Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدن محترقة وبلدان غارقة ومناخ الأرض يواصل مسلسله الكوارثي

لم يكن عام 2022 إلا نذيراً بأن السيناريو الأسوأ لن يتأخر

مدن مشتعلة وبلدان تغرقها المياه ضمن أسوأ كوارث المناخ في 2022 (غيتي)

حرائق الغابات تنهش ضواحي لندن، والمياه تطبق على أنفاس ثلث الأراضي في باكستان. وقد حلت مجاعة مدفوعة بالجفاف على عشرات الملايين من الناس في شرق أفريقيا. وذهبت مليارات الدولارات سدى جراء أضرار خلفها الإعصار الأقوى منذ "500 عام" الذي ضرب فلوريدا الأميركية.

كارثة تلو أخرى جلبها عام 2022 إلى مختلف أنحاء المعمورة، في حين استطاع العلماء بشكل أكبر أن يشيروا إلى أزمة المناخ باعتبارها السبب الجذري لهذه الكوارث.

في ما يلي، تسترجع "اندبندنت" بعض الحوادث المفاجئة والأكثر تدميراً المدفوعة باعتماد البشرية المستمر على حرق الوقود الأحفوري.

فيضانات باكستان

اجتاحت الفيضانات الموسمية القياسية باكستان هذا الصيف، وتركتها في فوضى عارمة، إذ غمرت المياه ثلث الأراضي في البلاد. حصت السيول المتزايدة ما يربو على ألف و700 وفاة، بينها 500 طفل تقريباً، فيما ألحقت إصابات جسدية بحوالى 13 ألف شخص. كذلك تسببت في نزوح زهاء ثمانية ملايين مواطن. وترتبت عليها خسائر بقيمة 40 مليار دولار جراء تضرر ثمانية آلاف ميل من الطرقات و439 جسراً و2.3 مليون منزل.

فاقمت أزمة المناخ غزارة الأمطار الموسمية التي هطلت فوق باكستان بما تراوح بين 50 و75 في المئة، بحسب ما أحصته لاحقاً مبادرة "وورلد ويذر أتريبيوشن"World Weather Attribution  ("دبليو دبليو أي" WWA)، علماً أنها فريق دولي من علماء مناخ يقدمون خبراتهم بهدف التوصل إلى إجابة عن السؤال الملح عن مدى تأثير تغير المناخ في هذا الحدث المتطرف أو ذاك.

للأسف، خلفت فيضانات باكستان الصيفية أزمات لا تعد ولا تحصى. تواجه البلاد كارثة ضخمة على مستوى الصحة العامة مع تفشي الأمراض المنقولة بواسطة المياه، التي أدت إلى إصابات كثيرة من التهاب المسالك البولية ومشكلات في الإنجاب ومضاعفات الحمل في أوساط النساء والفتيات. كذلك تعاني البلاد نقصاً في الغذاء بعدما غمرت المياه الحزام الزراعي في تلك الدولة النامية.

كذلك ألحقت الفيضانات الشديدة أضراراً بغرب أفريقيا ووسطها وأودت بحياة مئات الأشخاص. في نيجيريا وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي والكاميرون، غادر حوالى 3.4 مليون شخص منازلهم مكرهين، إذ غمرت المياه الأراضي الزراعية والمنازل والبنية التحتية.

ولقي أكثر من 40 شخصاً، من بينهم أربعة أشقاء دون الثامنة من العمر، حتفهم حينما ضربت فيضانات مفاجئة مناطق ريفية في ولاية كنتاكي الأميركية الصيف الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجفاف الكبير في القرن الأفريقي

تواجه إثيوبيا والصومال وكينيا أطول فترة جفاف تشهدها في 40 سنة، وذلك بعد غياب موسم الأمطار للعام الخامس على التوالي.

ويسلط القحط الاستثنائي الضوء على ضعف المنطقة وهشاشتها أمام الصدمات الناجمة عن المناخ، فيما يسود توقع بأنها ستشتد بسبب أزمة المناخ.

يواجه الملايين المجاعة بعدما تسبب نقص المياه في تلف المحاصيل وقتل زهاء 10 ملايين رأس من الماشية، في مناطق تنتشر فيها المزارع الصغيرة ويعتمد السكان على الرعي كوسيلة للعيش. في كينيا وحدها، تقدر الحكومة التكلفة الاقتصادية لفقدان الثروة الحيوانية بأكثر من 1.5 مليار دولار.

عبر مناطق القرن الأفريقي، ستطال الأضرار 36 مليون شخص في أقل تقدير، غالبيتهم في إثيوبيا، لكن نحو ثمانية ملايين إنسان في الصومال وخمسة ملايين في كينيا قد تأثروا بها أيضاً. ويشمل ذلك أكثر من تسعة ملايين امرأة في سن الإنجاب واجهن مخاطر تتهدد صحتهن ومخاوف من العنف القائم على الجندر نتيجة الجفاف.

"هربنا من الجوع، غير أن الجوع لحق بنا إلى هنا. حاولت أن أجد المساعدة، لكن الأوان كان قد فات بالنسبة إلى أحمد. أخذ نفسين أخيرين وانتهت حياته. لم يبكِ"، وفق كلمات ماهوبو علي، أم لثلاثة أطفال، في حديث إلى منظمة "أنقذوا الأطفال" Save the Children في "بيدوا" بالصومال. لقد وضعت مولودها في مخيم للنازحين، لكن جسمها عجز عن إنتاج ما يكفي من الحليب لإطعام طفلها.

 

وأفادت تلك المنظمة الخيرية أنه حتى من دون الإعلان رسمياً عن المجاعة في الصومال، فإن الوفيات خلال هذا الجفاف قد تكون مرتفعة على غرار ما كانت عليه في مجاعة عام 2011.

دُفن ما يربو على 230 طفلاً في مقبرة واحدة في "بيدوا" بعد وفاتهم بسبب سوء التغذية. ويكابد حوالى خمسة ملايين طفل سوء التغذية الحاد في المناطق التي يسيطر عليها الجفاف.

وتعاني حوالى 1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، وكثيرات منهن قد ضحين بعافيتهن وغذائهن من أجل عائلاتهن.

إعصار "إيان" يضرب فلوريدا

ضرب الإعصار الذي لامس الفئة الخامسة وسمي "إيان" Ian، ولاية فلوريدا الأميركية في سبتمبر الماضي بعدما مر بعملية "تكثيف سريع". وأصبحت هذه الظاهرة الأخيرة، التي تتبدى حينما تُشحن الأعاصير المدارية بقوة خلال فترة زمنية قصيرة، أكثر شيوعاً لأن أزمة المناخ تفاقم حرارة المحيطات. [ارتفاع الحرارة يزيد من كمية المياة المتبخرة فوق المسطحات المائية الكبرى، ما يحمل الأعاصير بكميات كبيرة من الأمطار]

بلغ "إيان" اليابسة في جنوب غربي فلوريدا مصحوباً برياح اقتلعت أسطح البيوت، وارتفعت المياه في المناطق الساحلية حتى بلغت في بعض الأماكن علو مبنى من طابقين.

وذكر حاكم فلوريدا رون ديسانتيس إننا "لم نشهد تدفقاً عاصفاً بهذا الحجم"، واصفاً العاصفة بأنها "في الحقيقة فيضان لم يحدث منذ 500 عام".

جاء الضرر بشكل شبه كامل في بعض المجتمعات حيث دمرت منازل كثيرة من أساساتها، بينما غمرت المياه منازل أخرى حتى أسطحها. وجرفت المياه القوارب واليخوت الكبيرة كما لو أنها ألعاب أطفال، وتجمعت في أكوام على بعد أميال نحو المناطق الداخلية.

وجدت جزيرة "سانيبل"، وهي مجتمع محيطي خلاب خارج "فورت مايرز" بولاية فلوريدا، نفسها مقطوعة عن البر الرئيس بعد انهيار جزء كبير من جسر "سانيبل كوزواي"، الطريق الوحيد المؤدي إليها.

ولقي أكثر من 100 شخص مصرعهم في إعصار "إيان" فيما غرق كثيرون في منازلهم أو سياراتهم بعدما رفضوا الإخلاء. وتعد هذه ثالث أعنف عاصفة مدارية تضرب البر الرئيس للولايات المتحدة بعد "كاترينا" و"ساندي".

بقي آلاف الأشخاص مشردين لفترات طويلة بعدما فقدوا منازلهم. وتسبب "إيان" في أضرار مؤمن عليها تتراوح قيمتها بين 50 و65 مليار دولار، وفق شركة التأمين العالمية "سويس ري".

للأسف، عواصف مخيفة وحادة، يعزى تفاقمها إلى تغير المناخ، نشبت في شتى أنحاء العالم في 2022. لم تتعاف بورتوريكو بعد من إعصار "فيونا" الذي ضربها في سبتمبر (أيلول) الماضي حاملاً معه أمطاراً "تاريخية" ورياحاً شديدة، وتاركاً الجزيرة برمتها من دون كهرباء. في الشهر نفسه، لجأت منطقة جنوب غربي اليابان إلى إجلاء مليوني شخص بسبب إعصار "نانمادول" الذي جلب معه أمطاراً غزيرة ورياحاً تصل سرعتها إلى 155 ميلاً في الساعة (250 كيلومتراً/ ساعة).

موجة الحر في الصين

جلب الصيف إلى أجزاء كبيرة من الصين حرارة شديدة طويلة الأمد استمرت قرابة ثلاثة أشهر، مع درجات حرارة مهولة ودخول البلاد في أول حالة تأهب وطنية بسبب الجفاف.

وكذلك ذكر خبراء صينيون في الأرصاد الجوية أنها كانت أقوى موجة حر تشهدها البلاد منذ بدء تسجيل الأرقام القياسية في 1961. وقد تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية (104 درجات فهرنهايت) في المدن والقرى الريفية في مختلف أنحاء جنوب الصين.

وطلب المسؤولون من سكان مقاطعة "سيشوان" تشغيل مكيفات الهواء فوق 26 درجة مئوية، بينما أبقت محطات السكك الحديد والأماكن العامة الأخرى أضواءها خافتة. وأطفأت منطقة "باند" في شنغهاي شاشتها الضوئية المميزة توفيراً للطاقة.

في بعض المناطق، تراجع منسوب نهر "يانغتسي" العظيم إلى حد كبير، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل حركة الشحن وتباطؤ الصناعة بعدما تأثرت محطات الطاقة الكهرومائية بانخفاض مستويات المياه.

نضُبت مياه نهر "جيالينغ"، أحد روافد نهر "اليانغتسي"، إلى حد أن السكان المحليين عمدوا إلى التنزه مساء على طول مجرى النهر الترابي.

ولم تسلم مدينة "تشونغشينغ" الواقعة جنوب غربي الصين من الحرائق التي اندلعت في الغابات الجبلية، وأجبرت 1500 شخص على إخلاء منازلهم. قلصت بعض مراكز التسوق ساعات عملها توفيراً للكهرباء. وحاول السكان تبريد أجسامهم في ملاجئ مضادة للغارات الجوية شيدت في الحرب العالمية الثانية.

الآن، تبدأ موجات الحر في وقت مبكر وتستمر لفترة أطول من المعتاد. ويُعتقد أن الحرارة الشديدة في الصين مرتبطة بأزمة المناخ الناجمة عن نشاط الإنسان، لكن العلماء ما زالوا يواصلون تحقيقاتهم في هذا المجال.

