عدد مرات الخروج والسفر إلى الشواطئ وأماكن قضاء الإجازات ونوعيات المحال التجارية التي يترددون عليها لشراء الملابس وعدد الألعاب الرياضية التي يتدربون عليها، فلا شيء بقي على حاله ولا حتى وعي الأطفال المالي.

أصبحت التساؤلات تتوالى على الأسر التي تهبط في درجاتها الاجتماعية بطريقة تشبه الانزلاق وبات الأبوان في حيرة، هل من الحكمة أن يعلموا أبناءهم بتأثرهم بالمشكلات الاقتصادية التي تعصف بالعالم والتي جعلت الأسعار تتضاعف أكثر من مرة خلال فترة وجيزة، أم أن اتخاذ قرار مثل هذا ربما يسلبهم براءتهم ويجعلهم يفكرون في الماديات، ويشعرون بالهمّ الاقتصادي ولا يعيشون طفولتهم؟! 

ضوابط وشروط ضرورية

هذه المعضلة تجر معها أسئلة أكثر وأكثر بينها إلى أي مدى يمكن توريط الأطفال في مشكلات الكبار المادية وعند أي عمر؟ وكيف سيستقبل الصغار هذا الأمر؟ وهل سيساعدهم في الوعي والتدبير أم على العكس سيجعلهم أكثر إحباطاً ويشعرهم بالنقص أو يجعلهم يمعنون في اللامبالاة، خصوصاً أن الهموم المالية في عمر مبكر تبدو قاسية وغير ملائمة للشخصية؟

 من هنا اتجهت الأمهات نحو حلقات نقاشية عبر مجموعة الدردشة الخاصة لتبادل تجاربهن الشخصية جداً التي حملت تناقضات تؤكد أن هذا القرار حساس للغاية وتنبغي الاستعانة بمتخصصين قبيل التصدي للتعامل معه، خصوصاً بالنسبة إلى العائلات التي تقتصر علاقة أطفالها بالمال على خزائنهم الصغيرة، أو بعبارة أخرى صندوق الادخار البسيط الذي يمتلكونه المسمى "الحصالة"، فيقتصد الأطفال جزءاً من مصروفهم ويضعونه فيها وبعد فترة يفرغونها سعداء بما لديهم، بينما حاجاتهم الأساسية وغيرها يدبرها الأبوان من دون أن يشعر الصغار بأي مسؤولية.

 

 

تعلق مديرة المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة داليا صلاح على المواقف التي أصبحت تتكرر بين الوالدين وأبنائهما في ما يتعلق بمأزق تقليل النفقات وفقاً للظروف الاقتصادية الحالية والتي عاينتها بدورها كثيراً بحكم الملف الذي تعمل عليه، بحيث تعتبر أنها "يجب أن تكون فرصة لتعلم عادات إيجابية جديدة مثل المشاركة والتدبير والادخار"، لافتة إلى أن "إبلاغ الأطفال بأي تغييرات في مستوى الأسرة المادي يجب أن يكون تدريجاً، فمن غير المقبول أن يقوم رب الأسرة بشكل مفاجئ بالحديث إليهم عن أزمة مالية معينة فيما يقوم بتهميش آرائهم بشكل عام في تفاصيل أخرى تخص حياتهم".

العاطفة أولاً

وتنوه صالح أن "على الأسر بشكل عام أن تكون لديها رحابة الاستماع إلى آراء الأبناء في نواح مختلفة مثل نوع اللعبة التي يودون التدرب عليها والهدايا التي يحبونها وأماكن النزهات وأسلوب الملابس، فهي أمور تنمي العاطفة والروابط، ثم في ما بعد يأتي الجانب المالي الذي يكون مكملاً لكل ما سبق، لا أن يكون الأبوان هما من يحددان مسارات حياة الطفل بشكل كامل، ثم فجأة يطلبان منه المشاركة في تحمل العبء المادي والمشكلات المتعلقة بتقليص الإنفاق، وكذلك تؤكد أنه يجب عدم تقديم الأزمة باعتبارها مشكلة حسابية بحتة ولكن ربطها بالحياة والعاطفة".

 وتضيف، "بالاستطاعة مناقشة الابن في البنود التي يمكن الاستغناء عنها من أجل الحفاظ على أخرى أكثر أهمية للعائلة ولمستوى المعيشة، حتى لا يمر الموقف بشكل جاف يؤثر سلباً في سلوكات الأبناء في ما بعد، بل على العكس يمكن أن يكون الأمر فرصة لتعليمه قيماً نبيلة من دون الشعور بالحرمان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما ترى مايسة عادل، أم لثلاثة أطفال، أنه "لم يكن هناك بداً من الحديث إلى نجلها الأكبر الذي يبلغ من العمر 11 سنة عن التغيرات الاقتصادية التي عصفت بحياتهم خلال أشهر قليلة للغاية"، لافتة إلى أنها "تمكنت وزوجها بصعوبة من دفع الأقساط المدرسية في مدرسته الدولية ولكن كان ذلك مقابل التخلي عن حاجات أخرى، فلم يتمكنوا مثلاً من السفر في عطلة صيفية خلال 2022، كما لغوا بند شراء الحقائب المدرسية الجديدة ذات الأثمان الباهظة واكتفوا بما لديهم، وهي أمور ليست معتادة بالنسبة إلى المستوى المادي لأسرتهم، ولكنها فوجئت مع بدء العام الدراسي أن عليها أن تغير حتى نوعية المتاجر التي تتسوق منها بقالتهم اليومية سواء في ما يتعلق بالأطعمة أو بأدوات الدراسة لتبحث عن تلك الأقل كلفة، كما ألغت العائلة بند حضور أعياد ميلاد الأصدقاء تماماً لتوفير نفقات الهدايا الثمينة، فلاحظ الابن كل ذلك بسهولة شديدة وكان لزاماً على الأبوين الجلوس معه ومحاولة شرح الوضع الاقتصادي عالمياً أولاً وجعله يشاهد ويقرأ بنفسه تداعيات الحرب الأوكرانية وقبلها أزمة كورونا على اقتصادات الدول، وعلى رغم أنه وجد صعوبة بادئ الأمر في فهم وربط كل ذلك بوضعهم كعائلة صغيرة، لكن أصبح أكثر تقبلاً للواقع تدريجاً، حتى إنه بات يشرح لأصدقائه ما تعلمه، خصوصاً في ما يتعلق بأزمة المواد الخام وتوافر المنتجات وغيرها".

 

 

تجارب سلبية

في السياق تشير داليا صلاح إلى أن "العمر الأفضل لمشاركة هذه التفاصيل هو 13 سنة كي يكون الأبناء أكثر استيعاباً وربما يكون مناسباً أيضاً في عمر أصغر بقليل لو كان الطفل يتمتع بوعي مبكر، فالأمر يتوقف على شخصية كل فرد"، لافتة إلى أنه من المهم للغاية أن يتعلم الأبناء أن يكون لهم دور في إدارة المنزل وتعديل بنود الإنفاق من دون الشعور بالقلق، بل بالاطمئنان، لأن هذا من حقهم ولكنها حذرت أيضاً من أن "يطرح الموضوع بطريقة مادية بحتة لأن هناك حالات تتأثر بشكل سلبي وتكون علاقتها بأفراد الأسرة مبنية على مبدأ المال فقط من دون مراعاة للروابط، مما يخلف سلوكاً منبوذاً". 

بالفعل ربما تخرج الأمور عن السيطرة في بعض الأوقات وفقاً لطبيعة كل طفل وأيضاً وفقاً للطريقة التي قيلت له المعلومة من خلالها، وهو ما حدث مع "ماجد.ع" الذي يرى أنه ندم أشد الندم بعدما حاول أن يشرك ابنته (12 سنة) في التطورات التي تحدث بعد تغير بنود إنفاقهم المنزلي، بخاصة لإدراكه أنها أثرت في حاجاتها المعتادة بشكل مباشر مثل عدد الدروس الرياضية التي تحضرها وأيضاً نوعيات العلامات التجارية التي تتسوق منها وكذلك الهدايا المتبادلة مع الأصدقاء، فكان من الضروري التخفف من بعض الأعباء المادية الثقيلة مقابل الحفاظ على أساسيات أكثر أهمية، فالفتاة استقبلت هذا النقاش باهتمام مبالغ فيه لدرجة أن الحديث عن أسعار المنتجات بات شغلها الشاغل، وذلك في محيط العائلة والمعارف والأصدقاء وانشغلت تماماً بالمقارنات بين كلفة كل منتج وآخر وأصبحت طموحاتها مادية بحتة، مما سبب صدمة للأبوين، بخاصة أن الهدف من حديثهما إلى ابنتهما كان مغايراً تماماً.

 

 

فرصة لتعلم قيم جديدة

وفي ما يتعلق بالحالات المشابهة تقول داليا صلاح إنها شاهدت حالات أسر تعاني بسبب أزمات من تلك النوعية حينما حدث لها ظرف مادي صعب، بسبب الطريقة التي تم بها شرح الوضع للأبناء".

ولفتت إلى أن "بعضهم لا يزال يتابع لدى متخصصين في تعديل السلوك بعد التحول الذي حدث في شخصية الأطفال من دون قصد، فتم استقبال الأمر بطريقة سلبية، وتدريجاً بات هناك جفاف وتجمد في المشاعر وأنانية وحساب كل شيء من منطلق الغالي والرخيص، وذلك على رغم أن العائلة كانت سعيدة في البداية بأن أطفالها أصبحوا أكثر وعياً وحرصاً في ما يتعلق بالمال وبالمصروف، ونصحت الأهل بأن يتم تغليف أي نقاش مادي بقيم أخلاقية مثل صلة الرحم والتضحية والإيثار، فالهدف هو تعليمهم قيمة المال وليس جعله محوراً للحياة، فالهدية بقيمتها ومعناها وليس سعرها، فيجب ألا تطغى تلك التفاصيل على حساب العواطف".

 واستدركت، "مثلاً يمكنه أن يرى أن الأم استغنت عن شيء ما مقابل أن ينعم هو بلعبة يحبها، فيتعلم من هذا السلوك أن يدخر وأن يساعد أشقاءه في تنفيذ أولوياتهم ثم في ما بعد يمكن أن تأتي الرفاهيات غير الضرورية، فهذه أمور تنبههم إلى قيمة المال ونبذ الاستهلاك من دون أن تلغي قيمة العائلة والصلات بين أفرادها، فالوسطية والاعتدال هما سر عبور هذا المأزق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير