Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بالدراجات الهوائية... فتيات غزة يتنسمن "هواء الحريات"

يدسن بها على قيود المجتمع وبلدية القطاع تتبنى مشروعاً لممارسة الرياضة في إستاد مغلق

"شيء غريب على التقاليد" هكذا ينظر سكان غزة إلى فتيات الدراجات الهوائية (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

قبل بزوغ الشمس تتسلل نوال بخفة إلى الممر المؤدي إلى باب منزلها حيث تقف دراجتها الهوائية المزينة بالورد، تزيل عنها الغبار وتتفقد عجلاتها وتتأكد من جمال مظهرها قبل أن تلبس خوذتها اللامعة لتنطلق في رحلة رياضية ممتعة لكنها محفوفة بكثير من نظرات الاستغراب والاستهجان.

تدفع نوال بقدمها دواسة درجاتها الهوائية ذات اللون الأزرق السماوي للأسفل، وتدفع معها كثيراً من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحرم الفتيات ركوبها، تدور العجلات وتنطلق هي لتتجول في الهواء المنعش، وتحاول أن تستنشق منه أكبر قدر ممكن قبل أن يلوثه المارة الذين لا يدعونها وشأنها من دون توجيه انتقادات لا تطيقها.

طقس الصباح 

تختار نوال الساعة الخامسة والنصف صباحاً موعداً يومياً للقاء عشيقتها ذات العجلتين، فهي لا تعرف أي رياضات أخرى سوى ركوب الدراجة الهوائية، ولا تغير الفتاة هذا الوقت حرصاً منها على تفادي أي خرق لعادات المجتمع. وتقول "أحب ركوب الدراجة لكن الانتقادات في غزة لا تنتهي، ولأجل ذلك قررت أن أخرج صباحاً والشوارع خالية والناس نائمون في بيوتهم لأستغل الصباح المفعم بالهواء النقي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتبدأ نوال رحلتها في الشوارع الخالية من السكان وتتنقل من الطرق الرئيسة إلى الفرعية وتستمر على هذه الحال حتى تقطع مسافة 20 كيلو متراً.

وتقول، "لسنوات كنت أهاب ممارسة هوايتي على اعتبار أن بعض الناس يعتبرها شكلاً من أشكال الرياضة الذكورية وسط قيود ثقافية ومجتمعية تحد كثيراً من حريات المرأة، لكن اليوم أدوس على هذه الأفكار كما أدوس على الدواسة".

عادات وتقاليد 

شيء غريب ومخالف للتربية التقليدية، هكذا ينظر سكان غزة إلى الفتيات اللاتي يركبن دراجات هوائية، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى حد الاستهجان، بخاصة إذا مارست النساء هذه الرياضة بشكل علني، لذلك فمعظمهنّ يضطررن إلى ركوبها بعيداً من أنظار الناس أو في صالات مغلقة.

 

وتروي نوال أغرب موقف حدث معها فتقول، "واجهت كثيراً من التعليقات المؤذية، وذات مرة استوقفني رجل أمن محاولاً منعي من ركوب الدراجة بحجة أن ما أفعله خادش للحياء، فسألته كيف خدشت الحياء وقد خلا الطريق إلا من بعض المشاة ومعظمهنّ نساء يمارسن رياضة المشي صباحاً، فاكتفى بالصمت".

رسمياً لا يوجد في القانون الفلسطيني ما يمنع الفتيات من قيادة الدراجات الهوائية في شوارع غزة سوى قرار اتخذته الجهات الحكومية في القطاع الذي تسيطر عليه حركة "حماس" عام 2017 يمنع النساء من ركوب الدراجات النارية، ومع ذلك فتحت وطأة التقاليد والعادات بقيت رياضة ركوب الدراجات الهوائية مكبلة لعدم وجود مكان مناسب لها.

"لا أعلم لماذا يستمرون في وصم ركوب الدراجة بالعيب"، تتساءل نوال وهي تواصل قيادة دراجتها الهوائية، وترى أنه يحق لأية فتاة أن تمارس ما تحب من أنواع الرياضات كما الذكور، وتلفت إلى أنه لا يجوز منع النساء من ممارسة أية رياضة في الشارع.

جرأة وياسمين 

أثناء التجول بسرعة في الشوارع أمسكت نوال بالمقبض ورفعت عجلات دراجتها في الهواء، تستطيع الفتاة القيام بعدد من الحركات وتحاول أن تكون رياضية في مجال سباق الدراجات، وتسعى إلى أن تصل لمرحلة تتمكن فيها من تمثيل فلسطين في المراسم الدولية ذات الشأن الرياضي، وتقول "أصبحت أكثر جرأة بركوب الدراجة خارج البيت، ولا بد أن يفهم المجتمع ماذا تريد، ولابد من وقف التفرقة بين البنت والولد".

وتضحك نوال عندما تتذكر كيف كانت تحاول ممارسة عشقها لركوب الدراجة في شرفة المنزل التي لا تتجاوز المترين، "كنت أحاول ممارسة ركوب الدراجة مستعينة بجدار الشرفة ولم أكن أملك الخبرة التي تؤهلني لذلك، وكان إحساساً بالحرمان فقط لأنني فتاة".

وباتجاه اليمين أدارت نوال مقود دراجتها نحو سيدات كن يركضن في الشارع، وعندما قابلتهنّ وزعت عليهن "الياسمين" التي تضعه يومياً في سلة دراجتها الهوائية، وتوضح أن آلاف النساء يتمنين ممارسة تلك الرياضة بحرية وخصوصية حتى لو كان ذلك في ملعب مغلق.

مشروع رسمي

التقطت رانيا الداعور فكرة حب الفتيات لركوب الدراجات الهوائية وعملت على مشروع "تنفسن بعمق" الذي يهدف إلى إتاحة الفرصة أمام المرأة في غزة لممارسة هذه الرياضة.

 

وبعد التواصل مع جهات الاختصاص تمكنت الداعور من البدء في تدريب فتيات غزة على ركوب الدراجات الهوائية في إستاد رياضي مغلق بعيداً من أعين الناس، وتقول "يتيح المشروع فرصة ركوب الدراجات الهوائية بعيداً من الأعين".

وعملت الداعور على ملاءمة الدراجات الهوائية للفتيات، فاختارت 10 منها بأشكال مختلفة مخصصة للنساء، ووفرت أدوات الحماية والمكملات التي تحتاج إليها هذه الرياضة للحفاظ على سلامة المشاركات، وتشير إلى أن هناك أكثر من 1000 فتاة من الفئة العمرية ما بين 15 وحتى 40 سنة يركبن الدراجة أسبوعياً.

واحتضنت بلدية غزة فكرة ركوب الفتيات الدراجات الهوائية في إستاد رياضي، ويقول رئيسها يحيى السراج إنهم يشجعون هذا النوع من الرياضة لحث الفتيات على المشاركة المجتمعية، ويحرصون على توفير فرصة مناسبة للنساء لممارسة الرياضة ورفع الوعي بحقوقهنّ وخلق مساحات آمنة للتفريغ النفسي وتعزيز المساواة بين الجنسين ومحاولة رسم صورة حرة للفتاة الغزاوية.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات