Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ارتفاع إصابات "المكورات العقدية أ" سببه "فجوة مناعية"؟

تشهد إصابات الإنفلونزا و"الفيروس المخلوي التنفسي" أيضاً ارتفاعات كبيرة في المملكة المتحدة فما هو رأي الخبراء؟

خلفت الجائحة وما نجم عنها من إجراءات عزل وتباعد اجتماعي انحسار المناعة في أوساط الأطفال ولكن لا إجماع في أوساط العلماء على ما تقدم (يونيسف)

خارج منزلك، في المدرسة مثلاً، أو مكان العمل، أو صالة الألعاب الرياضية، أو مطعم ما، تتعرض لجميع أنواع مسببات الأمراض فيتعرّف جهازك المناعي إلى أعدائه ويبقى عموماً في حال تأهب قصوى تدرأ عنك خطر الأمراض المعدية.

ولكنك شأن كثيرين، لازمت منزلك مكرهاً خلال السنتين الماضيتين، ارتديت الكمامات، التزمت بالتباعد الاجتماعي، غسلت يديك مراراً وتكراراً، لجأت إلى العمل أو الدراسة عن بعد. هكذا، طردت بعيداً عنك الكائنات الممرضة. ولكن ما إن خرجنا من تلك البيئات الشديدة التعقيم والنظافة حتى عادت مسببات الأمراض أقوى وأكثر عدوانية. تُعزى هذه الظاهرة إلى ما يسميه الخبراء "فجوة مناعية" تنشأ عندما يحصل النظام المناعي على استراحة من التعرض للبكتيريا والفيروسات والفطريات والكائنات الدقيقة الممرضة أخرى.

في تقرير نشرته أخيراً، تتحدث "صنداي تايمز" عن أنه في ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، تواجه مستشفيات المملكة المتحدة أزمة بالغة الوطأة. والخميس الماضي، دقّ جوليان ريدهيد، المدير السريري الطبي للرعاية العاجلة والطوارئ في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS )، ناقوس الخطر، محذراً من أن هذه الهيئة الصحية على وشك أن تواجه أعباء كثيرة لا تحسد عليها.

صادمة تبدو الأرقام. معدل الأسرة التي يشغلها مصابون بالإنفلونزا الموسمية أعلى الآن بمقدار 22 مرة مقارنة مع الوقت نفسه من العام الماضي؛ والأسرة التي يشغلها أطفال مصابون بـ"الفيروس المخلوي التنفسي" (اختصاراً RSV) أعلى بخمس مرات؛ كذلك ارتفعت معدلات عدوى "نوروفيروس"norovirus  نحو 90 في المئة؛ حتى أن "كوفيد" يظهر مجدداً ويتسلل إلينا، مع تسجيل ما يقدر بحوالى 1.1 مليون حالة في إنجلترا. ولا ننسى بكتيريا "الإنتان بالمكورات العقدية من المجموعة أ" group A streptococcus، المسؤولة عن وفاة 16 طفلاً و45 بالغاً على أقل تقدير، في المملكة المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن تسأل "صنداي تايمز"، ما الذي يقود إلى هذه الزيادة في الأمراض؟ لماذا تُصاب أعداد كبيرة منا، خصوصاً أولادنا، بهذه الأشكال من العدوى؟ هل نحن اليوم أكثر عرضة لكل هذه العلل الجسدية أكثر مما كنا عليه في الماضي؟

حتى الآن، سجلت البلاد 145 حالة من البكتيريا العدوانية "المكورات العقدية من المجموعة أ"، علماً أنها تعتبر الشكل الأخطر من أشكال العدوى، بين صفوف الفئة العمرية ما دون العشر سنوات في إنجلترا. تذكيراً، في الفترة بين 2017 و2018، وهو آخر عام شهد أعداداً كبيرة من هذه العدوى، قاست البلاد 311 إصابة.

يعتقد بعض العلماء أننا نواجه "فجوة مناعية" أعقبت جائحة كورونا تجعلنا معرضون أكثر للإصابة بأنواع العدوى التي كنا لنتخلص منها لولا ظهور هذه الجائحة.

في هذا السياق، نقلت "صنداي تايمز" عن ديفيد ماثيوز، بروفيسور في علم الفيروسات في "جامعة بريستول" قوله إنه "خلال فصلي الشتاء الماضيين، لم نشهد أعداداً كبيرة من إصابات "الفيروس المخلوي التنفسي" أو الإنفلونزا الموسمية. ولم يلتقط كثيرون فيروسات الأنف الشائعة المسببة للزكام. ويبدو أن الذاكرة المناعية لدى الناس قد تلاشت".

أجدت عمليات إغلاق البلاد أو الحجر نفعها في احتواء "كوفيد". ولكنها في المقابل كانت أكثر فاعلية في خفض مستويات الفيروسات المعتدلة والأقل قدرة على العدوى. اختفت الإنفلونزا تماماً في شتاء 2021- 2020. وعلى رغم أننا أمضينا الشتاء الماضي من دون قيود الإغلاق طوال ستة أشهر أو نحو ذلك، فإن الإنفلونزا والفيروسات الأخرى لم تنتشر مجدداً، ولم تحصد إصابات أبداً. كذلك توخينا الحذر أيضاً في الشتاء الماضي، لا سيما مع وصول متحورة "أوميكرون" من "كوفيد" في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، ما أفضى إلى إلغاء كثير من احتفالات الميلاد.

وفق ماثيوز، "تشكل ذاكرتك المناعية عنصراً أساسياً في القضاء على الفيروس من دون أن تلاحظ إصابتك به. تقاوم الأجسام المضادة والخلايا التائية T-cells  الفيروس قبل أن تشعر بالمرض أو تواجه أياً من أعراضه. ولكن ذاكرتك المناعية قد غفت الآن. لذا عندما نصاب بالعدوى، تستغرق أجهزتنا المناعية وقتاً طويلاً قبل بناء استجابة فاعلة- وهذه الفجوة الزمنية تعطي الفيروسات وقتاً إضافياً لإحداث ضرر أكبر، وتترك فريسة مضاعفات صحية أكثر شدة".

لحسن الحظ، يخرج بعض الفيروسات عن هذه القاعدة. الذاكرة المناعية للحصبة، مثلاً، تدوم طويلاً، لذا فإن التطعيم ضد هذا الفيروس يبقى فاعلاً إلى حد كبير.

إنما عندما يتعلق الأمر ببكتيريا المكورات العقدية تصبح المناعة معقدة. نتعرض لـ"المكورات العقدية مجموعة أ" طوال الوقت. في الحقيقة، يحمل معظمنا مستعمرات من هذه البكتيريا في حلقنا وبشرتنا، ونادراً ما تسبب لنا أمراضاً خطيرة. حتى أن نحو ثلث حالات التهاب الحلق لدى الأطفال وكثيراً من إصابات التهاب اللوزتين ناجمة عن "المكورات العقدية مجموعة أ". أضف إلى ذلك أنها تسبب الحمى القرمزية والقوباء. ولأنها بكتيريا في المستطاع علاجها بالمضادات الحيوية.

في حالات نادرة، تطاول "المكورات العقدية مجموعة أ" الرئتين أو مجرى الدم، وتسبب التهاب الرئة أو تلوث الدم، وفي حال تأخر العلاج تقود إلى الوفاة.

ولما كان بعض المناعة ينشأ من طريق التعرض المتكرر لمسببات الأمراض، نجد أنه في أوساط الفئة العمرية قبل البلوغ لا يكون التهاب اللوزتين العقدي مثلاً منتشراً. ولكن نظراً إلى أن بكتيريا "المكورات العقدية من المجموعة أ" تلازمنا معظم الأوقات، فإن العلاقة بين انتشارها في المجتمع من جهة ومعدلات المرض من جهة أخرى ليست واضحة خلافاً للحال بالنسبة إلى فيروسات مثل الإنفلونزا الموسمية أو "كوفيد".

الدكتور ألاسدير مونرو، طبيب أطفال متدرب في مستشفى ساوثهامبتون الجامعية، يعتقد أن ارتفاع نسبة فيروسات الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا و"الفيروس المخلوي التنفسي" ربما يفسر القفزة في الحالات الخطيرة من بكتيريا "المكورات العقدية من المجموعة أ". وفق كلماته، "نسجل معدلات عالية من التهابات الجهاز التنفسي. كذلك نشهد مضاعفات من البكتيريا العدوانية "المكورات العقدية من المجموعة أ" التي تؤدي إلى الالتهاب الرئوي".

إحدى السمات غير المألوفة للإصابات المسجلة في الأسابيع الأخيرة ظهور ما يسمى "الدبيلة"، علماً أنه تراكم للمخاط خلف بطانة الرئة يحول دون انتفاخها بالشكل الصحيح.

ويشير مونرو، وفق "صنداي تايمز"، إلى أن الأطفال يصابون ببكتيريا "المكورات العقدية من المجموعة أ" وعدوى فيروسية مثل الإنفلونزا في الوقت عينه، ذلك أن الفيروس يلحق الضرر بالرئتين، فيفتح بوابة للبكتيريا تتسرّب من خلالها.

ليست هذه الحالة شائعة عادة. ولكن التوقيت غير المألوف هذا العام ربما يقدم تفسيراً لما نشهده. "ظهرت "المكورات العقدية من المجموعة أ" في وقت أبكر من المعتاد، وتتزامن مع ارتفاع معدلات العدوى الفيروسية التنفسية"، قال مونرو.

يوافق الدكتور مايكل كارتر، طبيب في العناية المركزة للأطفال ومحاضر في "كلية كينغز لندن"، على هذا التفسير باعتباره الأكثر ترجيحاً وراء الزيادة في الحالات، وليس فقط إصابات الرئتين. لذا، "إذا كنت مصاباً بعدوى الإنفلونزا، وكنت تحمل مجموعة من "المكورات العقدية من المجموعة أ" حول أذنيك أو في حلقك، يرجح أن تصل هذا البكتيريا إلى مجرى الدم."

"لقد كلفت هذه الجائحة الأطفال ثمناً باهظاً. لقد أمضوا وقتاً طويلاً خارج المدرسة، وضاع وقت هائل أثناء نشأتهم في اللعب مع أصدقائهم. ولم يتعرضوا للفيروسات الأكثر انتشاراً لفترة من الوقت"، أضاف الدكتور كارتر.

ولكن بعض العلماء ليسوا مقتنعين بالفكرة القائلة إن الارتفاع المفاجئ في بكتيريا "المكورات العقدية من المجموعة أ" مرده إلى تضاؤل المناعة بعد الجائحة، معتبرين أن "فجوة المناعة" ليست أكثر من فرضية.

أحد هؤلاء داني ألتمان، بروفيسور في علم المناعة في "إمبريال كوليدج لندن"، الذي يعتبر أنه قبل النهوض بدراسات في هذا الشأن، لن نعرف ما إذا كانت مستويات المناعة قد تضاءلت وما إذا كانت السبب وراء الإصابات التي نشهدها.

كذلك قال البروفيسور ألتمان إن الفيروسات وأنواع البكتيريا مرت بـ"فترات دورية لا يمكن التنبؤ بها من الارتفاع والهبوط"، موضحاً أن نظريات أخرى تضمنت "الاختلاف الهائل" الذي لوحظ في جينوم "المكورات العقدية من المجموعة أ". لربما طرأت على البكتيريا المنتشرة تحورات جينية هذا العام جعلتها أكثر عدوانية".

ربما يكون التفسير الآخر أن "كوفيد" قد أعاد بطريقة ما برمجة أنظمتنا المناعية. قال ألتمان: "نعرف فيروسات أخرى كثيرة لديها كل أنواع الحيل المخادعة لتخريب الاستجابة المناعية، مثلاً فيروسات الجدري أو "إيبولا"، أو "إبشتاين بار". قللنا من شأن فيروس "سارس- كوف- 2" منذ البداية. لكننا سنحتاج إلى التحقيق في ذلك، جنباً إلى جنب مع جميع النظريات الأخرى، إلى حين التثبّت من إحداها".

ولكن لا يبدو بعض الأطباء مرتاحين لتوصيف "فجوة مناعية"، ذلك أنه ربما يعني للبعض ضرورة سد هذه الفجوة. يخشى كارتر أن يحاول بعض الآباء والأمهات التسبب لأطفالهم بالعدوى عمداً، كما فعلوا تاريخياً في ما سمي "حفلات جدري الماء"، التي كان يلجأ إليها الأهل كي يكتسب الأطفال مناعة طبيعية ضد الأمراض المعدية كجدري الماء والحصبة والإنفلونزا وغيرها قبل توافر اللقاحات المضادة. ولكن الدكتور يحث على عدم اللجوء إلى هذه الحيلة لأن الأطفال سيتعرضون للفيروسات خلال سنوات نشأتهم. صحيح أن هذا الشكل من التعرض لمسببات الأمراض قد توقف خلال العامين الماضيين، ولكن الأولاد يختلطون مع بعضهم البعض والآخرين مرة أخرى الآن، وسوف تحدث العدوى وما تولده من مناعة بشكل طبيعي" شيئاً فشيئاً.

أما الطريقة الأخرى للتعرض للعدوى فتكون بتلقي اللقاحات المطلوبة طبعاً. الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين و11 سنة مؤهلون للحصول على لقاح الإنفلونزا. غير أن اللقاحات المضادة لـ"الفيروس المخلوي التنفسي" ليست متوافرة بشكل روتيني بعد، على رغم أنها قيد التجارب.

أما بالنسبة إلى "المكورات العقدية من المجموعة أ"، فيبقى التطعيم بعيد المنال. البروفيسور آدم فين، طبيب أطفال في مستشفى بريستول وعضو "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين" التابعة للحكومة البريطانية، قال إن هذا اللقاح مطلوب بشدة. وصحيح أن الخبراء بذلوا "بعض الجهود خلال فترة طويلة، ولكن عموماً لقي هذا النوع من اللقاحات التجاهل، فعلى رغم كل الانتباه الذي يستقطبه هذا الكائن الحي هذا الأسبوع، غير أنه لم يحظ باهتمام يُذكر في البلدان الغنية".

وأضاف أن "الضرر الأكبر الذي تتركه هذه البكتيريا يتمثل في الحمى الروماتيزمية التي تسبب إصابات حادة في القلب وغيرها من مشكلات صحية، ومعظمها في البلدان الفقيرة.

وفي الأحوال الكافة، لا غنى لنا عن التوصيات الصحية التقليدية، من تناول طعام صحي ومغذ، وممارسة التمارين الرياضية، ونيل قسط جيد من النوم، وممارسة نشاط ممتع، وعدم التدخين. أضف إلى ذلك متابعة التطعيمات المطلوبة، والحرص على النظافة الشخصية. هكذا، تساعد نفسك ومن حولك على مواجهة أشكال خطيرة من العدوى.

اقرأ المزيد

المزيد من صحة