Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يقاطع المزيد من الناس صناعة العافية؟

بعد عقد من الإعلانات الكثيفة للترويج لمنتجات بيض اليشم وعصائر التخلص من السموم وأحجار الطاقة الكريستالية، بدأ المستهلكون برفض السمية المفرطة لثقافة العافية.

إذا كانت العافية الآن مجرد كلمة يومية، فمن المؤكد أننا يجب أن نسأل: هل يشعر الجميع بالسعادة؟ (غيتي)

تروج [الممثلة الأميركية] غوينيث بالترو لفوائد إدخال قطعة من الصخر الرخامي على هيئة بيضة [بيض اليشم] في المهبل وإبقائها هناك طوال الليل. ديمي مور وميراندا كير تقسمان بفوائد "العلاج بالعلق". كيم كارداشيان تحقن وجهها بكمية من الدم المسحوبة من جسدها وتصف العملية بـ"القاسية والمؤلمة حقاً". حسناً، ربما هذا ما سيقوله أولئك المصرون على الاكتفاء باستخدام مرطب عادي تقليدي قبل الخلود إلى النوم... ما هذه الحماقات؟!

لطالما كان أبناء مجتمع النخبة هدفاً سهلاً للاستهزاء بسبب مساعيهم الصحية التي تزداد غرابة أكثر فأكثر. مع ذلك، وبقدر ما قد تكون ممارساتهم متطرفة فإنها في متناول اليد في ثقافة كانت منذ عقد من الزمن غارقة في موضوع العافية. غالباً قد تكون أنشطة الأثرياء والمشاهير الغريبة بمثابة إلهاء لطيف. انظر حولك وستلاحظ أن مفهوم العافية قد تسرب إلى عديد من جوانب حياة المرأة العادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد تحضر مناصرات الصناعة المخلصات "مهرجانات العافية" أو "التجمعات التي تليق بالآلهة" أو "الملاذات النسوية في الطبيعة" أو ربما يجربن "تبخير المهبل". سواء أكانت المرأة ممن يدعين أنهن مناصرات للعافية أم لا، فإن النساء في لندن ولوس أنجليس على حد سواء يزرن صالات "سول سايكل" للرشاقة والعافية، ويتناولن عصائر تخليص البدن من السموم ولا يأكلن سوى الأطعمة الموصوفة بـ"النظيفة". تمارس أخريات اليوغا، ويستخدمن صخور الطاقة الكريستالية، وينزلن تطبيقات الوعي ويتخلصن من الأغذية "السامة" لصالح "الأطعمة الخارقة" ويشربن النبيذ الطبيعي. هناك كثيرات ممن قد يقلن إنهن "يعطين الأولوية للاهتمام بأنفسهن" أو ينفقن الأموال على المكملات الغذائية أو يحاولن "التخلص من السموم الرقمية" ويجربن "الصيام المتقطع".

عندما قدم الصحافي الأميركي الشهير دان راذر فقرة حول الموضوع ضمن إحدى نشرات الأخبار الأميركية عام 1979، قال: "العافية، هي كلمة لا تسمعونها كل يوم". إلى أي حد تغيرت الأمور مع الزمن. الآن، توجد كلمة العافية في كل مكان، تحولت إلى مفهوم مستهلك غير كل العلامات التجارية والتجارب الحياتية التي وصل إليها، من الطعام والسفر إلى ممارسة الرياضة والجنس. إنها صناعة عالمية قوية ومربحة للغاية، بلغت قيمتها 4.4 تريليون دولار في عام 2020. وهذا أكبر بثلاث مرات من الصناعات الدوائية في جميع أنحاء العالم. لذا، إذا كانت العافية الآن مجرد كلمة نسمعها كل يوم، فمن المؤكد أننا يجب أن نسأل: هل يشعر الجميع بأنه في حال جيدة؟ هل كلنا بخير؟ لسوء الحظ، كما هو الحال مع عديد من بدع واتجاهات العافية الفردية، فإن الأدلة لا تنبئ بالخير.

