Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هناك أغنية ميلاد شنيعة أتمنى إلغاءها رأفة بأفريقيا

دعونا أولاً نجيب على السؤال: أجل هم فعلاً يدركون أنه عيد الميلاد

قام كل من بوب غيلدوف وميدج أوري بوضع فكرة الأغنية بهدف مساعدة السكان في أثيوبيا (غيتي)

لست الشخص الأول الذي يطالب بمنعها وحذفها وحرقها لو كان هذا ممكناً، إذ إننا هذا العام أيضاً وككل الأعوام التي مرت منذ سنة 1984، نجبر على تحملها مرة أخرى.

أنا أتحدث هنا عن أغنية حملة "باند إيد" (Band Aid) الخيرية التي ظهرت سنة 1984، تحت عنوان "هل يعرفون أنه عيد الميلاد؟" (Do they know it’s Christmas?).

دعونا نجيب أولاً على السؤال (الذي تطرحه الأغنية)، أجل إنهم يعرفون جيداً أنه عيد الميلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد تعرض سياسيون ومشاهير إلى "الإلغاء" إزاء أمور أبسط، لكن الأفارقة في بريطانيا لا يزالون في كل عام يسمعون هذه الأغنية المحرجة، ويتوقع منهم أن يبتسموا أو يتجاهلوها أو حتى ترديدها.

قام كل من بوب غيلدوف وميدج أوري بوضع فكرة الأغنية بهدف مساعدة السكان في أثيوبيا الذين كانوا يواجهون آنذاك موجة حر مفرطة، فالنيات الكامنة خلف الأغنية كانت نيات عظيمة وينبغي الإشادة بها بدلاً من انتقادها، بيد أن التنفيذ جاء شنيعاً وأسهم في تكريس عدد من الأفكار النمطية والمعلومات المضللة.

لمرات عدة منذ ظهورها اعترف غيلدوف وأوري بأن الأغنية التي ابتكراها ليست أغنية جيدة، وفي سيرته الذاتية كتب أوري "الأغنية لم تكن مهمة، فهي كانت ثانوية ولا صلة لها بالموضوع تقريباً".

بيد أن ما عجز الفنان عن فهمه تمثل في أن أفريقيا هي مكان كبير، وأن هناك خطورة في التعميم عبر افتراض أن جميع القادمين من القارة يحتاجون إلى مساعدة "الرجل الأبيض" كي ينجوا، وإلا، معاذ الله، لن يعرفوا بوجود عيد الميلاد (الذي هو من جزء من ديانة استقدمها المستعمرون ويمثل في كل الأحوال عيداً لا يحتفل به أفارقة كثيرون) أو لن يدركوا السعادة أبداً.

ولقد استدعت هذه الأغنية مجموعة من المناسبات والاحتفالات الخيرية التي لا تزال تقام حتى اليوم، وبينها "كوميك ريليف" (Comic Relief).

شخصياً ليست لدي أية مشكلة إزاء وجود هذه المناسبات، وليس لدي سوى التساؤل عن سبب اضطرار كثير من الناس إلى الاعتماد على المؤسسات الخيرية والتبرعات بدل الحصول من الحكومة على دعم مناسب يستحقونه.

بيد أن المشكلة الأساس بالنسبة إليّ تتمثل في أنصاف الحقائق، وهناك طبعاً في كل أنحاء العالم أشخاص يواجهون الصعاب والمعاناة، وإن استطعنا مساعدتهم فينبغي أن نفعل ذلك، لكن أن نؤذي آخرين فيما نقوم بالمساعدة فهذا أمر غير مقبول.

صور الأطفال التي تظهرهم بشفاه متيبسة وأذرع نحيلة وبطون منتفخة ليست صوراً كاذبة، لكن لا يمكنها أن تكون الممثل الوحيد لأفريقيا أمام أعين الناس في بريطانيا.

الانزعاج الذي انتابني وأنا صغيرة عندما شاهدت الفيديو المرافق لهذه الأغنية بصحبة أصدقاء جلهم من البيض خلال لقاءات المدرسة كانت غير ضرورية ويمكن تلافيها، ولطالما جهدت في المدرسة الابتدائية كي أشرح لأقراني بأن الصور التي يشاهدونها في الفيديو لا تشكل تمثيلاً دقيقاً للقارة (الأفريقية) بأسرها.

أنا وأشقائي وشقيقاتي محظوظون بأننا نعرف من أين أتينا، وعلى رغم ولادتنا ونشأتنا في هيرتفوردشير كان أهلنا يأخذوننا إلى نيجيريا كل سنتين أو ثلاث.

أفهم لغة الـ "إيغبو" وأعرف عائلتي وأفتخر بكوني امرأة أفريقية، لكن كثيراً من البريطانيين الأفارقة ليسوا محظوظين مثلنا، وما يفهمونه عن المكان الذي تعود أصولهم له هو أنه مكان ليس فيه مياه ولا طعام ولا بيوت، ويعاني أسوأ الأمراض في العالم على رغم أن ذلك ليس حقيقياً، فأفريقيا قارة كبيرة فيها أشياء كثيرة غير الفقر والموت.

وعلى رغم النقد الذي وجّه إلى الأغنية فقد جرى تجديدها وإعادة إنتاجها مرات عدة، وقد دعي فيوز "أو دي جي" (Fuse ODG) الموسيقي الغاني المدهش والمولود في لندن إلى أداء نسخة 2014، لكنه رفض الدعوة. وأشار فيوز إلى إشكال بعض كلمات الأغنية بما في ذلك المقطع الذي يقول "لا سلام وفرح في غرب أفريقيا هذا الميلاد" (there’s no peace and joy in west Africa this Christmas)، قائلاً إنه يذهب إلى غانا في كل عام كي يعيش السلام والفرح.

فيوز ليس الوحيد في هذا، فكثيرون يسافرون إلى بلدان أفريقية لأشهر قبل أن يعودوا للمملكة المتحدة، وأنا شخصياً حظيت بفرصة زيارة المغرب ونيجيريا، وفي ما أود رؤية بلدان أكثر في القارة الجميلة، ويمكنني القول بصدق إنه على رغم وجود بعض المحتاجين إلى المساعدات إلا أن هذا الأمر لا يشكّل واقع جميع الأفارقة.

المقاصد من وراء الأغنية كانت طيبة، لكن الطريقة التي عبر عنها بها جاءت في أسوء تقدير لتتضمن أبعاداً عنصرية وجاهلة، انتهى بها المطاف لتبدو متعالية وفوقية تجاه فئة كاملة من الناس في بريطانيا، وهذا الأمر في أفضل تقدير بدا إشكالاً.

العنصرية الممنهجة في الغرب تمثل مسألة لا نزال نواجهها، ويجري الدفاع عن الفئات المهمشة في مجتمعنا وحمايتها في وجه التصرفات الرعناء، لكن السود في الغالب يتركون للنهاية ويتوقع منهم مواجهة تلك التصرفات بمفردهم، ولقد قمنا في الماضي بـ "إلغاء" شعوب بأكملها.

دعونا الآن نشطب أغنية "باند إيد" ونلغيها باعتبارها مجرد واحد من الأخطاء المرتكبة خلال الثمانينيات، فأنا لا أرى في طلب شطبها وإلغائها طلباً صعباً وكبيراً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من فنون