حمّل مستشار بارز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حزب العمال الكردستاني مسؤولية الصدامات التي شهدتها باريس بعد مقتل ثلاثة أكراد بإطلاق نار.
وقال مستشار الرئيس التركي للشؤون الخارجية إبراهيم كالين في تغريدة أرفقها بصور لسيارات محترقة "هذا هو حزب العمال الكردستاني في فرنسا، المنظمة الإرهابية ذاتها التي تدعمونها في سوريا"، في إشارة واضحة إلى "وحدات حماية الشعب الكردية".
وكتب كالين "إنه حزب العمال الكردستاني ذاته الذي قتل آلاف الأتراك والأكراد وقوات الأمن على مدى السنوات الأربعين الماضية. يضرمون النيران اليوم في شوارع باريس. هل ستبقون صامتين؟".
وتصنّف تركيا وحلفاؤها الغربيون حزب العمال الكردستاني على أنه منظمة إرهابية. وتندد أنقرة بدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية للمقاتلين الأكراد المنضوين في "وحدات حماية الشعب الكردية" التي تصوّرها على أنها فرع لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
ولعبت وحدات حماية الشعب الكردية دوراً محورياً في الحملة التي قادتها واشنطن ضد "داعش" في سوريا. ولا تصنفها الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي على أنها منظمة إرهابية، وهي مسألة تثير توتراً بشكل دائم مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي.
اشتباكات السبت
وكانت اشتباكات اندلعت السبت 24 ديسمبر، لليوم الثاني في باريس بين الشرطة وأفراد من الجالية الكردية الغاضبة بعد مقتل ثلاثة أكراد الجمعة على يد مسلح.
وخلال الاشتباكات انقلبت عدة سيارات، وأضرمت النيران في مركبة واحدة على الأقل، وتعرضت نوافذ متاجر لأضرار، وأشعلت حرائق صغيرة بالقرب من ساحة الجمهورية، المكان التقليدي للتظاهرات في المدينة، حيث نظم الأكراد في وقت سابق احتجاجاً سلمياً.
وقال قائد شرطة باريس لوران نونيز، إن الاحتجاج شهد تحولاً مفاجئاً إلى العنف، لكن السبب لم يتضح بعد.
وأضاف في تصريحات بثتها قناة "بي أف أم" التلفزيونية الإخبارية أن بضع عشرات من المحتجين مسؤولون عن العنف، وقال إن الشرطة اعتقلت 11 وأصيب نحو 30 بجروح طفيفة.
ووقعت الاشتباكات عندما غادر بعض المتظاهرين الساحة وألقوا أشياء على الشرطة التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع. واستمرت المناوشات قرابة ساعتين قبل تفرق المحتجين.
إطلاق نار
ونفذ مسلح جرائم القتل في مركز ثقافي كردي ومقهى مجاور، الجمعة، في جزء مزدحم من الدائرة العاشرة في باريس، في صدمة للجالية بينما كانت تستعد لإحياء الذكرى العاشرة لمقتل ثلاث ناشطات في جريمة ظلت من دون حل.
وألقت الشرطة القبض على رجل يبلغ من العمر 69 سنة قالت السلطات إنه أخلي سبيله في الآونة الأخيرة انتظاراً لمحاكمته على هجوم بسلاح أبيض استهدف مخيماً للمهاجرين في باريس قبل عام.
الضحايا
وقتل في إطلاق النار ثلاثة أشخاص هم رجلان وامرأة، وأصيب رجل بجروح خطرة، واثنان آخران جروحهما أقل خطورة.
والمرأة التي قتلت هي أمينة كارا وكانت قيادية في الحركة النسائية الكردية بفرنسا، بحسب المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا.
وقال المتحدث باسم الحركة أجيت بولات، في مؤتمر صحافي، الجمعة، إنها تقدمت بطلب لجوء سياسي "رفضته السلطات الفرنسية".
أما الرجلان اللذان قتلا فهما عبدالرحمن كيزيل، وهو "مواطن كردي عادي" يتردد على المركز الثقافي "يومياً"، ومير بيروير وهو فنان كردي ولاجئ سياسي "ملاحق في تركيا بسبب فنه"، بحسب المصدر نفسه.
وأعاد إطلاق النار إلى الذاكرة ثلاث جرائم قتل أكراد لم يتم حلها في 2013، ألقى فيها كثيرون باللوم على تركيا.
وأعرب عدد كبير من أعضاء الجالية الكردية عن غضبهم من أجهزة الأمن الفرنسية، معتبرين أنها لم تقم بما يكفي لمنع إطلاق النار.
شبهة عنصرية واشتباه نفسي
وقال مكتب المدعي العام، السبت، إنه بعد استجواب المشتبه فيه أضاف المحققون الاشتباه في وجود دافع عنصري إلى الاتهامات الأولية بالقتل والعنف باستخدام الأسلحة.
وفي إفادة لاحقة، قال المكتب إنه أوقف الاستجواب لأسباب طبية، ونقل الرجل إلى وحدة للأمراض النفسية.
وأضاف أن المشتبه فيه سيعرض على أحد قضاة التحقيق عندما تسمح حالته الصحية بذلك.
وأكد الرجل الذي يشتبه في قتله ثلاثة أشخاص وجرحه ثلاثة آخرين، الجمعة 23 ديسمبر، بالقرب من مركز ثقافي كردي في باريس لشرطي عند توقيفه أنه فعل ذلك لأنه "عنصري"، كما ذكر مصدر قريب من التحقيقات المتواصلة السبت لتحديد دوافع عمله.
