Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تفبرك طهران الخلافات بين الحلفاء وتستغلها؟

التزام دول الخليج مواجهة التهديدات في حديقتها الخلفية لا مجال للطعن فيه رغم "البروباغاندا" الإيرانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع وثيقة تعيد فرض العقوبات على إيران بعد الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق النووي (غيتي)

بعث رسائل متباينة ردا على عدوان إيران في الخليج

ستكون الرسائل المتباينة التي يبعثها المجتمع الدولي، ردا على أقوال وأفعال إيران العدوانية، بما فيها إعلانها عن خرق جديد للاتفاق النووي والعمل صوب تخصيب اليورانيوم، إشارة إليها على أن تهديداتها وعدوانها قد يساعد النظام على الصمود حتى أمام سياسة إدارة ترمب في فرض أقصى درجات الضغط على إيران. ولن تكون هذه السياسة التي ركّزت كثيرا على فرض عقوبات اقتصادية على موارد إيران الشرعية، مثل تجارة النفط، في حدّ ذاتها كافية وحدها لجعل النظام يُفلِس، حسبما كشف خبراء. فإيران، في حقيقة الأمر، مستمرة في الاستفادة من النشاطات غير الشرعية والمؤامرات الإجرامية، بما فيها تهريب المخدرات عبر وكلائها في شتى أنحاء العالم، فعندما لا يتم فرض هذه العقوبات بالكامل من قبل المجتمع الدولي، سيكون لإيران مجال أكبر للمناورة.

منذ أن جعلت الولايات المتحدة "فيلق الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية، وإيران ترفع من سقف تهديداتها لإدارة ترمب، إضافة إلى "اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب". ففي أبريل (نيسان) الماضي هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، الذي يعدّ ضروريا لصادرات نفط دول الخليج. وفي أوائل مايو (أيار) الماضي، هوجمت ناقلات نفط تعود للإمارات والسعودية، وقد اعتبرت الولايات المتحدة ودول أخرى، في تقديمها شكوى للأمم المتحدة، الفاعل بأنه "ممثل دولة"، حيث إن إيران هي الطرف الأرجح في الاستفادة من فعل كهذا.

وأعقب ذلك بفترة قصيرة قيام ميليشيات عراقية مدعومة إيرانيّاً بالهجوم على منشآت نفط سعودية باستخدام الطائرات المسيَّرة (الدرونات)، وهجمات متكررة للحوثيين على مواقع سعودية مدنية، وهجمات أخرى على ناقلات نفط سعودية، وفي هذه المرة نسبت عدة دول هذا الاعتداء إلى إيران، إضافة إلى إسقاط طائرة أميركية مسيَّرة وتهديدات عديدة أخرى.

وبعد اتّهام واشنطن بغداد بالسماح للميليشيات بإطلاق هجمات بطائرات مسيَّرة ضد السعودية، اتّخذ العراق إجراءات لدمج الميليشيات أكثر في الجيش، والهدف من ذلك هو تعزيز السيطرة عليها. إلا أن وجود مسؤولين قريبين من إيران في الحكومة العراقية، سيجعل من هذه المبادرة إجراء تجميليّاً لتفادي تدقيق إضافي لها.

كانت ردود فعل الولايات المتحدة ودول أخرى تجاه هذه التطورات فاترة. فمن بين ما أثارته هستيريا  الإعلان هو وجود خيارين زائفين أمام الولايات المتحدة: إما خوض حرب شاملة تعصف بالمنطقة بشكل كامل وتقتضي إرسال مئات الآلاف من الجنود الأميركيين، أو العودة الفورية غير المشروطة إلى طاولة المفاوضات، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها في الشرق الأوسط سعوا إلى تهدئة وتخفيف التوترات. فالرئيس ترمب ألغى هجوماً جوياً مخططاً له ضد أهداف إيرانية انتقاماً من الهجوم على طائرة التجسس الأميركية، وبدلا عن ذلك، أمر بشنّ هجوم إنترنتي (سيبراني) لشلّ قدرات الصواريخ الإيرانية.

وأظهرت تقارير أن الهجوم كان انتقاماً من مجموعة تجسس إيرانية، ظلت تستهدف أنظمة غربية لبعض الوقت. والكمبيوترات التي تعرضت للهجوم من قبل "مركز القيادة الأميركية" كانت قد استخدمت لتعقب ناقلات النفط. وكان ردّ فعل إيران والصين القيام، وبشكل مشترك، بشنّ حرب سيبرانية (إنترنتية) ضد الولايات المتحدة. وهذا ما صعّد، وبشكل مستقل، من الهجمات "الإنترنتية" ضد أهداف أميركية. لذلك فإنه على الرغم من أن الولايات المتحدة بعثت رسالة بأنها ستتخذ إجراءات متناسبة لردع ومنع هجمات أخرى على مواقعها، فإنه ليس هناك في الرسالة أي إشارة لتكاليف الهجمات على ناقلات النفط.

النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يشكل تحدياً أمام وضع استراتيجية دفاعية شاملة للمنطقة

فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على أولئك المصنفين كمسيئين لحقوق الإنسان في إيران، بمن فيهم أعضاء ميليشيا الباسيج وأموال المرشد الأعلى آية الله خامنئي. وفي هذا الصدد، اقترح السيناتور تيد كروز إجراءً فحواه استخدام الأصول المستردة  لدفع تكاليف تعويض الطائرة المسيَّرة التي أسقطتها إيران، إلا أن وجود معظم الأصول الإيرانية خارج نظام الولايات المتحدة المالي، يجعل استرداد التكاليف لهذا الإجراء الرمزي صعباً. وإلى الآن، فإن هذه الإجراءات هي الأقوى ضد العدوان الإيراني.

من جانبه، التمس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا اتخاذ إجراءات على ضوء خطوات إيران غير المسموح بها في رفع درجة تخصيب اليورانيوم، مقارنا نشاطات إيران باحتلال النازيين الألمان (خلال الحرب العالمية الثانية) لمنطقة راينلاند. وكان ردّ فعل الأعضاء الآخرين في "خطة العمل المشتركة الشاملة" (جَي سي بي أو أيه) فاتراً حتى الآن، حتى على ضوء الادّعاءات الأخيرة التي قدمها رئيس جهاز الموساد من أن إسرائيل تمتلك أدلة إضافية تدلّل على تورط إيران في الهجمات ضد ناقلات النفط.

وقد أدى الكشف عن برنامج إيران النووي واطّلاع العالم عليه من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، واستمرار إسرائيل في استهداف المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، إلى إبطاء تقدّم النظام في هذا المجال. غير أن إسرائيل لم تستطع تدمير أو قلب النفوذ الإيراني في محيطها، ولا منع التواصل الإيراني مع سكان السلطة الفلسطينية. فالخلافات حول حلّ النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني تبقى نقطة جدل مع دول الخليج، وتمنع من دمج استراتيجية الدفاع (في استراتيجية واحدة).

وبغياب تنسيق استراتيجي بين دول الشرق الأوسط رداً على التهديد المتنامي من إيران، تستمر الأخيرة في استغلال هذا الغياب، وتستمر في نشر نفوذها الأيديولوجي في المنطقة، بينما هي تستمر أيضا في تحقيق أجندتها بخلق طرق برية تسهّل لها انتقال القوات والإرهابيين والأسلحة ومواد أخرى، من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان والحدود الأردنية وأماكن أخرى.

إيران تستغل الخلافات بين أعضاء "اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب" بخصوص اليمن

كذلك تسعى إيران إلى استغلال الخلافات الداخلية بين أعضاء "اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب"، سواء كانت حقيقية أو مفبركة. فالحرب في اليمن، إلى حدّ كبير، في حالة جمود، حيث يكدّ الائتلاف الذي تقوده السعودية بالدرجة الأولى من قوات يمنية على الأرض، في مواجهة الإرهابيين الحوثيين المتطورين أكثر فأكثر في ساحات القتال، بفضل تدريب وتسليح حزب الله و"فيلق الحرس الثوري" الإيراني.

وقد أصبح الوضع أكثر تعقيدا بسبب وجود منظمات إرهابية أخرى، مثل القاعدة وداعش، وانتشار الأمراض، بما فيها الكوليرا، والمجاعة الجماعية، وتسريب المساعدات الإنسانية من قبل الحوثيين، مما أدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن، إضافة إلى عمليات اختطاف وتعذيب الصحافيين اليمنيين الذين يغطون نشاطات الحوثيين على الأرض.

وقد عمّقت التوترات الأخيرة المخاوف فيما يتعلق بالأمن الداخلي من قبل السعودية والإمارات، اللتين أصبح لهما مصالح مختلفة بما يخص قرار الحرب في اليمن، إذ إن السعودية تركز على تصفية تهديدات الحوثيين المدعومة إيرانيا، بينما أصبحت الإمارات أكثر تخوفا من انتشار حركة الإخوان المسلمين.

ومع ضعف التقارير المنشورة عن التقييمات الاستراتيجية الجارية حاليا، فإن ذلك يقوّي من عزيمة إيران باستغلال هذه الأمور لصالحها. فعلى سبيل المثال، بعد الموافقة على خطة إعادة نشر قواتها، سحبت الإمارات أغلب قواتها من اليمن، كجزء من توفير الأمن لنفسها من احتمال وقوع هجمات إيرانية مباشرة ضدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومقابل ذلك، قدّم الإعلام هذه القضية وكأنها نقص في الالتزام بالمجهود الحربي من جانب الإمارات، مما يشير إلى نجاح إيران في حملات "البروباغاندا" التي تقوم بها في الغرب لتحطيم معنويات خصومها. وبالطبع، فإن أول جزء من هذه الحملات يتضمن مبالغة في أرجحية وقوع حرب مباشرة في الخليج، وهذا يهدف بالضبط إلى إضعاف مظهر العزيمة لدى قوات الائتلاف داخل اليمن وتصوير هذا الحدث لا باعتباره انسحاباً تكتيكيا، بل هو إضعاف للائتلاف وهزيمة عسكرية ومالية للسعودية بشكل خاص.

وهذه الرسالة تحرّف عن عمد الواقع لخلق انطباع بأن هناك تشرذما وخوفا بين "اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب" لبقية العالم، بجعل دعم أي إجراء إضافي، أكثر فأكثر، أقل احتمالا. من جانبهم، أزال مسؤولون الالتباس أخيرا بشأن هذه الإشاعات، حيث أشاروا إلى أن الانسحاب كان جزئياً وجرى بالتنسيق مع السعودية، لكن ذلك أعقبه بروز انطباع نفسي لدى الرأي العام الغربي. إذ بنفس الطريقة، وقع الإعلام الغربي ألعوبة بيد إيران، من خلال خلق انطباع بأن الإمارات أقصت نفسها عن التزامها مع الولايات المتحدة والسعودية بمواجهة إيران حول الهجمات التي شنتها على ناقلات النفط، وهذا بالادّعاء أن بيان الإمارات الصادر من موسكو يسير بشكل متعارض مع اتهامات دول أخرى لإيران.

وفي الحقيقة، فإن البيان كان بالتنسيق مع مسؤول أميركي زار الإمارات قبل بدء الرحلة إلى موسكو، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك أي دولة أخرى سمت إيران بشكل صريح عبر ممثلها في الأمم المتحدة، غير أن حرب "البروباغاندا" كانت مؤثرة على الرغم من الحقائق. وكل ذلك تم خلطه بحقيقة أن مصر عليها أن تنشغل بتهديدات أخرى، ولذلك فهي لم ترَ الرد على إيران باعتباره رداً على خطر وجودي لها أو أسبقية بالنسبة إليها.

إيران تستفيد من الخلافات السياسية بين فرنسا وألمانيا

في الوقت الذي يبقى فيه التزام دول الخليج مواجهة التهديد في حديقتها الخلفية لا مجال للطعن فيه، على الرغم من هذه الهجمات، فإن قضية عدم اليقين الأوروبي كان استغلاله أسهل. ففرنسا وألمانيا ودول أخرى حذّرت إيران من خرق الاتّفاق النووي ورفع درجة العدوان، لكنها لم تمضِ إلى حدّ اقتراح عقوبات أو تحديد طريق واضح للانسحاب من "خطة العمل الشاملة المشتركة" (جَي سي بي أو أيه).  بدلا من ذلك، وافق الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الإيراني روحاني على النظر في شروط العودة إلى المباحثات.

في المقابل، لام وزير الخارجية الألماني فرنسا على عدم القيام بإجراء ما تجاه تصرّف إيران السيئ. ووسط التوترات القائمة بين فرنسا وألمانيا حول أمور مالية، وحول دفع ألمانيا المستمر الأموال المفروضة على فرنسا لصالح الناتو، سعى الإعلام الأوروبي بدفع من الحكومة الفرنسية إلى تجنب تسليط الضوء على تحالف فرنسا القوي مع إيران ووسيطها المالي قطر.

