Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأخطاء الطبية قاتل جديد لليمنيين والمستشفيات لا تتحمل المسؤولية

تسببت هجرة الأطباء بتشغيل ممارسين صحيين غير مؤهلين تسببوا بعدد كبير من المضاعفات

اشتكى مواطنون من تزايد أعداد الأخطاء الطبية في اليمن (أ ف ب)

تزايدت حالات الأخطاء الطبية في اليمن، سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، فقد يدخل المريض إلى المستشفى وهو يمشي على قدميه ويخرج منه جثة هامدة.

ومع تزايد حالات الوفاة نتيجة الأخطاء الطبية خلال سنوات الحرب، شهدت منصات التواصل الاجتماعي انتشار عديد من القصص المأسوية لضحايا هذا النوع من الأخطاء القاتلة.

وتعددت أنواع وأسباب الأخطاء الطبية، إلا أن عدم كفاءة الأطباء هو الأكثر مأسوية، وفقاً لكثير من اليمنيين الذين اضطروا إلى نشر قصصهم. 

حسام الباز... ضحية حقنة قاتلة

حسام الباز (37 سنة)، من مديرية التعزية بمحافظة تعز، أب لثلاث فتيات، أصيب في 6 يوليو (تموز) 2022 بجرح في إحدى قدميه إثر حادثة بسيطة، وذهب بنفسه لتلقي العلاج بمستشفى الزمالة الواقع بمنطقة ريفية بتعز خاضعة لسيطرة الحوثيين إلا أن النتيجة كانت أسوأ.

يقول أحد أقرباء حسام الذي عدم ذكر اسمه، إنه "بعد وصول الباز إلى المستشفى تم عمل الاسعافات الأولية، وتم خياط الجرح، إلا أنه قبل خروجه من المستشفى قامت إحدى الممرضات بحقنه بـ(التيتانوس) عبر الوريد"، وهي حقنة يتم حقنها في العضل بعد فحص التحسس.

ويتابع "بعد خمس دقائق انقطع نفس حسام بسبب عدم التأكد من تحسسه منها، ودخل في غيبوبة وظل يصارع الموت لأكثر من ساعة. حاول أحد أطباء المستشفى إنقاذه لكن من دون جدوى، تغير لون بشرته وتوفي على الفور". 

وبعد وفاته أمر المستشفى بنقله إلى مستشفى آخر على رغم علمهم بأنه فارق الحياة. وأضاف قريبه أن المستشفى "حاول التخلص من الجريمة بذريعة أنه لا يوجد لديه عناية مركزة".

ورفضت إدارة المستشفى الاعتراف بالخطأ الطبي، وفي المقابل رفض أشقاء الضحية التنازل عن وفاة شقيقهم فقرروا تشريح جثمانه عبر طبيب شرعي رسمي بعد إبلاغ الشرطة، ثم قادت النيابة العامة تحقيقاً خلص إلا أن سبب الوفاة "عقاقير استخدمت بشكل خاطئ".

أرشيف الإهمال

ظل أقارب الضحية حسام الباز، يطرقون أبواب سلطة الأمر الواقع في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين ولكن من دون جدوى، فملف القضية لم يغادر من مبنى قسم الشرطة إلى القضاء، واضطرت الأسرة إلى تكليف محام لمتابعة القضية.

وعلى رغم أن النيابة أرسلت مذكرات إلى قسم الشرطة تلزمه بتحويل ملف القضية إليها، إلا أن الأخير رفض ذلك بدعوى أن ملف القضية لم يكتمل.

الاحتجاج ممنوع

في الأول من أغسطس (آب) 2022 خرج أبناء القرى المتضررة من المستشفى لتنفيذ وقفة احتجاجية، إلا أنه قبل وصولهم إلى أمام مكتب الصحة بالمحافظة تفاجأوا بحملة أمنية مكونة من 15 طقماً عسكرياً مدججاً بالسلاح، وشرع المسلحون بتفريق الوقفة.

 

قامت القوى الأمنية بمصادرة صور الضحية، واللافتات التي ناشدت السلطات بإغلاق مستشفى الزمالة، وقاموا بتوقيف أكثر من 20 شخصاً بينهم مشايخ ومواطنين وإيداعهم سجن إدارة الأمن، وفقاً للمصدر.

من الإنكار إلى التحكيم

ظلت إدارة المستشفى تتمسك بروايتها بأنها قامت بعملها على أكمل وجه تجاه حسام الباز، مدعية بأن كادرها مؤهل، وأن الباز لم يمت بسبب الخطأ الطبي.

وبل توعدت كل من يتطرق إلى الحادثة بالكتابة والنشر ضد المستشفى ستناله ملاحقته قانونية.

يقول المصدر، إنه بعد أربعة أشهر من التهديد والإنكار وتسييس الجريمة أرسلت إدارة المستشفى شخصيتين قبليتين إلى أقارب الضحية تطلب من خلالهم التحكيم في مقابل التنازل عن القضية، إلا أن أقارب الضحية رفضوا أي تنازل عن القضية.

وبعد صدور قرار المجلس الطبي الأعلى الذي أكد وجود الخطأ الطبي، لم يكن على مدير المستشفى إلا أن ينشر بياناً بصفحته على "فيسبوك" أقر فيه بالخطأ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضمن البيان شرحاً للخطأ، بالقول "الخطأ الطبي يتمثل في إعطاء إبرة مضاد للتسمم وريدياً مما أدى إلى حدوث صدمة قلبية تنفسية حادة وتوقف القلب وحدوث الوفاة"، مضيفاً "على رغم كل المحاولات لإنقاذه وعمل الإنعاش القلبي الرئوي لأكثر من ساعة عجز الأطباء من إنقاذه وإرادة الله فوق كل شيء".

وتعهدت إدارة المستشفى في البيان بتلافي مثل هذه الأخطاء وتحسين جودة الخدمات الطبية لما فيه مصلحة البلاد.

خطأ طبي يقود الطفلة "شهد" إلى المقبرة                  

عندما شد النازح عبده كديش رحاله من محافظة الحديدة إلى حجة لإنقاذ طفلته "شهد" البالغ من العمر أربعة أشهر التي كانت تعاني إسهالاً مستمراً، وخمول بحسب توصيف حالها من مركز بدير البهيجة الطبي وتحويلها إلى مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة عبس، لم يكن يعلم أنه قد بدأ رحلة طبية سيطوف خلالها المشافي وستفقد شهد بسببها إحدى عينيها وحياتها أيضاً.

إذ يقول كديش، أنه أدخل طفلته الصغيرة "شهد" مستشفى أطباء بلا حدود في مديرية عبس بغرض علاجها من "الإسهال الشديد"، مضيفاً "أدخلت طفلتي الى قسم الأطفال وبرفقتها والدتها وهو قسم يمنع الرجال من الوصول إليه، وبعد تسعة أيام من دخول المستشفى رأيت طفلتي وقد تلفت عينها".

وتقول أم شهد في توصيف الحادثة "أعطوا الطفلة علاجات، وقام الأطباء بوخزها بـ(كانويلا وريدية) في عدة مناطق منها مناطق قريبة من العين لإعطائها المغذي"، وهو إجراء يأخذه الأطباء في حال لم يجدوا وريداً في موقع آخر من الجسم يتم إيصال الأنبوب المغذي بالوجه.

تضيف أم شهد "أنه بعد أيام من وضع الفراشة بدأت عين الطفلة بالاحمرار قامت بإبلاغ الطبيب المعالج بذلك وبدوره استدعى طبيب آخر قام الطبيب بأبعاد الإبرة والفرك بجوار العين حتى سال الدم، واستمرت على هذا الحال أربعة أيام ولم يتم تحويلها إلا بعد ستة أيام".

رحلة يائسة لإنقاذ "شهد"

يقول والد شهد في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إنه بعد أن أصبحت عينها متضررة وهي لا تزال في المستشفى تم تحويلها للعلاج إلى المستشفى السعودي بمدينة حجة بعد ظهور ورم في العين، لكن المستشفى رفض استقبالها بسبب أن أمر التحويل تمت كتابته في ورقة عادية ليست رسمية ومن دون ختم.

ويقول كديش "ضاق حالي من وضع طفلتي ولم يعد بوسعي عمل شيء"، ويضيف "اضطررت إلى بيع دراجتي النارية ومقتنياتي وبدأت في رحلة إلى صنعاء من أجل إنقاذها ووصلت إلى مستشفى الثورة، وبعد أسبوع قرر الأطباء أن عليها إجراء عملية لإزالة العين التالفة".

الطبيبة ابتسام السوسي التي أجرت العملية قالت "كان عندها سوء تغذية شديد، وهذا يؤدي إلى نقص المناعة ويصعب التئام الجروح".

 

وأضافت "لم تشاهد علامات جرح بآلة حادة في الطفلة لكن الموجود كان تقيح بالعين، قد تكون عدوى داخلية أو قرحة في القرنية تطورت إلى عدوى قيحية".

وأكدت أن من استقبل شهد عند وصولها هو طبيب الأطفال، وظلت عنده أسبوعاً قبل العملية لذلك تشخيص الحالة يعتمد عليه.

تواصلت "اندبندنت عربية" بطبيب الأطفال الذي استقبل الطفلة شهد في أحد مشافي صنعاء لمعرفة وضع الطفلة بعد تحويلها من مستشفى أطباء بلا حدود، لكنه لم يرد على استفساراتنا.

"بلا حدود" ترفض التهمة

تواصلت "اندبندنت عربية" مع أطباء في مستشفى أطباء بلا حدود، ليفيدوا بأن شهد "لم تتلقى أي عقاقير في رأسها أو المناطق القريبة من عينها في المستشفى، وأن الحملة التي تستهدف المستشفى حملة مغرضة ولا صحة لما يردد".

تواصلنا مع منظمة أطباء بلا حدود كونها المشغل للمستشفى، وكان رد قسم الإعلام في المنظمة أنها ستعمل على طلب تفاصيل حول الحادثة من فريقهم الميداني وسترد على الاستفسارات.

وبعد يومين أصدرت بياناً مشتركاً مع المستشفى قالت فيه "إنه تم استقبال الطفلة في مستشفى عبس في محافظة حجة، وتم علاجها وفق البروتوكولات الطبية المحددة لحالتها، ويؤكد الفريق الطبي للمستشفى أنه لم يتم تركيب أي خط وريدي في أو بالقرب من منطقة رأس المريضة أبداً". 

وأضافت "بعد عدة أيام لاحظ الفريق الطبي ظهور عارض جديد لدى الطفلة، مختلف عن الحالة التي تم استقبالها بسببها في المستشفى، وبما أن علاج هذه الحالة غير متوفر في مستشفى عبس، وهو خارج معايير الإحالة المحددة من قبل منظمة أطباء بلا حدود، كما هو خارج معايير الإحالة التابعة لوزارة الصحة الخاضعة لسلطة الحوثيين، فقد نصح الأهل باستشارة طبيب مختص بهذه الحالة في مستشفى آخر".

ويؤكد الفريق الطبي في مستشفى عبس "أن أي من الإجراءات الطبية أو العلاجية التي استخدمت لعلاج الحالة المرضية الأساسية للطفلة، ليس لها أية صلة، ولا يمكن أن تسبب العارض الذي ظهر لاحقاً على الطفلة".

وقالت مصادر محلية، إن الطفلة شهد كديش، في الأول من ديسمبر (كانون الأول) في مقر نزوح والدها في مديرية الزهرة بمحافظة الحديدة بسبب مضاعفة المرض، وبعد أيام من إجراء عملية إزالة بقايا العين التالفة وعودتها مع والدها إلى منزلها.

معتز وممرضة بلا مؤهل

قصة شهد ليست الوحيدة، فهناك الطفل "معتز" وهو ضحية أخرى للأخطاء الطبية على يد عاملة في مجال التمريض لا تحمل أية مؤهلات علمية، بحسب البيان الصادر عن مكتب الصحة في سلطة الميليشيات.

يقول عيسى إبراهيم والد معتز، "دخل طفلي المستشفى لإجراء فحوص طبية في المستشفى وخرجت النتيجة بإصابته بالتهابات وكتب له الطبيب وصفة طبية عبارة عن شراب مسكن للحرارة وحقن بنسلين مضاد حيوي قوة ٥٠٠، وكتب للممرضة أن تضرب له الإبرة الأولى مع تجربة الحساسية"، إلا أنها حقنته من دون تجربة وبدأ بالاختناق والتشنج فوراً.

وأضاف "لم تكن استجابة الممرضات بالسرعة، حيث أصيبت بالهلع والخوف وبعد خمس دقائق اتصلت بي أمه وأبلغتني بالحالة وصلت عندهم بعد 10 دقائق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة".

لم تعترف إدارة المستشفى بالخطأ الطبي، ولكن الطبيب الذي صرف الدواء للطفل أقر بالخطأ الطبي وبمسؤولية الممرضة عن الخطأ، وهو موقف إدارة المستشفى أيضاً التي تحملت المسؤولية.

وحول الإجراء يقول "عفوت عن الممرضة كونها معروفة وصديقة للعائلة، لكني تفاجأت بعد قرار العفو بتغيير اسم المستشفى، من (الاستشاري إلى الحسام) وبعد ذلك قدمت شكوى ضد المستشفى، وبدأت الأمور تتحرك وبدأ التحقيق من مكتب الصحة، وتم إغلاق المستشفى، وبعد الإغلاق بدأ الوجهاء والمشايخ بالتردد على منزلي وتحت الضغط والطلب تنازلت وعفوت عن الممرضة ليعود بعدها المستشفى للعمل من جديد باسمه القديم".

الهجرة وضعف الرقابة

ببحث بسيط على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ستجد عشرات القصص ليمنيين، توفوا نتيجة أخطاء طبية في المستشفيات والعيادات، بخاصة التي نشأت في ظل الحرب.

"اندبندنت عربية" سألت عديداً من المختصين عن أسباب تزايد الأخطاء الطبية وحالات الوفاة، وتلخصت ردودهم في سببين رئيسين: الأولى زيادة هجرة الأطباء الأكفاء من البلاد بحثاً عن فرص أفضل في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتشغيل ممرضين وصحيين في القطاع الصحي ليس لديهم أي مؤهلات ولا قدرة للتعامل مع الحالات الطارئة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي