مع إعلان التقرير النهائي للجنة المختارة لمجلس النواب المعنية بالتحقيق في اقتحام مبنى "الكابيتول" في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، وقرارها الأول من نوعه في التاريخ الأميركي بإحالة رئيس سابق هو دونالد ترمب وحلفائه جنائياً لوزارة العدل، تثار تساؤلات عديدة حول تداعيات ما توصلت إليه اللجنة، وكيف ستتابع وزارة العدل توصياتها، وإلى أي مدى سيؤثر ذلك على مستقبل ترمب السياسي؟
غموض متابعة القضية
من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت وزارة العدل الأميركية ستتولى توجيه الاتهامات الجنائية ضد الرئيس السابق ترمب ومؤيديه، والتي أحالتها لجنة السادس من يناير التابعة لمجلس النواب بعد انتهاء تحقيقاتها التي دامت أكثر من عام ونصف العام، فقد وضعت اللجنة المكونة من تسعة نواب (جمهوريين وسبعة ديمقراطيين)، خريطة طريق طموحة لمحاكمة ترمب وعديد من حلفائه، قائلة إنهم ارتكبوا عدداً من الجرائم الفيدرالية من خلال تنفيذ خطط متداخلة لقلب نتائج الانتخابات الرئاسة لعام 2020، والتي فاز بها الرئيس الحالي جو بايدن.
لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيتبع مكتب المستشار الخاص المسؤول عن تحقيق وزارة العدل في هذه القضية، المسار الذي حددته اللجنة، أو ما إذا كان ترمب وآخرون سيواجهون أي اتهامات جنائية على الإطلاق، ففي حين أوصت اللجنة بوجوب توجيه التهم بعد تحقيقها الشامل الذي تضمن مقابلات مع شهود رئيسين لم يتحدث المدعون الفيدراليون معهم حتى الآن، إلا أن النائب الديمقراطي وعضو اللجنة جيمي راسكين، قال في أثناء عرض التقرير النهائي للجنة، إنه لا يريد أن يذهب المهاجمون الذين اقتحموا مبنى "الكابيتول" إلى السجن بينما تفلت العقول المدبرة للهجوم من العقاب.
وأوضح راسكين أن الاتهامات كانت مبررة ضد ترمب وآخرين وعلى رأسهم المحامي جون إيستمان، مهندس عديد من خطط قلب هزيمة الرئيس ترمب، مستشهداً بأن قاضياً فيدرالياً في كاليفورنيا، أصدر حكماً في قضية مدنية، خلص فيها إلى توافر دليل على أن ترمب وإيستمان تآمرا معاً لارتكاب جرائم فيدرالية.
المدعي الخاص غير ملزم التوصيات
لكن بالنسبة لجهود وزارة العدل المتعلقة بهذه القضية، لم يعرف بشكل علني ما إذا كانت هناك تهم محددة قد ينظر فيها المستشار الخاص (المدعي الخاص) جاك سميث، من أجل متابعة محاكمة جنائية، كما أن وزارة العدل غير ملزمة تبني استنتاجات اللجنة أو متابعة توصياتها وفقاً لما يؤكده خبراء قانونيون لصحيفة "نيويورك تايمز".
ويتوقع خبراء قانونيون محافظون مثل المدعي العام السابق آندي مكارثي في موقع "فوكس نيوز" أن تتجاهل وزارة العدل هذه الإحالة، لأنه قد يكون لها تأثير عكسي لأنها تمنح الرئيس السابق القدرة على الادعاء حال اتهامه، بأن التهم ناتجة عن ضغوط سياسية وليست نتيجة أدلة، كما سيتعين على وزارة العدل في المحكمة محاربة الحجة القائلة إن لجنة السادس من يناير يهيمن عليها الديمقراطيون بشدة، كما اعتبر جوناثان تورلي أستاذ القانون في جامعة "جورجتاون"، أن اللجنة فاتها الهدف وأن المؤشر إلى ذلك أنها فشلت في تقديم أي دليل جديد ومباشر على السلوك الإجرامي لترمب.
ومع ذلك، فإن هناك بعض التداخل بين التهم التي أوصت بها اللجنة، والقوانين والإجراءات الجنائية التي استندت إليها وزارة العدل، وفقاً لأوامر التفتيش ومذكرات الاستدعاء التي ظهرت خلال التحقيق الفيدرالي للوزارة، فمن بين التهم التي وضعتها اللجنة والمدعون العامون في صميم عملهم، هي عرقلة إجراءات رسمية للكونغرس، وهي جريمة يحاسب عليها القانون، فقد ذكرت وزارة العدل هذه التهم في مذكرة استخدمت في يونيو (حزيران) الماضي لمصادرة الهاتف المحمول الخاص بجيفري كلارك، وهو مسؤول سابق في الوزارة أحالته اللجنة جنائياً لوزارة العدل.
كما استخدم المدعون العامون في الوزارة بالفعل النص القانوني المتعلق بالعرقلة في ما يقرب من 300 حالة جنائية، في وصفهم الكيفية التي اقتحم بها المهاجمون مبنى "الكابيتول"، وعطلوا من خلالها احتساب نتيجة الانتخابات التي كانت تجري هناك في جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب كتصديق نهائي على نتيجة الانتخابات.
تباينات تفسير القانون
لكن على رغم استخدام هذا النص القانوني على نطاق واسع، فإنه لم يكن مناسباً أبداً لوصف العنف الذي اندلع في مبنى "الكابيتول"، لأن النص المتعلق بالعرقلة تم تمريره كجزء من قانون ساربينز أوكسلي عام 2002، والذي سعى بالأساس إلى الحد من مخالفات الشركات من خلال تضييق الخناق على أشياء مثل تمزيق المستندات وتزوير شهادات الشهود، ولهذا السبب طعن محامو الدفاع عن مقتحمي الكابيتول، باستخدام هذا النص القانوني في محكمة استئناف فيدرالية في واشنطن، قائلين إن المدعين وسعوا نطاق النص القانوني إلى ما وراء هدفه الأصلي، واستخدموه لتجريم سلوك المهاجمين الذي يشبه عمليات الاحتجاج التي يحميها التعديل الأول من الدستور الأميركي.
ومع ذلك، يمكن أن ينطبق النص القانوني بالإعاقة على سلوك ترمب بشكل أفضل أكثر من سلوك المئات من مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى "الكابيتول" في هذا اليوم، ذلك أن القانون يتطلب إثبات أن أي تدخل في إجراءات الكونغرس يجب أن يكون "لغرض فاسد"، وهو ما أوصت به لجنة السادس من يناير حين قالت إنه من الواضح أن الرئيس السابق ترمب تصرف بهدف "فاسد" لأنه تم تحذيره مسبقاً بأن عديداً من مخططاته لإبقاء قبضته على السلطة غير قانونية.
تهمة التآمر
وفي حين أوصت اللجنة بتوجيه الاتهام إلى ترمب وآخرين بالتآمر من أجل الخداع والاحتيال على الولايات المتحدة وسلطاتها، وهي التهمة التي استخدامها المدعون في عديد من قضايا وزارة العدل ضد المتطرفين اليمينيين ومثيري الشغب العاديين الذين بدا أنهم خططوا مسبقاً لاقتحام مبنى "الكابيتول" الأميركي، إلا أن تهمة التآمر هذه تصف في الواقع الأدلة ضد ترمب، بشكل أفضل من المشاركين في الهجوم لأن ترمب وفقاً للجنة، احتال على الجمهور من خلال تقديم مزاعم كاذبة ومستمرة بأن الانتخابات قد تم تزويرها ضده.
وكانت التهمة الأخرى التي أوصت بها اللجنة ضد ترمب وآخرين هي التآمر للإدلاء بتصريحات كاذبة إذ كان توصيف هذا الجرم مبرراً من الناحية القانونية وفقاً للجنة، لأن ترمب شارك في مخطط واسع النطاق من خلال إرسال قوائم مزيفة بالناخبين إلى الكونغرس والأرشيف الوطني، معلناً أنه كان المنتصر في عديد من الولايات الرئيسة التي فاز بها جو بايدن بالفعل.
إثبات أخطر اتهام
ومن المرجح أيضاً أن تكون أخطر تهمة أوصت بها اللجنة ضد ترمب، والتي من الصعب إثباتها هي اتهامه بالتمرد، فعلى رغم أن وزارة العدل فازت بإدانة في المحكمة ضد ستيوارت رودس زعيم ميليشيات "حماة العهد"، بعد توجيهها تهم التآمر والتحريض إليه، كما أنه من المقرر أن تحاكم خمسة أعضاء آخرين من جماعة "براود بويز" اليمينية المتطرفة بتهمة التحريض، إلا أن الوزارة لم تتهم أي شخص آخر بالتمرد في أكثر من 900 حالة جنائية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، وضع قاضٍ فيدرالي في واشنطن الأساس القانوني لقضية تمرد محتملة ضد ترمب في حكم صدر في فبراير (شباط) الماضي بالسماح بالمضي قدماً في سلسلة من القضايا المدنية المتعلقة بأحداث السادس من يناير المرفوعة ضد الرئيس السابق. وقال القاضي في حكمه إن ترمب لم يكن يمارس حقه في التعديل الأول من الدستور المتعلق بحرية التعبير عندما دعا الحشد الذي يستمع إليه في السادس من يناير للسير إلى مبنى "الكابيتول" و"القتال مثل الجحيم"، كما وجد القاضي أيضاً أن ترمب ساعد وحرض مثيري الشغب الذين اعتدوا على الشرطة في مبنى "الكابيتول" من خلال انتظاره وقتاً طويلاً قبل دعوتهم علناً للهدوء والتوقف.
