Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أدب الطفل" العربي... عندما يفشل الكبار في التحدي

يشهد قطاع الطباعة والنشر تراجعاً حاداً في المحتوى الموجه للقصر

بدأت المجلات والكتب الموجهة للأطفال تختفي من الأرفف (اندبندنت عربية - حسن حامد)

قال توفيق الحكيم عن الكتابة للأطفال "إن البساطة أصعب من التعمّق، وإنه لمن السهل أن أكتب وأن أتكلم كلاماً عميقاً، ولكن من الصعب أن أنتقي وأتخير الأسلوب السهل الذي يُشعر السامع بأنني جليس معه ولست معلماً له، فكاتب الأطفال يحسب لكل جملة بل لكل كلمة حسابها، إذ لا بدّ أن تكون كلماته متناسبة مع قدرات الطفل، مع حاجاته، مع قاموسه اللغوي، مع ثقافته، مع بيئته التي ينتمي إليها".

تعكس هذه الكلمات واقع كتاب الأطفال في كل زمان ومكان، فالكتابة للطفل دائماً هي التحدي الأصعب.

يضاف إليه اليوم تحدي آخر، إذ لم يعد الطفل الذي لديه ستة أعوام اليوم بوعي أقرانه حين انتهت الألفية السابقة، فالطفرة الحادثة في وسائل التواصل وما لازمها من تغيرات تقنية وطرق الوصول إلى المعلومة لم تلغ دور القراءة لدى الطفل، لكنها فتحت له مصادر تلقي المعرفة على اتساعها أمامه، وهو ما خلق حالة من العشوائية في المعرفة لديه، الأمر الذي لم تستطع معه دور النشر والمعنيون بالكتابة للطفل وأساتذة علم نفس الطفل مواكبة الأمر، والبحث في كيفية احتواء الطفل وخلق محتويات تلائم فكره واهتمامه في الوقت الراهن.

من يكتب لـ41 مليون طفل مصري؟

قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عدد الأطفال في مصر عام 2022 بـ 41.5 مليون وهو بلا شك رقم كبير يحتاج إلى اهتمام بما يقدم لهم من أدب يرتقي بهم ويعكس قضاياهم ويكون له دور في تنشئتهم على النحو الأمثل.

يقول محمود حسن إسماعيل، أستاذ الإعلام وثقافة الطفل بجامعة عين شمس "يعاني أدب الطفل في مصر حالياً من مشكلات كثيرة، فعلى رغم وجود بعض المؤسسات الرسمية المعنية بأدب الأطفال مثل مركز بحوث وتوثيق أدب الأطفال وبعض اللجان بالمجلس الأعلى للثقافة وغيرها، إلا أن الكم المنتج للأطفال قليل جداً مقارنة بعدد الأطفال في المجتمع المصري والذي يتخطى 45 في المئة من المجتمع، فعدد الإصدارات الخاصة بالأطفال لا يتناسب مع نسبتهم في المجتمع".

 

ويضيف "من الملاحظ تراجع إقبال الأطفال على القراءة، فالمقررات الدراسية تنفر الطفل من القراءة وينعكس ذلك على استخدامه لكتب ومجلات الأطفال، مما أدى إلى تراجعها وقلة توزيعها، ما يستلزم تطويرها واستكتاب كتاب محترفين للكتابة بها، والتركيز على عوامل الجذب مثل الصور والألوان، والموضوعات الجيدة التي تتلاءم مع العصر وتتوافق مع حاجات الطفل".

ويوضح إسماعيل أستاذ الإعلام وثقافة الطفل أن "أدب الأطفال في مصر يحتاج إلى اهتمام أكبر من مؤسسات الدولة، والاهتمام بالقراءة ورجوع المكتبات المدرسية والعامة ومكتبات الأطفال إلى دورها المهم في تثقيف الأطفال، كما يحتاج أيضاً إلى حركة نقدية لتقييم ما يقدم للأطفال على أسس علمية وموضوعية، كما يجب الاستعانة بآراء الخبراء والأكاديميين في مجال إعلام وأدب وثقافة الطفل لتقديم رؤيتهم للنهوض بمستقبل أدب الأطفال".

في المقابل، تقول كاتبة الأطفال رانيا حسين أمين إن "واقع الأعمال الموجهة للأطفال حالياً أفضل بكثير من أوقات سابقة فهناك عدد أكبر من الكتاب والرسامين، كما أن هناك تطوّراً كبيراً في شكل إخراج الكتاب أو القصة بجودة عالية، لكن تبقى المشكلة في جانبين الأول الارتفاع الكبير في السعر نتيجة للتكلفة العالية التي تتطلبها كتب الأطفال حيث تحتاج إلى رسام متميز بجانب الكاتب وإلى طباعة فاخرة لتكون مبهرة وجاذبة للطفل، والثاني أن كثيراً من دور النشر تجعل كتب الكبار هي الأولوية وتنشر بشكل محدود جداً في ما يتعلق بكتب الأطفال، وعلى رغم انتشار فكرة النشر الإلكتروني حالياً والتي اعتمدتها كثير من دور النشر، إلا أنها محدودة بالنسبة لكتب الأطفال لأن العائد يكون محدوداً باعتبار أن كتاب الأطفال تحديداً تكلفته تكون عالية".

وتضيف "موضوعات كتب الأطفال تحتاج إلى تجديد لتتلاءم مع واقع الطفل وتواكب حاجاته وفي الوقت ذاته لا بد من الاهتمام بوجود كتب لكافة المراحل العمرية، فهناك وفرة في الكتب الموجهة للفئات الصغيرة، بينما الكتب الموجهة لليافعين هي أقل بكثير، ولا يوجد اهتمام كافٍ بها على رغم أهمية هذه المرحلة وحاجتها لكتب تناقش حاجاتها".  

عشوائية أدب الطفل في السعودية تدخل الأطفال في أزمة معتقدات

وفي السعودية هناك مشكلة أخرى، يشير إليها الكاتب محمد جراغ إلى أهمية "طلب الدعم اللازم لاستمرار الكتابة الحقيقية والجادة في مواجهة الكتابات الاستهلاكية التي يسعى وراءها عديد من دور النشر التجارية، إذ أصبحت موضوعات أدب الأطفال التي شاعت أخيراً في الغرب تلقي بظلالها على أدب الطفل العربي، ونبه جزاع من خطورتها وضرورة تحمل المسؤوليات تجاهها".

وذكرت المستشارة التربوية وفاء الطجل أن أطفال اليوم مختلفون عن أطفال الأمس "كل عامين يظهر جيل مختلف الاهتمامات والتوجهات، وجيل اليوم ينظر إلى الأمام والحاضر، وإذا ما أردنا أن ننقله إلى الماضي فعلينا أن نقولب المحتوى في قوالب عصرية".

 

وأضافت "لا تزال هناك فجوة كبيرة بيننا وبينهم في تطوير كتب الأطفال، إذ إن كتب الأطفال التي تسود العالم حالياً هي ما يطلق عليها كتب القراءة بالحواس الخمس بالصوت والصورة والألوان، إلا أنه بسبب ارتفاع كلفة إنتاج هذه الكتب، وعدم تفهم الأسرة الدور المهم لهذه الكتب في إنشاء علاقة حب بين الأطفال والكتب منذ أشهر حياتهم الأولى أصبحنا في حاجة إلى اختيار روائع أدب الطفل في الأدب العالمي لترجمتها إلى اللغة العربية"، وهنا تقع المشكلة بسبب عشوائية الاختيار التي تضعه أمام صدمة المعتقدات المختلفة.

أدب الطفل في المغرب... الحنين إلى جيل الرواد

يمكن تقسيم مسار أدب الطفل في المغرب إلى مرحلتين رئيستين، مرحلة الازدهار والإشعاع التي برزت خلالها أسماء أدباء تخصصوا في هذا النوع من الأدب، من قبيل عبدالسلام البقالي والعربي بنجلون، وآخرين، ومن ثم مرحلة الانحسار والتراجع، سواء من حيث قيمة أسماء المبدعين أو جودة الكتب والإبداعات المخصصة لهذه الفئة.

يرى الأديب المغربي مصطفى لغتيري أن أدب الطفل يكتسب أهمية قصوى لدى شعوب العالم، وبخاصة لدى الفئة المثقفة أو تلك المسؤولة عن قطاع الثقافة، نظراً إلى الأهمية الكبيرة التي يحظى بها الطفل، بخاصة أن هذه المرحلة العمرية أساسية في بناء شخصية الإنسان.

ويوضح لغتيري، "إذا أردنا إنساناً سوياً وناجحاً ومشبعاً بالقيم النبيلة من الضروري الاشتغال عليه منذ وقت مبكر، أي من مرحلة الطفولة"، حيث إن "الرجل الكبير ابن الطفل الصغير"، وفق فرويد.

 

ويبرز أن "أدب الطفل يعد من الوسائل الأساسية المستعملة في تنشئة الناشئة الصغيرة، فعبره يكتسب الطفل عدداً من الكفايات المعرفية واللغوية والتواصلية والوجدانية"، مضيفاً أن "القيم التي يتم تمريرها للطفل عبر الأدب تبقى راسخة في عقله ووجدانه أكثر مما لو مررت له بشكل مباشر".

ويرتبط أدب الطفل أو أدب اليافعين في المغرب بأسماء تعد من جيل الأدباء الرواد، مثل محمد سعيد سوسان، والعربي بنجلون، وعبدالسلام البقالي، ومحمد إبراهيم بوعلو، والتي أسهمت بشكل كبير في إغناء المكتبات المخصصة لأدب الطفل بمجموعات قصصية وبمجلات أيضاً مثل "سامي" و"العندليب" ومجلة "أزهار".

وتتذكر الأجيال الأدبية ما كتبه مثلاً محمد سعيد سوسان من قصص وحكايات وروايات خاصة باليافعين والناشئة الصغيرة، من قبيل "ديدالوس: المهندس العبقري الذي يبتكر لكل مشكلة حلاً"، وأسطورة "غلغامش: الملك الجبار الذي أراد الإفلات من الموت". أما العربي بنجلون (مواليد 1947) فيمكن اعتباره أحد الرموز والأيقونات في تاريخ ومسار أدب الطفل في المغرب، فقد أصدر صحيفة الطفل في عام 1971، وكتب عديداً من المجموعات القصصية للأطفال، منها قصص من عالم الحيوان، وقصص تربوية، آخرها مجموعته القصصية الجديدة "لنعش حياتنا" التي تستهدف الأطفال بين تسع سنوات و12 سنة.

ويعد الراحل أحمد عبدالسلام البقالي بدوره أحد أشهر أدباء الطفل بالمغرب (ولد في 1932 وتوفي في 2010)، إذ أغنى مكتبة أدب الطفل بعديد من العناوين، من قبيل "رواد المجهول"، و"المدخل السري إلى كهف الحمام"، و"السلسلة الذهبية"، و"لصوص البحر"، وعديد من العناوين الأخرى.

وبعد مرحلة إشعاع الرواد انحسرت الإنتاجات المخصصة الأدبية للأطفال، مما أدخل هذا الصنف من الأدب في "أزمة"، وفق أهل الاختصاص، من بينهم العربي بنجلون الذي سبق له أن أصدر بياناً يدعو فيه إلى إنقاذ أدب الطفل من الاندثار.

الأزمات في العراق تلقي بظلالها على ثقافة الطفل

تراجع الاهتمام بتنمية مواهب الأطفال العراقيين منذ عام 2003 بسبب الأزمات والمشكلات التي مرت بها البلاد، حيث توقفت غالبية المؤسسات التي كانت تركز على هذا الجانب لغياب التمويل، فيما بدأت مؤسسات أهلية أو دور نشر عراقية وعربية بتوزيع بعض القصص الخاصة بالأطفال لأغراض تجارية في المكتبات العراقية، فباتت بعض المجلات التي كانت تركز على التنمية الفكرية للطفل، والتي كانت تطبع بالآلاف شهرياً وفي متناول كثير من العراقيين في حقبة سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته مثل "المزمار" و"مجلتي"، حتى كاد بعضها يختفي من الأسواق.

ويسعى مجلس النواب في العراق إلى تشريع قانون يضمن تطوير قدرات الأطفال وتنمية مواهبهم وثقافتهم وتفعيل المؤسسات الثقافية التي تنشر وتنمي مواهب الأطفال.

 

وقالت عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة ابتسام الهلالي إن هناك مسودة قانون تناقش في اللجنة لحماية الطفل وتنمية ثقافته. وأضافت أن "القانون يتكون من نقاط مهمة في تنمية ثقافة الطفل من الناحية الفكرية والاجتماعية والدينية، فضلاً عن حمايته"، مبينة أن كل هذه الأمور كانت موجودة، والمفترض أن يلزم القانون الاهتمام بالأمور الثقافية للطفل.

في المقابل، شددت الهلالي على ضرورة مزيد من الدعم لبعض المجلات المهتمة بثقافة الطفل مثل "مجلتي" و"المزمار"، والتي تتناسب مع عقل الطفل، مشيرة إلى أن اللجنة ستضع مادة خاصة تنسجم مع الوضع الفكري والاجتماعي للطفل لتنميته اجتماعاً، كونه ابتعد عن القراءة، واتجه للتكنولوجيا الحديثة المتمثلة بالألعاب الإلكترونية الخطرة التي لا تنمي عقله.

ودعت الهلالي إلى دعم دار ثقافة الطفل مالياً من أجل التوسع في طباعة المجلات الثقافية الخاصة بالطفل، متوقعة أن يتم الحصول على مردود مادي نتيجة المبيعات لتوفيرها للعائلات العراقية لتنشأة طفل مثقف.

التحديات تحيط بها في السودان

الفنان السوداني شرحبيل أحمد، المغني والملحن، اشتهر بالرسم وتأليف قصص الأطفال المصورة وكتابة الشعر لمجلة "الصبيان" التي صدرت عن "مكتب النشر" في معهد التربية ببخت الرضا بولاية النيل الأبيض والذي كان يتبع وزارة التربية والتعليم عام 1946.

عن هذه التجربة يقول أحمد إنه انضم إلى تحرير وتصميم الغرافيك في مجلة الصبيان في نهاية خمسينيات القرن الماضي وحتى وصوله إلى سن المعاش. وكان "ضمن أسرة تحرير متفهمة أغراض الطفل، إذ أبدعت في الإخراج الفني والتحرير الكتابي والفني الذي يترجم القصص إلى رسومات تحرير كتابي وفني يترجم القصص إلى رسومات وصور".

 

وعن اهتماماتها يوضح "تقدم المجلة للأطفال أبواباً متنوعة تهتم بالصحة والتربية والقصص الجميلة الهادفة والتاريخية، وشتى أنواع المعرفة التي يمكن أن يستفيد منها الطفل. وكانت المجلة ضمن الكتب والمجلات المنهجية التي تصدر عن وزارة التربية والتعليم، فيها المدرسية والثقافية واللغات".

ويضيف "بتوقف مجلة الصبيان ضمن مطبوعات أخرى حكومية وغير حكومية، فقد الطفل في السودان أشياء كثيرة. والأسباب تعود إلى ارتفاع أسعار مدخلات الطباعة. ومع أن الصبيان كانت مجلة حكومية يقدم لها الدعم اللازم، لكنها فقدته أخيراً بعد أن تناقص العائد، وارتفع سعرها وأصبحت في غير متناول يد الأطفال".

 ويتابع أحمد أن "كتب ومجلات الأطفال المقبلة من الدول العربية إلى المكتبات السودانية غطت لفترة طويلة النقص في الإنتاج المعرفي المحلي للطفل السوداني، ولكن بعد ذلك تلاشى أيضاً، ثم أنشئت مجلات مثل صباح، ومريود، وعمار، وسمسمة وشليل وغيرها، ولكن بعضها توقف وبعضها لا يصدر بصورة منتظمة". ويرى أحمد أن "التقنية لا يمكن أن تحل محل الكتاب، إذ لا يمكن الاستغناء عنه نهائياً، ولكن يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب في رفد الطفل بالمعرفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما مديرة تحرير مجلة "سمسمة" مناجاة الطيب فقالت "قبل تراجع مطبوعات أدب الأطفال كان الإنتاج يلمس ذلك في تزايد طباعة الكتب، إلا أن هناك مشكلة الكيف مقابل الكم، إذ طغت فكرة مواكبة العصر ونشطت في محاربة الأدب القديم، وعد لا يصلح لهذا الزمان ومن المفترض تقييم مضمون العمل الأدبي بغض النظر عن حقبته الزمنية". وترى أن "هنالك كتاباً يملكون أدوات وأساليب سرد مشوقة لذائقة المتلقي، ولكن ذلك أصبح محكوماً بمتطلبات السوق، وانحصر الإنتاج أيضاً في المكملات التعليمية للمناهج الأكاديمية وطغت على بقية مسارات أدب الطفل، مما سبب تراجعاً متسارعاً في أدب الأطفال".

أدب الطفل في الجزائر... واقع متناقض والتقنية أدخلته الفوضى

ليس من الصعب معرفة مكانة أدب الأطفال في الجزائر، إذ بمجرد التجول في شوارع وأزقة المدن يمكن ملاحظة اختفاء المكتبات وتحول بعضها لمحلات الأكل السريع وبيع الملابس، كما بات نشاط مسرح الأطفال ومسابقات الشعر والرسم والرواية والكتابة المخصصة لهم ضعيفاً لا يكاد يحصى إلا في المناسبات، مقابل محاولات "محتشمة" للحكومة من أجل إعادة بعث المشهد الثقافي والأدبي، مما جعل الأطفال ضحية هذا الوضع الذي يرجعه المتابعون إلى تحول الاهتمامات إلى الاقتصاد والسياسة والتجارة، وحتى الرياضة.

 

واقع أدب الأطفال بالجزائر في تراجع مقارنة بما كان عليه في العقود التي تلت الاستقلال، حيث كان الاهتمام به كبيراً من كثير من المؤسسات الحكومية، ومن المبدعين أيضاً، ويجمع عديد الأطراف على أن الكتابة للطفل لا يزال حضورها ضعيفاً في ظل رداءة الإصدار المحلي وتغلغل المحتوى الأجنبي وقلة اهتمام الجهات الوصية.

يحدد أستاذ الأدب العربي والكاتب المؤلف الشارف لطروش المشكلات التي يعرفها حقل أدب الأطفال في ضعف القراءة العامة، بحيث يبدو معها الحديث عن أدب للأطفال نفخاً في الرماد، فالمدرسة تعلم فقط ولا تدفع المتعلم إلى فعل القراءة والمطالعة، ثم إن المكتبات في المدارس إما قليلة، وإما عامرة، لكن غير مؤطرة، وتتكدس فيها الكتب، ولا تستغل، إضافة إلى غياب استراتيجية لدى الهيئات المعنية بالأطفال، ولا يوجد تنسيق بينها وبين الدور المتخصصة في الأدب الموجه للطفل، وكذا ضعف تجربة دور النشر التي لا تزال فتية، إن وجدت إصدارات في هذا المجال فإنها تكون بدافع تجاري لا غير، وأخيراً غياب النقد المرافق، إذ لا يوجد نقاد متخصصون بأدب الطفل، سواء في المسرح أو في الشعر أو في القصة، مما يؤثر بالسلب لأن أدب الأطفال لا يمكن له التطور في غياب التوجيه والنقد والدراسات النفسية والسيكولوجية المتخصصة.

ولم يتوقف الكاتب لطروش عند حد ذكر الاختلالات، بل قدم اقتراحات من أجل إعادة بعث أدب الأطفال. وأوضح في دراسة أعدها بهذا الشأن أنه بات من الأولويات تشجيع القراءة وسط الأطفال، وإقامة المسابقات التحفيزية على القراءة والتمثيل، مع تخصيص الجوائز المالية والتقديرية للمبدعين والمهتمين بأدب الأطفال، مضيفاً أن إخراج الكتاب الثقافي للأطفال يحتاج إلى مهارة وفن وتخصص وموارد بشرية ومادية، ومراحل كثيرة وخطوات متتابعة لا تتم إلا بعد دراسة واعية وفكر تربوي هادف، إذ لا بد من منح الطفل مساحة للتفكير والتأمل فيما يقرأ ويشاهد.

أدب الأطفال في الأردن من غزارة الإنتاج إلى قلة المعروض والمتاح

شهد العقد الماضي فترة ذهبية على صعيد ما هو موجه أدبياً وثقافياً للطفل الأردني، لكن ذلك لا يرضي طموح المهتمين الذين يرون أن الإنتاج الثقافي للطفل قليل، ما يجعل ما هو متاح مسيطراً أكثر على السوق.

في السياق ذاته، تبرز العديد من دور النشر المتخصصة بأدب الأطفال في الأردن، على رغم وجود العديد من المنتجات والإصدارات التجارية في الأسواق في المقابل. وتحاول وزارة الثقافة الأردنية تعزيز هذا الأدب من خلال تبني العديد من الإنتاجات على نفقتها، وتقديم جوائز مجزية، وتعزيز ثقافة القراءة، من خلال مشروع مكتبة الأسرة، ومهرجان القراءة للجميع.

في المقابل يعتقد ناقدون أن الطفل الأردني يواجه حملة تغريب واستهداف للهوية عبر تمكين اللغات الأخرى على حساب العربية.

 

يرى القاص والأديب الأردني منصور العمايرة أن نشأة أدب الأطفال في الأردن كانت على شكل حكايا شفاهية بسيطة وقصص أغلبها يتحدث عن البطولات، أو تلك الأساطير التي يقصها الأجداد على أحفادهم كقصص "الغولة" و"الشاطر حسن"، قبل أن تتطور إلى فن أدبي قائم بحد ذاته لديه سوق كاملة اعتمدت لاحقاً على مؤثرات بصرية وسخّرت التقنية والإنترنت لخدمتها.

يعرّف العمايرة أدب الأطفال بأنه حصيلة ثقافية لمخاطبة الطفل، عبر الكتب والمجلات ووسائل الاتصال المرئية والمسموعة، ويعتقد أن حصيلة الأدب الموجه للطفل ضئيلة قياساً بالمؤلفات الأخرى.

بينما يؤكد محمد جمال عمرو أحد رموز أدب الأطفال في الأردن، أن البدايات الحقيقية لهذا الأدب كانت في عام 1928، على يد العديد من الرموز الثقافية في البلاد كإبراهيم البوراشي، وإسكندر الخوري، وإسحاق موسى الحسيني، وراضي عبد الهادي، وعيسى الناعوري، وروكس بن زائد العزيزي، وعبد الرؤوف المصري، وحسني فريز، وفايز علي الغول، وإبراهيم القطان، وأحمد العناني، ويوسف العظم وغيرهم.

يلقي مراقبون باللائمة على وزارتي الثقافة والتربية والتعليم من حيث تراجع الأدب المخصص للطفل بعدما طغت النشاطات المدرسية على نشاط القراءة.

لكن خلافاً لذلك، يرى مختصون أن الواقع مبشر بخاصة في ظل توظيف التقنيات الحديثة، ويطالبون بأن يتوجه أدب الأطفال الحديث لمعالجة قضايا معاصرة كالبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.

تقول الأديبة روضة الفرخ الهدهد التي تعد أحد أبرز الأديبات اللواتي كتبن للطفل في الأردن، إن أول عمل مدوّن ومقدم للأطفال كان ما قدمه الكاتب إبراهيم البوراشي في مجموعته "الأناشيد المدرسية" عام 1928، مضيفة "مرت على فلسطين والأردن ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة، وحروب وهجرات وثورات عنيفة، أدت في مجملها إلى تراجع الأدب بشكل عام وأدب الأطفال بشكل خاص. إضافة إلى أسباب أخرى كغياب الوعي لدى المهتمين والمسؤولين بأدب الأطفال، وانتشار الأمية وقلة المؤهلين للكتابة للأطفال، ونظرة المجتمع العربي التي كانت (ولم تزل) لا تقدر من يتعامل مع الأطفال مادياً ومعنوياً، ونقص المطابع ودور النشر وارتفاع تكاليف الطباعة".

وتشير الهدهد إلى أن مرحلة جديدة يمكن اعتبارها البداية الحقيقية لأدب الأطفال في الأردن برزت في خمسينيات القرن الماضي، بينما تميّزت مرحلة السبعينيات بنمو كبير من حيث الكم والنوع في الكتب الموجهة للأطفال.

تطوير أدب الطفل في تونس يصطدم بتكاليف النشر

"هل أقامت التطورات التكنولوجية حاجزاً بين الأطفال والكتاب أم العكس؟"، يعد هذا السؤال أحد أهم الهواجس التي تثار عند التطرق إلى أدب الطفل في العالم العربي عامةً حيث تسجل نسب مطالعة متدنية، أما في تونس فيبدو الأمر مختلفاً، حيث تبذل جهود لتوجيه اهتمام الطفل نحو الكتاب والأجناس الأدبية، لا سيما من خلال تعزيز دور المكتبات العمومية المنتشرة في أنحاء البلاد كافة.

وقال مدير إدارة المطالعة بوزارة الثقافة في تونس، إلياس الرابحي، إن الوزارة وإدارته تعملان على "تنمية أدب الطفل عبر المسابقات والمناسبات التي يكرم فيها الأطفال وتبرز أهم أعمالهم والكتب والقصص التي ينتجونها".

وتابع الرابحي أن "المسابقة الأدبية للأطفال والشباب والناشئين تعد واحدة من أهم هذه المسابقات، فقد جرت هذا العام دورتها الثانية والثلاثون التي شهدت مشاركة الأطفال بـ 500 عمل تم تقييمها، وفاز 10 منها بجوائز، ونشرت تلك الأعمال في ثلاثة كتب طبعت وأعيد توزيعها على المكتبات العمومية في كل المحافظات من أجل تحقيق نوع من التبادل المعرفي في الجهات".

وعلى رغم الشكاوى من انجذاب الأطفال أكثر نحو اللوحات الرقمية للترفيه، إلا أن الرابحي شدد على أن "هناك سعياً من أجل استغلال هذه الوسائل لتنمية أدب الطفل في تونس وليس العكس"، وقال "مثلاً نسعى لتنظيم مسابقات تتضمن الخرافة الشعبية والشعر والقصة، وتحفيز العائلة على الاطلاع على الثقافة بأساليب مختلفة ترمي إلى إبراز الهوية التونسية وتمتين العلاقة بين العائلة والمكتبات العمومية".

وأبرز الرابحي أن "العملية تتم عبر تسجيل مقطع فيديو للطفل، لدينا اليوم 600 فيديو قيمت من قبل مسرحيين معروفين في تونس وأساتذة في التربية لتقييم القصص الرقمية".

وتابع "نحاول دمج الأطفال الذين يفكرون بطرق مختلفة ولديهم طاقات لابتكار وإنتاج مواد أدبية، ما يحتاجونه فقط هو توجيه وعمل على استغلال الأدوات الرقمية، وهو ما لقي صداه لدى العائلات التونسية، إذ شاركت 37 ألف عائلة في هذه المسابقات التي تعمل على تنمية أدب الطفل وإبراز الهوية والثقافة التونسية عبر الأغاني والتراث المحلي".

إلا ان الجهود الحكومية في تونس تواجه انتقادات بخاصة على مستوى اقتصارها على المسابقات، علاوةً على ارتفاع تكلفة نشر الكتب والمجلات ما يجعل النشاط في هذا المجال باهتاً بالفعل.

وقالت الخبيرة الدولية في أدب الطفل، الكاتبة وفاء ثابت المزغني، إن "كتاب الطفل في تونس يتطور شكلاً ومضموناً، ويستفيد من تطور التكنولوجيا وتعدد التجارب حوله في العالم، وهذا واضح في القصص والمجلات على رغم قلة عددها، المربون والكتاب والأولياء واعون إلى ضرورة أن يقرأ الطفل لتنمية ثقافته وشخصيته بخاصة تحسين مستوى التعبير الشفوي والتحرير، ويبحثون عن حلول لعزوفهم عن القراءة". واستدركت المزغني "لكن هل عندنا مشروع حقيقي للنهوض بأدب الطفل؟ هل اهتمامنا يتجاوز الأشكال التقليدية لنشر أدب الطفل كالمعارض والمسابقات؟ بصراحة أشك في ذلك، أمامنا عمل طويل للأسف لم نشرع فيه إلى حد الآن، لننظر حولنا وسنرى الفرق الكبير".

أدب الأطفال يعاني أزمات لبنان والطفل يفتقر إلى حقوقه الأساسية

يوضح العضو السابق في اللجنة التحضيرية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي في لبنان، محمد قاسم أن "المقصود بموضوع أدب الأطفال هو التراث الشعبي والتاريخ والبيئة المحيطة والترجمة، بالتالي هو نوع من ثقافة وحق لكل طفل لتنمية وتطوير مهاراته وقدراته الفكرية والعاطفية والاجتماعية، بخاصة أن أدب الأطفال يرتبط بشكل وثيق بالأدب النفسي وبحمايتهم في مرحلة لاحقة من أشكال العنف وسوء المعاملة وتحصين النفس لمواجهة المستقبل من خلال التجارب التي يكتسبها من المطالعة وقراءة القصص والمشاهدات التلفزيونية والرقمية".

 

أما بالنسبة إلى الأزمة التي يواجهها لبنان فيشير قاسم إلى أن "هناك تراجعاً في نسبة القراءة وغياباً كبيراً في حصص القراءة في المناهج المدرسية، لأننا نواجه غياب المكتبات بشكل عام وبخاصة في المدارس. وقد حلت أزمة كورونا لتفاقم أعباء التعليم، إذ إن التعليم عن بعد أسهم بإبعاد الأطفال عن البرامج التثقيفية والتعليمية، إذ بات الأطفال يعتمدون على أهلهم للتعلم ولكن الحالة الاقتصادية للأهل وانعكاساتها على وضع الأسر جعلت الأطفال بعيدين كل البعد عن أي تراث فكري أو أدبي أو قصصي. من جهة أخرى، فإن خبرات المعلمين المعنيين بإعداد الطلاب وتدريبهم محدودة، إذ يفتقرون إلى القدرات والكفاءات الأساسية المواكبة للتطور".

ويوضح قاسم أن هناك "فرقاً شاسعاً بين الكتابة للأطفال وأدب الأطفال، إذ إن الأولى بمتناول الجميع ولكن أدب الأطفال يحتاج إلى الإنتاجات الأدبية الخاصة التي تراعي حاجاتهم ونموهم، وتعزز ثقافتهم وتنمي جانبهم العاطفي والنفسي من خلال الشعر والمسرح والحكايات المصورة والمسموعة"، لافتاً إلى أن "المناهج التدريبية في لبنان والتي تأخذ من وقتهم ست ساعات لا تهتم بالجوانب النفسية والثقافية".

بدورها، تشدد المتخصصة بالشؤون التربوية مي طبال على أهمية أن يكون هناك "إصدارات في اللغة العربية مواكبة للأحداث اللبنانية ومثلاً على ذلك انفجار المرفأ الذي شكل صدمة للأطفال وأثر في عدد كبير منهم، إذ لم نر إصدارات أو قصصاً حقيقية تعالج الموضوع ليتمكن الطفل من التعبير عنها بطريقة قريبة إلى الواقع"، لافتة في الوقت عينه إلى أن "الإصدارات إجمالاً لا تكون باللغة العربية ولا تواكب تطلعاتهم وأفكارهم وأحلامهم. ومنهم من يحب أن يتوجه أكثر إلى اللغة الأجنبية لأنها عصرية وتتجاوب معهم أكثر لأنها أقرب إلى حياتهم اليومية".

وتعبر طبال عن استيائها حيال "مناهج كتب التاريخ القديمة التي ورثناها عن أهلنا"، لافتة إلى أن "كتب التاريخ في المدارس الفرنسية لها طابع تحليلي وكل سنة نراها متجددة وهذه مشكلة في لبنان، إذ إن الطلاب لا يواكبون تاريخهم المعاصر بشكل صحيح. عدا عن ذلك، بعض القصص لا تزال تحتوي على تمييز عنصري أو جندري ولا تزال النظرة الدونية للمرأة موجودة في ثقافتنا التربوية".

المزيد من تحقيقات ومطولات