Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كوارث المناخ تنازع حرب أوكرانيا على بطولة 2022

أعاصير وجفاف وحرائق تعصف بعشرات الملايين ومتخصصون: "مجرد بداية" والأسوأ لم يأت بعد

لم تستطع الدول الكبرى التوصل لتوافق في شأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (أ ف ب)

إذا كان عام 2022 قد طُبع بأصوات المعارك ولهيب راجمات الصواريخ في أوكرانيا، فإن حرارة وحيدة لم تكن للأحداث وإنما للكوكب ذاته تسببت في كوارث مناخية أثرت في حياة عشرات الملايين، وخلفت خسائر مادية تفوق 260 مليار دولار.

شهد العالم ظواهر مناخية وكوارث طبيعية مرتبطة بتغير المناخ هي الأخطر منذ عقود وتسببت في خسائر بشرية ومادية هائلة، وكان من أبرز البلدان المتضررة باكستان التي ضربتها فيضانات كارثية خلال الصيف أدت لتشريد نحو 33 مليوناً وأودت بحياة 1730 شخصاً.

ووفقاً لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" فقد وقعت في بعض المناطق أمطار بمعدل من خمسة إلى ستة أضعاف المعدل السنوي، واستمرت لمدة أطول من المتوقع. وتم تقدير خسائر الفيضانات بنحو 40 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يفوق تقديرات سابقة للحكومة الباكستانية بنحو 10 مليارات دولار.

أزمة مياه

على النقيض عاش العراق أزمة حادة بسبب نقص المياه وموسم الجفاف الذي وصفه مستشار وزارة الموارد المائية العراقية عون ذياب في تصريحات صحافية، سبتمبر (أيلول) الماضي، بأنه الأقسى في العراق منذ عام 1930، مع تجاوز نسبة انخفاض المخزون المائي بنسبة 60 في المئة عن الأعوام السابقة، وانعكس ذلك في معاناة ستة من كل 10 عراقيين للوصول إلى مياه الشرب، إضافة إلى التراجع الكبير في المحاصيل الزراعية، بحسب ما ذكر تقرير صادر عن منظمة "المجلس النرويجي للاجئين" (غير حكومي).

كما دفع الجفاف في العراق هذا العام 1200 عائلة إلى النزوح من مناطق الأهوار ومناطق زراعية في جنوب البلاد. وقالت الأمم المتحدة إن الانخفاض الحاد في مياه الأهوار أفقد ستة آلاف أسرة ريفية مصدر رزقها الوحيد وهو "الجواميس".

حرائق الغابات

اللافت أيضاً في 2022 هو اتساع نطاق حرائق الغابات التي استمرت وقتاً أطول من المعتاد وشملت دولاً أكثر وبشدة أكبر حتى في فصل الشتاء. وضمت قائمة الحرائق الواسعة النطاق دولاً في معظم قارات الكرة الأرضية، ففي القارة الآسيوية أتت الحرائق على أكثر من 14800 فدان بكوريا الجنوبية في مارس (آذار) الماضي، ودفعت أكثر من 6200 شخص إلى ترك المنطقة في مقاطعة أولجين الساحلية الواقعة في شرق البلاد بالقرب من محطة "هانول" للطاقة النووية.

كما شهدت الولايات المتحدة حريقاً نادراً في يناير (كانون الثاني) الماضي نشب في ولاية كولورادو وأتى على أكثر من ألف فدان وتسبب في إغلاق طريق سريع. وفي أبريل شهدت ولاية نيو مكسيكو حريقين هما الأكبر في تاريخها، حيث أتيا على أكثر من 341 ألف فدان، إضافة إلى اندلاع حريق في ولاية كاليفورنيا في يوليو (تموز) الماضي نتج منه دمار نحو أربعة آلاف فدان وإتلاف بعض الأشجار الضخمة والقديمة.

وإلى الشمال نشب في كندا أكبر حريق في غابات إقليم كولومبيا البريطانية، حيث احترق 2000 فدان في أول يومين فقط من الحريق.

 

وفي أميركا الجنوبية، اندلعت حرائق في إقليم كوريينتس في الأرجنتين في فبراير (شباط) ودمرت 12 في المئة من الغابات والمراعي بالإقليم، وشردت النيران أو قتلت حيوانات برية عدة مثل الخنزير والذئاب والتماسيح والغزلان.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، اندلعت حرائق في عدد من الأقاليم شمال وجنوب المغرب، حيث التهمت النيران 4 آلاف فدان من الغابات على الأقل، وتم إجلاء المئات من منازلهم. وكذلك شهدت ولايات شرق الجزائر موجة حرائق خلفت نحو 40 قتيلاً.

أما في أوروبا، فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى 42 درجة مئوية إلى نشوب حرائق في الغرب على ساحل المحيط الأطلسي، ما تسبب في احتراق نحو 48 فداناً بين يونيو ويوليو، وصدرت الأوامر لنحو 34 ألف شخص بمغادرة المنطقة.

