بينما يترقب العالم نتائج القمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني تشي جينبينغ اليوم الإثنين، 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، في جزيرة بالي الإندونيسية على هامش قمة الـ20، بعد أن وصلت العلاقات بين بلديهما إلى درجة "غير مسبوقة" من التوتر والخلافات، تتطلع وفود الدول المشاركة في قمة الأطراف للأمم المتحدة في شأن المناخ "كوب 27" والمنعقد فاعليتها في مدينة شرم الشيخ السياحية بمصر، أن تؤدي المحادثات المباشرة بين أكبر اقتصادين في العالم إلى انفراجة تنعكس نتائجها إيجابياً على المفاوضات الشاقة والصعبة التي دخلت أسبوعها الثاني، ولم تسفر بعد عن تحقيق أية اختراقات حقيقية في مسار التفاوض المعقد، وفق ما أبلغنا به ممثلو بعض الدول المشاركة.
ومع توصيف البيت الأبيض لأول قمة بين الزعيمين بأنها تهدف إلى "إدارة التنافس والحفاظ على خطوط الاتصال"، تبدو أزمة المناخ المتفاقمة بين البلدين بعد أن أوقفت بكين اتفاقها في شأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مع واشنطن أغسطس (آب) الماضي، مخيمة على النتائج المرجوة من "كوب-27" التي رفع شعار "التحول من الخطط إلى التنفيذ" حال الترقب لما ستؤول إليه انعكاسات أحداث محادثات بالي.
وعلى هامش حضوره فعاليات "كوب-27" في شرم الشيخ، شدد المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية ساميويل وربيرغ على أن الإدارة الأميركية الراهنة تؤمن أن "الأزمة المناخية تتعلق بأمن البشر والأمن الاقتصادي والأمن القومي والحياة على الكوكب، ولن ينجو أحد من تداعياتها وتبعاتها"، موضحاً في حوار مع "اندبندنت عربية" أن "لتغيير منحى الانبعاثات بشكل نهائي يجب أن تبذل كل الدول مزيداً من جهودها المناخية، وأن تساند الدول القادرة الدول النامية حتى تتمكن من اتخاذ قرارات حاسمة"، معبراً عن أمله في أن "تعود الصين لالتزاماتها المناخية".
أولوية مناخية للبيت الأبيض
ووفق حديث ويربيرغ فإنه "ما من شك أن الولايات المتحدة الأميركية بكل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية تؤمن بمصيرية التحديات المناخية التي تواجه العالم، وهو ما ينعكس في مستوي التمثيل الأميركي في ’كوب-27‘ فضلاً عن حضور الرئيس جو بايدن للتعبير عن تضامنه ودعمه لجهود الدول المشاركة في الوصول إى اتفاق"، موضحاً أنه "من اليوم الأول لإدارة بايدن أعادت البلاد إلى اتفاق باريس للمناخ عام 2015 بعد أن انسحبت منها الإدارة السابقة للرئيس الجمهوري دونالد ترمب".
وتابع ويربيرغ، "تنتهج واشنطن سياسة على الصعيد المناخي تكمن في انخراط كل المؤسسات الداخلية من وزارات ومجتمع مدني وقطاع خاص في الأزمة، على اعتبار أن مواجهة تداعيات التغير المناخي لن تأتي من شخص واحد أو مؤسسة واحدة مثل الرئيس أو البيت الأبيض، بل لا بد من أن يكون العمل من كل مؤسسات الدولة، وهي المقاربة التي نشجع عليها الدول الأخرى لانتهاجها".
وأشار ويربيرغ إلى أن قمم المناخ باتت ذات الأهمية والمصيرية الأولى بالنسبة إلى البشر على كوكب الأرض، مع احتدام تداعيات الأزمة التي تتطلب تعاوناً "جاداً وكبيراً" بين دول العالم لمواجهتها، مؤكداً أن "العالم وصل إلى نقطة تحول وأن الولايات المتحدة ترى أنه حان الوقت الآن للتحرك من المرحلة الأولى وهي مرحلة التخطيط والكلام والخطابات إلى مرحلة التنفيذ، وهذا شيء بالغ الأهمية".
التوتر الصيني - الأميركي
وفيما يخيم التوتر الصيني - الأميركي على أعمال قمة المناخ الراهنة منذ اليوم الأول بعد أن أوقفت بكين أغسطس الماضي اتفاقاً مثّل اختراقاً على صعيد الدبلوماسية المناخية مع واشنطن في نوفمبر الماضي الماضي خلال فعاليات "كوب- 26" على "خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري لعام 2035 بحلول عام 2025، إضافة إلى تحسين قياس انبعاثات الميثان قبل القمة المنعقدة حالياً في مدينة شرم الشيخ المصرية"، يثير غياب التواصل بين الصين وأميركاً قلق المشاركين في "كوب-27" حول احتمالات أن يقوض التعاون المشترك لمواجهة تغير المناخ.
لكن بحسب ويربيرغ فإن "السؤال حول أسباب غياب الرئيس الصيني عن قمة شرم الشيخ يجب يطرح على الحكومة الصينية، إلا أن وجود وفد صيني في شرم الشيخ يشجع على احتمالات التواصل والتنسيق"، مضيفاً "نحث الحكومة الصينية على العودة للتنسيق، لأننا في ’كوب- 26" وصلنا إلى بعض الاتفاقات والتفاهمات، وكان لدينا بيان مشترك، وهذا فعلاً كان إنجازاً كبيراً لأننا كما تعرف أكبر اقتصادات العالم وأكبر مصادر للانبعاثات ومن الضروري أن يكون لدينا تنسيق، لكن وبكل أسف انسحبت الحكومة الصينية من هذا التنسيق لأسباب غير متعلقة بتغير المناخ".
ورداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في أغسطس الماضي إلى تايوان، أوقفت الصين كل قنوات التواصل على صعيد المناخ مع الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع ويربيرغ، "تعتقد الصين أن إيقاف التعاون المناخي مع واشنطن هو معاقبة للإدارة الأميركية، إلا أن الأمر عكس ذلك، فهو يمثل عقاباً للدول الفقيرة والنامية في العالم، لا سيما أنها هي من تعاني من هذا الأمر بشكل أكبر، وعليه يتوقع العالم مزيداً من التنسيق والمشاركة من الصين على الصعيد المناخي، ليس فقط مع الولايات المتحدة ولكن بين الصين وكل الدول الأخرى".
وفي شأن احتمالات أن تشهد الأيام الأخيرة اختراقاً جديداً على صعيد الدبلوماسية المناخية بين بكين وواشنطن، كما حدث في غلاسكو باسكتلندا العام الماضي، أوضح ويربيرغ أنه "ليس من الممكن أن أتكهن بأية نتيجة لأن انعقاد ’كوب‘ نفسه هو بهدف البحث والنقاش في تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الاحترار والتغيرات المناخية"، مضيفاً "هل ممكن أن نعاود الاتفاق مع الصين بدلاً من اتفاق جديد؟ وهل من الممكن أن نحث الحكومة الصينية على الانخراط الكامل في التزامات مخرجات اتفاق باريس على الصعيدين الوطني والعالمي؟ علينا أن نرى"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن اتفاق باريس وضع التزامات على الدول نفسها عليها الوفاء بها من دون التركيز إلى الأطر الثنائية أو الإقليمية.
وبشكل رئيس يواجه مؤتمر المناخ في نسخته الحالية تحدي تعزيز تعهداته إزاء الاحترار الآخذ في الارتفاع وتوفير دعم مالي للدول الفقيرة والأكثر تضرراً من التغير المناخي، وذلك بعد أن أقر في جدول أعماله للمرة الأولى إدراج القضية الحساسة المتعلقة بما إذا كان يجب على الدول الغنية تعويض الفقيرة الأكثر تضرراً من تبعات تغير المناخ، والوصول في هذا الشأن إلى قرار حاسم "في موعد لا يتجاوز 2024".
مفاوضات شاقة وصعبة
وعلى وقع التباطؤ الذي تشهده مفاوضات المناخ في شرم الشيخ وفي ظل وجود قائمة طويلة من المطالب المطروحة، أوضح المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية "نحن لا نزال في مسار التفاوض، ومن دون شك ستكون أحياناً بعض المفاوضات والمناقشات صعبة".
ومضى يقول "نحن أمام أصعب الأسئلة الآن، ومع وجود إجاباتها تبقى المشكلة في التنفيذ، ونعرف جيداً أن الاحتباس الحراري واستمرار تزايد نسب الغازات الدفيئة له تداعيات كارثية على البشرية، واتفقنا في السابق خلال النسخ الماضية من ’كوب‘ على ضرورة حماية البشرية من الآلام المرتقبة بسبب التغير المناخي التي ما من شك في أن السبب الرئيس فيها هو النشاطات البشرية، ولدينا الحلول واضحة جداً كالحلول التكنولوجية والفنية والتقنية والتحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها".
وأضاف، "لدينا كل هذه الحلول والطاقة البديلة، إذاً لدينا المشكلة ولدينا الحلول في نصوص، لكن يبقى سؤال التمويل الصعب الذي يكمن فيمن من سيدفع؟ وكيف سنضع المسؤولية والفاتورة على الدول النامية التي تعاني تغير المناخ من دون هي تسهم فيه، كما الحال بالنسبة إلى الدول المتقدمة، إلا أنها تحمل الأعباء والتأثيرات الأكبر تحت بند الخسائر والأضرار الذي أقر مناقشته ’كوب-27‘ للمرة الأولى"، وعليه، وفق ويربيرغ، "فمن اللازم مناقشة هذا الموضوع والولايات المتحدة ترحب بهذه المناقشة وتدعمها ولدينا الإمكان أن نقدم المساعدة المالية والتقنية للدول النامية، لكن ليس من الممكن أن تتحمل الولايات المتحدة هذه الأعباء من دون غيرها من دول العالم، ومن اللازم أن تكون هناك جهود مشتركة بين كل دول العالم".
وحول مدى التزام الولايات المتحدة نفسها بتعهداتها المناخية، لا سيما بعد انسحاب الإدارة السابقة من اتفاق المناخ لعام 2015، أوضح ويربيرغ "تخلت الإدارة السابقة وبكل أسف عن التزاماتها، إلا أنه وفي عهد الإدارة الحالية نسعى إلى الوفاء بكل الالتزامات سواء على صعيد خفض انبعاثات غازات الدفيئة لما دون مستويات العام 2005 بحلول 2030 أو التعهدات المالية، وهو الأمر الذي تجلي في قيام الرئيس بايدن بأكبر تمويل للتحديات أو تغير المناخ في تاريخ البلاد عبر قانون خفض التضخم والعديد من المبادرات الأخرى، وإعلانه البحث مع الكونغرس تمويلاً سنوياً لمواجهة تغير المناخ".
وتابع، "لدينا الإمكانات والإرادة لتحقيق ذلك، لكن ليس من الممكن أن الولايات المتحدة تدفع الفاتورة كاملة، ولا بد من أن تكون هناك جهود مشتركة بين الدول الغنية والدول الكبرى مثل الصين والهند".
وخلال خطابه أمام المشاركين في قمة المناخ الجمعة الماضي، حث الرئيس الأميركي دول العالم على بذل مزيد من الجهود لتجنب كارثة الاحترار المناخي التي تتعلق بأمن البشر والأمن الاقتصادي والأمن القومي والحياة على الكوكب، مشيراً إلى إقرار الولايات المتحدة خطة استثمار بقيمة 369 ملياراً لجعل الاقتصاد الأميركي أكثر مراعاة للبيئة، معتبراً أنها تصلح مثالاً للدول الأخرى.
وأضاف بايدن، "الولايات المتحدة تحركت وعلى الجميع التحرك، وهذا واجب قادة العالم ومسؤوليتهم، والدول القادرة على المساعدة يجب أن تساند الدول النامية حتى تتمكن من اتخاذ قرارات حاسمة على صعيد المناخ، من تسهيل عملية انتقال الطاقة فيها وتعزيز مسار الازدهار المتماشي مع ضروراتنا المناخية".
وفي حين أشاد ناشطون بالأموال التي خصصتها الولايات المتحدة في مجال الطاقة المتجددة، تعرضت واشنطن للانتقادات بسبب تخلفها عن تنفيذ تعهداتها بمساعدة الدول النامية مالياً في عملية انتقالها في مجال الطاقة، وتعزيز مقاومتها للكوارث الطبيعية التي يفاقمها الاحترار المناخي.