Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باخموت تحولت إلى القلب النابض للكفاح من أجل عالمنا

تشكل هذه المدينة الأوكرانية الصغيرة بوابة استراتيجية للسيطرة على دونباس: أعظم جائزة لفلاديمير بوتين

باخموت مدينة استراتيجية في منطقة دونيتسك، سقوطها بيد الروس يعني سقوط مدن أخرى مثل كراماتورسك وسلوفيانسك (رويترز)

في باخموت، تسقط القذائف على مدار الساعة. يشطر الصوت الهواء الرمادي ليكسر الصمت على نحو منتظم مشوب بجزع بالغ. تراها تشق الشوارع فيما السكان يجوبونها في ذهول على دراجاتهم الهوائية دونما أن يطرف لهم جفن.

قبل الحرب، احتضنت هذه المدينة الشرقية نحو 70 ألف شخص، وبقيت مغمورة تقريباً على الصعيد الدولي. ولكن بعد مرور 10 أشهر على الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، لم يبق فيها سوى ثمن السكان إذ صب الجيش الروسي ومن لف لفه من مجموعات ومرتزقة موالين له جام غضبهم عليها. وفي المحصلة، تبدو المباني كاتدرائيات غارقة ترتفع من الماء ثم تغرق ببطء في المحيط، والطرقات شعاباً يعمها الخراب.

هناك، التقيت مدنيين يعيشون أنصاف حيوات، نصفها تحت الأرض حيث يصنعون مواقد في القبو علهم ينجون من ويلات صقيع فصل الشتاء. قابلت أشخاصاً متطوعين كانوا أول من لبوا نداء الغوث وهبوا يحاربون الموت، حاملين حياتهم على أكفهم، عساهم يكتبون النجاة للسكان في هذه الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعزى ذلك كله إلى كون المدينة تحولت إلى بوابة استراتيجية لدخول منطقة دونباس: أعظم جائزة لفلاديمير بوتين. وهكذا، منذ مايو (أيار)، استبسل الجيش الأوكراني في القتال كي تبقى باخموت في أيدي الأوكرانيين تحت ضربات المدفعية الروسية الأشبه بمفرمة لحم.

من بين كل المعارك في هذه الحرب العبثية التي فرضتها روسيا على أوكرانيا، لعل الأهم بالنسبة إلى البلاد القتال للحؤول دون استيلاء القوات الروسية على باخموت.

بعدما أخفق رجال موسكو في الاستحواذ على كييف، وبعدما فقدوا مساحات من الأراضي التي احتلوها في الشمال فوق خاركيف، وبعدما أجبروا على الانسحاب عبر النهر في منطقة خيرسون الجنوبية، كان الهدف الوحيد الذي لم يتراجعوا عنه حشد قواتهم في شرق أوكرانيا: معقل المجموعات الموالية لروسيا في البلاد. يعني ذلك، التمسك بالسيطرة على كامل مناطقة لوهانسك والاستيلاء على ما تبقى من منطقة دونيتسك.

وباخموت المفتاح للاستيلاء على المدن القريبة الواقعة تحت سيطرة أوكرانيا في دونيتسك، من قبيل كراماتورسك وسلوفيانسك - إذا سقطت باخموت، يسقط شرق أوكرانيا. يعرف الأوكرانيون أيضاً أن خسارة حتى متر واحد من هذه الأرض، لا سيما في معقل القوات الموالية لروسيا في الشرق، ليس سوى حرب محتملة أخرى في مقبل الأيام.

وكما أظهر الروس مراراً وتكراراً، يأخذ هؤلاء الأراضي ويحشدون قواتهم فيها ويستخدمونها كمنصة اندفاع لشن هجمات جديدة. أكثر من أي مكان في البلاد، أصبحت دونباس الآن هدفهم الرئيس. لذا، فإن فولوديمير زيلينسكي، خلال زيارته الولايات المتحدة (المرة الأولى التي غادر فيها أوكرانيا منذ بداية الغزو)، لم يكتف بتسليط الضوء على أهمية باخموت بالنسبة إلى أوكرانيا في خطاب شديد اللهجة، بل أكد أنه زار المدينة قبل رحلته مباشرة، لإضفاء المصداقية على كلماته.

يعرف الرئيس الأوكراني جمهوره حق المعرفة، وكان قطعاً يضغط من أجل تزويد بلاده بمزيد من الأسلحة. وبمقارنة معركة باخموت بمعركة ساراتوغا، التي شكلت نقطة تحول في حرب الاستقلال الأميركية، قال زيلينسكي إن هذه المعركة "ستغير مسار حربنا في سبيل الاستقلال ومن أجل الحرية".

وإذ وصف باخموت مراراً وتكراراً بأنها "معقل" أوكراني، قال زيلينسكي إن الكفاح من أجل إبقاء السيطرة عليها كان معركة الدفاع عن حرية العالم. أثناء زيارته المدينة، أطلق عليها اسم "حصن معنوياتنا"، مضيفاً: تدور هنا معارك ضارية دفاعاً عن حريتنا جميعاً".

أما مكتب زيلينسكي فتحدث عن هذه الجبهة بوصفها أكثر من حصن المعنويات. في افتتاحية أخيرة لمركز البحوث "المجلس الأطلسي"، قال أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني، إن باخموت أصبحت "رمزاً قوياً للنضال العالمي الدائر في بلادنا من أجل الحرية".

وكتب، "اليوم، أوكرانيا ميدان المعركة الرئيس في النضال العالمي ضد عودة السلطوية"، مضيفاً أن باخموت كانت "معقل الحرية".

بطبيعة الحال، يستمر الأوكرانيون في الضغط من أجل مدهم بمزيد من الأسلحة، وسياسياً يبدو ذكياً تأطير مدينة باخموت الصغيرة بوصفها خط الدفاع الأول عن أمن وقيم أوروبا والغرب والعالم. بعيداً من التسييس، تبدو في الحديث عنها كما لو أنها ماريوبول الجديدة، مع اختلاف وحيد أن إنقاذها ممكن، لذا أعتقد أن ما تشهده أوكرانيا بأسرها رهن بهذه البقعة من البلاد.

في باخموت، وعند التحدث إلى رجال الإطفاء، والمتطوعين على الخطوط الأمامية، والسكان الذي بقوا في المدينة، يبدو جلياً أن المدينة هشة، وأنها تتلقى ضربات مكثفة من كل حدب وصوب، وأن ما يحدث هنا يكتسي أهمية بالغة. في الحقيقة، ربما تكون هذه المدينة الصغيرة مركز الكفاح من أجل عالمنا؟

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء