Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين "أهوال الهجرة" والعيش بيأس... شباب غزة يختارون "أفضل الشرين"

لقي 360 مصرعهم أو فقدوا في المياه و"حماس" و"فتح" تتبادلان الاتهامات

أكثر من 860 ألفاً هاجروا من غزة منذ سيطرة "حماس" عام 2007 (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

تسع محاولات فاشلة خاضها ماهر للهجرة غير الشرعية من غزة إلى أوروبا، وعلى الرغم من أنه لم يحقق فيها شيئاً أكثر من الحفاظ على حياته وإنقاذ نفسه من الموت المحتم بأعجوبة، فإنه لم يصب باليأس من تكرار محاولاته للهروب مما وصفه بـ"جحيم الحياة التي يعيشها في القطاع الفقير".

وألح ماهر على الهجرة غير الشرعية للمرة العاشرة، وكالعادة اختار البحر طريقه، فلا يوجد له منفذ آخر للهروب من غزة سوى المياه، التي بات يعرف مخاطرها، فاليأس الذي أصابه داخل مدينته دفعه للمجازفة من جديد.

حتى في المرة الأخيرة، لم يكتب لماهر الوصول إلى حلمه الذي كان يراوده منذ خمس سنوات، ولم يعش الحياة الوردية التي كان يخطط لها فور وصوله إلى أوروبا، إذ لقي الشاب مصرعه في وسط البحر، وعاد إلى غزة من جديد جثة هامدة.

 

 

أمنية أم ماهر التي كانت الممول لمحاولات هجرته غير الشرعية الفاشلة، التي زادت قيمتها على 12 ألف دولار أميركي. تقول إن "عمره تجاوز 35 سنة، ولم يجد فرصة عمل يستطيع من خلالها الزواج، لقد أصابه اليأس من ظروف غزة الصعبة، وكان دائماً ما يسمع من أصدقائه الذين هاجروا عن الحياة في أوروبا والأموال التي تمكنوا من ادخارها، إلى أن باتت الفكرة تجري في دمه".

كان ماهر يروي لوالدته تفاصيل وعذابات عاشها خلال محاولاته الفاشلة بالتفصيل، ولكنها لم تتمكن على الرغم من أنها الأقرب إلى قلبه، من ثنيه عن تكرار مساعيه للهروب من غزة، تضيف "بسبب الإحباط بات البحث عن الهجرة واجباً إنسانياً للشباب في غزة".

تتابع الأم الثكلى "كان يؤمن بأن الهجرة رحلة موت باعتبار أنه يتعامل مع سماسرة لا يهتمون إلا للمال، وأرواح الناس لا تعنيهم، كان دوماً يكرر لي الأمر، لكنه لم يكف عن المحاولة حتى مات في البحر وكاد السمك يأكل جثته".

تروي أمنية إحدى رحلات ماهر "بعد الاتفاق مع أحد السماسرة المهربين، ودفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار، وفر لهم المهرب مركباً خشبياً مهترئاً. وقال لهم تحركوا به وبعد ميلين بحرية ستجدون مركباً مطاطياً على متنه قبطان ومنقذاً سينقلكم إلى أوروبا، لكنهم لم يجدوا شيئاً سوى موج هدار يزيد ارتفاعه على متر عن سطح البحر، وأصبح الماء يدخل بشكل مباشر للقارب حتى قلبه وغرق القارب ومات 15 شخصاً كانوا على متنه من أصل 20".

وتكمل الأم "لم يكن عنده أمل بالخروج من البحر حياً، كان مدركاً أنه ميت إلى أن أنقذه خفر السواحل بعد أربع ساعات من المكوث في المياه، بعدها لاحقوهم بالضرب إلى أن تقيأ ماهر دماً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معظم الرحلات تغرق في البحر

يدرك أغلب شباب غزة أهوال الهجرة غير الشرعية لكنهم ما زالوا يبحثون عنها، وعادة ما يكون لها مسلكان إما من خلال السفر إلى تركيا ومن ثم الهرب إلى اليونان أو عن طريق الوصول إلى ليبيا وركوب البحر حتى إيطاليا، لكن في الطريقين تكون النهاية في الغالب الغرق في البحر. وعادة ما تكلف رحلة الموت هذه نحو أربعة آلاف دولار، ما بين الخروج من غزة إلى القاهرة إلى وجهة السفر، ومن ثم دفع تكاليف التهريب إلى السماسرة.

