موجة من الإشاعات تحاصر الحكومة المصرية في ظل الارتباك الشديد في سوق الصرف واستمرار خسائر الجنيه مقابل الدولار، وأبرز هذه الإشاعات ما يتعلق بعدم قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بالالتزامات الخارجية المتعلقة بالديون وفوائدها، وفي تقرير حديث نفى مجلس الوزراء المصري المزاعم والادعاءات التي تروج بأن مصر مهددة بعدم قدرتها على سداد ديونها، مؤكداً أن مصر ملتزمة لعقود طويلة سداد مديونياتها الخارجية، وهناك عديد من المؤشرات الاقتصادية التي تعزز قدرة البلاد خلال الفترة المقبلة على القيام بالتزاماتها، وأوضح مجلس الوزراء المصري أن من بين المؤشرات تحسن عديد من مصادر النقد الأجنبي التي يأتي على رأسها ارتفاع معدل نمو الصادرات المصرية بنسبة 53.1 في المئة خلال العام المالي 2021-2022 لتسجل 43.9 مليار دولار، إضافة إلى ارتفاع إيرادات السياحة بنسبة 121.1 في المئة لتصل إلى 10.7 مليارات دولار، وأيضاً الارتفاع الكبير المسجل في عائدات قناة السويس التي بلغت نحو سبعة مليارات دولار في الفترة نفسها، وارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى ما يقارب تسعة مليارات دولار في العام نفسه.
وأشار التقرير إلى أن ما تم الإعلان عنه من القرارات الاقتصادية التي من شأنها أن تزيد من تمكين القطاع الخاص، ومن بينها تحرير سياسة سعر الصرف والتوجه نحو تبني كل السياسات التي من شأنها حل المشكلات التي تواجه المستثمرين والمصنعين، ما أدى إلى انخفاض بشكل كبير لاحتمالات تعثر مصر في سداد ديونها، ولفت مجلس الوزراء إلى ما أكدته وكالة "بلومبيرغ" التي قامت في ظل تعرض الأسواق الناشئة لضغوط ناجمة من ارتفاع الدين وتراجع النمو الاقتصادي والتنويه بتخلف تاريخي عن سداد الديون، بإعداد نموذج لتقدير مخاطر عدم السداد في 41 دولة ناشئة على مدار العام المقبل، وكانت الوكالة قد ذكرت أنه باستثناء الدول التي تخلفت عن السداد بالفعل هناك 11 دولة أخرى لديها احتمال عدم القدرة على السداد بنسبة 10 في المئة أو أعلى في العام المقبل ليست مصر من بينها، التي من المتوقع أن تستفيد خلال الفترة المقبلة من الدعم الناتج من سياسة تحرير سعر الصرف في جذب مزيد من التدفقات من النقد الأجنبي.
الديون السيادية
ونفى مجلس الوزراء المصري المزاعم والادعاءات التي تروج في ما يتعلق بالزعم بأن مصر ستصبح أكبر مصدر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة وتراجع قيمة السندات السيادية، وأشار إلى أن موازنة العام المالي الجاري تستهدف خفض دين الحكومة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 84.2 في المئة، كما تستهدف عودة المسار النزولي لنسبة دين الحكومة العامة للدولة للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، إضافة إلى تقليل نسبة مدفوعات الفوائد إلى 7.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و33.3 في المئة من مصروفات الموازنة.
وأوضح أن عمليات الاقتراض الخارجي تخضع لمعايير ومحددات تتابعها لجنة إدارة الدين العام، كما ستتولى اللجنة تحديد السقف السنوي للاقتراض الخارجي بما يتناسب مع تطور الناتج المحلي الإجمالي والصادرات وأعباء خدمة الدين، وكذلك رصيد الاحتياطات من النقد الأجنبي بما يضمن البقاء في الحدود الآمنة.
وأشار إلى أن الحكومة ممثلة في وزارة المالية وضعت خطة متوسطة المدى لإدارة الدين الحكومي وخدمته خلال الفترة من 2022-2023 و2026-2027، حيث تتمثل أهم السياسات والإجراءات التي يتم تبنيها في إطار هذه الخطة في وضع سقف ملزم للأعباء السنوية التي تؤثر في المديونية بما فيها التمويل تحت الخط بحيث لا يتجاوز 1.5 إلى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، والتوقف خلال تلك الفترة عن إجراء أي تشابكات مالية جديدة أو إضافية تترتب عليها أعباء مالية للموازنة.
استراتيجية الدين
وتتضمن الإجراءات أيضاً متابعة وتحديث استراتيجية الدين سنوياً لضمان خفض نسبة خدمة الدين للناتج المحلي وإطالة عمر الدين بما يساعد على خفض جملة الاحتياجات التمويلية لأجهزة الموازنة والتوسع في استهداف إصدار أدوات تمويل جديدة ومتنوعة "الصكوك، وسندات التنمية المستدامة، والسندات والصكوك الخضراء، وأيضاً استمرار جهود تطوير سوق الأوراق المالية الحكومية لزيادة درجة المنافسة وجذب مزيد من المستثمرين".
وأشار إلى أن لجنة الدين توافقت بتاريخ 12 يونيو (حزيران) 2022 على رؤية موحدة في ما يتعلق بملف الدين وتنظيم الاقتراض، التي تضمنت وضع حد غير مرن "كقيمة مطلقة وليس نسبة لمستوى الدين الخارجي قائم على حساب دقيق لقيمة الفجوة في العملة الأجنبية في العام المالي 2022-2023 فضلًا عن متابعة وتحديث استراتيجية الدين سنوياً لضمان خفض نسبة خدمة الدين للناتج المحلي وإطالة عمر الدين بما يساعد على خفض جملة الاحتياجات التمويلية لأجهزة الموازنة"، وتابع "مع سد الفجوة التمويلية بآلية لا تمثل عبئاً على الخزانة العامة للدولة من خلال التوسع في تمويل المشروعات بالشراكة مع القطاع الخاص بالاعتماد على التنسيق بين وحدة القطاع الخاص بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووحدة الشراكة بوزارة المالية لحصر المشروعات التي يمكن إتاحتها للشراكة مع القطاع الخاص".
هل تقترب مصر من الإفلاس؟
وجددت الحكومة المصرية نفيها لما يثار في شأن تعرض البلاد للإفلاس بسبب ارتفاع حجم الديون وتضاعف فاتورة خدمة الدين، وذكرت أنه في ظل الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التي شهدها العالم خلال الفترة السابقة، اتجهت حكومات دول العالم إلى تبني سياسات اقتصادية توسعية للتخفيف من تبعات الآثار السلبية لتلك الأزمات الاقتصادية على الأسر والشركات ما أدى إلى ارتفاع ملموس في مستويات المديونية العالمية التي ارتفعت لتسجل نحو 350 في المئة من الناتج الإجمالي بنهاية الربع الثاني من 2022.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية بدورها تبنت خلال السنوات السابقة وتحديداً من 2014-2022 عديداً من الإجراءات لتنشيط الأداء الاقتصادي ودفع نمو الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص العمل المنتج وتعزيز الاستثمارات في مستويات البنية التحتية، كما ركزت خلال السنوات الثلاث الماضية على تحفيز الإنفاق العام لمواجهة التداعيات الناتجة من أزمة كورونا والأزمة الروسية - الأوكرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت مجلس الوزراء المصري، إلى أن مصر تبنت منذ عام 2016 نهجاً متكاملاً للإصلاح المالي بهدف تبني تدابير وسياسات وإجراءات من شأنها تحقيق الانضباط المالي والتحرك باتجاه مستويات أكثر استدامة للدين العام، ما أسفر عن تراجع الدين العام المحلي من مستويات تفوق 100 في المئة من الناتج خلال عامي 2015-2016 و2016-2017 إلى 87 في المئة خلال عام 2021-2022 وهو ما يقل كثيراً عن النسبة المسجلة على مستوى العالم، وينخفض كذلك بالنسبة المثيلة المسجلة في عديد من الاقتصادات النامية والمتقدمة التي تجاوزت 100 في المئة.
وأشار إلى أنه وفق المعيار الاقتصادي الأساسي لاستدامة الدين، يسهم عدد من العوامل في ضمان تحرك الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في مسارات آمنة من أهمها مواصلة الاقتصاد المصري لتحقيق فائض أولي من الموازنة العامة للدولة بلغت نسبته 1.3 في المئة خلال العام المالي 202-2021 والارتفاع الكبير المسجل في معدلات نمو الاقتصاد المصري التي بلغت 6.6 في المئة خلال العام المالي ذاته.
وأوضح أن مصر أحرزت تقدماً مقارنة مع الدول المناظرة لها في الفائض الأولي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2020-2021 بنسبة 1.3 في المئة، إذ بلغت هذه النسبة في باكستان 0.4 في المئة، وسجلت انخفاضاً ملحوظاً في عدد من الدول المناظرة لمصر لتسجل عجزاً في الميزان الأولي كما في الجزائر 11.5 في المئة والصين 7.8 في المئة والهند 3.6 في المئة والمغرب 3.3 في المئة، كما انخفضت النسبة للناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الناشئة خلال العام المالي 2021-2022 لتسجل عجزاً بنسبة 4.7 في المئة وبلغت النسبة للاقتصادات المتقدمة نحو 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
مؤشرات الدين الخارجي في الحدود الآمنة
وتستهدف الحكومة المصرية خلال الفترة المقبلة، الحفاظ على الانضباط المالي وخفض عجز الموازنة إلى 5.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق فائض أولي من الموازنة العامة للدولة بصورة دائمة بنسبة 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بما يسهم في خفض المديونية وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي للموازنة العامة للدولة وضمان الأمان للأجيال الحالية والمستقبلية، كما تستهدف عودة المسار النزولي لنسبة المديونية الحكومية لتصل إلى 82.5 في المئة بنهاية يونيو 2025 وخفض فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة إلى 5.6 في المئة من الناتج المحلي بحلول 2025-2026 وإطالة عمر دين أجهزة الموازنة ليقترب من خمس سنوات في المدى المتوسط لتخفيض الحاجة إلى التمويل السريع.
وبالنسبة إلى الدين الخارجي، أشار مجلس الوزراء إلى أن مصر ما زالت ضمن الحدود الآمنة في ما يتعلق بمؤشر نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي، ووصلت تلك النسبة إلى 34.1 في المئة في حين أن حدود المخاطر القصوى عند مستوى 50 في المئة، وأشار إلى وجود عديد من النقاط الإيجابية في ما يتعلق بهيكل الدين الخارجي لمصر لعل أبرزها، تنوع أدوات الدين الخارجي ما بين قرض وودائع وسندات مصدرة وتسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل ومخصصات مصر لدى صندوق النقد الأجنبي، كما يوجد تنوع مصادر تمويل الدين الخارجي على مؤسسات التمويل الدولية ومصادر التمويل الثنائية، وبلوغ متوسط سعر الفائدة المرجح والمطبق على محفظة الدين الخارجي 3.58 في المئة وهو معدل جديد.
وأوضح أن معظم المديونية الخارجية الخاصة بمصر هي ديون متوسطة وطويلة الأجل بنسبة 82 في المئة، وأظهر أن نسبة الديون التي تطبق سعر فائدة ثابتاً تشكل نحو ثلثي إجمالي الدين 62 في المئة وهو أمر جيد لأنه يخفف من وطأة مخاطر الارتفاعات المتتالية في أسعار الفائدة على المستوى العالمي.