Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتأثر العلاقات المصرية - الإسرائيلية بعد تشكيل حكومة نتنياهو؟

من الوارد ‌إفساح الطريق لأطراف عربية أو إقليمية للعب دور في الساحة الفلسطينية على حساب القاهرة

ستعاني العلاقات مع تولي نتنياهو أزمة ثقة حقيقية في ظل رؤيته بأن القاهرة لم تدعم استمراره في السلطة (أ ف ب)

تمثل عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية إشكالية حقيقية أمام مصر أو الأردن، بخاصة أن التوجهات التي حكمت إسرائيل طوال ولاية رئيسي الوزراء السابقين نفتالي بينت ويائير لبيد لم تحدث طفرة حقيقية في مسارات العلاقات العربية - الإسرائيلية عموماً، أو على مستوى كل دولة على حدة، مما يعني أن عودة نتنياهو ستمثل مرحلة جديدة بناء على ما تم طوال مرحلة حكمه الممتدة، التي استطاع فيها تكريس حضوره باعتباره رئيس وزراء قوياً وفاعلاً.

وضع هش

يدرك رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو أن تشكيل حكومة مستقرة يحتاج إلى كثير من الضغوط على كل اللاعبين السياسيين المباشرين وغير المباشرين، وإلى إقناعهم بتقديم تنازلات تخدم شكل الحكومة التي يريدها، ومن جهة أخرى يسعى إلى تشكيل حكومة بسرعة قبل أن تصل الأمور في موضوع محاكمته الجنائية إلى نقطة اللاعودة، ولكي يتخذ قوانين تحميه على الأقل من مخاطر المحكمة.

من أجل تعزيز معسكره تدخل نتنياهو بقوة في الشؤون الداخلية للكتل الانتخابية المنضوية تحت معسكره، إذ أوجد مثلاً دوراً قوياً في ائتلاف إيتمار بن غفير وبتسلال سيموترتش بكتلة "الصهيونية الدينية". ومن المؤكد أنه نجح في ذلك من خلال تقديم الوعود لهما بدخول الحكومة المقترحة. كما تدخل نتنياهو في الأحزاب الحريدية، وخصوصاً "يهدوت هتوراة"، لقطع الطريق على تحالف غانتس مع "الحريديم"، الأمر الذي تطلب إغراءات لقيادة "الحريديم" بتمويل المدارس الحريدية الخارجة عن منظومة التعليم الرسمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ترتبط المسألة إذن بالعمل من أجل التوصل لائتلاف سياسي وحزبي قادر على الاستمرار في إطار بنية جيدة تستطيع العمل بصرف النظر عن شكل الائتلاف، بخاصة أن الأحزاب التي خاضت الانتخابات لا تزال تتعامل من منطلق شخصي لا وفق منظومة سياسات حقيقية قادرة على طرح إجراءات وتدابير تتجاوز ما هو قائم، فالمشكلة ليست في وجود نتنياهو أو بيني غانتس أو يائير لبيد، وإنما يرتبط الأمر بغياب النخبة الحقيقية داخل الأحزاب، فأغلب الشخصيات الموجودة في "الليكود" باعتباره الحزب المؤسس لا تحظى بحضور شعبي وغير معلومة للجمهور، كما أن الشخصيات التي طرحت في الخريطة الحزبية للكتل اليمينية لا تزال تحتاج إلى خبرات حقيقية.

في هذه الأجواء فإن إسرائيل بالفعل في حال من الارتباك ليس سياسياً وحزبياً فحسب، بل ويمتد الأمر إلى الوضع الأمني في ظل استمرار المواجهات في الضفة الغربية مما قد يؤدي إلى تفجر الموقف بأكمله في أي وقت، خصوصاً مع حديث الجنرالات الكبار عن احتمالات اندلاع موجة غير مسبوقة من العنف في الضفة. كما قد تنفتح الجبهات سواء في غزة أو القدس أو نابلس معاً، وهو ما يمثل مخاطر كبرى تتطلب الاستعداد إلى ما هو قادم من توترات حقيقية، وتتطلب مزيداً من التفاهمات الحزبية واستراتيجية مسبقة في التعامل، إذ يدرك نتنياهو أن تشكيل حكومة مستقرة يحتاج إلى كثير من الجهد السياسي والحسابات الدقيقة، وأن أكبر مشكلة تواجهه الآن في تشكيل هذه الحكومة بقيادته تتمثل في شركاء معسكره الانتخابي، إذ إنه اعتمد في حملته الانتخابية على استراتيجية مفادها بأنه زعيم معسكر كامل وليس مجموعة أحزاب أو كتل صغيرة.

من ثم فإن المزايدات التي تجري قبل تشكيل الحكومة الجديدة مرتبطة بالسياسات التي ستطرح، وما قانون "فك الارتباط" إلا البداية لاشتراطات ستملى على نتنياهو للقبول بدخول الحكومة، كما ستليها قوانين عدة سيئة السمعة كانت مجمدة من قبل "الكنيست" لاعتبارات متعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي، وتحتاج بالفعل إلى قرار من المحكمة العليا للدولة.

التعامل مع مصر

ستعاني العلاقات المصرية - الإسرائيلية مع تولي نتنياهو من أزمة ثقة حقيقية في ظل رؤية نتنياهو بأن مصر تجاوزته في الساحة السياسية والحزبية ولم تدعم استمراره، بل وقدمت لكل من نفتالي بينت ويائير لبيد الفرصة التي لم تمنحه إياها، وهو ما سيدفعه للحذر في التعامل المباشر على المستوى الثنائي، وإن كان متوقعاً استمرار التزامه بما تم إقراره من الحكومة السابقة مع القاهرة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي المنصرف يائير لبيد قال إن إسرائيل فتحت سفارات وبعثات في الإمارات العربية والمغرب والبحرين. وتم تدشين فعاليات "منتدى النقب"، وتجديد العلاقات مع تركيا، وإصلاحها مع مصر والأردن، كما تلا ذلك إشادة سفيرة تل أبيب لدى القاهرة أميرة أورون بنجاح "كوب 27" في مصر، قائلة إن "المؤتمر الذي تستضيفه أم الدنيا نجاح لإسرائيل أيضاً".

ومع احتمالات عدم التزام الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ الاتفاق الثلاثي بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لنقل الغاز إلى أوروبا، وهو الاتفاق الذي وقع في ظل الحكومة السابقة ويقتضي الشروع في مرحلة التنفيذ خلال الأشهر المقبلة، فقد تدخل العلاقات بين مصر وإسرائيل مساحات من التجاذب المستمر.

يشار إلى أن وزارة الطاقة الإسرائيلية أعلنت أن إسرائيل ستحتاج إلى سنوات عدة قبل أن تتمكن من زيادة إمداداتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا بشكل كبير. وسبق أن قال المدير العام للوزارة ليور شيلات إن "الأمر سيستغرق بعض الوقت، وعلى المدى القصير ستكون هناك بعض الزيادة لكن الكميات الكبيرة ستأتي لاحقاً، حيث تتوقع إسرائيل أن تكون قادرة على زيادة إنتاجها من الغاز بشكل حاد على مدى ثلاث إلى أربع سنوات، وربما يتضاعف ذلك مما سيوفر كميات كبيرة تتجاوز احتياجاتها المحلية للتصدير". ومعروف أن إسرائيل تستعد لذلك من خلال استكشاف سبل لتوسيع طاقة خط الأنابيب إلى مصر.

إن احتمال الدخول في مواجهات في مدن الضفة الغربية وبخاصة في جنين ونابلس قد يكون له تبعاته على نمط وتوجه العلاقات الإسرائيلية مع مصر وتحركاتها تجاه السلطة الفلسطينية، وذلك في ظل افتراض ‌تجميد الحكومة الإسرائيلية الجديدة قنوات التواصل مع السلطة الفلسطينية أمنياً وسياسياً علي عكس ما تم في الفترة السابقة بين مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية والرئيس محمود عباس وعدد من الوزراء الإسرائيليين على رأسهم وزير الدفاع الحالي بيني غانتس، مما سيتطلب دوراً مصرياً عاجلاً، إضافة إلى احتمال دخول الحكومة الإسرائيلية الجديدة في مواجهة بقطاع غزة، الأمر الذي سيؤدي إلى حرب جديدة على القطاع، وهو ما قد تكون له تبعات على كسر حال الهدنة الراهنة.

هناك أيضاً إشكاليات أخرى منها ما قد تمارسه الحكومة الإسرائيلية من ضغط على مصر لإتمام بعض المتطلبات، ومنها استمرار الحكومة الإسرائيلية الجديدة في تصدير الغاز وتسييله في مصر في مقابل التعجيل بتوسيع نطاق "الكويز" إلى مناطق الصعيد، ومعلوم أن المفاوضات بين الجانبين في شأن هذا الأمر بدأت في الحكومة السابقة على مستوى الوزراء المعنيين.

من المحتمل أن ترفض الحكومة الإسرائيلية الجديدة برموزها اليمينية المتطرفة أي متطلبات أمنية جديدة مع مصر خارج سياق التزامات "معاهدة السلام" بين البلدين، بخاصة أن اليمين الإسرائيلي الذي سيحكم رافض تماماً لأية تنازلات أمنية، بل ويطالب بالعودة لسيناء أو اقتطاع مساحة منها لإقامة الكيان الفلسطيني، ومن الوارد ‌إفساح الطريق لأطراف عربية أو إقليمية أخرى للعب دور في الساحة الفلسطينية على حساب الدور التاريخي لمصر، مثل دفع الجانب التركي والقطري للعمل، وهو ما قد يخصم من مساحة الحركة المصرية في الملف الفلسطيني بأكمله.

قناعات محتملة

تدرك القاهرة جيداً أن أحزاب اليمين المتطرف التي ستدخل الحكومة تختلف سياسياً وأيديولوجيا عن اليمين التقليدي، بدعوتها إلى فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإعلان الدولة اليهودية في كل فلسطين التاريخية، ورفض منح أية درجة من الاستقلال الذاتي للفلسطينيين. وبينما يستند اليمين المتطرف في شعبيته الانتخابية إلى المستوطنين، فإنه يدعو إلى دعم وتكريس المشروع الصهيوني على هذه الأراضي من دون الالتفات إلى الحساسيات الخارجية والموقف الأميركي والأوروبي.

ويستند اليمين "الفاشي" في حضوره الجديد أيضاً إلى نشطاء حركة "غوش إيمونيم" التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وأتباع حركة "كاخ" التي أنشئت في الثمانينيات، ومن وجهة نظر حزب "عظمة يهودية" وحركة "كاخ" التي ينحدر منها النائب المتطرف إيتمار بن غفير، فإن الشعب الفلسطيني يمثل خطراً على إسرائيل كدولة يهودية ما يوجب ترحيله بالقوة. وهو ما يعكس أيديولوجية عنصرية تتسم بالكراهية للفلسطينيين والعرب.

ويرى تحالف "الصهيونية الدينية" أن الشعب اليهودي ليس عادياً مثل مختلف الشعوب، وكما تؤمن الصهيونية العلمانية فإنه حتى لو انتهت وضعية الشتات وعاش حياته في أرض إسرائيل فهو شعب الله المختار والفريد.

الخلاصات الأخيرة

ستتعامل الدول العربية وعلى رأسها مصر مع يمين متطرف عنصري غير قادر على تطوير خطابه الإعلامي والسياسي الذي يمتح من منطلق عقائدي بحت، وهو ما قد يمس مصالح إسرائيل العليا حتى مع الدول الرئيسة في الإقليم وعلى رأسها مصر والأردن، إضافة إلى الدول العربية التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل خلال العامين الأخيرين، ومن ثم فإن العمل على البدائل والسيناريوهات قد يكون مفيداً في هذا السياق، وسيعمل في اتجاه بناء المصالح العليا لمصر في سياق علاقاتها بإسرائيل.

المزيد من تحلیل