وتعد إحدى الطرق التي يمكن للمدعين العامين من خلالها إثبات أن ترمب انخرط في العصيان هو إظهار أنه قدم المساعدة والتشجيع للمتمردين الآخرين الذين شاركوا في تمرد ضد الحكومة.
هل يتأثر ترمب؟
فور إحالة اللجنة الجنائية لترمب وأنصاره إلى وزارة العدل، سارع الرئيس السابق إلى تأكيد أن ليس لديه ما يخشاه، مؤكداً في مقابلة إذاعية أن وجود مؤيديه في هذا اليوم كان بسبب تزوير الانتخابات، كما أوضح أن ما لا يقتله يقويه.
وعلى رغم أن غالبية القيادات الجمهورية تجاهلت التعقيب على قرارات لجنة السادس من يناير، فإن البعض حاول التقليل من شأنها أو رفضها، بمن فيهم نائب الرئيس السابق مايك بنس الذي وصف تصرف الرئيس السابق بأنه طائش، لكنه ليس إجرامياً، مشيراً إلى أن أي قرار من وزارة العدل باتهام رئيس سابق سيكون مثيراً للانقسام بشكل رهيب في وقت يريد الشعب الأميركي التعافي من الانقسام.
وفي حين رفض التيار المؤيد لترمب في مجلس النواب قرارات اللجنة واعتبرها محاكمة صورية على النمط السوفياتي، ولوح بأن الغالبية الجمهورية المقبلة ستحمل الديمقراطيين في مجلس النواب المسؤولية عن إساءة استخدامهم السلطة، وربما فتح تحقيق في الأمر، فإن سعي ترمب للفوز في انتخابات عام 2024 قد يتأثر سياسياً بصرف النظر عن التداعيات القانونية، وبخاصة بعد أن أشارت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، رفض غالبية الأميركيين لمروجي فكرة تزوير الانتخابات.
كما استقبل ترمب أنباءً سيئة، الأسبوع الماضي، عندما أظهر استطلاعان للرأي أنه يتخلف عن الرئيس بايدن إذا نافسه في جولة إعادة بعد عامين، ويتخلف كذلك بنحو 20 نقطة عن حاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس إذا ما جرت الانتخابات التمهيدية للجمهوريين الآن، مما يشير بشكل واضح إلى أن خطوط الاتجاه لا تحبذ الرئيس السابق، وأن استمراره في السباق الانتخابي قد يبقي انقسام الجمهوريين ويضعف من فرص فوزهم بالانتخابات الرئاسية عام 2024.
منع تكرار السادس من يناير
لكن أبرز تداعيات قرار اللجنة، سيظهر هذا الأسبوع بخطوة كبيرة من الكونغرس بهدف منع تكرار الهجوم على مبنى "الكابيتول"، حيث يتوقع المشرعون إصلاح قانون العد الانتخابي البالغ من العمر 135 عاماً من خلال تمرير إجراء من الحزبين في مجلسي النواب والشيوخ كعنصر واحد من مشروع قانون الإنفاق، من أجل سد الثغرات التي حاول ترمب وحلفاؤه استغلالها في تعطيل فرز الأصوات الانتخابية.
وبموجب التشريع الجديد، سيتم تحديد دور نائب الرئيس في الإشراف على العد الذي يجرى كل أربع سنوات على أنه دور احتفالي بحت، وجعل إمكانية اعتراض المجلسين على قائمة ناخبي الولايات أكثر صعوبة بحيث تتطلب موافقة خمس أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بعد أن كانت عضواً واحداً فقط في مجلس النواب وعضواً واحداً في مجلس الشيوخ لتقديم اعتراض، كما يحدد التشريع إجراءات قضائية جديدة ومعجلة للطعن في التصويت الرئاسي.