Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"واقعة الكرباج"... ماذا حدث في مستشفى قويسنا المصرية؟

أهالي مريضة انهالوا على ممرضات بالضرب مما أسفر عن حالة إجهاض وإصابة 8 وتوالي ردود الفعل الرسمية

وزير الصحة المصري خلال تفقده مستشفى قويسنا العام (وزارة الصحة المصرية)

أعادت حادثة "اعتداء مروع بالكرباج" على ممرضات في أحد المستشفيات المصرية، وفق ما أظهره مقطع فيديو انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، الجدل في شأن أوضاع الطواقم الطبية في البلد العربي الأكثر تعداداً للسكان.

وعلى رغم تدخل وزارة الصحة المصرية رسمياً في الحادثة، فضلاً عن إعلان القوات المسلحة "متابعتها عن كثب الواقعة" مع تأكيد "كامل احترامها لمبدأ سيادة القانون" بعد تورط أحد أفرادها في الاعتداء، لم تهدأ بعد تداعيات الحادثة التي شهدها مستشفى قويسنا المركزي بمحافظة المنوفية شمال القاهرة، بعدما اعتدى ضابط طيار في القوات المسلحة وعدد من أفراد أسرته على طاقم التمريض والعاملات بالمستشفى، مما أسفر عن إجهاض ممرضة وإصابة ثمان أخريات.

تأتي الواقعة في وقت يعاني القطاع الصحي بمصر من تنامي ظاهرة "هجرة الأطباء" وتأثيرها في أحد أهم القطاعات بالدولة، لا سيما مع رصد أكثر من 11500 استقالة لأطباء خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مما يضاعف حجم التحديات التي تواجه قطاع الصحة الذي يعاني بالأساس نقصاً في الكوادر الطبية (معدل الأطباء في مصر 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، أي أقل من طبيب لكل 500 مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن).

تفاصيل الواقعة

وفق ما روته ممرضات لمواقع محلية، نشبت الحادثة، مساء الخميس الماضي، حينما حضر أحد الأشخاص إلى مستشفى قويسنا المركزي بصحبة زوجته التي تعاني نزيفاً وطلب إسعافها وحينما أبلغت الممرضات الزوج بأن أطباء النساء مشغولون في إجراء جراحة في الوقت الحالي، انهال الزوج وعدد من مرافقيه بالضرب على الممرضات والعاملات.

وبينما برر المتهمون وعلى رأسهم الضابط، الحادثة بأن طاقم التمريض لم يهتم بحال المريضة التي كانت تنزف وتعمدوا التلكؤ في إسعافها، أوضحت إحدى الممرضات المعتدى عليها تدعى مها بشر، في شهادتها لـ"اندبندنت عربية" أن الواقعة بدأت بعد وصول عدد من السيدات بصحبة مريضة مصابة بنزيف بسيط إلى طوارئ المستشفى خلال انشغال أطباء قسم النساء كافة بعمليات أخرى ليوجههم التمريض لإجراء سونار وبعض التحاليل لحين استدعاء الطبيب.

 

 

وأضافت بشر في حديثها إلينا أنها فوجئت برفض الأشخاص المصاحبين للمريضة انتظار إجراء السونار أو التحاليل وبدأوا بسباب جميع العاملين في المستشفى وتهديدهم ثم ضربهم، ليأتي بعدها دور نجل إحدى السيدات الذي عرفت من خلال تهديداته عمله كضابط، مشيرة إلى أنه وصل بعد عائلته بنصف ساعة تقريباً وشارك معهم في الاعتداء على جميع من في المستشفى من طاقم تمريض وأمن وموظفين وهو ما رصدته كاميرات المراقبة بوضوح وتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنه تعمد التهديد باستخدام نفوذه ضد الطاقم الطبي في المستشفى.

وأشارت إلى أن إحدى العاملات بالمستشفى تمكنت من طلب النجدة لتصل على الفور قوة أمنية من مركز الشرطة وتمكنت من إنقاذهم، موضحة أنها لم تتخيل حجم التضامن مع زملائها.

وأوضحت الممرضة أن لقاءها مع وزير الصحة خالد عبدالغفار وتأكيده وقوف الوزارة إلى جانبهم للحصول على حقهم أسعدها بعد سوء حالها النفسية، مضيفة أن الوزير شدد في حديثه إليهم أن مصر دولة قانون وسيطبق على الجميع سواسية من دون تفرقة وأن من أخطأ سيحاسب، معربة عن رضاها وشعورها بأن حقها لن يضيع. وذكرت أن لديها عدداً من الإصابات في جسدها نتيجة الاعتداء والضرب وشد الشعر، لافتة إلى أنها وزملاءها مستمرون في إجراءاتهم القانونية ضد كل من تطاول عليهم أياً كانت صفته ووظيفته.

وبحسب شهادة بشر، حاولت "إدارة المستشفى منعهم من تقديم بلاغات بالواقعة للسبب نفسه في بداية الأمر قبل أن تتراجع وتقدم بلاغاً باسم المستشفى ضد المعتدين وتسمح لهم بإقامة تسعة بلاغات فردية ضدهم".

وعن حالات الاعتداء على الممرضات والأطباء في المستشفيات، قالت بشر "هناك كثير من الحالات خلال الآونة الأخيرة والأمر ازداد بشكل مبالغ به ويحتاج إلى وقفة لأننا نمارس مهنتنا ومحاولة إرهابنا أو الاعتداء علينا ستجبرنا على تركها. في النهاية نحن بشر ولدينا طاقة للتحمل وأيضاً لدينا كرامة وحقوق يجب أن تصان ولا تنتهك من الجميع".

 وكان رواد وسائل التواصل الاجتماعي تداولوا، أمس، فيديوهات تظهر اعتداء عدد من المواطنين على طاقم التمريض في مستشفى قويسنا بسبب التأخر في علاج مريضة تعاني النزيف وأظهرت الفيديوهات اعتداء زوج المريضة المنتمي إلى القوات المسلحة المصرية وعدد من أفراد أسرته وشقيقه على الممرضات والعاملات في المستشفى، لتطالب نقيبة التمريض كوثر محمود بسرعة التحقيق في الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية العاجلة ضد الشخص المتسبب في الواقعة من دون تسميته.

تلى ذلك إعلان وزير الصحة، مساء أمس، متابعته للواقعة ومطالبته المستشفى بتحرير محضر بالحادثة للحفاظ على حقوق الممرضات وحق الدولة في ما لحق بالمستشفى من أضرار.

تحرك رسمي

في الأثناء أعلنت القوات المسلحة المصرية على لسان المتحدث باسمها العقيد غريب عبدالحافظ أن "القوات المسلحة تتابع عن كثب واقعة مستشفى قويسنا المركزي"، مؤكداً في بيان نشره على صفحته الرسمية على مواقع التواصل، "احترام المؤسسة العسكرية الكامل لمبدأ سيادة القانون وتهيب بالجميع تحري الدقة والانتظار لحين انتهاء التحقيقات"، وفي السياق زار عبدالغفار المستشفى، السبت، مؤكداً حرصه على "كرامة وسلامة مقدمي الخدمات الصحية وعدم التهاون في الحفاظ على حقوقهم".

وخلال لقائه الأطباء وأطقم التمريض والعاملين في مستشفى قويسنا المركزي شدد وزير الصحة على أن "التجاوز في حق الفرق الطبية والعاملين بالمنشآت الصحية أثناء تأدية مهمات عملهم أمر مرفوض تماماً"، مؤكداً عدم السماح بأي تعدٍ على الفرق الطبية وبذل قصارى جهده للحفاظ على حقوقهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب بيان وزارة الصحة المصرية، شدد عبدالغفار على ضرورة "اتخاذ جميع الإجراءات وفقاً للقانون وأن الدولة تحافظ على حقوق أبنائها ولن تسمح لأحد بمساس كرامة أي فرد من الفرق الطبية"، منوهاً أن مجلس النواب بصدد إصدار قانون المسؤولية الطبية الذي سيسهم في إرساء قواعد واضحة للتعامل مع الفرق الطبية والحفاظ على حقوق المرضى، واعتبر أن "التعدي اللفظي أو الجسدي على أي من العاملين بالمنشآت الطبية غير مقبول وستتم محاسبة من يتجاوز وفقاً للقانون"، موجهاً بتكثيف الوجود الأمني داخل المستشفى.

من جانبها استنكرت النقابة العامة للتمريض في مصر الواقعة وطالبت الجهات المعنية بسرعة التحقيق فيها لاتخاذ الإجراءات القانونية العاجلة ضد الشخص المتهم بالاعتداء.

كما أكدت النقابة أنها لن تتنازل عن حقوق أعضائها "الذين يؤدون دورهم على أكمل وجه من دون تقصير"، مشددة على "ضرورة التصدي لحالات الاعتداء على أطقم التمريض بالمستشفيات، حيث إن ترويع أطقم التمريض لن يصب في مصلحة تطوير المنظومة الصحية".

ووفقاً للمادة 136 من قانون العقوبات والخاصة بالاعتداء على موظف عام أثناء تأدية عمله، "يعاقب القانون المصري كل من تعدى على أي من الموظفين العموميين ورجال الضبط وأي شخص مكلف خدمة عمومية وكل من يقوم بمقاومة الموظف بالقوة أو العنف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأدية عمله، بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 200 جنيه (ثمانية دولارات أميركية)".

 

وبحسب ما كتبته رئيسة المجلس القومي للمرأة (حكومي) مايا مرسي على صفحتها على موقع "فيسبوك" فإنه في حالة حادثة قويسنا وإجهاض إحدى الممرضات، "هناك المادة 260 من قانون العقوبات التي تعاقب كل من أسقط عمداً امرأة حبلى بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء بالسجن المشدد من ثلاث إلى 15 سنة" وطالبت بضرورة تغليظ عقوبة التعدي على الموظف العام لفظياً أو جسدياً، لافتة إلى أن تغليظ عقوبة الحبس والغرامة التي تصل في بعض الدول العربية إلى 10 سنوات وأكثر مما يعادل 3 ملايين جنيه (نحو 120 ألف دولار أميركي)، مشيرة إلى أن "هذة الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة".

ومع تكرار مشاهد التعدي على الطواقم الصحية في مصر، يحاول مجلس النواب استصدار مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي وفق برلمانيين يقضي بـ"وضع عقوبات مغلظة ورادعة للتصدي لحالات الاعتداء على الأطباء أو أطقم التمريض"، مشيرين إلى أن عقوبة التعدي على الأطباء وأطقم التمريض بحسب مشروع قانون المسؤولية الطبية تصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه (نحو 8 آلاف دولار) ولا تتجاوز مليون جنيه (نحو 40 ألف دولار) في حال أدى الاعتداء على الأطباء إلى إيذاء بدني أو نفسي.

وإجمالاً يعاني القطاع الطبي في مصر مشكلات عدة تتعلق بشكل رئيس بتدني الرواتب أمام ارتفاع كلف الحياة وقلة فرص التدريب، فضلاً عن تدهور الإمكانات، مما يدفع بشكل متزايد إلى هجرة الأطباء.

وبحسب تقرير حديث لنقابة الأطباء المصرية، فإنه وفق إحصاءات الأشهر الأولى من عام 2022 استقال 934 طبيباً ليصل العدد الإجمالي إلى نحو 11536 طبيباً استقالوا منذ أوائل 2019 وحتى 20 مارس (آذار) 2022. وحذر التقرير من تزايد معدلات استقالة الأطباء من العمل الحكومي، مطالباً بتدخلات عاجلة لحل تلك الأزمة والحد من هجرة الأطباء المصريين خارج البلاد.

وفي مارس 2019 أصدرت وزارة التعليم العالي بالتعاون مع وزارة الصحة المصرية دراسة عن مدى حاجة البلاد إلى الأطباء البشريين والمقارنة بالمعدلات العالمية، وذكرت أن "أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 من دون الأطباء على المعاش تقدر بـ 212835 طبيباً، بينما من يعمل وقتها فعلياً في مصر بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38 في المئة من القوة الأساسية المرخص لها مزاولة مهنة الطب". وأضافت الدراسة أنه "طبقاً لهذا العدد يكون معدل الأطباء في مصر 8.6 في المئة طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن".

ووفق تقرير نقابة الأطباء، "فإنه وبعد مرور ثلاث سنوات على إصدار دراسة الحاجات من الأطباء البشريين التي قامت بها وزارتا التعليم العالي والصحة، وبعد تنفيذ بعض توصيات الدراسة بالفعل من زيادة أعداد المقبولين في كليات الطب وإنشاء كليات طب جديدة، فإن الأرقام والإحصاءات تؤكد أن "الوضع ما زال سيئاً وزاد عزوف الأطباء عن العمل في القطاع الحكومي وتزايد سعيهم إلى الهجرة خارج مصر".

المزيد من صحة