Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يحدد ملامح استراتيجية "ثالوث الردع النووي"

الصواريخ عابرة القارات في صدارة القدرات الروسية وإن كشفت عن جنوح نحو المباحثات

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء اجتماع مع قيادات القوات المسلحة في موسكو  (أ ف ب)

الاجتماع الذي عقده الرئيس فلاديمير بوتين مع كبار القيادات المسلحة في مقر وزارة الدفاع الروسية، وما أعقبه من اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي لمناقشة تغيير نظرية السياسة الخارجية الروسية، يحددان بدرجة كبيرة ملامح التحركات المرتقبة، ليس فقط على صعيد المواجهة العسكرية في المنطقة، بل أيضاً بالنسبة إلى علاقات روسيا مع بلدان الجوارين، القريب والبعيد على حد سواء.

وكان بوتين عقد أيضاً عدداً من اللقاءات الثنائية مع بعض القيادات العسكرية، مما يمكن أن يكون مقدمة لتغييرات ثمة من يقول إنها تناولت ضمناً مسار العملية العسكرية الروسية الخاصة إلى جانب احتمالات تغيير بعض الكوادر القيادية.

ومن اللافت أن كل هذه اللقاءات والاجتماعات جاءت مواكبة لسلسلة من الزيارات الخارجية، ومنها زيارة نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف لبكين على رأس وفد عالي المستوى، التقى خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ، في وقت تزامنت فيه هذه الزيارة مع مناورات بحرية مشتركة مع الصين، وأخرى مع بيلاروس.

مسارات العام المقبل

لم تكن هذه اللقاءات والاجتماعات والتحركات لتعني في مثل هذا التوقيت سوى مقدمة لأحداث تالية تعلق فيها كل الأطراف المعنية كثيراً من آمالها، بما يمكن أن تسفر عنه من نتائج. وكان بوتين استهل حديثه في موسكو بتحديده لمهمات قواته المسلحة في العام المقبل، وما يمكن أن تكون عليه هذه القوات من مستوى للتسليح يتناسب مع كل الاحتمالات التي لا تستبعد موسكو معها المواجهة مع الناتو، الذي قال بضروروة الاستفادة من بعض تجاربه. وإذ أشار إلى أنه وعلى رغم وقوف كل بلدان الناتو وحشد كل إمكاناتها ضد روسيا، قال بوتين بعزم كل أفراد القوات المسلحة الروسية وقدراتهم على استكمال أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، وإن أشار إلى ما كشفت عنه العمليات القتالية من "ملاحظات"، ومنها ضرورة إيلاء مزيد من الاهتمام إلى "قضايا الاتصالات، والأتمتة، وتكتيكات حرب البطاريات". وذلك فضلاً عن "أهمية تطوير العمل مع الوزارات المتخصصة، والتنسيق مع المتخصصين في مجال الإدارات الهندسية والمراكز البحثية".

ولعل الأكثر أهمية يمكن أن يتمثل فيما قاله بوتين حول دور "الثلاثي النووي" وما تتسم به بعض مفرداته من قدرات تدميرية هائلة انطلاقاً من أن "توازن الردع النووي أساس الاستقرار في العالم".

 وكشف الرئيس الروسي عن زيادة نسبة النماذج الحديثة للأسلحة في قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية على 91 في المئة، واستمرار عملية إعادة تسليح أفواج قوات الصواريخ الاستراتيجية بصواريخ مزودة برأس "أفانغارد" القتالية فرط الصوتية. وذلك فضلاً عما أعلنه حول موعد دخول عدد من الصواريخ الاستراتيجية إلى الخدمة في يناير (كانون الأول) المقبل، ومنها صواريخ "تسيركون" و"سارمات" الاستراتيجية العابرة للقارات المزودة برؤوس "أفانغارد" النووية فرط الصوتية، التي تبلغ سرعتها 27000 كم في الساعة.

صاروخ "سارمات"

ونقلت وكالة "نوفوستي" عن قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية سيرغي كاراكاييف، وصفه لهذا الصاروخ الباليستي الثقيل الجديد العابر للقارات "سارمات"، بأنه "سيف القصاص والانتقام" الروسي. كما أرجع اختيار اسم "سارمات" إلى أنه مقتبس عن اسم قبائل إيرانية ازدهرت في الفترة بين القرنين الخامس قبل الميلاد والرابع الميلادي في جنوب روسيا واتسم رجالها بالشجاعة والبسالة، ممن كانوا يتسلحون برماح وسهام ثقيلة طويلة المدى تثير الرعب في نفوس أعدائها.

ومن خصائص هذا الصاروخ وبحسب تصريحات قائد القوات الاستراتيجية النووية قدرته على التحليق عبر القطبين الشمالي والجنوبي وكذلك وفق مسارات أخرى، إلى جانب توقعاته حول أن يبقى هذا الصاروخ في الخدمة لمدة 50 عاماً، فضلاً عما قاله ديمتري روغوزين المدير السابق لمؤسسة "روس كوسموس" أن "من قدراته تدمير نصف ساحل قارة ذات سياسة عدوانية". ومن السمات المميزة لتصميم هذا الصاروخ أنه "يسمح بالتحليق خارج مناطق مسؤولية منظومات الدرع الصاروخية الحالية والمستقبلية وتوجيه ضربة صاروخية تفادياً لضربة مضادة"، بحسب المصادر العسكرية الروسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن هنا يعود بوتين إلى ما سبق وأعلنه في مستهل عمليته "العسكرية الروسية الخاصة" في 24 فبراير (شباط) الماضي حول تهديداته غير المباشرة باحتمالات اللجوء إلى الأسلحة النووية انطلاقاً مما تملكه روسيا من قدرات "ثالوثها للردع النووي" المحمولة جواً وبحراً وبراً، وتقترب في عددها من 6000 قنبلة ذرية ومنظومات صاروخية، منها ما لا مثيل له في العالم بحسب التصريحات الرسمية الروسية، فضلاً عن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية والمجهزة بصواريخ باليستية عابرة للقارات مصممة لإطلاقها من البحر.

وذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية "أن هذه الغواصات تستطيع الاختباء في أعماق البحر لأشهر قبل أن تطلق صواريخها على هدف في أي مكان في العالم من دون أن تتمكن وسائل التتبع للعدو من رصدها".

صاروخ "يارس" الباليستي

ولمزيد من التوضيح توجه سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي إلى الرئيس بوتين بتقرير كشف فيه عن "إجراء تدريبات القوات النووية الاستراتيجية الروسية على توجيه ضربة نووية رداً على هجوم نووي من جانب العدو"، ومنها إطلاق صاروخ "يارس" الباليستي العابر للقارات من قاعدة بليسيتسك الفضائية، وصاروخ "سينيفا" الباليستي من بحر بارنتس، وتدريبات أخرى كثيرة أكدت "تنفيذ كل المهمات المحددة فيها بالكامل، وأصابت جميع الصواريخ أهدافها بدقة". وذلك فضلاً عن "إطلاق القمر الصناعي الروسي السادس من طراز (كوبول) أي (القبة) أطلق في عام 2022، مما يسمح بالمراقبة المستمرة للمناطق المعرضة للصواريخ في نصف الكرة الشمالي".

ولعل كل ما قاله بوتين في اجتماعاته ولقاءاته الأخيرة مع كبار قياداته العسكرية، وما أضافه وزير دفاعه سيرغي شويغو، يمكن أن يعني أهمية خاصة في ضوء ما واكبه من تدريبات عسكرية روسية بيلاروسية مشتركة في مقاطعة بريست قرب حدود بولندا غرب بيلاروس، ومناورات بحرية صينية - روسية مشتركة في مقاطعة جيجيانغ شرق الصين، إلى جانب زيارة ديمتري ميدفيديف للصين كما أشرنا عاليه.

وفي هذا الصدد أشارت المصادر الرسمية الروسية إلى أن لقاء ميدفيديف مع الرئيس الصيني تناول الشراكة الاستراتيجية "بلا حدود" بين البلدين، وكذلك الوضع في أوكرانيا، الذي اعترف الأول بأنه "معقد للغاية"، على غرار ما وصفه بوتين "بأنه شديد الصعوبة والتعقيد". وكانت المصادر الصينية توقفت عندما أعرب عنه الرئيس شي من آمال في "أن تتحلى كل من موسكو وكييف بضبط النفس، وأن تعالج أطراف الحرب في أوكرانيا مخاوفها الأمنية بالطرق الدبلوماسية"، إلى جانب ما قاله بشأن "أن تطوير شراكة استراتيجية مع روسيا خيار استراتيجي طويل الأمد يقوم به البلدان وفقاً لظروفهما الوطنية". لكن الأهم قد يكون تضمنته الرسالة الشخصية التي بعث بها الرئيس بوتين لنظيره الصيني وسلمها ميدفيديف في بادرة هى الأولى من نوعها منذ تخلي الأخير عن رئاسة الحكومة الروسية مطلع عام 2020، وما بدا وكأنه "صدع في جار الصداقة بين الرفيقين القديمين".

رحلة زيلينسكي إلى واشنطن

على أن ذلك كله لا يمكن أن يكون كل جوانب الصورة، التي لم تكن لتكتمل من دون الرحلة المفاجئة التي يكتنفها غموض كثير من كييف إلى بولندا بطائرة حربية أميركية إلى قاعدة "اندروز" الجوية على متنها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

وكشفت وكالة "أسوشيتد برس"، عن أن "الرئيس الأوكراني اجتاز الحدود البولندية صبيحة أمس الأربعاء قبل وصوله إلى محطة قطار بلدة برزميسل الحدودية، التي تشكل نقطة وصول إلى عديد من النازحين الهاربين من الحرب".

وأضافت أن السفيرة الأميركية لدى كييف بردجيت برينك رافقت زيلينسكي في رحلته، التي انتقل بعدها على متن سيارة تابعة للسفارة الأميركية إلى المطار، حيث استقل طائرة توجهت مباشرة إلى قاعدة أندروز الجوية الأميركية القريبة من واشنطن. وأضافت "أسوشيتد برس" أن البيت الأبيض لم يكشف عن الزيارة حتى الواحدة صباح الأربعاء، حتى تأكد من أن زيلينسكي أصبح في مأمن خارج أوكرانيا. وفي واشنطن كان الاستقبال حافلاً، استهله جو بايدن بكثير من مظاهر الحفاوة والمودة والحميمية، قائلاً "أنا فخور لأنك استطعت القدوم إلى هنا". وذلك ما يبدو على طرفي نقيض من رؤية الجانب الروسي لهذه الزيارة، إذ أشار ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين إلى "أن زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى واشنطن تؤكد ضلوع الولايات المتحدة في الحرب بالوكالة ضد روسيا". وأضاف "أن مواصلة الإمدادات لأوكرانيا بالأسلحة الغربية لا تسهم في حل النزاع، وإنما تؤدي فقط إلى إطالة معاناة الشعب الأوكراني"، مشيراً إلى أن زيارة زيلينسكي إلى واشنطن تؤكد "المواصلة الفعلية لواشنطن في القتال مع روسيا بشكل مباشر وغيره، وحتى آخر أوكراني".

وحرص المتحدث باسم الكرملين على الإعراب عن أسف موسكو تجاه "عدم وجود أية دعوات حقيقية إلى السلام لأن بايدن وزيلينسكي لم يظهرا أي استعداد محتمل للالتفات إلى المخاوف الروسية". وأضاف "أن أحداً لم يتفوه بكلمة واحدة تحذر زيلينسكي من استمرار القصف الهمجي للمباني السكنية في قرى دونباس على سبيل المثال". ولم يخل رد الفعل من جانب موسكو من تحذير، من مغبة استمرار واشنطن في دعم كييف بمزيد من الأسلحة والمنظومات الصاروخية، التي قال بيسكوف "إن شأنها شأن الأنواع الأخرى من الأسلحة التي يتم إمداد القوات المسلحة الأوكرانية بها، ستعد هدفاً مشروعاً للجيش الروسي، ولن يؤثر توسيع نطاق الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا في تحقيق أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا".

 وبمناسبة هذه المنظومات الصاروخية، قالت مصادر عسكرية روسية إنها لن تستطيع تأمين أوكرانيا بما تنشده من حماية أمنية، فيما عزا ذلك إلى أنها قديمة، يعود تاريخ صناعتها إلى عام 1982. أما عما تغدقه واشنطن من أسلحة، قديمة كانت أو حديثة، فهي لا تخدم حماية وأمن أوكرانيا، بقدر ما تدره من مكاسب مالية على صناع الأسلحة، ومنها "باتريوت" التي كان لويد أوستين وزير الدفاع الأميركي الحالي، أحد كبار قيادات المؤسسة الصناعية العسكرية التي تتولى صناعتها قبل توليه لمنصبه الوزاري. فضلاً عن أن الجزء الأعظم من هذه الصادرات العسكرية يتم توريده بموجب برنامج "ليند ليز" الذي يسمح بتقديم مساعدات عسكرية للحلفاء في مقابل قروض طويلة الأجل للحلفاء".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير