كان عام 2022 عاماً آخر صعباً بالنسبة لأسهم التكنولوجيا في الصين، حيث القضاء على المليارات من قيمة عمالقة الإنترنت في البلاد بما في ذلك "علي بابا" و"تينسنت"، وسجلت الشركات أبطأ معدلات نمو لها على الإطلاق. في حين أدى ظهور فيروس "كوفيد" في الصين، والذي واجهته الحكومة بسياستها الصارمة المتمثلة في "صفر كوفيد" في عمليات الإغلاق السريع والقاسي في المدن الكبرى، إلى إلحاق الضرر بثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما شهدت شركات الإنترنت الصينية تباطؤاً إذ تضرّر الإنفاق الاستهلاكي وتراجعت دولارات الإعلانات. ويتوقع أن يسير المستثمرون بحذر في العام المقبل في ما يتعلق بأسهم التكنولوجيا الصينية، ويتوقع المحللون على نطاق واسع أن تكون اللوائح التنظيمية أكثر قابلية للتنبؤ وأن يتسارع النمو، لكن عدم اليقين الذي يلف التوقعات الاقتصادية للصين يخلق مخاطر. ومع ذلك، فإن الدلائل على أن الصين قد تفكر في فتح اقتصادها مرة أخرى أعطت المستثمرين الأمل في حدوث تحول. وقال محللون في بنك الاستثمار "جيفريز" في مذكرة بحثية الشهر الماضي "نحن متفائلون بشأن توقعات قطاع الإنترنت لعام 2023 في ضوء قصة إعادة الافتتاح وتحسين معنويات المستهلك".
الاسترخاء الصفري في بؤرة التركيز
ومنذ تفشي الوباء عام 2020، تبنت الصين ما يسمى بسياسة "صفر كوفيد" التي تحاول استخدام عمليات الإغلاق الصارمة والاختبارات الجماعية للسيطرة على تفشي الفيروس، لكن هذه السياسة أثرت في الاقتصاد وفي الشركات. وسجلت شركتا الإنترنت العملاقتان "تينسنت" و"علي بابا" أبطأ معدلات نمو في الإيرادات على الإطلاق عام 2022، في حين شهدت "أكس بانغ" وهي شركة سيارات صينية تقوم بتصنيع سيارات كهربائية يقع مقرها الرئيس في غوانزو، مبيعات باهتة مع تضرر ثقة المستهلك.
ولكن هناك دلائل على أن سياسة الصين بشأن فيروس "كوفيد" قد تنعكس. فخلال هذا الشهر، قال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني سون تشونلان إن متحور "أوميكرون" لفيروس كورونا أقل حدة من الإصدارات السابقة، وهو تحوّل في لهجة الحكومة قبل الإعلان عن تخفيف إجراءات السيطرة على "كوفيد".
وفي السابع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قامت السلطات الصينية بإضفاء الطابع الرسمي على عدد كبير من إجراءات التخفيف التي شملت السماح لبعض الأشخاص المصابين بالوباء بالعزل في المنزل بدلاً من المرافق الحكومية، وإزالة الحاجة إلى اختبار الفيروس لأولئك الذين يسافرون في مختلف أنحاء البلاد، في حين يُمكن أن تحدد كيفية التعامل مع الخروج من "كوفيد صفر" في النهاية مدى انتعاش التكنولوجيا الصينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال شين صن كبير المحاضرين في الأعمال الصينية وشرق آسيا في "كينغز كوليج" لندن، لشبكة "سي أن بي سي" عبر البريد الإلكتروني "سأجادل في أن احتمال حدوث انتعاش تقني في العام المقبل يعتمد بشكل أساس على المدى الذي يمكن أن يصل إليه الاقتصاد الكلي وبخاصة الاستهلاك"، وأضاف "يرجع مستوى الاستهلاك الحالي المكبوت للغاية، إلى حدّ كبير إلى قيود كوفيد وكذلك الافتقار إلى الثقة بين المستهلكين، فمن المحتمل بالفعل حدوث انتعاش تقني إذا تمكنت الصين من الخروج بسلاسة من كوفيد صفر وإعادة فتح الاقتصاد".
توقعات بتسارع معدلات نمو التكنولوجيا
ويتوقع المحللون على نطاق واسع تسارع نمو أسماء التكنولوجيا الصينية عام 2023 حيث يستعد الاقتصاد الصيني لإعادة الانفتاح، لكن النمو لن يكون على الأرجح على المستويات التي شهدناها في الماضي، حيث قفزت الإيرادات الفصلية بنسبة 30 في المئة إلى 40 في المئة. ومن المتوقع أن تشهد "علي بابا" قفزة بنسبة اثنين في المئة على أساس سنوي في الإيرادات في الربع الأخير من هذا العام، قبل أن تتسارع إلى ما يزيد قليلاً على ستة في المئة في ربع مارس (آذار) من عام 2023 و12 في المئة في ربع يونيو (حزيران)، وفقاً لإجماع المحللين وتقديرات المزود العالمي الأميركي البريطاني لبيانات السوق المالية والبنية التحتية "ريفينيتيف".
في غضون ذلك، من المتوقع أن تسجل "تينسنت" نمواً في الإيرادات على أساس سنوي بنسبة 0.5 في المئة فقط في ربع ديسمبر تليها سبعة في المئة في الربع الأول من عام 2023 و10.5 في المئة في الربع الثاني، وفقاً لـ "ريفينيتيف". وقال "جيفريز" في مذكرة إنه يعتبر "التسوق عبر الإنترنت في مكان جيد لاحتضان قصة التعافي قبل الإعلان والترفيه"، وقد يفيد ذلك شركات مثل "علي بابا" عملاق التجارة الإلكترونية ومنافسه "جي دي دوت كوم". وقال المحللون في بنك الاستثمار إنهم يتوقعون انتعاش نمو صناعة الإعلان عبر الإنترنت في عام 2023، لكنهم حذروا من أن النمو "سيعتمد بشكل كبير على البيئة الكلية".
التنظيم أكثر قابلية للتنبؤ
وكانت سياسة الصين الصارمة بشأن فيروس كورونل بمثابة رياح معاكسة رئيسية لقطاع التكنولوجيا لديها هذا العام، لكن المستثمرين كانوا بالفعل مرعوبين منذ أواخر عام 2020 عندما كثًفت بكين من تشديدها التنظيمي. كما كانت الإجراءات الصارمة التنظيمية عاملاً كبيراً في إعلان الشركات العملاقة معدلات نمو أبطأ وأدت إلى إضعاف أسهمها.
ومنذ بداية عام 2021، أظهر مؤشر "هانغ سينغ"Hang Seng للتكنولوجيا في هونغ كونغ، التي تضم معظم عمالقة التكنولوجيا في الصين، تراجعاً بأكثر من 50 في المئة. وعلى مدار العامين الماضيين، أدخلت بكين مجموعة من السياسات ولا سيما قوانين حماية البيانات وقانون غير مسبوق يحكم استخدام شركات التكنولوجيا للخوارزميات. وعوقبت الشركات المخالفة لقواعد مكافحة الاحتكار بغرامات كبيرة، بما في ذلك "علي بابا" ومنصة التسوق الصينية للمنتجات الاستهلاكية "ميتيوان"، وتحركت بكين للسيطرة على قوة عمالقة الإنترنت لديها التي نمت حتى وقت قريب إلى حد كبير، كما تضرر قطاع الألعاب بشدة في الصين، ففي عام 2021، جمّد المنظمون الموافقات على إصدار ألعاب فيديو جديدة وأدخلوا قواعد تحدد مقدار الوقت الذي يمكن للأطفال دون سنّ 18 عاماً اللعب فيه عبر الإنترنت. وهذه القواعد أخافت المستثمرين الذين لم يكونوا مدركين إلى حد كبير الهجوم التنظيمي الصيني على قطاع التكنولوجيا.
ومع ذلك، هناك دلائل على أن بعض الضغوط التنظيمية قد تخفّ، فقد أعاد المنظمون إعادة الموافقة على الألعاب هذا العام، والتي ستفيد "تينسنت" وشركة تكنولوجيا الإنترنت "نيت إيز"، وهما أكبر شركتين للألعاب عبر الإنترنت في الصين، كما تعهدت الحكومة في مناسبات متعددة هذا العام بدعم قطاع التكنولوجيا. ويشكل النمو الاقتصادي أولوية القصوى لبكين هذا العام، وقال لينغاو باو المحلل في "تريفيوم تشاينا" إن أسلوب الحوكمة على غرار القمع قد انتهى لأن بكين أدركت أنها فكرة سيئة لإخافة الأسواق وتقويض ثقة الأعمال. وضاف: "لقد رأينا بالفعل بعض المحاولات الأخيرة لتخفيف إجراءات كوفيد وإنقاذ أسواق العقارات. ومع ذلك، فإن اللوائح ستكون موجودة لتبقى. وهذا يعني أن التركيز قد تحول نحو نهج أكثر قياساً ويمكن التنبؤ به لتنظيم التكنولوجيا الكبيرة".
تغيير نماذج العمل
ومن التنويع إلى بيع حصص في شركات أخرى، عمل تأثير التنظيم والاقتصاد المتباطئ على تغيير الطريقة التي يدير بها عمالقة التكنولوجيا الصينيون شركاتهم، وتعمل شركات التكنولوجيا الصينية على خفض التكاليف والخروج من الأعمال غير الأساسية من أجل تعزيز الربحية. إضافة إلى تشغيل خدمة المراسلة الأكثر شيوعاً "وي تشات" في الصين، وتعد "تينسنت" مستثمراً غزير الإنتاج في شركات أخرى. لكن الشركة بدأت في بيع حصصها في بعض أكبر الشركات الصينية، ومع زيادة التدقيق في قطاع التكنولوجيا، باعت "تينسنت" حصصاً في بعض الشركات المستثمرة بما في ذلك "جي دي دوت كوم" و"ميتيوان"، كما تركز "تينسنت" على مجالات أخرى بما في ذلك أعمال الحوسبة السحابية الناشئة والاندفاع الدولي إذ لا تزال مبيعات الألعاب أحد أكبر محركاتها للإيرادات تحت الضغط، وتحاول أيضاً "علي بابا" التي تشكل أعمالها في تجارة التجزئة في الصين الجزء الأكبر من إيراداتها زيادة المبيعات من مجالات مثل الحوسبة السحابية لتنويع أعمالها.