نذرت المراسلة الأميركية رينا رافاييل نفسها لصناعة العافية لفترة طويلة. تقول، "في حين لم أكن أبداً مهتمة بمنتجات أو خدمات العافية الأكثر تطرفاً، مثل البيضات الرخامية أو "العلاج بالعلق" leech therapy، فقد تبنيت كثيراً من الأفكار الأكثر شيوعاً من دون التفكير ملياً في الأمر". في الواقع، جزء من سبب قبولها مفاهيم العافية مثل "الجمال النظيف والأكل النظيف والمكملات الغذائية المعززة للطاقة" كان بالتحديد لأنها كانت مفاهيم سائدة جداً. تؤكد رافاييل: "لقد كانت في كل مكان، في محال مبيعات المنتجات النسائية كافة، في كل صفحات إنستغرام، يمتدحها المشاهير، وحتى على الأرفف في محال البقالة. كان المتجر المحلي في منطقتي يبيع عدة لتخليص البدن من السموم"!

لذا، وفي حين أنها اعتبرت نفسها متشككة في "الأشياء الأكثر غرابة" مثل عديد من النساء المهنيات اللاتي بلغن سن الثلاثين في بدايات العقد الثاني من الألفية، إلا أن رافاييل ما زالت مقتنعة بأشياء كثيرة: "كل تلك الأفكار المبنية على [أساس] علمي ضئيل، إن وجد على الإطلاق" بحسب ما تقول. إحدى تلك العلاجات التي اختارتها للعافية هي "ذا كلاس" The Class، الذي يصفه صانعوه بأنه "تجربة تمارين شافية ترشدك إلى تقوية الجسم والانتباه إلى العقل لاستعادة التوازن". في إعلان حديث، تظهر إيما ستون [ممثلة أميركية] بملابس رياضية، وتوضح بحيوية: "عندما ذهبت إلى "ذا كلاس" للمرة الأولى، شعرت بالرعب ببساطة لأنني اعتقدت أن الأمر صعب للغاية بالنسبة إليَّ، ثم بكيت على ما أعتقد. وبعد ذلك أحببته. لو كان بإمكاني القيام به كل يوم لفعلت".

لو سألنا رافاييل قبل بضع سنوات عن "ذا كلاس" ربما كانت روايتها مشابهة، لكن والدها كان قد توفي حينها، وتحت تأثير تشويش الفقد والحزن، راحت تشكك بالتفاهات شبه الدينية والإنجيل المجتمعي الذي كانت تنخرط فيه في حصص التمرين صباح يوم الأحد. تصفه بأنه "الصدع الأول في درع التفاني المثالي لنظام العافية الخاص بها". استمرت التصدعات في الظهور. تقول، "لقد أصبت بالإرهاق".

علاوة على ذلك، أدركت أنها أصبحت مصابة بالذعر. بدلاً من جعلها تشعر بتحسن، كانت الأمور المرتبطة بشؤون العافية تعطي نتيجة معاكسة تماماً وتؤدي إلى تفاقم قلقها الكامن. شعرت وكأنها تعاقب نفسها إذا تخلفت عن التمرين يوماً واحداً. شعرت بالرعب من مادة البارابين أو المواد الحافظة الموجودة في عديد من مستحضرات التجميل "على رغم أنني علمت لاحقاً أنها واحدة من أكثر المواد الحافظة المجربة". أصبحت الرعاية الذاتية شغلها الشاغل. تتذكر قائلة: "لم أكن شخصياً أشعر أنني في حال أفضل أو أن أدائي أفضل... على العكس من ذلك، كنت مستهلكة للغاية من قبل "العافية" وجسدي. أصبح الأمر مثل وظيفة".

في الوقت نفسه الذي كانت أمور العافية تبدو بشكل متزايد وكأنها وظيفة بالنسبة إلى رافاييل، كان عملها الفعلي يركز بازدياد على العافية. بسبب إعدادها تقارير عن العلامات التجارية والاتجاهات الجديدة للعافية لصالح مجلة تجارية، ظلت على احتكاك بالمشكلات. تقول، "كنت أسمع من العلماء والباحثين الذين يقولون لي إن كثيراً من هذه الشركات كانت علماً زائفاً تماماً... كان عليَّ إدراك أن صناعة العافية ليست على ما يرام". تصادمت حياتها الشخصية والمهنية.

