Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غزة "العطشانة" تشرب من البحر

حصة الفرد من المياه الصالحة للاستهلاك البشري تصل إلى 22.4 ليتر ومشاريع التحلية تحتاج كميات هائلة من الطاقة بتكلفة مرتفعة

لم تعد مصادر المياه في غزة قادرة على تلبية حاجات السكان ولم يبق أمامهم سوى تحلية مياه البحر (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

فكرة أن يشرب سكان غزة من مياه البحر، لم تعد ضرباً من الخيال بل باتت حقيقة واقعية، في ظل أزمة مائية خانقة يمر بها القطاع، وسط حلول بديلة محدودة لا يمكنها توفير الكميات النظيفة المطلوبة لاستهلاك نحو 2.3 مليون مواطن.

بحسب بيانات سلطة المياه الفلسطينية (مؤسسة حكومية) يحتاج سكان غزة سنوياً لنحو 300 مليون متر مكعب من المياه، لكن هذا العام والعام المقبل لا يتوافر منها سوى 109 ملايين متر مكعب لجميع الاستخدامات بما فيها الشرب، وهذا يعني أن المياه باتت نادرة جداً في القطاع.

تعتمد غزة في توفير المياه على ثلاثة مصادر، وتعد الآبار الجوفية المصدر الرئيس الذي يغطي نحو 97 في المئة من الاستهلاك السنوي، ويأتي شراء المياه من شركة "مكروت" الإسرائيلية كمصدر ثان ويوفر 2 في المئة من حاجة غزة، بينما المصدر الثالث هو ست محطات لإعادة تنقية المياه العادمة من أجل استخدامها لأغراض الزراعة والري.

نضوب المصادر

جميع هذه المصادر، وبالتحديد المصدر الرئيس منها لم يعد يستطيع توفير مياه مناسبة للاستخدام الآدمي أو المنزلي لسكان غزة. يقول رئيس سلطة المياه مازن غنيم إنه في ظل عدم توافر مصادر للمياه اضطروا إلى استخراج المياه الجوفية عبر آبار الحوض الساحلي ويسحبون منها نحو 187 مليون متر مكعب سنوياً، وهذا يعد ضخاً جائراً، في حين أن الحد المسموح به 60 مليون متر مكعب في العام، وأدى ذلك لنضوب مخزون المياه حتى 23 متراً تحت مستوى سطح البحر.

السحب الجائر للمياه الجوفية جعلها أدنى من مستوى سطح البحر، وهو ما دفع المياه المالحة إلى الدخول على الخزان الأرضي، وإلى جانب ذلك فإن شبكة الصرف الصحي في غزة مهترئة ومدمر منها 75 في المئة ما ترتب عليه تسرب المياه العادمة إلى الخزان.

شكل تلوث المياه الجوفية إلى جانب نضوبها أزمة في مصادر المياه وباتت الآبار الساحلية عاجزة عن توفير كميات تكفي للاستهلاك السنوي الذي يحتاج إليه القطاع، الأمر الذي دفع سكان غزة إلى شرب مياه البحر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فعلياً، يعتمد أكثر من ثلث سكان غزة على مياه البحر منذ سنوات في الاستخدام المنزلي، من دون أن تخضع إلى إعادة تنقية أو تحلية، فيما تصل إلى بقية السكان مياه جوفية لكنها لا تتناسب مع المعايير الدولية إذ تحتوي هذه على نسب مرتفعة من الكلوريد والنترات، وهو ما يشكل خطراً على الصحة، ونتيجة لذلك باتت أعداد متزايدة من الغزيين تعاني الفشل الكلوي.

إلى جانب ذلك، لا تصل المياه إلى جميع منازل سكان غزة بشكل منتظم، وباتوا يحصلون عليها مرة واحدة كل أربعة أيام ولمدة ست ساعات فقط، وهناك احتمال لفقدانهم هذا الحق إذا كانت الكهرباء مقطوعة.

هذه العوامل جميعها دفعت سكان غزة فعلياً إلى اللجوء لمياه البحر من أجل استخدامها لأغراض آدمية ومنزلية، لتعويض ندرة مياه الشرب، بخاصة أن الحلول البديلة ما زالت لا تلبي الاحتياجات الأساسية.

مفارقة

يحمل موضوع المياه في غزة مفارقة مدهشة عند مقارنته مع الوضع في إسرائيل، حيث يستهلك الفرد في الأخيرة نحو 430 ليتراً يومياً، بينما الفرد من غزة لا تتجاوز حصته 72 ليتراً في اليوم، لكن عند احتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة والملوثة، فإن حصة الفرد من المياه الصالحة تصل فقط إلى 22.4 ليتراً في اليوم.

تعد هذه الحصة الأدنى عالمياً وفق مؤشرات منظمة الصحة العالمية التي حددت أيضاً أن حصة الفرد اليومية 150 ليتراً، وألا يتجاوز ثمن شراء المياه العذبة ثلاثة في المئة من إجمالي دخل الفرد، بينما في غزة يستهلك الفرد نحو 10 في المئة من دخله لشراء المياه.

لتجاوز أزمة المياه، يُطلب من الفلسطينيين ابتكار وسائل وطرق تقلل من استخدام المياه وأخرى من أجل جمع مياه الأمطار والاستفادة منها، لكنهم يعجزون عن ذلك فلا توجد لديهم مصادر طبيعية كالأنهار والبحيرات العذبة، كما أنهم يعانون انعدام التوازن المائي في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب وضع إسرائيل قيوداً مشددة على استغلال الفلسطينيين للمياه.

حل أمثل غير آمن

اللجوء إلى مياه البحر كان الحل الأمثل بعد أن عجزت الحلول الضخمة التي قامت بها السلطة الفلسطينية مع مؤسسات الأمم المتحدة والمتمثلة في معالجة المياه العادمة، وتحلية المياه المالحة، عن توفير الكميات المطلوبة لاستهلاكها من المياه النظيفة.

بدأ سكان غزة في نقل مياه البحر إلى بيوتهم عبر شبكات المياه الواصلة، وشرعوا في استخدامها ليس فقط لأغراض منزلية، بل أيضاً للاستخدام البشري وحتى للشرب، وجزء كبير منهم بات يستخدمها من دون فلاتر للتحلية المنزلية.

لكن هذا التصرف غير آمن، إذ تصرف بلديات غزة ما يصل إلى 108 ملايين ليتر من مياه الصرف الصحي الخام أو المعالجة جزئياً إلى البحر، وهو ما يجعل هذه المياه غير مأمونة، ولمحاولة معالجة ذلك تبنت السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" مشروع بناء محطة مركزية وأخرى فرعية لتحلية مياه البحر.

يقول رئيس سلطة المياه مازن غنيم إن "المشروع الرئيس لتحلية مياه البحر هو الأمل الوحيد للحصول على مياه عذبة لسكان قطاع غزة، وذلك عن طريق إقامة محطات مركزية، ونسعى من ذلك للحصول على 110 ملايين متر مكعب من المياه الصالحة للشرب".

لا وقت محدداً لإنجاز ذلك، بحسب غنيم الذي يؤكد أنهم تمكنوا من إنجاز ثلاث محطات فرعية لتحلية مياه البحر، ولا يزال العمل جارياً في تدشين محطة مركزية.

يوضح غنيم أن هناك عراقيل أمام المشروع، إذ ترفض إسرائيل إدخال حاجة تلك المحطات من المعدات وقطع الغيار، إلى جانب أن هذا الأمر بحاجة إلى 10 أضعاف كمية الطاقة التي تنتجها غزة حالياً.

في هذا الجانب، يرى المتخصص في الهيدروجولوجيا والبدائل الممكنة لمواجهة أزمة المياه في قطاع غزة كليمنس مسرشمد أن تحلية مياه البحر لا يمكنها أن تحقق المعايير اللازمة للمياه، بأن تكون آمنة واقتصادية ومتوافرة باستمرار، فمحطات التحلية بحاجة لكمية هائلة من الطاقة، في الوقت الذي تكاد تكون فيه أزمة المياه والطاقة متساويتان في القطاع، كما أن تكلفة تحلية المياه ستكون مرتفعة جداً.

وبحسب كليمنس فإن أفضل حل لأزمة المياه في القطاع يتمثل في شرائها من إسرائيل، لافتاً إلى أن الخط الناقل القطري الإسرائيلي يبعد 1.2 كيلومتر فقط عن غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير