Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملف "المختفين قسرا"... نصل جديد في قلب ليبيا  

الغموض يلف مصير 1800 حالة والميليشيات والحكومات والبعثة الأممية تتقاسم "حصص الاتهامات"

عندما يختفي شخص لا توجد طريقة لاكتشاف مصيره إلا إذا عثر عليه في مقبرة جماعية بحسب نواب ليبيين (أ ف ب)

بعد عقد من الفوضى الأمنية والسياسية يواجه المئات في ليبيا الذين يخضعون للإخفاء القسري مصيراً مجهولاً بحيث لم تفلح السلطات في تحقيق أي اختراق في هذا الملف.

وكانت الزيارة التي أجراها مدعي محكمة الجنايات الدولية كريم خان أخيراً إلى ليبيا أحيت الدعوات إلى معالجة ملف المختفين قسراً، خصوصاً أن الجناة لا يستثنون أحداً وكانوا احتجزوا شخصيات بارزة على غرار عضو مجلس النواب سهام سرقيوة عام 2019.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تعرض المسؤول بالمجلس الرئاسي صلاح عبدالسلام محمد للاختطاف على يد مجموعة مسلحة في العاصمة طرابلس في واقعة هي الثانية له في غضون ثلاثة أشهر فقط.

1800 حالة

في 31 أغسطس (آب) الماضي دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى معالجة حالات الإخفاء القسري في البلاد التي تخضع بشكل كبير لسطوة الميليشيات المسلحة.

وكشف رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أحمد حمزة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" عن بلوغ عدد المختفين قسراً في البلاد طيلة العقد الماضي 1800 حالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال إن "الأسباب الكامنة وراء تأخر التعاطي مع هذا الملف يعود لجملة من الأسباب منها عدم التناغم بين جميع مؤسسات الدولة وغياب استراتيجية شاملة لمعالجة هذا الملف بإرادة وطنية سياسية وتأخر استحداث هيئة وطنية للبحث عن المفقودين".

وتابع أن "هناك تحديات ومصاعب أمنية تعترض كل العاملين على هذا الملف لضلوع قادة حرب وفصائل مسلحة متنفذة في عموم البلاد بهذه الجرائم" ورأى أن "وزارة العدل فشلت في التعاطي مع الملف بالشكل المطلوب وفقاً للمعايير الدولية"، لافتاً إلى أن "هذا الملف يعتبر ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية وضمان حقوق الضحايا وأهاليهم وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب في البلاد".

وشهدت ليبيا جولات عدة من الاشتباك المسلح منذ عام 2011 بعد إطاحة انتفاضة شعبية مدعومة بتدخل من حلف شمال الأطلسي (الناتو) العقيد الراحل معمر القذافي، مما أدى إلى انتشار السلاح بشكل واسع.

وقال حمزة إن "معظم النسب المسجلة لحالات الاختفاء كانت خلال الحروب والصراعات المسلحة، الأمر الذي يرقى إلى مصاف جرائم الحرب بما أنها تمت خلال النزاعات المسلحة"، مشيراً إلى أنه "يجب العمل على وضع استراتيجية وطنية شاملة تضم كل الجهات المتخصصة الحكومية وغير الحكومية للتعامل مع هذا الملف على غرار السلطة التنفيذية وممثلين عن أهالي الضحايا" ومشدداً على ضرورة "ضمان التنسيق مع الهيئات الدولية المعنية بهذا الشأن".

دولة قوية

على رغم النفوذ الذي تحظى به الجماعات والكيانات المسلحة في ليبيا، فإن النائب العام يطلق تحقيقات واسعة للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً.

كما تبذل الهيئة العامة للبحث عن المفقودين جهوداً للعثور على هؤلاء، لكن أوساطاً سياسية ليبية تشكك في جدوى هذه المساعي، لا سيما في ظل حال الوهن التي تعرفها مؤسسات الدولة على وقع الانقسام السياسي والحكومي.

وتساءل النائب في البرلمان الليبي صالح أفحيمة "هل ننتظر الكشف عن مصير المخفيين قسرياً من قبل الذين قاموا بإخفائهم؟"، مؤكداً لـ"اندبندنت عربية" أن "الأمر يحتاج إلى دولة قوية بمؤسسات حقيقية قادرة على بيان والكشف عن مصير هؤلاء، وهو ما لا يتوافر في ليبيا اليوم".

ولطالما تبادلت الأطراف الليبية الاتهامات في شأن المسؤول عن الإخفاء القسري، لا سيما جماعة الإخوان التي سبق أن اتهمت الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر بالتورط في إخفاء النائبة سهام سرقيوة.

وشدد أفحيمة على أن "التدافع السياسي في ليبيا اليوم لا يعتمد الديمقراطية كوسيلة حقيقية للوصول إلى الحكم، فمعظم الأطراف السياسية تتمترس خلف قوى مسلحة يستعان بها لترهيب الخصوم السياسيين" ورأى أنه "كلما أوغل المتطلعون إلى السلطة في دماء الليبيين أو مارسوا عليهم صور الترهيب بصنوفه المختلفة من التهجير والتطويع من خلال الحجر على الحريات والإخفاء القسري، فإن ذلك بلا شك سيكون له الأثر السيئ على الاستقرار الاجتماعي، بالتالي السياسي وحتى الاقتصادي".

وخلص أفحيمة إلى أن ""ليبيا بحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية تبدأ بجبر الضرر، مروراً بالعفو مقابل الاعتراف حتى ننتهي إلى نزع الضغينة ودفن الأحقاد من خلال رد المظالم بكفالة الدولة وقوة القانون".

ولا يزال ملف المصالحة الوطنية يراوح مكانه على رغم أن المجلس الرئاسي سبق أن دفع بتحركات مكثفة في هذا الاتجاه، لكن من دون أن تثمر عن نتائج من شأنها تقليل تداعيات 10 أعوام من الصراع.

انقسام وتفاوت

ترى أوساط سياسية أن حال التنافر السياسي التي تعرفها ليبيا تزيد أكثر من صعوبة الكشف عن مصير المختفين قسراً.

وقال عضو مجلس النواب الليبي عبدالمنعم العرفي إن "الانقسام السياسي هو السبب وراء فشل السلطات في معالجة ملف الإخفاء القسري، وهي ظاهرة موجودة في جميع ربوع ليبيا"، مضيفاً "في برقة السجون كلها تحت سلطة وزارة العدل والداخلية، ويجب الكشف عن مصير السيدة سهام سرقيوة".

واختفت سهام سرقيوة فجأة في بنغازي عام 2019 ولا تزال هناك مطالبات مكثفة داخل البلاد وخارجها بالكشف عن مصيرها وسبق أن دعت البعثة الأممية إلى ذلك.

ويعتقد العرفي بأنه "في المنطقة الجنوبية وطرابلس عندما يختفي شخص لا توجد أية طريقة لاكتشاف مصيره إلا إذا عثر عليه في مقبرة جماعية في ترهونة".

إفلات من العقاب

على الأرجح فإن هذه الظاهرة باتت تقود إلى تكريس ثقافة الإفلات من العقاب، بحيث يصعب إحضار الجناة إلى العدالة في ظل غياب مؤسسة أمنية وعسكرية موحدة تسيطر على جميع أنحاء ليبيا.

وشهدت البلاد بعد سقوط القذافي في 2011 انتشاراً واسعاً للميليشيات والجماعات المسلحة التي تبسط نفوذها في مناطق عدة.

وقال العرفي إنه "لا يوجد جيش موحد يستطيع منع الانتهاكات التي تحدث سواء ضد الليبيين أو المهاجرين غير القانونيين"، لافتاً إلى أن "عدم قيام الدولة وغياب سلطة موحدة تمنع الميليشيات أو الشبكات المتخصصة سواء في تجارة المخدرات والوقود أو البشر، يقفان خلف عدم حل هذا الملف".

وحمل العرفي حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس المسؤولية قائلاً إنها "لم تقم بإدماج المؤسسة الأمنية وتوحيدها وتفكيك الميليشيات واحتكار الدولة للسلاح، بل على العكس رأينا مئات الميليشيات ولا بد من إصدار قرارات لوضع السلاح بيد الدولة".

نقطة سوداء

المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش علق على تفشي ظاهرة الإخفاء القسري في بلاده بالقول "أعتقد بأن ملف المعتقلين والمختفين قسراً على مدى فترة الصراع المسلح في البلاد يعد نقطة سوداء في عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي لم تول هذا الملف الخطر المرتبط بقضايا حقوق الإنسان الأساسية أهمية تذكر".

وأوضح المرعاش في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه "وفق طبيعة الحال الليبية المتغيرة تأثر هذا الملف بعوامل التجاذبات المسلحة بين قوى الصراع التي كانت تتفاوض وتساوم على المعتقلين لديها وتعتبرهم رهائن وينبغي أن تحصل جراء تسليمهم على أكبر مقابل ممكن".

وبيّن المرعاش أنه "لسوء الحظ فإن معظم المغيبين قسراً يقعون تحت سيطرة زعماء حرب وميليشيات ليس لها أي رادع قانوني أو أخلاقي ولا تخضع لسلطة الدولة، خصوصاً في شمال غربي ليبيا، حيث إن الميليشيات هي من تدير السجون وتنشئ المعتقلات خارج القانون".

وعلى رغم أن هناك اتهامات بوجود محاولات للانتقام من الخصوم السياسيين عبر الإخفاء القسري فإن المرعاش يعتقد بأن الملف غير مسيس، مؤكداً أن "من يسطرون على السجون والمعتقلات السرية لا ينتمون إلى مؤسسات سياسية وإنما هم أقرب إلى التنظيمات الإجرامية التي وجدت مناخاً مناسباً لها في ظل غياب مؤسسات الدولة، خصوصاً مع تواطؤ مباشر من الحكومات التي تغدق الأموال على هذه الميليشيات وزعمائها من أجل الحفاظ على كرسي الحكم".

وفي ظل غياب أية جهة تتبنى مسؤولية احتجاز أي من المختفين قسراً فإن مصير هؤلاء يبقى غامضاً سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، وهو ما يجعل هذه الظاهرة بمثابة جرح غائر آخر في مسار النزاع المسلح الذي تشهده ليبيا منذ عقد من الزمن.

المزيد من العالم العربي