Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتدفق الاستثمار الأجنبي على مصر من بوابة تعويم الجنيه؟

محللون يرون أن الدولة جادة لكن العبرة بالتنفيذ وتوفير البيانات والمعلومات

هبط الجنيه لأدنى مستوى له في التاريخ مقابل الدولار الأميركي بعد رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار اثنين في المئة (أ ف ب)

على قدم وساق تكثف الحكومة المصرية جهودها بحثاً عن الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوطين الصناعات في البلاد، وكشفت أزمة نقص الدولار الأميركي في عام 2022 العوار الذي ألم بالاقتصاد المصري على مدار ست سنوات مضت.

وكان الاقتصاد المصري يعتمد على الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين السيادية) طوال تلك المدة قبل أن تتبخر فجأة في 2022، وشحت مع خروج الدولار الأميركي، مما جعل الأخير يفترس الجنيه المصري، وهو ما أجبر القاهرة على خفض عملتها بنسبة تزيد على 48 في المئة خلال ثمانية أشهر.

وهبط الجنيه إلى أدنى مستوى له في التاريخ مقابل الدولار الأميركي، بعد رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار اثنين في المئة الخميس الماضي، وسجل سعر الجنيه على شاشات البنك المركزي حتى أمس السبت نحو 23 جنيهاً مقابل كل دولار.

اعتراف بالخطأ

الحكومة اعترفت بخطئها في الاعتماد على الأموال الساخنة من دون توطين الصناعة وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، إذ أقر وزير المالية المصري محمد معيط بخسارة الرهان على هذا النوع من الاستثمارات.

وقال معيط، في مؤتمر صحافي بالغرفة التجارية الأميركية في القاهرة في يوليو (تموز) 2022، إن "الأموال الساخنة واستثمارات الأجانب في أذون الخزانة على وجه خاص لا يمكن الاعتماد عليها من أجل بناء اقتصاد قوي".

وأضاف أن "الأموال الساخنة قد تعود مجدداً، لكن من الخطأ التعامل معها باعتبارها استثمارات حقيقية".

وخرجت أموال ساخنة قدرت بـ20 مليار دولار أميركي من القاهرة في النصف الأول من العام الحالي تحت تأثير أسعار الفائدة الأميركية الملتهبة منذ بداية 2022، بينما بلغت قيمة تخارج الأجانب من الاستثمار في أدوات الدين المصرية أكثر من 55 مليار دولار منذ أربع سنوات.

وبعد خروج تلك الأموال الملتهبة من مصر تسعى الحكومة بكل قوة لتوطين الصناعات لتقليل الاستيراد وزيادة الصادرات لجذب العملة الصعبة، خصوصاً بعد قرار التعويم (تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار باتباع سعر صرف مرن) وإعلان حوافز استثمارية جديدة آخرها منح الرخصة الذهبية لكل مستثمر محلي وأجنبي يضخ استثمارات في مصر خلال ثلاثة أشهر.

لكن يبقى السؤال الأبرز، هل تستغل الحكومة تلك الفرص مع خفض عملتها والرخصة الذهبية والحصول على قرض جديد من صندوق النقد لتوفير الدولار؟ وهل يعود الاستثمار الأجنبي إلى مصر بعد التعويم؟

فرصة ذهبية

مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عبد المنعم السيد يرى أن "توطين الصناعة وجذب الاستثمارات الجديدة هو ما يضمن للبلاد الاستغلال الأمثل للموارد والثروة البشرية، خصوصاً مع توفر القوى العاملة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال السيد لـ"اندبندنت عربية" إن "ذلك الأمر سيسهم بدوره في خفض معدلات البطالة وتحسين مستوى معيشة الأفراد"، لافتاً إلى "إمكان توطين الصناعات الحديثة من خلال رفع نسبة مساهمة المكون المحلي، وتقليل الفجوة الاستيرادية، وتدريب العمالة وتأهيلها لمتطلبات سوق العمل".

وأشار إلى أن "مصر لديها فرصة ذهبية في الوقت الحالي لجذب مليارات الدولارات عبر استثمارات حقيقية على أرض الواقع بدلاً من المقامرة بالأموال الساخنة".

وأكد أن "ما يميز البيئة الاستثمارية حالياً أن سعر صرف الجنيه المصري في أدنى مستو له على الإطلاق، وذلك يمثل نقطة سلبية بكل تأكيد، لكن تحمل في طياتها فرصة للمستثمرين مع تراجع قيمة العملة أمام الدولار، إذ إن ذلك يمثل عامل جذب للمستثمر الأجنبي للتوسع في استثماراته أو ضخ أخرى جديدة، إلى جانب اهتمام منقطع النظير من القيادة السياسة للتمسك بفرصة الاستثمارات وتوطين الصناعات".

