Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة مكتبة في الجزائر تقاوم التحول إلى مطعم للوجبات السريعة

يعود وجودها إلى ما قبل 72 عاماً ومرت عليها أجيال من الكتاب والطلبة والباحثين

وقّع مثقفون جزائريون في عام 2012 عريضة من أجل بقاء مكتبة الفنون الجميلة (اندبندنت عربية)

في شارع رئيس بالعاصمة الجزائرية يعج بالحركة وبمحال الألبسة والوجبات السريعة التي تمتلئ عن آخرها بداية من منتصف النهار بحثاً عن إسكات البطون الجائعة، تنتظر مكتبة "الفنون الجميلة" من يفتح بابها الخشبي بلونه الأحمر البهي بحثاً عن "تغذية الفكر" من رواد المعرفة وعشاق الورق الذين تتضاءل أعدادهم من عام إلى أخرى.

تقاوم هذه المكتبة الواقعة في 28 شارع ديدوش مراد، أحد أشهر شوارع العاصمة الجزائرية، واقعاً فرض نفسه على المكتبات التي باتت تشيخ ولا تتجدد في ظل تراجع القراءة ولعل المتجول في الشارع يمكنه ملاحظة أن عدد من يتوجهون نحو مطعم الأكل الشرقي المحاذي للمكتبة لا يمكن مقارنتهم بعدد الداخلين إلى المكتبة.

72 عاماً من الوجود

وتعتبر مكتبة "الفنون الجميلة" مكاناً رمزياً ارتبط بأجيال عدة من الطلبة والباحثين والكتاب الذين مروا بها، إذ يعود تاريخ وجودها إلى عام 1950 أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962) ليبقى هذا الفضاء الثقافي مفتوحاً بعد الاستقلال عندما قرر الإسباني فنسنت غراو مواصلة حياته في الجزائر ورفض إقفال المكتبة حتى في عز الأزمة الأمنية التي شهدتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي، لكنه اغتيل على أيدي إرهابيين عام 1995 داخل المكتبة كما تقول الوراقة في مكتبة "الفنون الجميلة" شباب صبيحة، في حين تذكر مراجع أخرى أنه قتل في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1994.
وفي لقاء خاص مع "اندبندنت عربية" تضيف شباب صبيحة أن "غراو إسباني بروح جزائرية فكان له الفضل في بقاء المكتبة واستمرارها، إذ كانت محجاً لكل طلاب الجامعة المركزية القريبة منها التي احتضنتهم برفقة كتاب ومؤرخين وباحثين وفتحت نقاشات عن الثقافة والمعرفة وإصدارات الكتب، وحتى الآن ما زال هؤلاء وبعضهم من الإطارات والكفاءات أو حتى من الذين غادروا البلاد واستقروا في الخارج يزورون المكتبة لاستذكار تلك الأحاسيس والذكريات التي عاشوها في هذا الفضاء الثقافي واستذكار فنسنت غراو الذي كان شخصية محبوبة".
 


طوق نجاة

مرت المكتبة بتحديات عدة ومحاولات لتغيير نشاط المحل المؤجر وربما كادت أن تتحول هي الأخرى إلى مطعم للوجبات السريعة مماثل لذلك المحاذي لها، لكن في عام 2012 وقف مثقفون جزائريون وفاعلون في المجتمع المدني بوجه تلك المحاولات من خلال مراسلة وزارة الثقافة الجزائرية بغية إنقاذ "الفنون الجميلة" من الزوال على اعتبار أنها تمثل صرحاً ثقافياً وتاريخياً مرتبطاً بذاكرة الأمة، كما جاء في نص مراسلتهم التي نقلها الإعلام المحلي آنذاك بعد صدور أمر بالطرد من قبل المحكمة في حق مسير المكتبة استعداداً لتحويلها إلى خدمات أخرى.
وهنا تقول صبيحة إن "الناس يعتقدون بأن أصحاب المكتبات هم من قرروا التوقف عن النشاط، لكن هناك عوامل تجارية تعصف بالمكتبات. نحن نحاول منذ عام 2014 المقاومة والبقاء في المشهد، لأن تسيير المكتبة هي مهنة لها خصوصيتها فوراءها كلف عدة من تأجير للمحل وشراء الكتب وتسويقها، بالتالي فإن استمرار المكتبات بالنشاط يبقى مرهوناً بشراء الكتب ولهذا من المستحسن أن يكون الناس على وعي بذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الترفيه يغلب التعليم

"مرتادو مكتبة الفنون الجميلة التي تعرض كتباً بلغات عدة في الأدب والرواية والفكر والفلسفة والدين والسياسة تختلف أذواقهم فشريحة الشباب لم تعد تهتم بكتب تاريخ الجزائر مع الأسف التي يقتنيها من تجاوزت أعمارهم 50 سنة. أما الجيل الحالي، فإن ما يستهويه أكثر كتب التنمية البشرية أو تلك التي تتماشى مع التخصص (التقنية) وبعض الروايات"، كما تقول صبيحة.
وفي زمن أصبحت فيه القراءة وظيفة ترفيهية أكثر منها تعليمية كما تقول الكاتبة سارة معريش التي في رصيدها كتاب "جرعة زائدة"، فإن "المنطق الربحي أصبح الغالب في تعامل المؤجرين مع المستأجرين" وفق شعار "إذا لم تغذ عقلك، فغذ معدتك"، وتضيف أن "للجيل الجديد ميلاً للتصفح الإلكتروني أكثر منه للمطالعة، والملاحظ هو أن اختيار الشباب للكتب لا يخضع لاستقلالية ثقافية أو فكرية خاصة بهم، وإنما يتم بناء على اختيار العناوين المنشورة والمتداولة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثر في المقروئية والمشهد الثقافي"، وفي رأيها "كل هذا شكل منظومة ثقافية مبتورة في ظل غياب النقد، لأن دوراً للنشر أصبحت تتاجر بالشباب إن صح التعبير من خلال نشر إصدارات ربما تكون أحياناً دون المستوى ويتم نسخ مئة كتاب منها توزع على الأهل والأصدقاء ويأخذ هؤلاء بذلك لقب الكاتب في محيطهم".


انسحاب تدريجي للمكتبات

مسلسل غلق المكتبات يبدو دراماتيكياً على حد الوصف ففي 14 يوليو (تموز) الماضي، وبعد أكثر من ربع قرن من الخدمة أغلقت مكتبة عريقة في مدينة شرشال بولاية تيبازة غرب العاصمة الجزائرية أبوابها أمام القراء إلى أجل غير مسمى مفضلة التوجه إلى الإنترنت لبيع ما يضمه مبناها من كتب، مما خلف حال استياء وسط مثقفين جزائريين على منصات التواصل الاجتماعي أبدوا تعلقهم بـ"مكتبة شرشال" التي تأسست في آب (أغسطس) 1996 على يد فريد سعدون.

خبر مريع

وبالنسبة إلى الروائية ربيعة جلطي، فإن إغلاق هذه المكتبة "خبر مريع ومفجع، لا بل إهانة للعقل في مجتمعنا الثقافي الهش" يستدعي "تحرك وزارة الثقافة الجزائرية"، في حين قال عمار كساب الذي أعد بحثاً عن السياسات الثقافية في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي إن "وزارة الثقافة الجزائرية اعتمدت منذ أكثر من عقدين على سياسة دعم دور النشر وأهملت المكتبات لأسباب ترتبط بالتحكم في محتوى الكتب بما يخدم هذا الاتجاه الأيديولوجي أو ذاك. ونظراً إلى سهولة التلاعب بالمال العام مع دور النشر، فإن كثيراً منها غير موجود لكنه يستفيد من الدعم، مما جعل دور النشر أكثر عدداً من المكتبات".
وفي حال استطلاع واقع المكتبات العريقة في العاصمة فإن منها التي انسحبت من المشهد الثقافي كحال مكتبة "الغزالي" التي تحول نشاط محلها من بيع الكتب إلى بيع الأحذية وهو مصير لاقته مكتبة "الثقافة العامة"، بينما ما زالت أقلية منها تصارع من أجل البقاء.
وتدل مؤشرات الانسحاب التدريجي للمكتبات من الحياة اليومية والأدبية على أن المواطن الجزائري فقد شهيته للقراءة كحال شعوب عربية كثيرة وكأنه زاهد بالمطالعة وأصيب بكسل معرفي بعدما كانت المكتبات سابقاً فضاء ثقافياً حراً لجميع النخب.

المزيد من منوعات