Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يعترف بـ"الوضع الصعب"... فما خططه الجديدة؟

أخبار حول منع واشنطن محاولة أوكرانية لاغتيال رئيس الأركان الروسي

 بوتين أشار إلى يقينه من أن حماية سكان الكيانات الجديدة لروسيا الاتحادية وحقوقهم وحرياتهم هو واجب الأجهزة الأمنية (أ ف ب)

اعترف الروسي فلاديمير بوتين بتعقد وصعوبة الأوضاع في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ومنطقتي خيرسون وزابوروجيا التي جرى ضمها من أوكرانيا إلى روسيا بموجب نتائج استفتاءات سبتمبر (أيلول) الماضي.

وأشار بوتين خلال حديثه إلى العاملين في أجهزة الأمن لمناسبة الاحتفال بعيدهم السنوي، إلى يقينه من أن حماية سكان الكيانات الجديدة لروسيا الاتحادية وحقوقهم وحرياتهم هو واجب الأجهزة الأمنية.

وطالب سيد الكرملين بضرورة العمل من أجل حماية مواطني هذه المناطق بوصفهم "مواطنين روس"، مؤكداً أن سلطات موسكو "تعمل من أجل تعزيز هذه المناطق الجديدة بأفراد ذوي خبرة ومعدات وأسلحة حديثة".

تقدم بطيء

هذه التصريحات جاءت مواكبة لاعتراف مراقبين كثر بما يحققه القائد الجديد للقوات الروسية الجنرال سوروفيكين من تقدم بطيء على صعيد المواجهة مع القوات الأوكرانية في مناطق دونباس وجنوب أوكرانيا، كما تأتي قبيل عدد من الزيارات والاجتماعات التي حرص الرئيس الروسي على عقدها خلال الأيام القليلة الماضية، ومنها زيارته إلى بيلاروس شريكته في الدولة الاتحادية والحليفة الرئيسة لموسكو على الجبهة الغربية، والاجتماع الذي جرى وراء الأبواب المغلقة مع قيادات القوات المسلحة بمقر وزارة الدفاع الروسية.

وثمة ما يشير إلى أن بوتين في معرض ما يصدر عنه من تصريحات وما يقوم به من تحركات، يكشف عملياً عن كثير مما يضمره من خطط وما يبتغيه من أهداف على صعيد المواجهة مع أوكرانيا وشركائها.

وكان رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو كشف عن إمداد روسيا لبلاده بمنظومات صواريخ "أس-400"، فضلاً عن عدد من المقاتلات التي قال إن روسيا تعمل حالياً على تدريب طياري بيلاروس على استخدامها.

وعلى رغم اعترافه بأن بلاده لا تستطيع الدفاع عن أمنها وسيادة أراضيها من دون مساعدة موسكو، قال لوكاشينكو بعدم صحة ما يقال حول أن "روسيا في سبيلها إلى ابتلاع بيلاروس".

وتعليقاً على مثل هذه التصريحات، وعلى نحو بدا وكأنه إسقاط على الموقف من أوكرانيا المجاورة لكل من روسيا وبيلاروس، قال بوتين إن "بلاده ليست في حاجة إلى ابتلاع أي كائن كان، كما أنه لا جدوى من ذلك".

ولمزيد من تفسير علاقات روسيا مع شريكتها في الدولة الاتحادية منذ تسعينيات القرن الماضي، أشار بوتين إلى أن الحديث يدور بالدرجة الأولى حول تنسيق السياسات الاقتصادية بين البلدين.

بيلاروس "وضعية خاصة"

وفي هذا الصدد كشفت مصادر إعلامية شبه رسمية عن أن لبيلاروس "وضعية خاصة" تستمدها من ارتباطها بروسيا بمعاهدات اتحادية وقعتها منتصف تسعينيات القرن الماضي، لا سيما في مجال تلبية حاجاتها من صادرات الغاز الروسية التي لا تتجاوز أسعارها 128 دولاراً لكل ألف متر مكعب، في وقت تبلغ الأسعار العالمية ما يقرب من 2000 دولار مقابل كل 1000 متر مكعب.

ذلك الأمر لا يمكن أن يكون من دون مقابل، وقد كشف رئيس بيلاروس عن بعض مفرداته عندما أشار إلى ما تزخر به بلاده من "إرث سوفياتي" يتمثل في كثير من المؤسسات الصناعية العسكرية والثقيلة التي لم تتخل عنها بعد انهيار الاتحاد، على النقيض مما فعلته روسيا.

وكان بوتين إلى جانب اجتماعاته مع كبار القيادات العسكرية التي تناول خلالها "المسائل المرتبطة بأداء الجيش الروسي خلال العام المنتهي، وتحديد المهمات العسكرية خلال العام المقبل"، توقف كثيراً عند تصاعد هجمات القوات المسلحة ضد المدنيين في جنوب شرقي أوكرانيا، بحسب تقرير القائم بأعمال رئيس جمهورية دونيتسك دينيس بوشيلين، ومن هنا كانت توجيهاته وتكليفه لأجهزته الأمنية بالالتفات أكثر إلى تأمين الأوضاع في "المناطق التي انضمت حديثاً إلى روسيا الاتحادية"، في وقت تندّر بما وصفها بالحملات الغربية التي تتجاهل ما يجرى من "استهداف للمدنيين في دونيتسك ولوغانسك، وتتوسع في اتهاماتها للجانب الروسي بتركيزه على مواقع البنية التحتية في الداخل الأوكراني".

توسيع الـ "ناتو"

وعلى الصعيد الإعلامي انصرف معلقون كثر إلى الإسهاب في تفاصيل توسيع الـ "ناتو" لوجوده ونشاطه في بلدان أوروبا الشرقية، مستغلاً في ذلك العملية العسكرية الروسية الخاصة ضد أوكرانيا، فمنذ بدايات هذه العملية ارتفع تعداد المجموعات القتالية متعددة الجنسيات التي جرى الدفع بها إلى لاتفيا وليتوانيا واستونيا وبولندا إلى جانب الوحدات الإضافية في كل من رومانيا وبلغاريا وسلوفاكيا والمجر، كما ارتفع تعداد قوات الرد السريع حتى 300 ألف، إضافة إلى ما صدر من تعليمات تتعهد بموجبها كل من البلدان أعضاء الحلف بتسليح ما قوامه نصف مليون شخص في غضون ستة أشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وكشفت المصادر الروسية عن قرارات واشنطن في شأن زيادة وجودها العسكري في أوروبا حتى 100 ألف، دعماً لما تسهم به البلدان الغربية من أعضاء الـ "ناتو" بحسب قرارات الحلف التي جرى اتخاذها خلال "مؤتمر مدريد" في يونيو (حزيران) الماضي.

ولعل ما أدلى به الأمين العام للـ "ناتو" ينس ستولتنبرغ من تصريحات حول أن "روسيا تستعد لحرب طويلة في أوكرانيا التي ينبغي على الحلفاء في الحلف أن يواصلوا إمدادها بالأسلحة، حتى يدرك الرئيس فلاديمير بوتين أنه عاجز عن الفوز في ساحة المعركة، تزيد سخونة الموقف الراهن.

ويأتي ذلك على رغم ما لمح إليه ستولتنبرغ عن "المفاوضات التي ستنتهي إليها الحرب شأن الحال مع معظم الحروب، وبما يضمن لأوكرانيا البقاء كدولة مستقلة ذات سيادة".

الغريب في المشهد الراهن قد يتمثل في أن الأمين العام لحلف الـ "ناتو" كان أعقب هذه التصريحات التي أدلى بها في معرض حديثه إلى وكالة "الصحافة الفرنسية"، بالدعوة إلى تكثيف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، على اعتبار أن ذلك كله هو "السبيل الأسرع للتوصل إلى هذه المفاوضات، ولكي يدرك الرئيس بوتين أنه عاجز عن تحقيق النصر على أرض المعركة، وأن عليه أن يجلس ويتفاوض بحسن نية".

تبادل الأدوار

وذلك ما لا يمكن تناوله إلا من منظور تبادل الأدوار والمناورات الإعلامية التي تستهدف إرباك خطط الخصوم، على غرار ما أشارت إليه صحيفة "نيويورك تايمز" الأحد الماضي من أن "الأميركيين منعوا أوكرانيا من اغتيال رئيس الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف خلال زيارته الجبهة".

