Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشغور اللبناني... غضب فرنسي - أميركي متطابق

استبعاد تسوية خارجية على اسم الرئيس الجديد وماكرون قصد فرقاء محددين بـ "تغيير القيادة في بيروت"

رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي (أ ف ب)

إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الـ 22 من ديسمبر (كانون الأول)، عن نيته "القيام بمبادرات خلال الأسابيع المقبلة بخصوص لبنان"، أعاد إحياء المراهنات التقليدية على مساع خارجية من أجل إخراج البلد من مأزق استمرار الفراغ الرئاسي.

تصريحات ماكرون التي وردت في حديث صحافي أدلى به لثلاث صحف بينها "النهار" اللبنانية، تأتي في وقت يستمر كبار المعنيين بالملف اللبناني في عواصم القرار، لا سيما فرنسا وأميركا والسعودية، في التأكيد أن على الفرقاء اللبنانيين أن يختاروا الرئيس الجديد وألا يتكلوا على الخارج أن يختاره لهم.

سبق كلام الرئيس الفرنسي بيومين حديث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن تحرك خارجي قريب من أجل حلحلة الأزمة، إذ قال في لقاء مع نقابة محرري الصحافة بتاريخ 19 ديسمبر، "وفق المعطيات الخارجية هناك شيء ما يتم التحضير له لحل الأزمة، لكن الأمور تحتاج إلى وقت".

وتأتي تصريحات ميقاتي بعد أيام على عودته من الرياض، إذ مثّل لبنان في القمة الصينية – العربية والتقى عدداً من كبار المسؤولين العرب، وسط تسرب معلومات عن احتمال عقد اجتماع أميركي - فرنسي - سعودي مطلع العام الجديد حول لبنان، قد ينضم إليه ممثل عن دولة قطر من دون أن تؤكد أي من عواصم الدول المذكورة النبأ.

مواصفات فقط

يستغرب أكثر من مصدر دبلوماسي غربي عدم اقتناع بعض القادة السياسيين اللبنانيين بأن الدول المهتمة باستقرار بيروت ليست في مناخ العمل على اختيار الرئيس الجديد، ويُنقل عن أحد الدبلوماسيين الغربيين قوله إن سفارة بلاده تستفهم عن مواقف الفرقاء من أسماء المرشحين للرئاسة، ليس من أجل تفضيل هذا على ذاك بل من زاوية استباق المعطيات عن كل منهم في حال وقع خيار الأكثرية النيابية على أحدهم، لتحديد كيفية التعاطي معه والنهج الذي سيتبعه، وبالتالي ماذا على حكومة بلاده أن تتوقع منه.

وحين يُسأل دبلوماسيو السفارة ذاتها عن رأيهم بمواصفات الرئيس المقبل، يشددون على أنهم يتمنون رئيساً قادراً على التحاور مع الأطراف اللبنانية جميعاً ويحظى بدعم سعيه إلى الإصلاح أولاً، وأن يكون إصلاحياً ونزيهاً وغير فاسد وغير خاضع للعقوبات ثانياً، وأن يكون قادراً على التحاور مع الدول والمنظمات والمؤسسات المالية الدولية التي ستقدم المساعدات للبنان بالتزامه شروط المجتمع الدولي الإصلاحية، ومنفتحاً على العلاقة معه ثالثاً.

ويضيف المصدر الدبلوماسي إياه أنه حين يتداول دبلوماسيو سفارته مع محدثيهم من السياسيين اللبنانيين بالمواصفات، يقفز هؤلاء فوراً إلى السؤال: وهل هذه المواصفات تنطبق على قائد الجيش العماد جوزيف عون مثلاً، أو على رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أو غيرهما من الأسماء العديدة المطروحة؟

يجيبهم دبلوماسيو السفارة بسرعة، "لا تجرونا إلى تفضيل أي اسم، أولاً لأن هذا ليس شأننا، وثانياً لأن تحبيذنا لفلان أو غيره سيكون بمثابة قُبلة الموت له كمرشح، فيؤدي الأمر إلى إحراقه ثم يقال إنه مرشح السفارة الفلانية ومرفوض من الدولة الفلانية، ولن نتورط في هذه اللعبة".

وفي المقابلة الصحافية التي أجراها ماكرون، قال أكثر مما أفصح عنه المصدر الدبلوماسي المذكور الذي تحدثت إليه "اندبندنت عربية"، إذ أكد أن "دور فرنسا ليس استبدال دور القوى السياسية فيه، ولن أخوض في مسألة الأشخاص والأسماء إذا لم تكن هناك استراتيجية وخطة، فهذا ليس عملي، والاستراتيجية هي أن يكون هناك أشخاص من النزيهين على استعداد للقول إن الطبقة السياسية غير مهتمة بالناس وعليها أن تتوقف عن العيش على حساب الناس، يجب تغيير القيادة في هذا البلد".

من يغضب ماكرون؟

تحدث ماكرون عما يقصده بـ "الخطة" و"الاستراتيجية" بإشارته إلى "مساعدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يحاول على رغم كل شيء أن يبذل أقصى ما يمكنه وألا يتنازل للذين اغتنوا خلال السنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويقومون بالابتزاز، وأن يكون للبنان رئيس ورئيس حكومة نزيهان".

وفيما أوحى ماكرون في سياق مقابلته الصحافية بأن المبادرة التي قد يقدم عليها قريباً ترمي إلى زيادة المساعدات الإنسانية وتمويل المشاريع الاجتماعية والصحية والتربوية للبنانيين، إزاء التدهور المتصاعد في أحوالهم المعيشية جراء استمرار الفراغ الرئاسي وغياب سلطة سياسية تسهم في الإنقاذ، فإنه عبّر بكلامه عن استياء وغضب في أروقة الدوائر الفرنسية، وضمن خلية أزمة لبنان التي كان شكّلها منذ عام 2020 لمتابعة جهود تعافيه من المأزق الذي يتخبط فيه، من بعض القيادات السياسية اللبنانية، فماكرون أدلى بحديثه على الطائرة في طريق العودة من مؤتمر "بغداد-2" في عمّان الذي انعقد تحت عنوان "التنمية والشراكة من أجل العراق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أنه تناول خلال الأحاديث الجانبية "البحث في كيفية إعادة سيادة العراق وخفض التأثير الخارجي فيه"، مشدداً على أن معالجة أوضاع العراق وسوريا ولبنان تتطلب الحد من نفوذ إيران فيها، وقال "ما يهمني هو اللبنانيات واللبنانيين"، مبدياً استياءه أكثر من مرة من الطبقة السياسية اللبنانية.

أثار كلام ماكرون استياء لدى بعض القيادات السياسية المحلية، إذ رأى هذا البعض أنه لا يجوز له أن يعمم تهمة التعطيل والعرقلة في التوصل إلى الحلول على القيادات كافة، فيما هذا البعض يعتبر أنه يعمل على تسهيل الخروج من النفق المسدود.

وكاد هذا البعض أن يدلي بردود عليه لكنه عاد فتريث، باعتبار أنه لا يجوز لرئيس دولة كبرى أن يسمي أشخاصاً بالذات، لأن الدبلوماسية الفرنسية تنوي البقاء على تواصل مع الفرقاء جميعاً من أجل "دفعهم"، كما قال، إلى إحداث تقدم في المخارج الممكنة للانسداد السياسي الذي يؤخر إنهاء الفراغ الرئاسي.

كواليس الدوائر الفرنسية تتحدث بـ "احتقار" عن بعض السياسيين اللبنانيين، وتعرب عن انزعاجها من رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل إثر زيارته باريس منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فتنفي ما صرح به عن أنه قدم مشروع حل لمسألة الشغور الرئاسي وتحمله جزءاً من أسبابه، كما أن بعض الأوساط الفرنسية لا تخفي اقتناعها بأن "حزب الله" يتحمل المسؤولية عن الانسداد في الحلول السياسية، ومن ورائه الجانب الإيراني الذي انتقد ماكرون سياسته في معرض الإشارة إلى وجوده "على الطاولة" في شأن المعالجات في العراق.

ومع أن ماكرون لمّح إلى نيته القيام بتحرك مماثل لمؤتمر عمّان في شأن لبنان، نفى أن يكون ذلك بالدعوة إلى عقد مؤتمر شبيه بـ "مؤتمر عمّان".

الموقف الأميركي

المفارقة أن الموقف الأميركي من الأزمة اللبنانية جاء شبه متطابق مع الموقف الفرنسي وفي اليوم نفسه، وعبرت عنه للمرة الثانية خلال شهر مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، لكن هذه المرة أثناء اجتماعها بوزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب الذي زار واشنطن في الـ 22 من ديسمبر.

ونقل بيان للخارجية اللبنانية أنها شددت على "ضرورة تحمل أصحاب القرار في لبنان مسؤولياتهم الوطنية والمضي قدماً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية كخطوة أساس للبدء بمعالجة الأزمات المتراكمة"، معتبرة أن ما يواجهه لبنان "أشد تعقيداً من الأزمات الإقليمية في المنطقة التي تتولى متابعتها بحكم نطاق عملها".

وأوضحت مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" أن ليف أبلغت بوحبيب "أننا استنفدنا كل وسائل الدعم التي نقدمها إلى لبنان، ولم يعد جائزاً ألا يقوم اللبنانيون بما عليهم، ويجب أن تنتخبوا رئيساً من دون تأخير، ونحن لا نستطيع القيام بذلك بالنيابة عنكم ولن نتدخل".

كما التقى بوحبيب المسؤول عن الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريت ماكغورك وكبير مستشاري إدارة الرئيس جو بايدن لشؤون الطاقة آيموس هوكشتاين الذي خبر تعقيدات الأزمة اللبنانية أثناء وساطته خلال السنتين الأخيرتين من أجل التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

ونقل الوزير اللبناني عن مكغورك أن الأميركيين "أبدوا تخوفاً كبيراً من الفراغ الرئاسي في لبنان، وأشاروا إلى أن عدم انتخاب رئيس جديد سيؤثر سلباً في مصلحة لبنان والأمن الإقليمي، وليس لديهم أي ’فيتو‘ على اسم أي شخص، كما أنهم لا يدعمون أي أحد، والمهم بالنسبة إليهم هو انتخاب رئيس".

وأوضحت المصادر الدبلوماسية أن الجانب الأميركي دعا إلى عدم التلهي بطرح مشكلات وتعقيدات تحيد الأنظار عن مهمة إنهاء الشغور الرئاسي، لأن وجود رئيس يساعد في التطرق إلى سائر العقد التي تواجه البلد.

وفي الخلاصة ترجح الأوساط اللبنانية المراقبة للموقف الغربي ألا ينتج من المراهنات المحلية على مبادرات خارجية لإنهاء الفراغ الرئاسي أية تسوية دولية إقليمية على اسم مرشح ما، وإذا كان هناك من تحرك دولي أو إقليمي فسيكون لمزيد من الضغط على الفرقاء اللبنانيين من أجل وقف تعطيل الانتخابات الرئاسية من دون التدخل في الأسماء كما حصل في المرات السابقة، لأن في ذلك "حرق أصابيع"، طالما لا استعداد لدى الفرقاء اللبنانيين لأن يفصلوا هذه العملية عن المؤثرات الخارجية.

المزيد من تقارير