حرائق الغابات والحرارة القاتلة في أوروبا

اجتاحت درجات الحرارة القياسية والقاتلة مختلف أنحاء أوروبا الصيف الماضي، تاركة النيران تستعر في الغابات في أماكن لم يحدث أن نشبت فيها الحرائق سابقاً.

ويُعتقد أن ما يربو على 20 ألف شخص لقوا حتفهم في غرب أوروبا بسبب موجة الحر الشديدة.

وبحسب كبيرة المحاضرين في علوم المناخ في "معهد غرانثام" في "إمبريال كوليدج لندن" ورئيسة مشاركة لمبادرة "وورلد ويذر أتريبيوشن"، الدكتورة فريدريك أوتو، فإن "انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري كالفحم والغاز والنفط، تقود إلى موجات حر أكثر سخونة وأطول أمداً وأكثر تكراراً. إن موجات الحر التي كانت نادرة سابقاً صارت شائعة الآن. ثمة موجات قيظ كانت مستحيلة لكنها باتت تحدث الآن وتقتل الناس".

في المملكة المتحدة، تخطت الحرارة الـ40 درجة مئوية (104 فهرنهايت) للمرة الأولى في التاريخ المسجل، فوصلت إلى 40.3 درجة مئوية في بلدة "كونينغسبي" الصغيرة في 19 يوليو (تموز). وجدت "وورلد ويذر أتريبيوشن" أن موجة الحر التي اجتاحت المملكة المتحدة أصبحت أكثر ترجيحاً بـ10 مرات في أقل تقدير، بسبب تغير المناخ المدفوع بأنشطة الإنسان.

كذلك ضاعفت الحرارة من أحوال الجفاف الخطيرة في معظم أنحاء أوروبا، وجعلت من المساحات الطبيعية مهيأة للحرائق المهولة. لقد شهدت البرتغال ألهبة ضخمة في متنزه "سيرا دا إستريلا الوطني" الذي يندرج ضمن قائمة اليونيسكو لحماية التراث العالمي، لكنه يبقى قليل السكان.

في وسط ألمانيا، حارب مئات من عمال مواجهة حالات الطوارئ، حريق غابات كبيراً اندلع في وسط حديقة "هارتس" الوطنية.

في فرنسا، دمرت حرائق ضخمة مساحات شاسعة من الريف. وجاء المئات من رجال الإطفاء من دول أوروبية مجاورة لمساعدة طواقم الإطفاء الفرنسية في السيطرة على حرائق اجتاحت منطقة "جيروند". كشف برنامج "كوبرنيكوس" للأقمار الصناعية التابع للاتحاد الأوروبي، أن انبعاثات الكربون التي يُقدر أن حرائق الغابات في فرنسا أطلقتها خلال يونيو (حزيران) ويوليو وأغسطس (آب)، كانت الأعلى منذ عام 2003، ما يعبر عن الخطورة التي انطوى عليها موسم الحرائق العام الماضي.

وفي يوليو، اندلعت مئات الحرائق في جنوب إنجلترا وويلز حينما اجتاحت موجة من الحر الشديد المملكة المتحدة. ونشبت حرائق الغابات في أجزاء من لندن ومقاطعات "كنت" و"كورنوال" و"بيمبروك شاير".

كذلك أعلنت "فرقة إطفاء لندن" عن وقوع حادث كبير نتيجة الارتفاع المهول في الحرائق "المرتبطة بالطقس" وحرائق العشب في مختلف أنحاء العاصمة وسط حرارة 40 درجة مئوية. ووصل الأمر إلى حد أن خدمة الإطفاء هذه سجلت أكثر أيامها ازدحاماً منذ الحرب العالمية الثانية، إذ دمرت الحرائق أكثر من 40 منزلاً ومتجراً في العاصمة البريطانية.

© The Independent

المزيد من بيئة