Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة زيلينسكي إلى واشنطن تترك بعض الأسئلة من دون جواب

الاستقبال المدوي الذي لاقاه الرئيس الأوكراني يرسل إشارات عن مستوى التقارب وحتى التبعية للولايات المتحدة والذي قد يكون من الصعب تبديده

يبقى أن نرى ما إذا كان زيلينسكي سيحصل على كل ما جاء إلى واشنطن من أجله (أ ف ب عبر غيتي)

"أنا بحاجة إلى الذخيرة وليس إلى وسيلة نقل"، هي العبارة التي يقال إن الرئيس الأوكراني رد من خلالها على العرض الذي قدمته إليه الولايات المتحدة الأميركية لإجلائه [من بلاده] بعد اجتياح روسيا للأراضي الأوكرانية. بعد عشرة أشهر على تلك الواقعة، وافق الرئيس زيلينسكي على دعوة واشنطن الجديدة، ولكنها هذه المرة أتت في ظروف مختلفة للغاية، وهي دعوة مرفقة بتذكرة ذهاب وإياب، وليس ذهاباً فقط.

أن يتخذ فولوديمير زيلينسكي اليوم القرار في القيام برحلته الأولى خارج أراضي بلاده التي تتعرض لحرب مدمرة الآن، يختلف عن السابق، فهو اليوم زعيم زمن الحرب وأصبح متمرساً ومحط إعجاب على المستوى الوطني، وأن ينجح في زيارة عقر دار السلطة الأميركية من شأنه إرسال عديد من الرسائل ــ بعضها رسائل ضمنية، وبعضها الآخر تتوضح من خلال ما قاله الرئيس زيلينسكي، ولكنها تترك بعض الأسئلة من دون إجابات أيضاً.

بداية، جاءت الزيارة لتعكس في آنٍ واحد الثقة الكبيرة في موقعه كرئيس لبلاده، وأيضاً بمستقبل بلاده. فهذه لم تكن مجرد قفزة عبر الحدود البولندية المحاذية، أو زيارة خاطفة إلى لندن، بل هي رحلة طيران طويلة عبر الأطلسي. وما كان زيلينسكي ليغادر أوكرانيا بأي شكل من الأشكال لمدة تزيد على يومين كاملين لو لم يكن واثقاً من سلامته الشخصية في رحلة الذهاب والعودة وأن بلاده وحكومته سيكونان بأمان أيضاً في تلك الفترة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تلك الثقة كان لا بد أن يتشارك الشعور بها أيضاً الرئيس الأميركي جو بايدن، وكامل الإدارة الأميركية، بوصفهم مضيفي الرئيس زيلينسكي وحلفاء أوكرانيا. وكان أيضاً لا بد أن تكون الولايات المتحدة متيقنة بقدرتها على ضمان أمن مثل تلك الرحلة في مواجهة أي عملية عدائية من قبل روسيا إن لم نقل أي خطر آخر.

ولن أتردد بالمرهنة على أنه جرى أخطار الجانب الروسي على الأقل بترتيبات الطيران لتلك الرحلة لتجنب أي "حوادث" ــ من قبيل، الكارثة التي أصابت طائرة الخطوط الجوية الماليزية الرحلة "أم أتش 17" MH17، والتي أسقطت فوق مناطق متنازع عليها في أوكرانيا في العام 2014. ولا بد من الاعتراف هنا بأن المشروع برمته كان وربما بشكل متعمد صفعة موجهة لقيادة الكرملين.

من اللحظة التي لمست بها طائرة زيلينسكي الأرض في العاصمة واشنطن إلى اللحظة التي غادرها، تم الاحتفاء بالرئيس زيلينسكي وبما حققه كبطل عالمي، وكصديق موقر للولايات المتحدة الأميركية. ورغبت جميع مراكز القوة الأميركية في الانتفاع من مجده.

لقد تمتع زيلينسكي بحديث إلى جانب المدفأة، ومؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس جو بايدن، إضافة إلى سلسلة من الاجتماعات الشخصية مع كبار المسؤولين التنفيذيين في العاصمة واشنطن. إن الكلمة التي ألقاها أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأميركي ــ والتي قام بإلقائها بنفس حاد حربي وإصرار بلكنة إنجليزية ثقيلة ــ لاقت التهليل والترحيب من قبل الحضور الذي انتصب واقفاً كل دقيقة تقريباً، تماماً كما يحدث في الجلسات المخصصة في الكونغرس لإلقاء الرئيس الأميركي خطابه السنوي عن حال الاتحاد.

وقام المعلقون بمقارنة الاستقبال الذي حظي به زيلينسكي بذلك الاستقبال الذي كان قد حظي به رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت مقارنة إلى حد ما معقدة من وجهة نظر المقاربة التي طرحها زيلينسكي نفسه خلال خطابه أيضاً وتشبيهه للحرب ضد روسيا ومقاربتها مع حرب الاستقلال الأميركية، ولكن هذا موضوع آخر.

رسالة الرئيس زيلينسكي كانت وبطريقة مهمة ــ ومن دون أي شك وبشكل مقصود ــ إعادة لما كان قد قاله رئيس الوزراء تشرشل عن بريطانيا في السابق: أوكرانيا تحارب وحيدة، ولكنها لا تحارب عن أراضيها فقط، بل إنها تقوم في الدفاع عن قضية سامية تتخطى أوكرانيا. وفي أحد المقاطع أشار زيلينسكي إلى أموال دافعي الضرائب الأميركيين "ليست مخصصة للأعمال الخيرية، بل هي استثمار في الأمن العالمي وحماية للديمقراطية وأن الأوكرانيين يتصرفون بها بشكل مسؤول إلى درجة كبيرة للغاية".

وأوضح زيلينسكي أن أوكرانيا لا تحتاج إلى دعم بالرجال والجنود، ولكن كي تتمكن من مواصلة القتال، فإن أوكرانيا بحاجة إلى مزيد ومزيد من الأسلحة المتطورة. زيلينسكي هو من دون شك يتقن فن الأداء إلى حد كبير. فهو يعرف، أو أنه يتلقى النصيحة الجيدة عن كيفية الضغط على جميع الأزرار الصحيحة للتأثير. فهو نجح في منح البيت الأبيض والمشرعين الأميركيين كل ما كانوا يحتاجون إليه لتبرير مواصلة وزيادة الدعم المقدم إلى أوكرانيا.

زيلينسكي بدا في خطابه على معرفة بالانتقادات التي تتردد في الولايات المتحدة من خلال ظهوره أكثر دقة في مطالباته [في استمرار المساعدة] مقارنة بإعرابه عن التقدير لما يقدم له، وهو قام بملء بيانه بكثير من عبارات الشكر. عدد قليل فقط من المعارضين للحرب واصلوا جلوسهم خلال وقفات التصفيق التي رافقت خطابه، وهم من خلال ذلك قد عكسوا آراءهم بأن قتال روسيا، ولو بشكل غير مباشر، هو أمر يشكل تهديداً كبيراً للغاية، وأن التبعات والكلفة الاقتصادية والسياسية المترتبة عن دعم تلك الحرب تزيد على أي منافع قد يمكن للولايات المتحدة أن تجنيها جراء ذلك.

على رغم كون هؤلاء المعارضين للحرب أقلية بسيطة (وهي أقلية تعتبر صامتة إلى حد كبير)، فإن الأمر يبقى معلقاً على معرفة إن كان زيلينسكي قد نجح في الحصول على كل ما جاء من أجله في واشنطن. وفيما أن زيارته تعكس من دون شك الثقة الكبيرة بالمعسكر الداعم لكييف ــ وهو ما ظهر من خلال الاستعراض الواضح للقوة ــ فإن قراره المجازفة في القيام بزيارة يقوم بها شخصياً إلى واشنطن بدلاً من حجز فترة للاجتماع عبر تطبيق الفيديو "زووم"، قد يعكس أيضاً إشارة ضعف. فعلى رغم من كل شيء، فإنه متى تم استخدام ورقة [الزيارة الشخصية تلك] فإنه بذلك يكون قد استنفد الورقة تماماً.

قد يكون زيلينسكي قد نجح ربما في شحذ نسبة الدعم في بعض الدوائر من خلال استخدام قوة نجوميته، لكن المزاج الأميركي الأوسع نطاقاً يبدو أقل إجماعاً [حيال استمرار دعم الحرب الأوكرانية] مما كان عليه في السابق. هناك أصوات مؤثرة ومن ضمن هؤلاء، الجنرال مايك ميلي، قائد هيئة الأركان الأميركية المشتركة، إضافة إلى السياسي الأميركي المخضرم هنري كيسنجر، وهما كانا قد دعيا إلى بدء عملية التفاوض، ولفترة بسيطة أيضاً، قامت مجموعة من نواب الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأميركي بالدعوة لذلك قبل موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي.

لقد كانت الولايات المتحدة الدولة الأكثر سخاءً في توريد الأسلحة والمساعدات المادية إلى أوكرانيا، واليوم هي تعمل على تزويد كييف بمنظومة باتريوت الصاروخية للدفاع الجوي، متراجعة بذلك عن قرار رفضت من خلاله تزويد أوكرانيا بتلك المنظومة المتطورة سابقاً. وهذه الصواريخ تشتمل عليها حزمة المساعدات الجديدة التي تبلغ قيمتها ملياري دولار أميركي (نحو 1.66 مليار جنيه استرليني) والتي أعلن عنها البيت الأبيض الأميركي أخيراً، لكن في الخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس، كان زيلينسكي قد لمح إلى أنه حتى تلك الحزمة لن تكون كافية.

بالطبع إن أي إيجابيات يمكن أن تكون قد نتجت عن زيارة الرئيس الأوكراني الخاطفة إلى واشنطن فإنه لا بد من أنها تعود بالنفع أيضاً على الجانب الأميركي. إن استقبال الرئيس زيلينسكي في واشنطن لا بد أنه كان مفيداً للرئيس بايدن أيضاً. إن وقوفه على المنصة إلى جانب البطل الحالي في العالم الغربي من شأنه رفع أسهم بايدن السياسية في بعض أروقة [السياسة والمجتمع الأميركي]، ويمكن أيضاً، وربما، أن تساعد في تحويل الأنظار عن الأسئلة التي تثار حول صفقات نجل بايدن السابقة في أوكرانيا (كما تظهر الأدلة الأخيرة عن قيامه في التخلص من حاسوبه الشخصي، والذي قد يقوم الكونغرس بتركيبته الجديدة في فتح تحقيق حول نشاطاته هناك).

وكنشاط لتحوير الأنظار، فإن الأنباء السارة التي حملها زيلينسكي من أوكرانيا هي أخبار سارة أيضاً للرئيس بايدن، ولكن هناك ربما فئة أخرى قد تكون لها نظرة مغايرة لزيارة زيلينسكي إلى واشنطن، ومن هناك تبدأ عملية طرح أسئلة أخرى. ماذا عن الأوكرانيين الذين يقاتلون على الخطوط الأمامية للجبهات ويعانون شدائد الحرب؟ فكيف ستكون نظرتهم إلى قراره مغادرة البلاد، حتى لو كانت وجهته هي الولايات المتحدة الأميركية وزيارته واشنطن لم تكن سوى أكثر من يوم بقليل؟

معلوم أيضاً أن جولة الرئيس زيلينسكي على جبهات القتال خارج مدينة باخموت، في شرق أوكرانيا، لتحفيز الجنود الذين يقاتلون هناك، عشية مغادرته إلى الولايات المتحدة، يمكن اعتبارها كحركة استباقية، تسمح له في الظهور بمظهر القائد الذي يهتم (واستعداده للمخاطرة بحياته) من أجل الجبهة الداخلية أيضاً.

مصدر قلق آخر قد يكون الخطر بأن الزيارة ربما قد تستفز موسكو وتدفعها للقيام بأمر صادم وعلني ومدمر في تعبيرها عن رفضها للخطوة. فكيف يمكننا الحكم على أن الزيارة كانت تستحق كل تلك المخاطرة؟ ولكن كل الثناء المتذلف الذي حققه زيلينسكي في واشنطن من شأنه ربما، وهنا يكمن اللغز، أن يطرح السؤال الأهم من كل بقية الأسئلة الأخرى ــ وإن لم يطرح ذلك في الوقت الحالي، ولكنه من دون شك سيطرح على المدى البعيد.

على رغم من أن أوكرانيا قد اعتمدت وإلى حد كبير على الأسلحة الغربية والمساعدات المالية لمواصلة حربها للدفاع عن مصالحها، فإن أوكرانيا ورئيسها كان ينظر إليهم ــ أقله في المرحلة الحالية ــ على أنهم يسيطرون على قرارهم ومصيرهم. "فلا قرار في شأن أوكرانيا مسموح من دون مشاركة كييف"، وهو المبدأ المتبع في أي عملية تفاوض دبلوماسية مرتقبة.

إن أي تلميح صريح، ومهما كان ضئيلاً بأن تلك المساعدة الخارجية، خصوصاً الكميات الكبيرة التي ترسلها الولايات المتحدة الأميركية، إلى أنها تأتي مع عنصر من التأثير، كان قد تم تحييدها بشكل كامل. إن الوقائع الحقيقية وتلك المتخيلة على حد سواء، سيكون من الأصعب المحافظة عليها من الآن فصاعداً. إن الاستقبال المدوي الذي لاقاه زيلينسكي في واشنطن، إضافة إلى اجتماعاته على أعلى المستويات، يرسل إشارات عن مستوى التقارب ــ وحتى التبعية للولايات المتحدة ــ والذي قد يكون من الصعب تبديده.

ما هي التبعات الممكنة أن تترتب يوماً عن اعتبار القائد الأعلى لأوكرانيا واقعاً تحت تأثير الولايات المتحدة؟ ألن يدفع ذلك البعض على البدء في طرح الأسئلة عما إذا كانت أوكرانيا في خطر تبديل دولة وصية عليها بأخرى؟ ألن يقوم بعض الأوكرانيين في البدء بالتساؤل عن أي حرب يخوضون بالنيابة عمن ــ وألن يبدأ البعض من حلفاء أوكرانيا الأوروبيين أيضاً في طرح أسئلة مماثلة؟

إن زيارة الرئيس زيلينسكي الخاطفة إلى واشنطن ربما قد وفرت بعض الهدايا لجميع الأطراف حالياً، ولكنها أيضاً ربما قد تخفي بعض التعقيدات التي سيكشف عنها في الفترات المقبلة.

© The Independent

المزيد من آراء