Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير اتفاق السلام في إيرلندا الشمالية سيتردد صداه خارج المملكة المتحدة

في سلسلتنا التي تنظر في الحياة بعد بريكست نتفحص في ما يلي ما قد ينتظر إيرلندا الشمالية

المفاوضات على الجوانب التقنية للبروتوكول عاودت الانطلاق في أكتوبر للمرة الأولى منذ فبراير (غيتي)

"حين يخدعكم رئيس وزرائكم؛ حين يأتي إلى هذه المدينة ويقول إن أي حدود لن تقوم بيننا وبين بريطانيا، ثم يخالف وعده بسهولة؛ حين يُواجَه رأيكم بالتجاهل – تشعرون بأنكم متروكون، وتكون ثمة تداعيات". هذا ما قاله زعيم مجتمعي اتحادي في مدينة بلفاست بعد ليلة أخرى من إلقاء قنابل البنزين وإضرام النار بالحافلات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان الرجل الذي تحدث إليّ عضواً في قوات اليد الحمراء الخاصة التي قاتلت خلال السنوات الطويلة من فترة "الاضطرابات" the Troubles [التي شهدتها إيرلندا الشمالية على مدى 30 عاماً وانتهت بتوقيع اتفاق الجمعة العظيمة في إبريل (نيسان) عام 1998]. وكان العنف الجاري أمامنا يحدث في ربيع 2021 مع عودة اشتعال التوترات حول بروتوكول إيرلندا الشمالية. أما رئيس الوزراء المتهم بالكذب فكان بوريس جونسون.

كان البروتوكول قد وُقِّع قبل 15 شهراً، إلى جانب الاتفاقية الخاصة بـ"بريكست" [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]، وبعد 23 سنة من إنهاء اتفاقية الجمعة العظيمة (أو اتفاقية بلفاست) لـ 30 سنة من عمليات التفجير وإطلاق النار التي أودت بحياة أكثر من ثلاثة آلاف و500 شخص. واليوم، يتواصل الجمود حول البروتوكول، المرتبط ارتباطاً جوهرياً باتفاقية السلام، ما يستجلب شبح العودة إلى أيام النزاع والاضطرابات.

يعد البروتوكول أساساً اتفاقية تجارية تنظم انتقال البضائع عبر الحدود البرية الإيرلندية

 

خلال المفاوضات على "بريكست"، وافق كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن الحفاظ على اتفاقية "بريكست" هو أولوية مطلقة، وكان البروتوكول جزءاً أساسياً من هذا المسعى. وصادق عليه الطرفان وبات الآن جزءاً من القانون الدولي.

ما سيحدث لاتفاق السلام سيكون له أصداء تتجاوز المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. لقد أدت الولايات المتحدة، في ظل رئاسة بيل كلينتون، دوراً رئيسياً في التوسط فيه عام 1998، وتعهدت الإدارات الأميركية المتتالية بالحفاظ عليه. كما أن أي فرص للتوصل إلى اتفاق تجاري بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وستختفي إذا ما تعرضت اتفاقية بلفاست إلى خطر.

في خطاب خلال الاحتفالات الخاصة بيوم القديس باتريك في واشنطن العام الماضي، شدد جو بايدن على أهمية الأمر الذي هو على المحك: "تشكل اتفاقية الجمعة العظيمة أساساً للسلام والازدهار في إيرلندا الشمالية منذ حوالى 25 سنة. لا يمكن لذلك أن يتغير". وقال الرئيس الأميركي إن الأطراف كلها "يجب أن تواصل معالجة التحديات المتصلة بتطبيق بروتوكول إيرلندا الشمالية".

تعارض الأحزاب الاتحادية في إيرلندا الشمالية الاتفاق لأن الحدود البحرية، بحسب زعمها، تقوض مكانة الإقليم داخل المملكة المتحدة

 

يعد البروتوكول أساساً اتفاقية تجارية تنظم انتقال البضائع عبر الحدود البرية الإيرلندية، وفي ما يتعلق بذلك، باتت الحاجة تدعو إلى تنظيمات جديدة بعد بريكست بسبب قواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة حول الضوابط الحدودية المفروضة على بعض البنود الآتية من بلدان تقع خارج الاتحاد.

تعد الحدود مسألة حساسة سياسياً في إيرلندا، إلى الشمال والجنوب من الحدود في الوقت نفسه، وثمة انزعاج حقيقي من أن تشجع إعادة فرض الضوابط الحدودية الواضحة، مع كاميرات ونقاط تفتيش، على عدم الاستقرار وأن تستدعي وقوع هجمات. ذلك أن مجموعات جمهورية واتحادية مسلحة منشقة لا تزال تحافظ على وجود لها في إيرلندا الشمالية، على رغم سنوات من الهدوء النسبي.

أقر البروتوكول إمكانية فرض الضوابط في مرافئ إيرلندا الشمالية بدلاً من الحدود البرية، وإن البضائع المعنية، فور تطبيق الضوابط، يمكن نقلها إلى الجمهورية. واتُّفِق أيضاً على أن تواصل إيرلندا الشمالية الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي التي تحكم معايير البضائع.

لكن في المقابل، تعارض الأحزاب الاتحادية في إيرلندا الشمالية الاتفاق لأن الحدود البحرية، بحسب زعمها، تقوض مكانة الإقليم داخل المملكة المتحدة. وعارضه أيضاً نواب مشككون في أوروبا في برلمان المملكة المتحدة، بقيادة مجموعة البحوث الأوروبية، التي تواصل فرض نفوذ يتجاوز كثيراً عدد أعضائها في الحكومات المحافظة المتعاقبة منذ "بريكست".

كما وتؤدي المعارضة المستمرة التي يبديها "الحزب الاتحادي الديمقراطي" Democratic Unionist Party (DUP) للبروتوكول إلى عدم تشكيل حكومة إقليمية في إيرلندا الشمالية. فعلى رغم أن الحزب حل ثانياً بعد حزب "شين فين" Sinn Fein، الداعم للبروتوكول، في الانتخابات التي أجريت قبل ستة أشهر، ما من حكومة يمكن تشكيلها هناك من دون دعم الحزب الاتحادي الديمقراطي.

ويسود أيضاً رأي ضمن الأوساط الاتحادية الأوسع [في إيرلندا الشمالية] ومفاده بأن حكومة المحافظين في لندن قد ضللتها بشأن أثر الاتفاق. فبعد سبعة أشهر من توقيع البروتوكول، أصر جونسون، الذي كان رئيساً للوزراء وقتذاك، خلال زيارة إلى إيرلندا الشمالية، على أن الشركات ستحصل على وصول مطلق إلى الأسواق في إنجلترا وإسكتلندا وويلز من دون أي تغيير عن أي وقت سبق. وأعلن قائلاً: "لن تقوم أي حدود في البحر الإيرلندي. لن يحصل ذلك إلا على جثتي".

وقال لي ديفيد كامبل، الناطق باسم "مجلس المجتمعات الاتحادية" Loyalist Communities Council، وهو مجموعة جامعة تمثل "قوة متطوعي أولستر" Ulster Volunteer Force، و"رابطة أولستر الدفاعية" Ulster Defence Association، و"قوات اليد الحمراء الخاصة" Red Hand Commando: [جميعها كانت طرفاً في الاضطرابات] "يتلخص الرأي السائد بين كثر في الأوساط الاتحادية بأن الحكومة، في الأساس، لا تستطيع أن ترى أبعد من وسط إنجلترا. لقد تساءلنا ما إذا كان بوريس جونسون يفهم تماماً الأمر الذي هو على المحك.

وأضاف: "من الجانب الآخر، كانت الحكومة الإيرلندية تخبر الاتحاد الأوروبي باستمرار أن أعمال عنف ستنشب إذا قامت حدود صلبة؛ هذا الأمر يعتبره الاتحاديون استخداماً للتهديد بالعنف من أجل المساومة. هذا تكتيك خطير، وهو يساهم بالتأكيد في الغضب السائد في صفوف الاتحاديين الشباب".

لقد تراجعت الحكومة البريطانية عن اتفاقيتها مع الاتحاد الأوروبي في شأن البروتوكول، الذي تطلبت المفاوضات حوله أربع سنوات، زاعمة أنها مؤهلة قانونياً للقيام بذلك من أجل "ضمان مصلحة أساسية". وقالت إن الخلافات الناجمة عن الاتفاق تهدد بتقويض السلام.

ترغب المملكة المتحدة في إجراء تغييرات من طرف واحد في نظام الضوابط، فتفرض تطبيق نظام مزدوج، سيتطلب أيضاً إجراء تغييرات في نظام الضرائب الخاص بالشركات القائمة في إيرلندا الشمالية، وسيستثني محكمة العدل الأوروبية من الإجراءات الخاصة بأي نزاع على أن يُحِل محلها وبدلاً منها هيئة مستقلة. ويقترح وزير إيرلندا الشمالية الحالي ستيف بيكر – العضو في مجموعة البحوث الأوروبية – إعادة النظر في اتفاقية بريكست، التي فاوض عليها زميله المتشدد ديفيد فروست، بهدف تجريد محكمة العدل الأوروبية من أي دور في الإجراءات.

ومن غير المرجح أن يوافق الاتحاد الأوروبي على تغييرات كهذه. وهو اتخذ إجراء قانونياً ضد المملكة المتحدة لفشلها في الالتزام بالبروتوكول، وأعلن أنه غير مستعد لإعادة التفاوض على البنود الرئيسية. لكن بروكسل تقر بأن ثمة مجالاً لتبسيط القواعد وتقليص الروتين الإداري.

وعاودت المفاوضات على الجوانب التقنية للبروتوكول الانطلاق في أكتوبر (تشرين الأول) للمرة الأولى منذ فبراير (شباط). وبعد الحدة التي وسمت عهد جونسون، واستمرت خلال ولاية ليز تروس القصيرة في رئاسة الوزراء، يبدو أن العلاقات تحسنت عموماً في عهد ريتشي سوناك.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة الاتحاد الأوروبي، إنها عقدت محادثات "مشجعة" مع سوناك، وأشارت إلى أن الطرفين سيتمكنان من "العثور على طريقة" لمعالجة الخلاف حول البروتوكول. وفي الواقع، قالت إنها "واثقة جداً" من أن حلاً سيمكن العثور عليه في حال كانت للمملكة المتحدة نية في هذا الشأن.

وردد صدى كلمات فون دير لاين، التي قيلت خلال زيارة إلى دبلن، رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن، الذي زعم أن اتفاقاً يكفل تمهيد الطريق أمام "شراكة جديدة وحيوية" مع المملكة المتحدة. ويرى ميغيل بيرغر، سفير ألمانيا في لندن، "انفتاحاً [جديداً] للمشاركة" من قبل رئاسة الوزراء البريطانية في ظل حكومة سوناك، وتحدث عن "فرصة [محتملة] للتوصل إلى تطبيق بروتوكول إيرلندا الشمالية".

لكن سوناك، على غرار رؤساء الوزراء المحافظين من قبله، يبقى عاجزاً بسبب كل من مؤيدي بريكست في حزبه والحزب الاتحادي الديمقراطي في إيرلندا الشمالية. وتعد حرية المناورة لديه محدودة بسبب أولئك الذين يعتبرون أي تسوية خيانة. فقد غردت مجموعة بروج المناوئة للاتحاد الأوروبي قائلة هذا الشهر: "هل هناك تخل جديد يلوح في الأفق؟ إذا كان الاتحاد الأوروبي يطلق بحذر ضجيجاً متفائلاً باتفاق، يمكننا أن نكون على ثقة بأن أي هراء غير واضح سينشأ سيكون سيئاً للمملكة المتحدة".

في هذه الأثناء، يظل التهديد بنشوء أعمال إرهابية ذات صلة بإيرلندا الشمالية "شديداً"، وفق وكالات أمنية واستخبارية. وقيل الشهر الماضي إن اتحاديين خططوا لهجوم في جمهورية إيرلندا في خضم التوترات المتزايدة في شأن البروتوكول. وقيل إن المخطط، الذي يعتقد بأنه جاء رداً على دعوة شين فين إلى "سلطة مشتركة" مع دبلن تحكم المقاطعة، استُبعِد في اللحظة الأخيرة.

وأوردت "البلفاست تلغراف" أن المجموعتين الاتحاديتين، قوة متطوعي أولستر ورابطة أولستر الدفاعية، تراجعان موقفهما من اتفاقيات وقف إطلاق النار المطبقة منذ التوصل إلى اتفاقية الجمعة العظيمة. ووفق الصحيفة، كان المزاج في لقاء جمع قادتهما في كاونتي أنتريم "غاضباً وميالاً إلى القتال". ويقال إن أحد الحاضرين قال: "لم يعد هناك من صقور وحمائم: بات الجميع صقوراً".

© The Independent

المزيد من آراء