Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدينة بلباو الإسبانية نموذجا لعملية تنمية يقودها الفن

متحف غوغنهايم الذي أثار السجال في ما مضى صار في قلب عملية تجديد ونهوض المدينة الباسكية العريقة

متحف غوغنهايم في بلباو هو مبنى غير عادي من تصميم المهندس المعماري الأميركي فرانك غيري (غيتي)

خارج متحف غوغنهايم Guggenheim Museum في بلباو قرب نهر نيرفيون، تنتصب منحوتتان لـ إدواردو شيليدا، أعظم فنان في مجال الفن الحديث في إقليم الباسك، وتعبران عن عملية النهضة والتجديد في هذه المدينة الإسبانية المرفئية الجسورة، وتعكس هاتان المنحوتتان المعدنيتان القويتان والمتجانستان جذور ماضي بلباو الصناعي، المدينة التي عاشت من بناء السفن وصناعة الحديد ثم تحولت على نحو دراماتيكي إلى صناعات الخدمات والطاقة النظيفة والأبحاث.

لعب الفن دوراً أساساً في إعادة استنهاض بلباو، فاحتل متحف غوغنهايم موقع الصدارة طوال هذه العملية، ولقد مضى اليوم 25 عاماً منذ افتتاح هذا المتحف، ويمكن القول إنه لا يمكن تصور مدينة بلباو من دونه، لكن السؤال يبقى "كيف تمكنت دار للفن [صالة عرض/غاليري] من لعب دور المحفز في حركة تجديد حضري (مديني) ليس فقط بشقها الثقافي بل كمحفز اقتصادي أيضاً؟"

ومع احتفال غوغنهايم اليوم بيوبيله الفضي، ماذا يمكن لمدن أخرى أن تتعلم مما بات يعرف عموماً بـ "تأثير بلباو"؟

غوغنهايم مبنى استثنائي صممه المعماري الأميركي البارز فرانك غيري في موقع عند الواجهة البحرية للمدينة كان مرسى قديماً للسفن، والصور الفوتوغرافية لا تنقل الواقع على نحو أمين، لذا على المرء أن يرى المبنى بأم عينيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كتلة ملتوية من معدن وامض تشبه النحت أكثر مما تشبه العمارة، وتمثل عملاً فنياً بمقياس هائل.

 إنه مثل برج إيفل، واحد من أكثر المباني أيقونية في العالم، لكن كحال برج إيفل أيضاً فقد واجه بناؤه سجالاً حامياً لدرجة أن المرء إذ يستعيد ما جرى منذ بداية مشروعه ربما يفاجأ بأن المبنى شيد أصلاً.

نهضة بلباو الحديثة واضحة المعالم في كل أرجاء المدينة، فالمتاجر والمقاهي مكتظة ومباني الشقق جديدة وأنيقة والمراسي القديمة تحولت إلى حدائق ومتنزهات، لكن قبل 30 عاماً عندما وضع تصور لمتحف غوغنهايم كانت بلباو مدينة مختلفة جداً عما هي اليوم. شوارعها كانت كئيبة ومتسخة، ونهرها مليء بالقذارة، وتاريخياً استمدت المدينة غناها من استخراج خام الحديد من المناجم المنتشرة في التلال المحيطة، وتلك مادة غذت صناعات الحديد وبناء السفن بالمواد الأولية، لكن هذه الصناعات الآن تحتضر، وكان على بلباو البحث عن شيء جديد.

على أن المدينة بلغت قعر الحضيض سنة 1983 عندما نُكب وسطها بفيضانات ضخمة. "تلك كانت لحظة مفصلية"، يقول خوان إغناسيو فيدارتي، مدير متحف غوغنهايم.

ويضيف، "هذه كانت على الأرجح اللحظة التي بدأت فيها المدينة بالتفكير بضرورة التغيير".

غوغنهايم مثل جزءاً كبيراً من ذاك التغيير لكنه لم يكن التغيير الوحيد، فقد شكل المتحف واحداً من العناصر في برنامج متكامل صمم كي يقلب حياة بلباو رأساً على عقب.

"إن أردت تحقيق تأثير شامل على المشروع [الذي تنفذه] أن يكون جزءاً من استراتيجية أوسع"، يشرح فيدارتي الجالس في مكتبه المضاء بنور الشمس في غوغنهايم، والمطل على النهر. ويضيف، "ينبغي على مشروعك أن يتماشى مع خطة شاملة".

وركزت تلك الخطة على ثلاثة عوامل، الثقافة والبنى التحتية والبيئة، وهذه المقاربة الآن تشكل نموذجاً معروفاً (عالمياً) لكنها في ذلك الوقت كانت مقاربة جديدة.

مثلت مشكلات بلباو الاقتصادية مشكلات أوروبية عامة، ولم يكن ثمة أجوبة سهلة لها، وقد حاولت الحكومات اليسارية حماية الوظائف وفرص العمل عبر دعم الصناعات التقليدية، فيما أقدمت الحكومات اليمينية على خفض الدعم العام وتركت تلك الصناعات لمصيرها لتغرق أو تعوم، لكن حتى بالنسبة إلى السياسيين الذين يقرون بأهمية الإنفاق العام فإن الإنفاق على دارة فنون جديدة متوهجة بدا آنذاك إسرافاً لا طائل منه، إذ إن بناء غوغنهايم كلف 86 مليون يورو، إضافة إلى 36 مليون يورو خصصت للأعمال الفنية الجديدة. أليس من الأفضل إنفاق تلك المبالغ على المدارس أو المستشفيات؟

يقول فيدارتي "لقد كان مشروعاً مثيراً جداً للجدل وأثار معارضة كبيرة"، ويضيف مردداً ما قيل آنذاك، "لماذا لا تنفقون هذا المال في مساعدة بعض الصناعات المتعثرة؟"

وحتى ضمن القطاع الثقافي في الباسك كان هناك كثير من المخاوف والمواقف النقدية، وتساءل المنتقدون "لماذا تنفقون هذا المال على مؤسسة أجنبية؟"، ففي تلك الأيام لم ير كثير من الناس في غوغنهايم استثماراً مجدياً، إذ اعتبروا إنفاق المال على الثقافة هدراً صافياً ومن دون عوائد على المدى البعيد.

بيد أن بناء غوغنهايم لم يكن طلقة طائشة في الظلام، إذ حرص زملاء فيدارتي على إنجاز واجباتهم على أكمل وجه، وفي سنة 1991 وقبل اتخاذ قرار المباشرة في المشروع، أظهرت دراسة جدوى أن المتحف سيولد تأثيراً حيوياً على الاقتصاد المحلي، وحينها جرى انتقاد تلك الدراسة بسبب تفاؤلها المفرط، لكن في ما بعد اتضح أن توقعاتها جاءت أدنى من الواقع الحقيقي.

"لقد استقبلنا زواراً أكثر من المتوقع، وذاك عنى أن الأثر الاقتصادي كان أكبر بكثير مما جرى توقعه"، يوضح فيدارتي.

لكن مع هذا ظل غوغنهايم أشبه بمغامرة خصوصاً إزاء الوضع السياسي شديد التقلب الذي كان سائداً في بلباو، فأزمات المدينة و"آلام ما بعد الصناعة" التي راحت تنتابها كانت شائعة في مختلف أنحاء أوروبا، بيد أن بلباو عانت أيضاً مشكلات خاصة بها كان عليها مواجهتها، وذاك فاقم من مصاعبها الاقتصادية، فمنذ الستينيات كانت الحكومة الإسبانية تخوض صراعاً مع حركة "أوسكادي تا أسكاتاسونا" Euskadi Ta Askatasuna الباسكية الانفصالية المعروفة بجماعة "إيتا" ETA. مئات الأشخاص قتلوا جراء ذاك الصراع.

كما غدا غوغنهايم، المشروع المهم والمكلف في أكبر مدينة بإقليم الباسك، هدفاً لهجمات "إيتا"، وقبل أسبوع واحد من افتتاح المتحف الجديد سنة 1997، تعرض شرطي لإطلاق نار ولقي مصرعه عندما حاول توقيف إرهابيين من "إيتا" متنكرين بهيئة عمال حدائق وهم يحاولون زرع قنابل يجري تفجيرها عن بعد داخل منحوتة أزهار للفنان جيف كونس (المنحوتة لا تزال موجودة إلى اليوم خارج المتحف).

وعن هذه الواقعة يقول فيدارتي بتأثر، "كنا لا نزال نعيش آنذاك في حال من العنف السياسي، لكن لحسن الحظ عشنا أيضاً الظرف الذي بدأت فيه تلك الحال بالتبدل، وأحب رؤية أننا كنا جزءاً من تلك العملية، عملية التبدل".

وعلى رغم كل تلك العوائق حقق غوغنهايم نجاحاً عظيماً جاذباً قرابة مليون زائر في السنة، أي أكثر من ضعف العدد المتوقع في البداية، ويأتي قرابة 60 في المئة من أولئك الزوار من الخارج، وهم لا ينفقون المال في المتحف وحسب، إذ هم أيضاً يستقلون سيارات التاكسي ويتسوقون وينزلون في الفنادق ويأكلون في المطاعم بمدينة بلباو ومحيطها والمناطق القريبة منها.

وقد بدت كلفة إنشاء المتحف التي ناهزت 122 مليون يورو مبلغاً ضئيلاً إزاء دخل الـ 235 مليون يورو الذي راح غوغنهايم يحققه سنوياً، زائد إنفاق سنوي إضافي [للزائرين] يبلغ قرابة 260 مليون يورو في مجمل إقليم الباسك. كذلك قام المتحف على نحو مباشر وغير مباشر بخلق أكثر من 5 آلاف وظيفة جديدة، موفراً قرابة 500 مليون يورو في السنة للمنطقة.

وفي السياق يوضح فيدارتي، "موازنتنا السنوية هي قرابة 29 مليون يورو، يأتي ثلثها تقريباً من الإعانات العامة، ومن ناحية الضرائب فهذا يولد 70 مليون يورو في السنة".

وهنا يكمن السؤال: إن كان المرء عمدة مدينة تواجه الصعوبات مع تقلص قاعدتها الضريبية وفائض في قواها العاملة، فهل يقوم ببساطة بتكليف معماري شهير بتصميم متحف فخم للفنون وانتظار تدفق العائدات؟ لو أن الأمر بهذه السهولة.

يتصدر غوغنهايم عناوين الأخبار، بيد أنه لم يعمل يوماً بمفرده وبمعزل عن الآخرين، فهو مثل جزءاً من خطة متكاملة تشمل المحيط البيئي والنقل العام، وقد أنفقت مدينة بلباو مئات ملايين اليوروات لتنظيف نهرها الذي كان ملوثاً، كما أنشأت مطاراً جديداً صممه المعماري الإسباني البارز سنتياغو كالاترافا، ومترو أنفاق جديد يربط وسط المدينة بضواحيها البعيدة.

لقد صمم مترو الأنفاق أعظم معماري بريطاني على قيد الحياة، السير نورمان فوستر، الذي أغرم بـ بلباو فيما كان يعمل هنا.

ويقول فوستر عن الأمر، "بين كل ذكرياتي كمعماري لا شيء يقارن بتجربتي في بلباو. هناك شيء يكاد يحاكي الدين في تلك التجربة وأنا لن أنساها أبداً".

بلباو في المقابل بادلته الحب، إذ إن المداخل الرائعة التي صممها فوستر لمحطات المترو والتي تبدو أشبه بقواقع بحرية تعرف اليوم هنا بالـ "فوستريتوس" تيمناً به.

وقد عاد فوستر الآن إلى بلباو ليصمم جناحاً جديداً لـ "متحف الفنون الجميلة"، ومثل إعادة تصميمه للـ "رايخستاغ" [مبنى البرلمان الألماني] في برلين، يأتي تصميمه الجديد في بلباو واعداً ببث الحيوية بمبنى تاريخي من خلال إضافة قبة جديدة وتفعيل فضائه القائم أصلاً، إذ إن بلباو ابتداء من غوغنهايم الذي صممه فرانك غيري، تحولت إلى ملتقى لأبرز معماريي العالم أمثال آراتا إيسوزاكي وسيزار بيلي.

في الإطار يقول ميغيل زوغازا، مدير "متحف الفنون الجميلة"، إنه "قبل 25 سنة لم يكن هناك سياحة ثقافية في بلباو، والآن 50 في المئة من الناس الذين يزورون متحفنا يأتون من مدن وبلدان أخرى".

وقد استفاد متحف الفنون الجميلة على نحو كبير من شهرة متحف غوغنهايم الذي لا يبعد عنه سوى مسافة قصيرة، إذ يمكن التنقل بينهما سيراً على الأقدام، لكن زوغازا يشدد أيضاً على أهمية المترو الجديد وعملية تنظيف النهر، "إذ إنهما أساسان لفهم تحول المدينة".

ومن هنا فإن الدروس المستخلصة للمدن الصناعية في بلدان أخرى واضحة، والمعالم البنائية وحدها لا نفع لها إلا إذا جعلت المدينة بأسرها جذابة ومترابطة. كذلك يقول زوغازا في السياق، وهو يعرض أمامي مخططات التوسعة الطموحة التي وضعها فوستر، "أعتقد أن مدناً صناعية عدة في خضم تحولاتها الخاصة، يمكنها أخذ بعض أمثلة التحول الذي حققناه وتطبيقها".

مسائل الثقافة والنقل العام والبيئة تشكل جميعها مسائل كبرى في هذا التحول، إلا أن بلباو تلقت دعماً أيضاً من مؤسساتها السياسية الإقليمية والدولية على حد سواء، ومثّل دخول إسبانيا الاتحاد الأوروبي وعضويتها فيه عاملاً كبيراً في مسار إعادة إحياء بلباو وتحويلها إلى مركز للتكنولوجيا المتطورة.

لقد كانت في الماضي مدينة إقليمية عند طرف إسبانيا، إلا أن بلباو غدت اليوم شديدة الارتباط بكل أنحاء أوروبا. الانضمام إلى منطقة "شينغن" ومن ثم "اليورو" أديا إلى جعل الدول الأوروبية أكثر قرباً وترابطاً، واليوم قرابة واحد من كل خمسة زوار لـ غوغنهايم يأتون من فرنسا، وهذا ليس بالأمر الغريب، إذ إن السفر إلى هنا من فرنسا (أو غيرها من الدول الأوروبية) يوازي بسهولته السفر إلى هنا من أية منطقة أخرى داخل إسبانيا.

كذلك فإن اللامركزية تمثل عاملاً أساسياً آخر في هذه الصيغة، إذ إن إقليم الباسك يقوم بنفسه بجمع ضرائبه وصرفها ويترك فقط القضايا الدولية مثل الدفاع والسياسة الخارجية للحكومة الوطنية في مدريد، وللسياسيين المحليين سلطة اتخاذ قرارات كبيرة مثل القرار الذي يسمح لدافعي الضرائب في بلباو بمعاينة الرابط الواضح بين الضرائب التي يسددونها وبين ما ينفق من مال على المشاريع العامة.

ويقول زوغازا إن "كل هذا التحول ما كان ليحصل لولا نموذجنا السياسي والاقتصادي، وهذا ليس أمراً أيديولوجياً بل حقيقياً، إذ لديك الأدوات بين يديك للقيام بكل هذا".

والفوائد تتجاوز مجرد القدرة على بناء متاحف وصالات عرض جديدة للفنون، أو حتى مجرد بناء محطات للمترو، لقد حاول [الجنرال] فرانكو في ما مضى طمس الهوية الباسكية والقضاء عليها، بيد أن الشعور الوطني هناك اليوم عاد إلى الحياة، كما أعلنت جماعة "إيتا" وقفاً لإطلاق النار سنة 2010، وتخلصت من سلاحها سنة 2017، وحلت نفسها سنة 2018.

موعدي الأخير في بلباو كان في "مركز أزكونا" (أزكونا زينتروا) Azkuna Zentroa، مركز الثقافة المعاصرة المبهر في المدينة.

المكان عبارة عن مستودع نبيذ قديم جرى تحويله بطريقة جريئة، وقد صممه فيليب ستارك ليغدو مبنى مدهشاً من الداخل والخارج، لكن ما هو أكثر إثارة للإعجاب يتمثل بمدى نجاح المكان في أن يكون فضاء مشتركاً لكل أنواع الأنشطة الثقافية من الفنون الجميلة إلى الرياضة، فهناك مكتبة وقاعة رياضية وسينما وبركة سباحة على السطح، وكل هذه العناصر والأقسام في مبنى واحد. صحيح أن غوغنهايم الذي صممه فرانك غيري يمثل الجاذب الكبير للزوار إلى بلباو، إلا أن الـ "أزكونا" هو حجر زاوية الحياة اليومية والمكان الذي يمكن للسكان المحليين اللقاء فيه والتنزه بأرجائه.

"أمور الثقافة والفن تتداخل من خلال الناس" يقول مدير الـ "أزكونا"، فيرناندو بيريز، مضيفاً "عملية إعادة تقويم وإحياء هذا المركز التي قام بها فيليب ستارك جاءت على منوال مشروع غوغنهايم نفسه وضمن ذات الاستراتيجية الهادفة إلى تحويل المناطق الصناعية الغارقة بالإهمال في بلباو إلى مناطق وفضاءات ذات قيمة".

وكما الحال بالنسبة إلى غوغنهايم، لم يكن مشروع "مركز أزكونا" مجرد إنفاق للمال العام بل لتوليد المال أيضاً. يقول بيريز "في مقابل كل يورو ينفق يكسب هذا المركز الضعف، كما أنه أعاد إحياء المنطقة بأسرها"، فالمنطقة كلها هنا شهدت انتعاشاً كبيراً من بيع التجزئة إلى العقارات، وقد جرى تحويل الشوارع المحيطة إلى شوارع للمشاة مما جعل المكان الذي كان في السابق منطقة صناعية فضاء ممتعاً للعيش والعمل. وفي السياق يقول بيريز إن "السياسات قصيرة الأمد لا تنفع، إذ إنها تعني أنك ستواجه المشكلات نفسها أمام كل أزمة مقبلة".

نشأ بيريز في منطقة الضفة اليسرى لنهر "نيرفيون" التي كانت القلب الصناعي لـ بلباو، وعندما كان صغيراً كانت المدينة رمادية كالحة تشهد إضرابات عمالية دائمة وصدامات غاضبة بين المضربين وعناصر الشرطة، لكن كان هناك أيضاً عناصر حقيقية في مجتمعها سهلت النهوض والازدهار من جديد، "فقد نشأنا على الاعتقاد بأن الكدح في العمل هو رصيد قيم"، يقول بيريز.

ومثل متحف غوغنهايم افتتح "مركز أزكونا" بحقبة كانت الـ "إيتا" لا تزال نشطة فيها، "كان لا يزال هناك عنف وفترات اضطراب وصعوبات سياسية، لكن ربما بسبب ذلك مثلت الثقافة الطريقة الوحيدة للنهوض، إذ لأن الوضع كان صعباً من الناحية السياسية فقد مثلت الثقافة سبيلاً وحيداً للتقدم.

النجاح الشامل والكبير الذي حققه الـ "أزكونا" أثبت أن الثقافة لا تحتاج إلى أن تكون ساكنة أو نخبوية، لأن "المواطنين ليسوا متلقين للفن فقط، بل هم مبتكروه أيضاً"، والناس لا يأتون إلى هنا لمجرد التأمل بالأعمال الفنية بل يأتون كذلك لصناعة الفن.

وفي العودة للواجهة البحرية يبدو متحف غوغنهايم حافلاً اليوم بالناس والزوار، ولمناسبة الاحتفاء بالذكرى السنوية الـ 25 لإنشاء المتحف يحظى كل مواطن من إقليم الباسك، على مدى أسابيع مقبلة، بفرصة دخول مجانية.

وهكذا يمتلئ المكان بالزوار المحليين الذين يشاهدون الأعمال الفنية ويستمتعون بالأجواء المحيطة، إذ مثل جميع المؤسسات الثقافية المهمة تحول مبنى غيري إلى مكان للقاء، ومن طوابقه العليا يمكن للمرء معاينة مشهد رائع للنهر والتلال الخضراء خلفه.

بلباو من دون شك هي أشياء كثيرة أخرى غير غوغنهايم، لكن كل مدينة تحتاج إلى أيقونة، وفي ظل أزمة ارتفاع كلف المعيشة التي نحياها يغدو هذا المبنى تذكيراً قوياً بأن الفن يمكن أن يحقق هدفه وأكثر.

ويقول فيدارتي "إنه ليس على الإطلاق الاستثمار الأكثر أهمية، كما أنه بالتأكيد ليس الاستثمار الوحيد، لكني أعتقد أنه شكل عنصراً أساسياً في التحول [المنعطف] الذي حققناه، وهذا المشروع برأيي هو رمز يشير إلى كيفية مواجهة الأوقات الصعبة ومحاولة بناء مستقبل أفضل".

في زمن الشعارات الفارغة الذي نحيا فيه اليوم يأتي استثمار بلباو بالثقافة والبنى التحتية والمحيط البيئي ليشكل مثالاً أساسياً لما تعنيه فعلاً عملية "رفع المستوى" والتطوير.

لمزيد من المعلومات عن الفنون والثقافة في بلباو زوروا:

www.guggenheim-bilbao.eus

www.bilbaomuseoa.eus

www.azkunazentroa.eus

المزيد من تحقيقات ومطولات