خلال عام 2022، تمكن أكثر من 74 ألف مواطن من السفر خارج قطاع غزة عبر معبر رفح، فيما عاد منهم 57 ألفاً فقط. وبقي خارج القطاع نحو 17 ألفاً (مسافرون قد لا يكونون من الساعين إلى الهجرة) بحسب بيانات الهيئة العامة للمعابر والحدود في وزارة الداخلية.

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" فإن أكثر من 360 فلسطينياً من غزة لقوا مصرعهم أو فقدوا في البحر خلال العام الماضي أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

يقول مستشار وزارة الخارجية والمغتربين أحمد الديك "يلجأ كثير من الشبان في غزة إلى مغادرتها بغرض الهجرة إلى الدول الأوروبية أحياناً بطرق غير شرعية، هرباً من الأوضاع الاقتصادية المتردية في القطاع، ونتابع جميع هذه الرحلات لكن لا نستطيع إيقافها".

 

 

ويضيف "معظم الرحلات تغرق في البحر، وهناك من يفقد أثره ربما يأكله السمك أو ينقله الموج لمكان بعيد، لقد ألقى البحر عدداً من الجثث خلال السنوات الماضية، وحاولنا إعادة الجثامين التي تأكدنا منها إلى غزة".

وبحسب الديك فإن "عصابات الاتجار بالبشر تقف وراء رحلات الهجرة غير الشرعية هذه وتستغل شباب غزة وتتقاضى منهم أموالاً طائلة، لذلك يجب الامتناع عن أساليب الهجرة غير الشرعية وعدم الوقوع في مصيدة تجار الموت في البحار وعصابات الاتجار بالبشر وأعضائهم حتى لا تتكرر هذه المأساة".

أرقام مفزعة وراء الهجرة

وتفيد معلومات "وفا" أنه منذ سيطرة "حماس" على غزة عام 2007 حتى عام 2021، غادر القطاع أكثر من 860 ألفاً من دون عودة، قضى بعضهم في حوادث غرق لقوارب الهجرة غير الشرعية التي كانوا على متنها خلال الإبحار لمسافات بعيدة. ويظهر تقرير صادر عن مجلس العلاقات الدولية أن هناك 60 ألفاً هاجروا من غزة منذ عام 2014 ولم يعودوا إليها، بحثاً عن حياة أفضل.

هذه الأعداد الكبيرة للذين هاجروا بطرق غير شرعية من غزة، خلفها أرقام هائلة كانت السبب الذي دفع السكان للهروب من القطاع. وبلغة الأرقام الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، فإن ستة من كل 10 عائلات في قطاع غزة تعاني انعدام الأمن الغذائي، في حين بلغ معدل الفقر 64 في المئة، وبسبب ذلك بات 80 في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، لأن البطالة فاقت حاجز 71 في المئة.

"حماس": نحاول مساعدة الشباب

ويقول المتحدث باسم حركة "فتح" حسين حمايل إن "مصرع وفقدان مهاجري غزة غير الشرعيين جاء نتيجة النهج الذي تتبعه سلطة حماس، وهي التي تتحمل المسؤولية الفعلية والأخلاقية لحوادث الغرق المتكررة الناجمة عن ظاهرة الهجرة الجماعية للشباب في القطاع نتيجة أزمة البطالة والفقر المدقع".

فيما يرى النائب عن حركة "حماس" في المجلس التشريعي عاطف عدوان، أن الهجرة من غزة لا تمثل ظاهرة، لأن غايات الهجرة متعددة، وأن هناك من خرج طالباً العمل والتعليم. ويقول "ناقشنا في التشريعي قضية الشباب والهجرة ونعمل على تغيير أوضاع المجتمع والتركيز على النواحي الاقتصادية".

المزيد من متابعات