أدت هذه الشكوك المتعاظمة إلى قيام رافاييل بتأليف كتاب بعنوان "إنجيل العافية: صالات الألعاب الرياضية، المرشدون، غوب، والوعد الكاذب بالرعاية الذاتية" المتوفر للقراءة حالياً. إنه مسح شامل لصناعة العافية المعاصرة وفضح لها من نوع ما. من خلال تنقلها بين اليوغا والأكل "النظيف" إلى "الرعاية الذاتية"، تبحث رافاييل بعمق في جوانب مختلفة من العافية، في محاولة لفرز السمين من الغث المخادع والمبالغ فيه والخطير.

أحد الفصول المهمة، بعنوان "صالة الألعاب الرياضية كمكان للعبادة"، يغوص في جناح اللياقة البدنية في صناعة العافية. تقترح رافاييل التي تمعن النظر في ظاهرة "سول سايكل" SoulCycle بشكل خاص، أن الفكرة الشائعة القائلة إن اللياقة يمكن ويجب أن توفر "تجربة جماعية فائقة" تخاطب الوحدة والعزلة المعاصرتين، لذلك لدينا "عائلات لياقة بدنية"، و"روابط عميقة مع أنفسنا"، ونساء ثريات بيضاوات البشرة مع "قبائلهن" النخبوية. مع ذلك، كتبت رافاييل: "من خلال رفع نجوم اللياقة البدنية إلى مرتبة الأنبياء، خلقت "سول سايكل" عن غير قصد آلهة لا يمكن المساس بها". كان الموظفون يفصلون بانتظام من دون تفسير أو تعويض، وأبلغ عديد من العملاء والموظفين عن سلوك متحيز جنسياً وعنصري ومتنمر على نطاق واسع. يبدو أن إحدى الحكايات على وجه الخصوص تلخص القسوة الأساسية الكامنة وراء ما تبديه الشركة من شعارات "العافية هي كل شيء". اكتشف تحقيق أجراه موقع فوكس ملاحظة معلقة في أحد مكاتب شركة "سول سايكل" كتبها مدرب كبير تقول، "إذا سألك شخص ما إذا عدت إلى تعاطي الكوكايين مرة أخرى أو إذا كنت تعاني اضطراباً في الأكل، اعلم أنك وصلت إلى الوزن المثالي". ورد أن "سول سايكل" لم تفعل شيئاً ولم تصدر بياناً إلا عندما بلغ النقد العام حجماً يهدد بإلحاق الضرر بالعلامة التجارية. أو بعبارة أخرى، بمجرد أن هدد بإيذاء أرباحها النهائية.

 

هناك فصل آخر بعنوان "هل يحاول غسول وجهي قتلي؟"، تستهدف فيه رافاييل تعاطي صناعة التجميل مع العلم بطريقة متسرعة ومتراخية. إنها تتحدى الأساطير التسويقية القائلة إن "الطبيعي هو الأفضل"، وتناقش الادعاءات المبالغ فيها من علامات "الجمال النظيف" التجارية، إضافة إلى استعراض حالات من المنتجات "النظيفة" و"الطبيعية" التي تغذت جراثيم العفن في عبواتها. كتبت: "يديم تسويق العافية الرهاب الكيماوي [أو] الخوف المبالغ به من المواد الكيماوية الاصطناعية أو "التعرض للمواد الكيماوية". بشكل أساسي، يتم خداعنا بسهولة من خلال المعلومات الخاطئة التي تبدو علمية شيئاً ما، أو كما تقول رافاييل: "نحن نصدق الشركات التي تقول إن الطبيعي هو الأفضل لأن ذلك يبدو صحيحاً".

بني مفهوم العافية برمته على فكرة أنك لست على ما يرام لمجرد أنك لست مريضاً. يعني هذا أن صناعة العافية تعتمد على شريحة واسعة من سكان العالم تعتبر نفسها غير صحية، إلى جانب النساء الثريات الأنيقات اللاتي يشخصن أنفسهن على أنهن لسن في أفضل صورة، ثم ينفقن الأموال لمحاولة إصلاح الأمر. وهذا يعني بالطبع، أنه في إطار السعي المستمر لتحقيق أرباح أكبر، ستستمر صناعة العافية في ابتكار أسباب جديدة تجعل تابعيها يشعرون بعدم الرضا.

وبدلاً من التحسن، فإن مناصري العافية يصابون بالذعر، ما يثير القلق أكثر هو أن كثيرين يتحولون إلى فاشيين صغار بدلاً من أن يصيروا نماذج مصغرة عن غوينيث بالترو. يمكن أن يتطور الذعر من البارابين والسموم إلى شعور مناهض للقاحات. من هذا المنطلق، من السهل الانزلاق في حفرة المؤامرة والتفكير اليميني المتطرف التي لا نهاية لها. بالنظر إلى خبراء اليوغا والعافية الذين استحوذت عليهم جماعة كيو أنون، وصفت مجلة "كينفولك" أخيراً هذه الظاهرة بأنها "حلقة عافية يمينية متطرفة".

على كل حال، قد يكون هناك ضوء في الأفق. في مقال نشرته صحيفة لوس أنجليس تايمز أخيراً، اقترحت رافاييل أن "منتجات العافية تفقد قوتها البيعية"، وأن مفهوم إضفاء لمسة غوينيث بالترو على النزعة الاستهلاكية يظهر "علامات متزايدة من التآكل". قد يكون جزء من هذا تصحيحاً لا مفر منه للمسار، حيث يتأرجح الاتجاه للخلف، لكن هناك أيضاً علامات على حدوث رد فعل عنيف أكبر تجاه العافية، في حين تردد أن جيل العقد الأخير من القرن الماضي والعشرية الأولى من الألفية (جيل زد) على وجه الخصوص ينتقد تسويق العافية والمعلومات الخاطئة أكثر من أي جيل آخر، وجدت إحدى الدراسات أن أكثر من 67 في المئة من البالغين يبلغون عن ازدياد عدم ثقتهم في العلامات التجارية. تطالب أعداد متعاظمة من الناس بمزيد من تجارب المستهلكين والأدلة السريرية الإضافية. بشكل أساسي، يبدو أن الناس يدركون الاحتيال في صناعة العافية. كلما ازداد العلم نقصت الشعوذة.

في المادة التي كتبتها الدكتورة والباحثة النسوية كارول آن فاركاس في دورية "دراسات في الثقافة الشعبية" لخصت بشكل دقيق ثقافة العافية على أنها "تحول جذري للفاعلية نحو هدف تغيير المرء جسده، على عكس التوجه نحو الخارج للتعبئة من أجل العمل الجماعي". بعبارة أخرى، إذا ظللنا منشغلين بالصيام وممارسة الرياضة والشراء، فلن يكون لدينا الوقت أو الطاقة أو الإرادة لتحدي أعمال النظام الأبوي والرأسمالية، ناهيك بأن نبدأ في التنظيم لتفكيك تلك الأنظمة. بدلاً من ذلك، تتطلب العافية ملاذاً فردياً للعناية بالذات وتهدئة النفس وتحسين الذات.

في عام 2010 أشارت فاركاس إلى أن "رفع مستوى الوعي والمعرفة والخبرة الفردي لدينا قد يأخذنا من الدفاع عن عافية أجسادنا إلى العمل معاً لتحسين الوعي السياسي لعافية الجسد". بعد ثلاثة عشر عاماً وفي ظل وجود عدد لا يحصى من التصدعات التي تمزق صناعة الصحة، لا يزال هذا أحد أكبر التحديات التي نواجهها.

كتاب "إنجيل العافية: صالات الألعاب الرياضية، المرشدون، غوب والوعد الكاذب بالعناية الذاتية" يباع الآن في المكتبات.

© The Independent

المزيد من صحة