نقص المعلومات

من جانبه، قال رئيس جمعية مستثمري مدينة بدر الصناعية في العاصمة القاهرة بهاء العادلي، إن "الانطباع الحالي حول جدية الدولة نحو جذب استثمارات وتوطين الصناعات انطباع جيد، خصوصاً مع جدية الرئيس المصري وإعلانه منح الرخصة الذهبية لأي مستثمر يضخ استثمارات جديدة خلال ثلاثة أشهر".

وأضاف العادلي "كل ما سبق يدعو إلى التفاؤل، لكن يبقى التنفيذ وتسهيل الإجراءات والتمويل"، مشيراً إلى أن "المستثمرين ورجال الأعمال في مصر يحصلون على التمويل لضخ استثمارات جديدة أو التوسع في استثمارات قائمة بصعوبة شديدة ودراسات جدوى تصل إلى أكثر من ستة أشهر وقد تزيد إلى سنة كاملة.

وأشار إلى عدم وجود البيانات والمعلومات الكافية لتحديد حجم الصناعات القائمة والأخرى المطلوب ضخها وحجم المنتجات والأسواق المستهدفة والمنتجات المطلوبة"، لافتاً إلى أن "تلك البيانات مهمة جداً للمستثمر والمصنع".

الرخصة الذهبية

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صباح السبت 29 أكتوبر (تشرين الأول)، منح الرخصة الذهبية لكل من يتقدم للاستثمار في البلاد خلال ثلاثة أشهر من أجل تسريع مشاريعهم.

وأضاف السيسي خلال افتتاحه الملتقى والمعرض الدولي الأول للصناعة، "قد تمدد الفترة الزمنية إلى ثلاثة أشهر أخرى حال وجود استجابة جيدة من المستثمرين أو العودة للعمل بالنظام المعمول به سابقاً".

تخول الرخصة الذهبية من يحصل عليها من المستثمرين أو الشركات المحلية والأجنبية الحصول على موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته وتراخيص بناء المشروع وتخصيص المنشآت اللازمة من دون الحاجة إلى التعامل مع الجهات الحكومية المتعددة اختصاراً للوقت.

قبل هذا القرار كانت تمنح الرخصة الذهبية للشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية بهدف تنمية الدولة، خصوصاً مشروعات الهيدروجين الأخضر وصناعة السيارات الكهربائية والبنية التحتية ومشروعات تحلية مياه البحر والطاقة المتجددة.

تراجع الجنيه يجذب المستثمر

رئيس غرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات المصرية محيي حافظ توقع أن "تسهم الرخصة الذهبية في جذب استثمارات جديدة محلية وأجنبية خلال الفترة المقبلة".

وقال حافظ "يبدو أن الدولة جادة هذه المرة لدعم الاستثمار والصناعة في ظل اهتمام غير مسبوق"، مشيراً إلى أن "أهم ما يميز البيئة الاستثمارية المصرية الحالية، وهو اتخاذ البنك المركزي المصري قرار التعويم واتباع سعر صرف مرن مقابل الدولار الأميركي".

وأوضح أن "أبرز الأسباب التي أدت إلى عزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ استثمارات في مصر هو وجود سعرين لصرف الدولار، الأول رسمي والثاني في السوق الموازية، خصوصاً أن الشركات الأجنبية لا تتعامل في تلك الأجواء".

وأشار إلى أن خفض قيمة العملة المحلية أمام الأجنبية يجذب عشرات المستثمرين لضخ الاستثمارات، إذ إنه عندما يحول أموالها من الدولار إلى الجنيه المصري ويدفع تكلفة المشروعات ومصاريف التشغيل من أجور ومرتبات وضرائب ورسوم وغيرها من التكلفة بالجنيه المصري وليس بالدولار فإنه يعزز بذلك مكاسبه".

تعزيز آليات المنافسة

بينما ترى نائب رئيس البحوث في شركة "زيلا كابيتال" آية زهير أن "منح الرخصة الذهبية للمستثمرين يعد تأكيداً على حرص الدولة على توفير فرص متكافئة، وتعزيز آليات المنافسة وتمكين القطاع الخاص"، وتتوقع أن "ينجح القرار في جذب استثمارات جديدة لمصر خلال الفترة القليلة المقبلة".

في غضون ذلك حقق صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر أدنى مستوى له خلال آخر خمس سنوات في عام 2021، بعد أن سجل العام الماضي نحو 5.1 مليار دولار مقابل 5.9 مليار دولار في عام 2020، بنسبة تراجع بلغت 12.5 في المئة، بينما سجل أعلى مستوى له في عام 2019 إذ بلغ تسعة مليارات دولار، بينما سجل في عام 2018 نحو 8.1 مليار دولار مقابل 7.4 مليار دولار في عام 2017، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.