Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس فوق مطب رفع الدعم ومخاوف من ارتفاع الفقر

الحكومة تخطط للخروج من الأزمة بإقرار الأسعار الحقيقية للمحروقات والغذاء في 2023 وتوقعات بتراجع الدعم بنفقات الموازنة إلى 5.7 في المئة نهاية 2025

الحكومة التونسية تعتزم استبدال دعم أسعار المواد الغذائية بنظام جديد (أ ف ب)

في الوقت الذي أنجزت فيه دول عربية عدة خططها لرفع الدعم عن المحروقات وعدد من المواد الأساسية، واعتادت شعوبها على قبول بالأمر الواقع والأسعار الحقيقية، لا يزال الجدل مستمراً في تونس بخصوص ملف الدعم، بين رافض كلياً لرفعه باعتباره إملاءات من صندوق النقد الدولي، وبين مناد باعتماد منهج التدرج، بينما يذهب فريق ثالث إلى أنه حان الوقت لرفعه تماماً.

ومنذ نحو سبع سنوات شرعت الحكومات المتعاقبة في الحديث عن إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية باعتماد شعارات من قبيل توجيه الدعم نحو مستحقيه واعتماد نظام التحويلات المالية، لكن في الأثناء بدأت فاتورة الدعم تثقل موازنة تونس بشكل لافت من عام إلى آخر.

وعمق النزاع الروسي - الأوكراني موازنة الدعم من خلال الارتفاع القياسي لواردات الحبوب والمحروقات بسبب ضعف سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار (دولار واحد يساوي 3.1 دينار).

وأمام تأزم المالية العامة وعجز الميزان التجاري برقم قياسي بلغ ثمانية مليارات دولار، أي نحو 17 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وانسداد أفق التمويل الخارجي، بدأت حكومة نجلاء بودن، بهدوء تام ومن دون ضوضاء إعلامية في اعتماد خريطة طريق تمتد ثلاث سنوات، رسمت فيها مخططها لرفع الدعم عن مجالين اثنين وهما المحروقات والمواد الأساسية.

خطة واضحة المعالم

تخطط الحكومة التونسية لرفع الدعم بصفة نهائية عن المحروقات والمواد الأساسية بخاصة منها الغذائية، وفق خريطة طريق وجدول واضحي المعالم، ستصل بهما إلى عام 2025 باعتماد حقيقة الأسعار مع ضمان التحويلات المالية للعائلات المعنية، التي لم يقع إلى الآن تحديدها بدقة وسط انتقاد شديد للمنصة المزمع تطبيقها لتحديد المستحقين، بهدف مقاومة غلاء الأسعار في الفترة المقبلة.

وكشف تقرير رسمي صادر عن وزارة المالية التونسية تحت عنوان "إطار متوسط الميزانية 2023/2025" أن أسعار المواد الغذائية والمحروقات شهدت ارتفاعاً قياسياً في الأسواق العالمية بشكل ضاعف الضغوط المسلطة على نفقات الدعم، إذ بلغت في عام 2022 مستوى 8.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و23.6 في المئة من جملة نفقات الموازنة، مما زاد من المخاطر المتعلقة باستدامة المالية العمومية والحد من قدرة الدولة على تخصيص اعتمادات موجهة لمساندة الفئات الاجتماعية الهشة والاستثمار العمومي، بالتالي دفع النمو الذي من شأنه خلق الثروة وفرص العمل.

وفي السياق نفسه أعدت دراسات لتشخيص مواطن ضعف منظومة الدعم الحالية، بخاصة في ما يتعلق بعمليات تهريب وتبذير المنتجات المدعمة، وعدم توجيه الدعم لمستحقيه الفعليين.

وتعتمد تقديرات نفقات الدعم للفترة 2023-2025 على مدى التقدم في تنفيذ برنامج الإصلاح واعتماد منظومة الدعم الجديدة، وبذلك، من المتوقع أن تتراجع نسبة الدعم من جملة نفقات الموازنة إلى حدود 5.7 في المئة في نهاية عام 2025 أي ما يعادل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 16.4 في المئة و5.4 في المئة على التوالي مقدرة لعام 2023.

وفي المقابل سترتفع التحويلات المالية المباشرة للأسر المعنية لتبلغ 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أفق عام 2025.

ومن المنتظر أن تنخفض نفقات الدعم من 8832 مليون دينار (2850 مليون دولار) في 2023 إلى 5215 مليون دينار (1682.2 مليون دولار) في 2024 ثم وصولاً إلى 3349 مليون دينار (1080.3 مليون دولار) في 2025، ما يعني بحسب المتخصصين أن الدولة ستتخلى عن الدعم، الأمر الذي سيعقبه ارتفاع لافت للأسعار وسط ازدياد نسب التضخم الآخذة في الصعود، إذ من المنتظر أن يبلغ معدلها 11 في المئة في كامل 2023.

أسعار منتجات الوقود

وتخطط حكومة تونس للإلغاء التدريجي لدعم الطاقة من خلال مواصلة تطبيق التعديل الآلي للأسعار بالنسبة إلى منتجات الوقود الثلاثة بانتظام إلى غاية بلوغ حقيقة الأسعار، ويعكس هذا الإجراء أن عملية التعديل الآلي لأسعار المواد البترولية الثلاث (البنزين الخالي من الرصاص والغازوال العادي والبنزين العادي) ستكون بوتيرة سريعة وبمعدل شهري.

ويتوقع في هذا الصدد بلوغ حقيقة الأسعار في أفق عام 2023، ومواصلة دعم النقل العمومي كإجراء لدعم الأسر والفئات الاجتماعية ضعيفة ومتوسطة الدخل، إذ خصصت الحكومة في موازنة العام 200 مليون دولار لدعم النقل العمومي.

كما تخطط الحكومة لإرساء التعديل الدوري لتعريفات الكهرباء والغاز إلى غاية بلوغ حقيقة الأسعار المتوقعة في نهاية عام 2026 مع مراعاة الأسر الفقيرة وضعيفة الدخل.

ويشار إلى تشكيل لجنة فنية مكلفة وضع آليات التقليص التدريجي والمستدام في الدعم الموجه لأسعار الكهرباء والغاز الطبيعي في فبراير (شباط) 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف التقرير ذاته اعتزام الحكومة استبدال النظام الحالي لدعم أسعار المواد الغذائية الأساسية وغاز النفط المسال الموجه للاستعمال المنزلي بنظام جديد يرتكز على دعم الدخل والتحويلات النقدية المباشرة، وإعداد منصة إلكترونية لتسجيل كل الأسر للانتفاع بالتحويلات، مع إدراج كل المسجلين في برنامج الأمان الاجتماعي آلياً في المنصة، إلى جانب انخراط المواطنين في برنامج الإصلاح من خلال التسجيل في المنظومة الإعلامية لحوكمة الدعم والتحويلات النقدية.

وستتمكن هذه المنظومة من ترشيد التصرف في نفقات الدعم عبر خاصية توجيهه لمستحقيه ومقاومة ظواهر الاحتكار والمضاربة والتهريب والتبذير.

اتحاد الشغل بالمرصاد

وبالتزامن مع تخطيط الحكومة التونسية لرفع الدعم ضمن برنامج الإصلاحات الاقتصادية الكبرى الذي التزمته مع صندوق النقد الدولي لتيسير الحصول على القرض (بقيمة 1.9 مليار دولار على أربع سنوات)، فإن اتحاد الشغل عبر صراحة عن رفضه لمخطط الحكومة في رفع الدعم من دون إنجاز دراسات اقتصادية واجتماعية معمقة تأخذ في الاعتبار اهتراء القدرة الشرائية لعموم التونسيين، وحذر من تسجيل نسب تضخم قياسية مصحوبة بموجة كبيرة من ارتفاع الأسعار في عديد من القطاعات الإنتاجية.

وأبدى اتحاد الشغل وعدد آخر من المتخصصين ومكونات المجتمع المدني مخاوفهم من أن يلحق برنامج الدعم الذي وصفوه بالوحشي أضراراً بالحكومة نفسها قبل الشعب، نظراً إلى أن برنامج الإصلاحات سيضر بالاقتصاد، لا سيما رافعة الاستهلاك التي ستنهار بشكل لافت مع إمكان تعطل الاستثمار الخاص وسط الارتفاع المتواصل لنسب الفائدة من البنك المركزي، ما سيجعل النفاذ إلى القروض البنكية أمراً مكلفاً لرواد المشاريع والمستثمرين.

يقول المستشار الاقتصادي لاتحاد الشغل، عبدالرحمن اللاحقة، إن سياسة رفع الدعم بشكل غير مدروس والمقاربة التي وصفها بـ"الساذجة" التي تتبعها الحكومة، ستسهم في ازدياد الفقر في تونس بنسبة خمسة في المئة، وستكون لها تداعيات سلبية على كل المستويات، منها مزيد من ارتفاع الفوارق بين الطبقات، ومزيد من انتشار الفقر.

يشار إلى أن سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط كان أعلن أن نسبة الفقر في تونس بلغت في أواخر العام الماضي 20 في المئة من جملة بلد يضم نحو 13 مليون نسمة.

وأضاف عبدالرحمن، خلال مشاركته في ندوة لاتحاد الشغل حول إصلاح منظومة الدعم، أنه بالإمكان تقديم عديد من الحلول التي يمكن أن تتضمن التقليص في موازنة الدعم مع المحافظة في الوقت ذاته على القدرة الشرائية للمواطن، لكن شريطة الحوار والتشاركية من أجل إعادة البلاد إلى المسار الصحيح.

وتابع أن مقاربة الاتحاد العام التونسي للشغل، أنه لا يمكن رفع الأسعار من دون دراسة، معتبراً أنه يمكن التخفيض بنسبة 50 في المئة من ميزانية الدعم، وذلك عبر محاربة الفساد والتهريب، وكذلك "التحكم في الدعم الموجه للمصانع والمطاعم والمؤسسات وهو ما سيسهم في تخفيض فاتورة الدعم بنحو 50 في المئة.

توجيه الدعم لا رفعه

أمام اللغط الحاصل وتضارب تصريحات أعضاء الحكومة، قال وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد، في تصريح إعلامي، إنه لا نية لرفع الدعم، بل سيتم تعزيزه وتوجيهه لمستحقيه بأفضل الآليات لأنه وسيلة للتفريق بين مختلف الطبقات في تونس.

وأكد سعيد، أن 20 في المئة من الفئة الأغنى في تونس تستفيد بنحو 32 في المئة من دعم الدولة، في حين أن 20 في المئة من الفئة الأقل موارد لا تتحصل سوى على 12 في المئة من هذا الدعم، مبرزاً أن تونس تعد متأخرة في إصلاح هذا الوضع مقارنة مع البلدان الأخرى.

واعترف الوزير بأن السياسة الحالية للدعم "فاشلة" لأنها مكلفة على موازنة الدولة ومبذرة للمال العام، بخاصة أن جزءاً كبيراً من المواد المنتجة تستهلك بشكل مكثف وتهرب.

اقرأ المزيد