فعلى الرغم من أن "توتال" و"بيجو" كانتا من بين الشركات الفرنسية التي أُجبرت على مغادرة إيران بسبب التهديد الأميركي بعقوبات ثانوية عليها إن بقيت تعمل في إيران، فإن فرنسا رحّبت بالعديد من رجال الأعمال الإيرانيين لإنتاجها المحلي مما يعمّق أكثر العلاقات التي تربطها بإيران، التي تعود إلى كونها الملاذ الذي لجأ الخميني إليه قبل وقوع الثورة الإسلامية. كذلك، رحّبت فرنسا باستثمارات قطر، وشراء الغاز من قطر، بينما تستثمر قطر في نادٍ رياضي لكرة القدم بمبلغ يصل إلى 250 مليار دولار في باريس، من بين مشاريع تجارية أخرى، كل منها لفائدة الشراكة مع إيران.

في المقابل، دلّت تهديدات وزير الخارجية الألماني الأخيرة الموجهة لإيران حول عدوانها وتهديداتها النووية، على أن خطوات إضافية في ذلك الاتجاه، ستؤول إلى تخفيض العلاقة بينهما. فألمانيا تتخذ إجراءات من شأنها إعداد الجمهور للتحول في ذلك الاتجاه عن طريق الكشف أخيرا عن تقرير أعدته الاستخبارات الألمانية يُكشف فيه أن إيران استخدمت سفارتها في برلين للتخطيط لهجوم إرهابي ضد المجموعة الإيرانية المعارضة "منظمة مجاهدي خلق" ( وهو شبيه بهجمات تم إيقافها في باريس وألبانيا وفي السفارة الإيرانية بالجزائر لتسليح حركة البوليساريو الانفصالية، إضافة إلى المحاولات التي جرت أخيرا للقيام بعميات اغتيال لعناصر من المعارضة الأهوازية في الدنمارك).  

وكشف التقرير أيضا عمليات الرصد التي يقوم بها جواسيس إيرانيون على أهداف يهودية وإسرائيلية في ألمانيا. ونشر معلومات حساسة كهذه يشير إلى خطة حكومية للتحول صوب سياسة أكبر لمواجهة عدوان إيران. مع ذلك، فإن استغلال إيران، في الوقت نفسه، للرسالة المتباينة واضح، طالما أن ألمانيا وفرنسا ودولا أخرى تلتزم بتقديم خطة مالية للالتفاف حول العقوبات الأميركية ضد إيران، من خلال نظام مصرفي بديل، ما زال في طور الإنشاء، لكن قد تشمله العقوبات أيضا.

يمكن القول إن تصريحات علنية كهذه تعمّق الخلافات بين الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي حول مواجهة إيران وتطبيق حملة ترمب الهادفة إلى فرض "أقصى الضغط"  عليها، وهذا من دون اعتبار أي إجراءات انتقامية جادة أخرى، مثل عمليات استخباراتية سرية تستهدف وحدات إرهابية إيرانية.

إضافة إلى ذلك فإن ألمانيا رفضت نشر قواتها على الأرض في سوريا، تنفيذا لطلب الرئيس ترمب، وهذا الموقف إشارة أخرى إلى إيران بأن الغرب ما زال غير جادّ لمواجهة النفوذ الإيراني هناك. وحتى يتم حل هذه الاختلافات في الرؤية أو وضعها جانبا، وحتى تطوير جبهة موحدة في الأقل فيما يتعلق بإحدى خطط إيران العملية، سواء كان ذلك في اليمن، أو سوريا أو العراق أو لبنان أو الخليج، أو تهريب المخدرات، أو استغلال النظام المالي العالمي، فإن إيران ستستمر في التوسع بتحقيق أجندتها الهادفة للهيمنة بعزيمة ثابتة، وتنمية الدعم الأيديولوجي لها من خلال تجنيد جريء لرجال الميليشيات وغسل أدمغة الساخطين والجهلة في المدارس والمساجد، وذلك باستخدام الإعلام الغربي كأداة لتعميق الخلافات البارزة بين الحلفاء، وزرع بذور الشقاق، وخلق مظاهر لوجود انقسامات حتى لو لم يكن هناك أي منها.

لقد أصبحت إيران خبيرة في استغلال أوجه الضعف الأيديولوجية وزرع حكايات شبه مفبركة. ويبقى علينا أن نرى ما إذا كان البيت الأبيض وزعماء آخرون سيستيقظون على حقيقة أن مواجهة الحرب الإعلامية مهمة، مثل أهمية تنسيق أي استراتيجية عسكرية أخرى ضد ما هو، في حقيقة الأمر، مجرد "نمر من ورق"، بقدرات عسكرية ضعيفة وانقسامات داخلية كثيرة ضمن كيانه.

المزيد من دوليات