وسارعت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية إلى تناول هذه الأخبار من خلال ما طرحته من تساؤلات حول حقيقة الأسباب التي تدعو واشنطن إلى الكشف عن مثل هذه الخطط الأوكرانية، في مثل ذلك التوقيت الذي كشفت فيه صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية عن تقارير تقول إن "الأميركيين والبريطانيين يحاولون إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا من خلال هيئة الأركان الروسية العامة".

ويتضمن الأمر على مثل هذا النحو بين طياته كثيراً من التشوش والارتباك اللذين يعكسان عملياً ما يمكن أن يكون متعمداً في بعض جوانبه، من منظور تبادل الأدوار والمناورات ذاته الذي أشرنا إليه بعاليه، فلا أحد يمكن أن يصدق ما يتردد حول أن القيادة الأوكرانية لا تستجيب لما تدعو إليه الأوساط القيادية الغربية حول الجلوس إلى مائدة المفاوضات، في وقت تواصل هذه الأوساط تقديم أحدث المنظومات الصاروخية والمعدات الحديثة إلى كييف، جنباً إلى جنب مع استمرار تدريب الآلاف من جنود القوات الأوكرانية والمتطوعين في كل من بولندا وبريطانيا وبلدان البلطيق، وذلك ما تدركه الأوساط السياسية والإعلامية الروسية وما توقفت عنده من خلال استعراضها رؤية مراقبين صينيين، ومنهم أستاذ العلاقات الدولية بـ "جامعة ناجينغ" الصينية البروفيسور تشو فانغ الذي قال بتعمد الولايات المتحدة إطالة أمد الصراع الروسي - الأوكراني، وإذ أعلن أن ذلك "أمر لا مفر منه".

وقال تشو فانغ إن المنطقة أمام ثلاثة احتمالات تتباين بين المواجهة العسكرية المباشرة بين روسيا والـ "ناتو"، واحتمالات انتشار التلوث النووي في أوكرانيا، وإكراه روسيا على استخدام الأسلحة النووية.

الرؤية الصينية

وفي معرض استعراض الرؤية الصينية للواقع الراهن، أشارت صحيفة "غلوبال تايمز" Global Times إلى "أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يبذلا جهوداً كبيرة للتخفيف من حدة الصراع الروسي - الأوكراني، بل تحركتا في الاتجاه المعاكس حين زودتا كييف بالأسلحة والذخيرة".

ونقلت الصحيفة عن النائب السابق لرئيس الدائرة الدولية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تشو لي تصريحه حول أن "مفتاح حل الأزمة في أيدي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".

وهكذا تظل الأوضاع في المنطقة على خلفية استمرار المواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا ومن يقف إلى ورائها مشرعة أمام كل الاحتمالات، بما في ذلك ما يتعلق بكل الأطروحات حول مفاوضات سلمية بين الجانبين، لكن بعيداً من أية شروط مسبقة.

آفاق المفاوضات

أما عن آفاق هذه المفاوضات وما يمكن أن تدور حوله من قضايا بما فيها المتعلقة بالحدود والضمانات الأمنية لروسيا، فإن هناك ما يشير إلى أن موسكو تبدو أكثر مرونة على النقيض من مواقفها في الأمس القريب، ومن هذا المنظور يمكن توقع احتمالات أن تكون البداية بوقف لإطلاق النار بين الجانبين في ظل ضمانات دولية، أما عن مواضيع الأراضي فلا أحد في روسيا يتوقع تراجعاً بخصوص ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في وقت تظل الأوضاع بخصوص منطقة دونباس قابلة للجدل، على اعتبار أن منطقة جنوب شرقي أوكرانيا لطالما شهدت كثيراً من مشاهد تحول التبعية من روسيا وإليها في غضون حقب تاريخية طويلة.

لكن هناك من يقول بصعوبة التخلي عن تلك المناطق لأسباب تعود لما أجرته موسكو خلال الفترة بين يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) 2020 من تعديلات دستورية تنص ضمناً على حظر مناقشة أية قضايا تتعلق بأي جزء من أراضي الدولة الروسية.

وكان عميد الدبلوماسية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر تناول هذه القضايا في ما طرحه خلال الأيام القليلة من مقترحات وعدت مصادر الكرملين بدرسها من دون أن يصدر عنها حتى كتابة هذه السطور أية تصريحات رسمية في شأنها، وإن تمحورت حولها كثير من التوقعات والتعليقات، ومنها ما يبدو قريباً من قناعات شبه رسمية.

المزيد من تقارير