وصرح المصدر بأن المشتبه فيه الذي تمت السيطرة عليه قبل تدخل الشرطة أوقف وبحوزته "حقيبة صغيرة" تحتوي على "مخزنين أو ثلاثة ممتلئة بالخراطيش وعلبة خرطوش من عيار 45 تحوي 25 خرطوشة في الأقل"، مؤكداً بذلك معلومات نشرتها الأسبوعية الفرنسية "لو جورنال دو ديمانش".
ليست الجريمة الأولى
وفتح تحقيق في جرائم قتل ومحاولة قتل وأعمال عنف بأسلحة مخطط لها ومخالفة قانون السلاح.
ومطلق النار المفترض الذي أصيب بجروح طفيفة في وجهه أثناء اعتقاله، معروف من قبل القضاء، وكان قد حكم عليه في يونيو (حزيران) الماضي بالسجن 12 شهراً بتهمة ارتكاب أعمال عنف بسلاح في 2016، وقد طعن في الحكم.
والرجل اتهم أيضاً في ديسمبر 2021 بارتكاب أعمال عنف ذات طابع عنصري مع سبق الإصرار، مستخدماً أسلحة والتسبب بأضرار لأفعال ارتكبت في الثامن من ديسمبر 2021.
وفي هذه القضية الثانية يشتبه في أنه جرح بسلاح أبيض مهاجرين في مخيم في باريس وخرب خيامهم، كما ذكر مصدر في الشرطة حينذاك.
وقالت لوري بيكوو المدعية العامة لباريس إنه بعد توقيفه الاحترازي لمدة عام، أطلق سراحه في 12 ديسمبر بموجب القانون ووضع تحت إشراف قضائي.
وفي عام 2017 حكم على الرجل بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ لحيازته أسلحة.
لكن من جهة أخرى، قال دارمانان إنه غير معروف في ملفات استخبارات البلاد والمديرية العامة للأمن الداخلي و"لم يصنف على أنه فرد من اليمين المتطرف".
وقالت المدعية العامة إن فرضية هجوم إرهابي استبعدت في هذه المرحلة من التحقيقات.
والد المهاجم: "مجنون"
وصرح والد المشتبه فيه البالغ من العمر 90 سنة لوكالة الصحافة الفرنسية بأن ابنه صباح يوم الحادثة "لم يقل شيئاً عندما غادر المنزل (...) إنه مجنون"، مشيراً إلى أنه يميل إلى "الصمت" و"منغلق".
وأوضح دارمانان أنه "أراد مهاجمة الأجانب"، و"من الواضح أنه تصرف بمفرده"، مشيراً إلى أنه كان يتردد على ميدان رماية.
وشدد على أنه "ليس من المؤكد أن القاتل الذي أراد قتل هؤلاء الناس (...) فعل ذلك لاستهداف الأكراد تحديداً"، بينما تتناقل الجالية الكردية إشاعات عن هجوم "سياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت لور بيكوو خلال مؤتمر صحافي إن "الدوافع العنصرية للوقائع" ستكون "بالتأكيد جزءاً من التحقيقات". وأضافت مساء الجمعة في بيان، "ليس هناك في هذه المرحلة ما يثبت أي انتماء لهذا الرجل لحركة أيديولوجية متطرفة".
لكن المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا قال إنه من "غير المقبول" عدم وصف إطلاق النار بأنه "هجوم إرهابي".
وصرح أجيت بولات المتحدث باسم المجلس في مؤتمر صحافي في مطعم يبعد مئة متر عن مكان الهجوم، "من غير المقبول عدم الحديث عن الطابع الإرهابي ومحاولة الإيحاء بأنه مجرد ناشط يميني متطرف (...) جاء لارتكاب هذا الاعتداء على مقرنا".
وأضاف أن "الوضع السياسي في تركيا في ما يتعلق بالحركة الكردية يدفعنا بشكل واضح إلى الاعتقاد أن هذه اغتيالات سياسية"، قبل أن يضيف أن المجلس يعتقد أن الرئيس التركي رجب طيب "أردوغان والدولة التركية يقفان وراء هذه الاغتيالات".
وذكر مصدر في الشرطة أن أعمال عنف اندلعت، الجمعة، مع الشرطة واعتقل شخص واحد.
في الخارج، وصف المستشار الألماني أولاف شولتز إطلاق النار بأنه "عمل مروع"، وعبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن "تعازيه الحارة".
الأكراد يشتبكون مع الشرطة
وفي أعقاب تجمع بعد ظهر الجمعة شهد أيضاً اشتباكات مع الشرطة، نظم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا تجمعاً اليوم في ساحة الجمهورية.
وتجمع مئات من المحتجين الأكراد لحضور تأبين للضحايا رافعين الأعلام، وانضم إليهم ساسة بينهم رئيسة بلدية الدائرة العاشرة الواقعة بوسط باريس.
وقالت بيريفان فيرات المتحدثة باسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا لقناة "بي أف أم" التلفزيونية خلال التظاهرة، "لا نتمتع بأي حماية على الإطلاق. في غضون 10 سنوات قتل ستة نشطاء أكراد بقلب باريس في وضح النهار".
وأضافت أن الفعالية شابها التوتر بعد أن استفز أفراد في سيارة عابرة، قاموا بإيماءات مؤيدة لتركيا، بعض المحتجين.
وجاءت جرائم القتل الجمعة قبيل الذكرى السنوية لمقتل ثلاث نساء كرديات في باريس خلال يناير (كانون الثاني) 2013.
وأغلق التحقيق بعد وفاة المشتبه فيه الرئيس قبل وقت قصير من تقديمه للمحاكمة، ثم أعيد فتحه عام 2019.
وكرر ممثلو الأكراد، الذين التقوا نونيز، وكذلك وزير العدل الفرنسي إيريك دوبون - موريتي، السبت، دعوتهم إلى اعتبار إطلاق النار، أمس، هجوماً إرهابياً.