Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التكنولوجيا حمولة زائدة قد تبدل شكل أجسامنا في المستقبل

تخيل أن مجموعة كبيرة من الكلمات التي نتداولها بشكل يومي لم تكن موجودة في قاموسنا قبل عام 2000

تشكل الأجهزة الإلكترونية لنا عالماً لصيقاً داخل المنازل وخارجه (أن سبلاش)

في عالم الانفجار المعلوماتي دخلت العناصر الصناعية والتقنية لإدارة شؤون حياتنا من دون الوعي أو التنبه إلى سلبية الاعتماد عليها بشكل كامل، فازدادت أجسادنا كسلاً غارقة في وسادة التطورات المتلاحقة. وإن كان التقدم التقني واحداً من أهم العوامل التي أدت إلى تطور المجتمع الإنساني، فإن سوء استخدام أدواته التقنية ربما سيؤدي إلى نتائج عكسية على مستوى الأفراد.

وهنا يرد السؤال التالي: هل أصبحت الأجهزة التكنولوجية التي نقتنيها حمولة زائدة؟

وهل سألت نفسك يوماً أو استشعرت حمولة ما لديك من التقنيات؟

وهل امتلاك المزيد منها يجعلنا نشعر بشكل أفضل؟

حمولة زائدة

سيطرت التكنولوجيا على حياتنا بشكل كامل حتى بتنا متعلقين بها وبمصطلحاتها الطارئة. تخيل أن مجموعة كبيرة من الكلمات التي نتداولها بشكل يومي مثل (سيلفي وسيري وإيموجي وغيرها) لم تكن موجودة في قاموسنا قبل عام 2000، بالإضافة على أسماء التطبيقات التي تأخذ جل وقتنا اليوم، والأجهزة الذكية على اختلاف أنواعها، لابتوب وآيباد وهواتف محمولة وساعات رقمية ذكية وسماعات بلوتوث وشواحن، والكثير غيرها من الأدوات التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إذ يرافقنا في كل مكان واحد أو أكثر من الأجهزة التي تشكل لنا عالماً لصيقاً داخل المنازل وخارجها، حتى أن من نعرفهم من الأشخاص أصبحوا ضمنها أو على الأقل أصبحت الطريقة الأسرع والأجدى للتواصل معهم.

ثم نصل إلى مرحلة نشعر وكأن رؤوسنا أشبه بجهاز كمبيوتر تم تشغيل العديد من البرامج عليه في الوقت نفسه، مع الكثير من الملفات على سطح المكتب. وكان قد ذكر الكاتب والصحافي البريطاني مات هيغ في واحد من كتبه، أنه إذا كان يعاني "حمولة زائدة من التقنية" بعد أن اقتصر تعامله على الأجهزة التقنية وحدها، إذ إن التعامل المكثف مع التكنولوجيا يجلب القلق، على عكس ما يعتقد البعض ممن يهربون إليها في محاولة لتجنب القلق. فكل شيء مصمم بعناية لجعلنا نشعر بالتوتر، من خلال ما ينقله من أخبار معظمها عن الأزمات والاضطرابات النفسية والكوارث والحروب والجرائم والاعتداءات والانتحار والأمراض والفيروسات وغيرها الكثير.

وهذا الحمل التقني لا يقتصر على الناحية النفسية وتجلياتها كالقلق والاكتئاب وغيرها، بل يمكن أن ينجم أيضاً عن الإفراط في استخدام التكنولوجيا على المدى الطويل، مشكلات جسدية. إذ يتوقع باحثون أن يتركز الحمل على أجزاء في الجسد كانحناء الرقبة والظهر وغيرها، بشكل يغير في البنية الحالية للجسد. فساعات الاستخدام الطويلة تضع حملاً إضافياً على جذع الإنسان وعضلات الظهر، الأمر الذي قادهم إلى إنشاء شخصية ثلاثية الأبعاد لإنسان المستقبل "ميندي" تمتلك تفاصيل جديدة متوقعة لتطور جسد الإنسان مع استخدام الآلة.

زيادة الاعتماد على التكنولوجيا

كما أن زيادة الاعتماد الكامل على التكنولوجيا يودي بنا إلى الكسل وما يتبعه من احتمالات اضطرابات جسدية ونفسية، إذ نجلس أوقاتاً طويلة على الأرائك ووراء المكاتب، سواء للقيام بالأعمال المكتبية أو متابعة البرامج الترفيهية، وكلاهما تتطلبان الجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات. وهذا الكلام يذكرنا بعبارة كارل ماركس "إنتاج الكثير من الأشياء المفيدة يقود إلى إنتاج الكثير من الأشخاص عديمي الفائدة"، فالمعدات التقنية تسلبنا نشاطنا وطبيعة حركاتنا وسلوكياتنا ما يؤثر سلباً في صحتنا الجسدية، بالإضافة إلى قلة المشي والحركة بسبب الاعتماد شبه الكامل على السيارات ووسائل النقل المختلفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن الاعتماد على خدمات التوصيل والطلب والدفع الإلكتروني، يجعلنا نستهلك أكثر ونطلب ما لا نحتاجه للاستفادة من عروض مصممة بدقة لتقودنا إلى الضغط على زر إجراءات الطلب والشراء، حتى أصبحنا نأكل الكثير من الأطعمة السريعة والجاهزة وبجودة أقل تنهك صحتنا الجسدية والنفسية.

بالتالي كل ما نقتنيه يسهل حياتنا من جهة، ولكنه يزيد حمولتنا وكسلنا في الوقت ذاته.

من القلة إلى الكثرة

لذا من المهم أن نعيش حياة قائمة على الخيارات التي تناسبنا فقط ونترك البقية، وأن نتوقف عن الاعتقاد بأننا نحتاج إلى كل شيء، إذ إننا ونحن نسعى إلى حل مشكلة القلة استبدلناها بمشكلة الكثرة، الفائض يشكل كل شيء حتى الوزن والقلق.

وهذه عبارة لفوميو ساساكي أحد دعاة الحركة التقليلية minimalism  أو ما تسمى فن البساطة، يقول فيها إن "هناك سعادة لا توجد إلا في امتلاك عدد قليل من الأشياء"، إذ يدعو في كتابه "وداعاً للأشياء" إلى التخلص من هوس التكديس والاكتناز، مفترضاً أن هذا السلوك يؤدي إلى الوصول إلى الراحة النفسية والبقاء بعيداً من التوتر والضغوطات. لكن الحياة العصرية الاستهلاكية جعلتنا نشعر أن كل شيء مهم، لذا لا نستطيع تحديد ماذا نحذف وعما نتخلى بالضبط، وأصبحنا نربط بين قيمتنا وعدد ما نملك من أشياء.

وعلى رغم كل هذه الخيارات المتاحة لنا بشكل لا نهائي مع وجود فائض من كل شيء في عالمنا اليوم، إلا أن حياتنا محدودة، إذ يقدم لنا كل شيء ولكننا لا نستطيع أن نحصل على كل شيء، بمعنى لا نستطيع أن نعيش كل الحيوات ونمتلك كل الأشياء ونشاهد كل الأفلام ونقرأ كل الكتب ونذهب إلى كل الأماكن، إضافة إلى أن مقياسنا الأساسي يعتمد على المشاعر. وهنا يجادل هيغ، وهو واحد من أهم الداعين إلى الاهتمام بالصحة النفسية في العالم، أنه كان العالم المعاصر بكل ما يحمله من مغريات وتسهيلات يجعلنا نشعر بالسوء، فلا يهم بعدها عدد الأشياء الجيدة في حياتنا، لأن شعورنا بالسوء سيحرمنا من الاستمتاع بها، فالأمر أشبه بطلبك من شخص مكتئب أن يعد النعم التي يتمتع بها، في مقدمتها أنه ما زال على قيد الحياة.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم