Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القضاء اللبناني يطلق حركة "تأديبية" داخلية... فهل استفاق من غيبوبته؟

فصل 13 قاضياً وإحالة 5 منهم إلى الملاحقة الجزائية

القاضي عبود خلال أدائه القسم لتولي رئاسة مجلس القضاء الأعلى أمام عون في سبتمبر 2019 (دالاتي ونهرا)

في وقت لا يزال الشلل يسيطر على السلطة القضائية اللبنانية بسبب الاعتكاف القضائي المستمر منذ ستة أشهر، كانت لافتة الصدمة التي أيقظت القضاء من سباته القسري، إذ صدر قراران في أسبوع واحد أثبتا للرأي العام أن مطرقة العدل لا تزال تعمل، فقضى قرار صادر عن وزير العدل اللبناني هنري خوري بتوقيف القاضي الجزائي شادي قردوحي، المحال إلى المجلس التأديبي الخاص بالقضاة العدليين، عن العمل، حتى انتهاء المحاكمة التأديبية، أما القرار الثاني الذي شكل سابقة في تاريخ السلك القضائي، أصدر المجلس التأديبي للقضاة قراراً بطرد قاضي التحقيق العسكري، مارسيل باسيل، بسبب الإهمال الوظيفي على خلفية تراكم ملفات غير منجزة في عهدته.
وفي السياق، أكد مصدر قضائي لبناني أن القرارات الأخيرة المتخذة بحق بعض القضاة تأتي ضمن سلسلة إجراءات بدأت منذ ثلاث سنوات، إذ فصل 13 قاضياً في السنوات الأخيرة، وإحيل خمسة منهم إلى الملاحقة الجزائية، وذلك وفق أحكام صادرة عن المجلس التأديبي، وأضاف المصدر أن هناك عشرات القرارات المسلكية التي لطالما صدرت بحق بعض القضاة، وهي ليست محصورة فقط في إطار الفصل أو العزل من الخدمة، إنما هناك تدابير عدة من قبيل تأخير الترقية أو تخفيض درجات القاضي أو توجيه إنذار له بحسب سلم العقوبات.

توتر قضائي

وأثارت تلك القرارات انقساماً في الرأي العام وتراشقاً بين القضاة أنفسهم واتهامات بالتعسف السياسي، إذ انتقد القاضي شادي قردوحي قرار وقفه عن العمل ودعا إلى "ثورة قضائية" عبر صفحته على "فيسبوك".

 

ودافعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون عن القاضي المفصول مارسيل باسيل، وقالت عبر حسابها على "تويتر" "قاض من خيرة الأوادم (الصالحين) يصرف من الخدمة، تصفيات سياسية أكيد لن تمر يا حضرة المجلس التأديبي".


استعادة السيطرة

ووفق معلومات متعلقة بالقرارات الأخيرة، فإن أحد أبرز أسباب قرار فصل القاضي باسيل هو تخلفه عن إصدار الأحكام التي بلغ عددها حوالى 300 حكم كان ينبغي عليه إصدارها، في حين أن قرار توقيف قردوحي عن العمل مدة ستة أشهر مرتبط بإحالته إلى المجلس التأديبي بملفات عدة منها دعاوى تتعلق باتهامات وجهها لزملاء بالرشوة والفساد بالجملة وشتم مرؤوسيه على وسائل التواصل الاجتماعي وسواها من الممارسات التي تمس بهيبة القضاة والجسم القضائي.
وتؤكد المعلومات أنه ما يزال أمام المجلس التأديبي ملفات لعشرات القضاة ستبت تباعاً، مؤكداً أن من بينها ملف القاضية غادة عون التي تواجه 24 دعوى قضائية، إلا أن بعض الأوساط تستبعد اتخاذ قرارات بحق قضاة يتمتعون بحصانة سياسية كبيرة، إذ إن القرارات، لا سيما تلك التي تصل إلى حد الفصل، تهدف إلى محاولة استعادة السيطرة والتأكيد على فعالية مؤسسات الرقابة دون أن تحول الأمر إلى صدام كبير، لا سيما في الظروف الحالية.

ثورة إصلاحية

بدوره اعتبر الصحافي المتخصص بالشؤون القضائية في لبنان، يوسف دياب، أن "تلك القرارات تقع ضمن إجراءات بدأت تظهر نتائجها بعدما كانت محالة إلى التفتيش القضائي في وقت سابق،  الذي أنهى التحقيق فيها وحولها إلى المجلس التأديبي الذي بدأ يصدر القرارات تباعاً"، متوقعاً أن تصدر قرارات إضافية في المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أن "صدور تلك القرارات لا يدل على انتفاضة قضائية داخلية، إنما هو إجراء قضائي روتيني وعمل مؤسسات الرقابة القضائية التي من المفترض أن تسمح للقضاء بتنقية نفسه بنفسه".
وعن الإصلاح الشامل للقضاء، أشار دياب إلى "محاولة بدأها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود من خلال التشكيلات القضائية الكاملة التي كانت ستشكل حينها ثورة قضائية حقيقية، لكنها ضربت من خلال رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي رفض التوقيع على مرسوم التشكيلات لأنها تطال قضاة محسوبين عليه وتبعدهم من مواقعهم الحساسة"، مشدداً على أنه "حينها أصر عون على إبقاء التركيبة القضائية نفسها التي كانت عبارة عن محاصصة حزبية وطائفية". وأكد أن "أي ثورة قضائية يجب أن تنطلق عبر تشكيلات جديدة، وأن الأمر بات متعلقاً بمواصفات الرئيس المقبل للجمهورية، وما إذا كان إنقاذياً وجدياً في إطلاق مرحلة جديدة من الإصلاح في لبنان، فهل يبقى رئيس جديد إنقاذي يبدأ الإصلاح من القضاء ويطلق يده لمحاسبة الفاسدين والمرتكبين؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تفكك قضائي

في المقابل، رأى مرجع قضائي طلب عدم كشف اسمه، كونه غير مخول بالتصريح، أن "القضاء يعاني من تفكك بنيوي في منظومته وفقدان السيطرة الإدارية على القضاة نتيجة التدخلات السياسية التي أنشأت جزراً حزبية خارج السيطرة، كما فاقمت الأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها لبنان المشكلة القضائية"، كاشفاً أنه "نتيجةً لذلك تسجَل استقالات بمعدل قاض كل 20 يوماً ومعظمهم من أنزه القضاة وأكثرهم كفاءةً، في حين يتلكأ القضاء عن محاسبة قضاة يتمتعون بحماية سياسية مثل القاضية غادة عون التي يستطيع المدعي العام التمييزي كف يدها في ظل وجود عشرات الدعاوى القضائية بحقها، إلا انه يتحفظ على ذلك لأسباب سياسية".
ورحب المرجع القضائي بالخطوات الأخيرة التي اتخذها المجلس التأديبي، والتي "تشكل عودةً لسيطرة مجلس القضاء الأعلى وإنذاراً للجزر السياسية المتلفتة في الجسم القضائي"، معتبراً أن "إطلاق يد المجلس التأديبي ورفع الحصار السياسي عنه يسهم في استعادة القضاء لدوره الريادي، إلا أنه استبعد تمكنه من ذلك في المرحلة الحالية، مستشهداً بما قام به مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في ​"حزب الله​" ​وفيق صفا​، من تهديد للقضاة من داخل قصر العدل، دون أن يتجرأ أحد على استدعائه، لا سيما أن ما قاله صفا يرقى إلى حد التهديد بالقتل عندما توجه إلى المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بالقول إنه "إذا لن يتوقف عند حدوده نقبع رأسه".
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه من أسباب التفكك القضائي، إنشاء "نادي القضاة"، الذي اعتبر أنه "جزيرة مؤلفة من مجموعة كبيرة من القضاة يمكن تحريكها عبر أياد سياسية لإجهاض أي قرار قضائي لا يناسب السياسيين"، مشيراً إلى "قرار اعتكاف القضاة" الناجم برأيه عن "قرار سياسي في جوهره ومطلبي في ظاهره"، إذ يعتبر أن هناك "أيادي خلف الإصرار على الاعتكاف لاستمرار تجميد قضية مرفأ بيروت من جهة، ووقف الدعاوى ضد المصارف من جهة أخرى"، متوقعاً توقف الاعتكاف بعد إقرار قانون "الكابيتال كونترول" (ضبط التحويلات المصرفية)، وبعد إيجاد تسوية سياسية لقضية مرفأ بيروت.

"شطف" البيت القضائي

من ناحية أخرى، أكد الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة​، القاضي ​شكري صادر​، على أهمية عمل المجلس القضائي التأديبي، مشبهاً خطوته الأخيرة بعملية "شطف" البيت القضائي، التي أثارت ريبة عدد من القضاة "الذين حولوا الجسم القضائي إلى ساحة للمحاصصة والتصفيات السياسية والتبعية لأوامر المرجعيات الحزبية".

وعن سبب وتوقيت يقظة المجلس التأديبي بعد غياب طويل عن أي إجراء مسلكي، قال صادر إن "رئيس المجلس التأديبي الأصيل القاضي بركان سعد، الذي عين ضمن المحاصصة السياسية كان يجمد الملفات ولا يقدم على المحاسبة تجنباً لإحراج مرجعيته السياسية"، وأضاف أنه "بعدما أحيل القاضي سعد إلى التقاعد وتولى أحد القضاة المهمات بالإنابة من الواضح أنه عندما يصل قاض نزيه إلى موقع حساس من خارج المحاصصة، يكون متحرراً من القيود ويستطيع اتخاذ القرارات بشكل قانوني ومهني"، مؤكداً أن "زمن الحاكم بأمره انتهى وإن كان يملك حتى اللحظة بعض النفوذ، وورشة التنظيف ستشمل كل من فكر في لحظة ما أن القضاء بات في قبضة السياسيين".
في المقابل، رفض القاضي المتقاعد بركان سعد ادعاءات صادر، مشيراً إلى أن "هناك من يريد تسجيل انتصارات سياسية وشعبوية باسم القضاء"، نافياً قيامه بعرقلة ملفات لمحاسبة قضاة، ولفت إلى أنه أثناء توليه رئاسة المجلس التأديبي لم يكن وحده من يتخذ القرارات، إنما هناك لجان مؤلفة من عدد من القضاة.

 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات