عاود نجل الرئيس الليبي الراحل، سيف الإسلام القذافي، في وقت متأخر من ليل الثلاثاء 27 ديسمبر (كانون الأول)، الظهور داعياً إلى فتح المجال أمام الجميع للترشح للانتخابات الرئاسية.
وتعد تلك الخطوة تطوراً يستبق أي توافق على القاعدة الدستورية في ظل ضغوط دولية على البرلمان والمجلس الأعلى للدولة في شأن ذلك.
وتعثر المسار الانتخابي في ليبيا بعد فشل تنظيم الاستحقاق الرئاسي والبرلماني في موعدهما المحدد بخريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي بجنيف، في 24 ديسمبر 2021، وذلك بعد خلاف في شأن شروط الترشح إلى الرئاسة بين البرلمان ومجلس الدولة.
وفيما صوت المجلس الأعلى للدولة على استبعاد العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات الرئاسية، رفض البرلمان ذلك، ودعا إلى ضرورة السماح للجميع بخوض السباق.
وقال الفريق السياسي لنجل القذافي، في بيان، إنه "مع انطلاق العملية الانتخابية لم تكن ما تسمى بالقاعدة الدستورية معروضة للنقاش أو محل خلاف، ولم يتم التطرق إليها إلا بعد أن تم وأد العملية الانتخابية لأسباب سميت بالقوة القاهرة".
ولفت إلى أن "النقاط الخلافية بين الأطراف تضاف إلى ما اتفق عليه بين ممثلي البرلمان ومجلس الدولة على استبعاد من صدرت بحقهم أحكام قضائية، حتى لو كانت غير نهائية من الترشح، أي "استهداف وإقصاء أشخاص بعينهم".
وجاء البيان بعد اجتماع عقده سيف الإسلام مع فريقه السياسي جنوب البلاد، ليكون ذلك ثاني ظهور له منذ آخر ظهور علني يعود إلى يوم تقديمه أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2021.
ضغوط دولية
يعكس بيان الفريق السياسي لسيف الإسلام القذافي مخاوف تراود الأخير على ما يبدو من استبعاده من السباق الرئاسي في ظل حديث متصاعد عن تفاهمات مبدئية بين مجلسي النواب والدولة على حسم النقاط الخلافية في شأن القاعدة الدستورية باستبعاد الشخصيات الصادرة في حقها أحكام قضائية من السباق.
وأكد البيان أنه "يجب السماح للجميع بالترشح للانتخابات، التي تجرى في مرحلة مفصلية، وفي ظروف استثنائية تتطلب مشاركة جميع المترشحين، لأن إقصاء أطراف بعينها قد يقودنا إلى الطعن في نتائجها وعدم الاعتراف بها أو مقاطعتها وقد يصل الأمر إلى إجهاضها من الأساس".
وحاولت "اندبندنت عربية" الحصول على تعليق فوري من مكتب رئاسة البرلمان الليبي التي لم تؤكد ولم تنف الأنباء المتداولة عن اقتراب التوصل لتوافق حول القاعدة الدستورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان فتحي المريمي في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن "لا معلومات متوفرة إلى حد الآن حول أي اتفاق، لكن ما هو مؤكد لدينا أن هناك جلسة للبرلمان يوم الإثنين المقبل سيبحث فيها عديد من الأمور".
ومن جانبه، قال عضو البرلمان علي التكبالي إن "سيف الإسلام القذافي يناور الآن ويريد الحصول على حقه في الترشح للانتخابات، وهذا من حقه في رأيي كمواطن ليبي، يجب أن لا يستبعد أحد".
وأضاف التكبالي، في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، "يجب ألا نترك المتشددين وغيرهم من المعروفين بتسلطهم على الليبيين يترشحون للانتخابات ونمنع هذا الشخص من الترشح، هذا ليس عدلاً".
وشدد على أن "سيف حاول أن يدلي برأيه، وأعتقد أنه لن يؤثر في المشهد كثيراً، لأن من يريدون منعه ليسوا من الليبيين فقط، بل من الخارج أيضاً".
توافقات كثيرة
بعد صدور بيان نجل القذافي بساعات عادت المشاورات بين البرلمان ومجلس الدولة في شأن القاعدة الدستورية، التي ستجرى على أساسها الانتخابات العامة لتتصدر المشهد بقوة، حيث أطلق أعضاء من مجلس الدولة تصريحات تفيد باقتراب استئناف هذه المشاورات.
وقال عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي إنه "سيتم قريباً تنظيم لقاء بين اللجنتين المعنيتين بالقاعدة الدستورية في العاصمة المصرية القاهرة".
وأكد لنقي، في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك توافقات كثيرة بين المجلسين حول القاعدة الدستورية، والبقية في طريقها للتوافق"، لافتاً إلى أن "المجلس سيعقد جلسة الإثنين وستكون جلسة مهمة، أرجو أن يصوت فيها على استئناف الحوار بين مجلسي النواب والدولة".
وحول ظهور سيف الإسلام القذافي، قال لنقي إن "سيف إن كان فيه عقل وحكمة عليه أن يختفي من الحياة السياسية من تلقاء نفسه ويكفيه 42 سنة من حكم أبيه المستبد الذي دمر البلاد والعباد".
وكان المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري قد علق في وقت سابق الحوار مع البرلمان برئاسة المستشار عقيلة صالح بسبب تصويت مجلس النواب على قرار ينص على إنشاء محكمة دستورية في مدينة بنغازي.
وتأتي هذه التطورات في ظل ضغوط يكرسها عديد من القوى الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة من أجل استكمال إنجاز الإطار الدستوري المنظم للانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلمان، وذلك بعد عقد كامل من الفوضى الأمنية والسياسية التي تعرفها ليبيا.
ووجهت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا أخيراً تحذيراً لمجلسي النواب و"الدولة" الليبيين، بإمكان إيجاد "آليات بديلة" إن لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات، وفق ما دعا إليه المبعوث الأممي عبد الله باتيلي مجلس الأمن قبل أيام.
فرصة معدومة
وتثير الإطلالة الجديدة لنجل القذافي تساؤلات بشأن ما إذا كانت ستحول بالفعل دون استبعاده من السباق إلى رئاسة ليبيا، لا سيما أنه تشبث بالترشح.
وقال الباحث السياسي محمد محفوظ "منذ أن وقف المسار الانتخابي ليوم 24 ديسمبر 2021 كان واضحاً أنه في أي قانون أو قاعدة دستورية جديدة لن يتم السماح بترشح سيف الإسلام القذافي، هذا أمر واضح منذ البداية، لكنه اليوم أصبح أكثر وضوحاً، بل معلناً".
وأضاف محفوظ، في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك توافقاً كبيراً بين الأطراف السياسية حتى المتصارعة في الشرق والغرب على إقصاء سيف الإسلام القذافي من الترشح إلى الرئاسة، بالتالي أعتقد أن الأمر فيه دعم وضغط دولي، وهناك أطراف دولية لن تسمح بترشح سيف الإسلام باعتباره يمثل النفوذ الروسي في ليبيا".
واعتبر أن "فرص نجاح سيف الإسلام القذافي تكاد تكون معدومة، لأن حتى المعسكر الداعم له وهو المعسكر الروسي أضعف بكثير من المعسكر المضاد، أي الغربي".
وخلص محفوظ إلى أن "حتى البيان الآخر الذي أصدره سيف الإسلام القذافي منذ أشهر واقترح فيه انسحاب جميع الشخصيات الجدلية من المشهد السياسي بما في ذلك هو نفسه، يؤكد أنه يدرك أن أدوات اللعبة التي تتحكم في المشهد لن تسمح له بالترشح".