تعيش آسيا غول إيرام وابنتاها في بريطانيا منذ مايزيد على عشر سنوات ، لكنهن نادراً ما يخرجن من البيت. وعلى الرغم من أن لكل واحدة منهن غرفتها فالثلاثة اعتدن على النوم معا في الغرفة نفسها. هؤلاء نساء ذكيات، ومتعلمات، وطموحات، لكنهن منذ عام 2015 يعشن في خوف دائم من إرسالهن إلى حياة ملؤها الظلم في باكستان. أما السبب في ذلك، فهو تهمة تنكرها آسيا بشدة.
قالت آسيا، 48 عاماً، في سياق وصفها اللحظة التي اتهمتها فيها وزراة الداخلية البريطانية بالغش، في امتحان للغة الانجليزية أدته قبل ثلاث سنوات، إن "حياتي توقفت حين وصلتني تلك الرسالة". وأضافت "أنا لم أغش. أنا لم أقم بأي شيء خاطئ. كيف يتهمونني بشيء أنا لم أفعله؟".
وكانت المرأة ذات الجنسية الباكستانية قد انتقلت عام 2007 للعيش في المملكة المتحدة بموجب تأشيرة دخول للطلاب مع زوجها وابنتيها صبا وشفا أكرم، وتبلغان 26 و30 سنة، بالتناوب. كانت علاقتها بزوجها غير مستقرة، وكانت قد حاولت الهروب منه مرتين في باكستان لأنه وأقاربه يريدون تزويج ابنتيهما لاثنين من أقاربه أكبر سناً منهن بكثير. لكنه حين وافق على إمكانية الانتقال إلى بريطانيا، شعرت الأم بالأمل أن تكون هذه الخطوة فرصة لبداية حياة جديدة.
هكذا بدأت آسيا دراستها في مجال إدارة الأعمال، و كانت تذهب يوميا من بيت العائلة في ويست درايتون إلى وسط لندن لهذه الغاية. أما صبا التي كانت آنذاك في سن الرابعة عشرة، فبدأت دراستها الإعدادية تحضيرا لامتحان الشهادة العامة للتعليم الثانوي في مدرسة روزدَيل كوليج بمنطقة هايز، في حين أن شفا التي كانت في الثامنة عشرة من عمرها أخذت تعمل مساعدة في محل. في المقابل، حصل والدهما على عمل في أحد مخازن موريسونز المركزية. وعاشت الأسرة حياة سعيدة إلى حد ما. مع ذلك كان زوج آسيا، حسب قولها، يردّد أحيانا تحت ضغط أقارب له في باكستان، أنه سيعود إلى هناك ويزوّج ابنتيهما إلى اثنين من أبناء عائلته. لم تكن آسيا تحبذ الفكرة، لكنها كانت تعرف أنه طالما كانوا مستقرين في بريطانيا للدراسة والعمل، فإن كلام زوجها لم يكن شيئا يستحق الكثير من القلق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن كل شيء تغير في يناير(كانون الثاني) 2015، حين أصبحت الأم واحدة من آلاف الطلاب الأجانب المتهمين بالغش في "اختبار الإنجليزية للتواصل الدولي" (TOEIC). وبما أن القرار غير قابل للطعن، فليس من حقهن البقاء في المملكة المتحدة.
في سياق متصل، كانت وزارة الداخلية قد اتُهمت في مايو (آيار) الماضي، من قبل "المكتب الوطني لمراجعة الحسابات" (NAO) بالفشل في ضمان عدم استهداف أبرياء في عملية الاتهام بالغش في ذلك الاختبار، التي ترتب عليها إبعاد 2400 طالب عن بريطانيا. وأصبحت الوزارة تحت ضغط متزايد للسماح لأولئك الضحايا أن يعيدوا تقديم الامتحان كي يثبتوا براءتهم.
ونظراً لانعدام فرصة معقولة للطعن بالقرار وغياب حق الاستئناف من داخل البلاد، شعرت آسيا بالإحباط. وفي الوقت نفسه، فهي كانت مقتنعة بأن زوجها اعتبر ذلك فرصة لتحقيق رغبات أقاربه والعودة إلى باكستان. فهي تذكر أنه قال لها "تأشيرة دخولك قد انتهت لأنك ارتكبت الغش، لذلك فلنعد الى بلادنا"..نحن عائدون إلى باكستان والبنتان كبيرتان بما فيه الكفاية حالياً كي تتزوجا. فقلت نحن لا نستطيع العودة، لأن ذلك سيدّمر حياة كل منهما. وهنا بدأ يضربني ويضرب ابنتيَّ، فاستعنا بالشرطة وهو ترك البيت. بعد ذلك فقدنا كل أمل".
اكتشفت آسيا لاحقا أن زوجها عاد إلى باكستان إثر مغادرته بيت العائلة، وأخذ يروّج شائعات ضدها هناك متهما إياها بخيانته. وأمام هذا الوضع وجدت الأم وابنتاها أن ليس هناك خيار أمامهما سوى تقديم طلب لجوء. لكنهن، مع ما في حوزتهن من مال ضئيل، لم يكنّ قادرات على توكيل محام، مما اضطرهن إلى تمثيل أنفسهن أمام الدوائر المختصة بالنظر في الطلب.
وفي مارس (آذار) 2017 وصلهن كتاب رسمي جاء فيه إن طلبهن باللجوء قد رُفض، بعد قبول القاضي ادعاء وزارة الداخلية بأن آسيا امرأة "واسعة الحيلة، ومؤهلة جيدا ومتعلمة جيدا" ما يجعلها قادرة على أن "تحمي نفسها" في باكستان. بعد ذلك قدمت آسيا وابنتاها طلبا للجوء على أساس مبادئ حقوق الانسان، لكنه رُفض للأسباب السابقة نفسها في يوليو (تموز) 2018.
بعد مضي شهر، اُحتجِزت صبا وشفا خلال حضورهما شخصياً إلى مكتب تابع لوزارة الداخلية، وهو إجراء شكلي يقوم به الشخص الذي لم يبت بقضيته بعد. وأخِذتا إلى غرفة من دون أمهما، التي كانت تنتظرهما في الغرفة المخصصة لذلك من الساعة العاشرة صباحا إلى الرابعة مساء، من دون أن تعلم بما حدث لهما. وأثناء ذلك الوقت، كانت الفتاتان تخضعان للاستجواب وتنقلان مكبلتي اليدين إلى مركز إبعاد.
قالت صبا وهي تجهش بالبكاء حين تذكرت ما حدث لها "كبّلوا يديّ ويدَي أختي. أنا أردت فقط أن أصرخ. إنه ليس أمرا لطيفا أن ترى هذا الشيء يحدث لشخص تحبه. قالوا انزعي حذاءك، نريد أن نرى ما تخفيه. تعاملوا معنا وكأننا مجرمتان".
أُعطيَت الأختان رسالة تنص على أنهما عرضة للإبعاد، ثم نُقلتا إلى مركز"هارمونْدسوَرث لإبعاد المهاجرين"، حيث أُبلغتا أنهما ستُبعدان إلى باكستان في غضون أيام قليلة. تذكر صبا أنهم " قالوا إن بطاقتين قد حُجزتا لرحلتنا الجوية ليوم الثلاثاء. كنت أريد فقط أن أضرب رأسي على الجدار، كنت أريد أجوبة. لم يخبرونا بشيء. عند حلول الليل بدأت تراودني أفكار بالانتحار ولم يعطوني أدويتي. كان الوضع جحيما".
بعد سبعة أيام، أفرِج عنهما، لكن من دون تسوية قضيتهما، والآن تعيش النساء الثلاث في خوف من أن يتعرضن للاحتجاز ثانية، وفي هذه المرة سيكون من الممكن إبعادهم إلى باكستان.
تقول آسيا "منذ احتجاز ابنتيّ، صرنا فعلا خائفات من وزارة الداخلية. ففي كل شهر حين نذهب اليها شخصياً، نشعر بالرعب. حين ندخل مبنى وزارة الداخلية، نبدأ بالارتعاش. في كل مرة ينتابنا شعور بأن هذه قد تكون المرة الأخيرة. أنا لا أستطيع النوم تماما. فحين سقط شيء ما في الممر في إحدى الليالي شعرنا جميعاً بخوف شديد. كنا نبكي. ظننا أن وزارة الداخلية قد تكون جاءت إلى باب البيت. بل حتى حين يدفع ساعي البريد برسالة من شق الباب فإن الصوت يخيفنا".
من جانبه، كتب النائب جون ماكدونيل، وزير المالية في حكومة الظل الذي يمثل منطقة إقامتهن في مجلس العموم البريطاني، أخيراً إلى وزيرة الهجرة، كارولاين نوكس، للمرة الثانية، ملتمسا السماح لآسيا تأدية اختبار جديد للانجليزية وذلك لإعطائها فرصة كي تبرئ نفسها من تهمة الغش. لكنه ما زال ينتظر الجواب. وقال النائب العمالي "بعد فضيحة اختبار الإنجليزية للتواصل الدولي تُركت الأم وابنتيها لسنوات من دون حل لقضيتهن مع عواقب وخيمة".
كذلك، تلقت الأسرة العون من جمعية "صوت المهاجر" (مايغرنت فويس) الخيرية التي ظلت منذ عام 2017 تنظم حملات دعم للكثير من الطلاب المتضررين بنتائج اختبار اللغة الإنجليزية. وفي هذا الصدد قالت نازك رمضان، مديرة الجمعية "هناك عدد غير محدود من الآباء مثل آسيا، والشباب مثل صبا وشفا، ممن حرموا من حياة محترمة ومستقبل مأمول بسبب اتهامهم من قبل الحكومة، اتهاماً يقوم على دليل باطل وقد مُنعوا من الطعن به. وبالنسبة إلى هذه الأسرة، فإن الاتهام الزائف يهدد حقها الجوهري بوجود آمن".
إلى ذلك، كان وزير الداخلية ساجد جافيد، قد قال إنه يتعاطف مع هذه القضية ووعد مرتين خلال الشهرين الماضيين أن يقدم بيانا عن الخطوات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لاحقاً، لكن ما زال الناشطون والمتضررون ينتظرون.
وحين سئل عن قضية آسيا وابنتيها، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية إن "كل التقديمات يُنظر فيها استنادا إلى حيثيات كل منها، واستنادا إلى قواعد الهجرة المتبعة. وبما أن الإجراءات القانونية ما زالت قائمة، فإنه من غير المناسب قول المزيد عن هذه القضايا".
ونظراً لعدم قدرتهن على الدراسة أو العمل أو طلب الإعانة الاجتماعية، تعتمد آسيا وابنتاها حاليا على مساعدة أصدقائهن المحليين الذين يساهمون في دفع إيجار السكن والفواتير وثمن المواد الغذائية. وحين تتأمل آسيا في الكيفية التي تغيرت حياتها وحياة ابنتيها منذ اتهامها بالغش، يرتعش جسدها وتمتلئ عيناها بالدموع.
قالت آسيا بتصميم واضح "كنت أدرس كما ينبغي، وكنت أذهب إلى الكلية بشكل منتظم. ونجحت في امتحان السنة الأولى. وأديت الاختبار بنفسي. وفوق كل هذا، فإن وصفي بالغشاشة مؤلم جدا. كنت أفكر أني بحلول عام 2015 سأكون قد حصلت على شهادة البكالوريوس وانتقلت إلى التحضير للماجستير. كنت آمل العمل في مجال الصيرفة. لكن كل أحلامي تبخرت بهذا الاتهام الزائف".
وأضافت آسيا أن الاتهام "حرمني بشكل كامل من استقلاليتي. كنت أريد أن أكون امرأة قوية، للوقوف إلى جانب ابنتيّ بوجه العائلة، بابقائهما في أمان هنا. وكنت أثق بأن حكومة المملكة المتحدة ستقّدر جهودنا، وأنها ستمنحني فرصة عادلة لإثبات نفسي. لكنها لم تفعل ذلك، وأنا أفقد أملي".
© The Independent