كذلك أججت موجة حارة حرائق إسبانيا في يونيو الماضي، ودمرت نحو 70 ألف فدان. وامتدت الحرائق في شبه جزيرة إيبيريا إلى البرتغال التي شهدت مناطقها الشمالية حرائق ألحقت أضراراً بنحو 15 ألف فدان في يوليو (تموز) الماضي، فضلاً عن إغلاق أهم طريق سريع في البرتغال بسبب حريق آخر اندلع إلى الجنوب. وفي الشهر نفسه شهدت تركيا حريقاً في منطقة مطلة على بحر إيجة دمر 1700 فدان.

موجات الحر

كوارث درجات الحرارة المرتفعة لم تقتصر على الغابات فقط بل امتدت للبشر، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية أن موجات الحر أودت بحياة 15 ألف شخص على الأقل خلال 2022، في حين كانت كل من إسبانيا وألمانيا الأكثر تضرراً. وكانت الأشهر الثلاثة بين يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) الأكثر ارتفاعاً في درجات الحرارة في أوروبا منذ بدأ تسجيل بيانات الطقس.

وذكرت الحكومة الإسبانية بأن أكتوبر الماضي كان الشهر الأكثر حراً في البلاد منذ بدء تسجيل البيانات عام 1961، حيث بلغ معدل درجات الحرارة خلال الشهر 18 درجة مئوية، أي أعلى بـ3.6 درجات مئوية عن المعدل المسجل في الشهر نفسه بين عامي 1981 و2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما سجلت بريطانيا في الصيف الماضي درجات حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية للمرة الأولى في تاريخ سجلاتها المناخية.

وللمرة الأولى منذ نحو 500 عام شهدت القارة الأوروبية معدلات جفاف مرتفعة أدت إلى وضع 47 في المئة من مناطق القارة في حال "إنذار بالجفاف"، وشوهد قاع بحيرات وأنهار شهيرة مثل "التيمز" البريطاني و"الراين" في ألمانيا وغيرهما بسبب انحسار المياه ونقص الأمطار، وأثر ذلك على قطاع النقل بالقوارب، وكذلك على الطاقة الكهرومائية التي فقدت نحو 20 في المئة من قدرتها في أغسطس الماضي، إضافة لتأثر قطاع الزراعة، إذ انخفضت توقعات الاتحاد الأوروبي للحصاد بنسبة 16 في المئة للذرة، و15 في المئة لفول الصويا، بالمقارنة مع متوسط السنوات الخمس الماضية.

الأمن الغذائي

خلال هذا العام ضرب الجفاف بقوة شرق القرن الأفريقي، حيث يعد موسم الأمطار الذي امتد من مارس إلى مايو الماضيين هو الأكثر جفافاً على الإطلاق وفق تقديرات الأمم المتحدة، ويعد الصومال الأكثر تضرراً بمعدلات جفاف غير مسبوقة منذ 40 عاماً أثرت في حياة المدنيين وسط ارتفاع نسب سوء التغذية بين الأطفال.

وفي جيبوتي يواجه 13 في المئة من السكان أزمة تغذية، كما يهدد الجفاف في كينيا الأمن الغذائي لأكثر من ثلاثة ملايين شخص. وفي منطقة جنوب الصحراء تسبب الجفاف في النيجر بمعاناة أكثر من أربعة ملايين أسرة من تداعيات نقص المواد الغذائية.

 

ودفعت تغيرات المناخ إلى هبوب أعاصير عدة هذا العام، أبرزها الإعصار "إيان" الذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة وجزر الكاريبي، وتسبب في عشرات الوفيات وخسائر تتراوح بين 50 إلى 65 مليار دولار، ما يجعلها ثاني أكبر خسارة من هذا النوع على الإطلاق بعد إعصار "كاترينا" عام 2005.

إجمالاً قدرت الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات بـ260 مليار دولار هذا العام، بحسب التقرير السنوي الصادر عن معهد "سويس ري" للتأمين.

وبحسب متخصصين في مجال تغير المناخ فإن كل تلك الكوارث المناخية في العام الحالي قد تكون "مجرد بداية" لما يمكن أن يحدث على نطاق واسع مستقبلاً.

ونقلت وكالة "الصحافة الفرنسية" عن روبير فوتار مدير معهد "بيار- سيمون لابلاس"، المتخصص بعلوم المناخ أن "عام 2022 من أكثر السنوات حراً في العالم مع كل الظواهر التي رافقت ارتفاع الحرارة من موجات حر وأمطار وفيضانات وجفاف".

تأثير الحرب

بجانب الكوارث المناخية، مثلت الحرب الروسية - الأوكرانية تحدياً إضافياً لجهود مجابهة تغير المناخ، وقد بدأت التحذيرات منذ الأسابيع الأولى للحرب، ففي مارس (آذار) الماضي، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من التوقعات بزيادة استخدام الوقود الأحفوري بنسبة 14 في المئة لتعويض النقص المحتمل في إمدادات الطاقة، ما يعني تقويض جهود العالم للالتزام بالهدف المناخي الذي أرسته "قمة باريس" عام 2015، وهو الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية خلال القرن الحالي، مما يتطلب الحد من استهلاك الوقود الأحفوري عالمياً بنسبة 55 في المئة.

 

ومع استمرار الحرب يواصل غوتيريش تحذيراته من التوسع في الاعتماد على الوقود الأحفوري، ففي كلمته أمام "منتدى المحيطات" في البرتغال في يونيو (حزيران) الماضي، قال إن "بعض القادة" يصبون الزيت على النار من خلال الاستثمار في الوقود الأحفوري وضخ مليارات جديدة من الدولارات في قطاعات الفحم والنفط والغاز، والتي هي القوة المحركة لحال الطوارئ المناخية المتفاقمة التي نعيشها، بحسب تعبيره، داعياً إلى التوقف عن "إدمان" الوقود الأحفوري، والتوجه إلى مصادر الطاقة المتجددة.

وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة يقترب العالم بشكل خطير من "بلوغ حد الدرجة ونصف الدرجة المئوية التي يحذرنا العلم من أنها أقصى ما يمكن أن يبلغه مستوى الاحترار قبل أن يؤدي إلى وقوع أسوأ الآثار المناخية، وللإبقاء على ذلك الحد يجب خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030، وأن تصل الانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول منتصف القرن الحالي"، مشيراً إلى أن "الالتزامات الوطنية الراهنة ستؤدي إلى حدوث زيادة بنسبة 14 في المئة تقريباً خلال العقد الحالي، ما سيؤدي إلى "كارثة محققة"، وفق تعبيره.

العودة للفحم

الصورة القاتمة التي رسمها الأمين العام للأمم المتحدة مبعثها تراجع عديد من الدول عن خططها لمواجهة تغير المناخ، وإن كان بشكل موقت بحسب ما يؤكدون، حيث أعادت دول أوروبية عدة العمل في محطات كهرباء تعمل بطاقة الفحم مثل ألمانيا والنمسا وهولندا بعد انخفاض ثم توقف تدفق الغاز من روسيا والسبب المعلن لذلك الخلاف في شأن سبل الدفع وأمور تتعلق بصيانة المعدات، لكن الأسباب السياسية تهيمن على المشهد.

وارتفعت أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى مستويات غير مسبوقة ما دفع الدول الأوروبية للجوء إلى الفحم، وهو ما وصفه وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك بـ"شيء مؤلم، لكنه ضروري وسط هذه الأزمة لتقليل استهلاك الغاز". وكانت ألمانيا تعمل على التخلص تدريجاً من محطات الكهرباء العاملة بالفحم.

وتؤكد الدول الأوروبية أن العودة للفحم إجراء موقت للتغلب على نقص تدفقات الغاز، لكن نشطاء البيئة حثوا على الاستمرار في تنفيذ أهداف العمل المناخي. وقبل الحرب في أوكرانيا، كان الاتحاد الأوروبي يعتمد على روسيا في إمداده بنحو 40 في المئة من حاجاته من الغاز.

وفي الاتجاه المعاكس لما تسمى "الأهداف المناخية" أقبل عديد من الدول على إبرام مزيد من العقود لشراء الوقود الأحفوري أو الاستثمار في حقول جديدة للنفط والغاز، حيث أعلنت ألمانيا وهولندا عن خطط لتطوير حقل غاز جديد في بحر الشمال. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز إن ألمانيا تريد متابعة مشروعات الغاز مع السنغال، ووقع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل لتصدير مزيد من الغاز.

مؤتمر المناخ

خصص الاتحاد الأوروبي نحو 12 مليار يورو (12.73 مليار دولار) لخطوط أنابيب الغاز ومنشآت استيراد الغاز الطبيعي المسال، وتقول المفوضية الأوروبية إنها خطوة قصيرة الأجل لتأمين إمدادات الطاقة أثناء العمل على توسيع استخدام الطاقات المتجددة.

وعلى رغم الصورة القاتمة التي رسمتها الكوارث المناخية، نجح قادة دول العالم خلال مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف الموقعة على اتفاقية المناخ "كوب27" الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في إقرار صندوق لتعويض الخسائر والأضرار التي تتكبدها الدول النامية جراء التغير المناخي، وذلك بعد أسبوعين من المفاوضات الصعبة التي أدت لتمديد المؤتمر ليومين.

وشهد المؤتمر حضوراً كبيراً من قادة الدول، أبرزهم الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن رئيسي الصين وروسيا ورئيس وزراء الهند، وهي من أبرز الدول المسببة للانبعاثات، غابوا عن المؤتمر.

وعلى رغم ذلك لم تستطع الدول الكبرى التوصل لتوافق في شأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث قال رئيس شؤون المناخ في الاتحاد الأوروبي فرانس تيمرمانز "لم تكن الصفقة النهائية خطوة كافية إلى الأمام".

المزيد من بيئة