Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستأنف التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت؟

انضمت مرجعيات قضائية فرانكوفونية إلى دعم رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وإلى التعبير عن قلقها إزاء ما وصفته بالأفعال التي تنال من استقلال القضاء في لبنان

المعلوم أن التحقيقات في انفجار المرفأ المعطلة قسراً منذ عام شكّل تجميد التعيينات القضائية بفعل التجاذب السياسي عنصراً أساسياً في وقفها (رويترز)

مع مرور عام على توقف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، الرابع من أغسطس (آب)، نتيجة دعاوى كف اليد المقدمة بحق المحقق العدلي طارق البيطار، برز الكلام عن "حل يعيد تحريك القضية" وعد به رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وفداً من أهالي ضحايا المرفأ عندما زاره منذ أيام في مكتبه في قصر العدل، وكشف مصدر قضائي لـ "اندبندنت عربية" أن عبود ينكب على دراسة مخارج قانونية تسمح بإعادة تحريك ملف انفجار المرفأ في جزئيه، الأول متابعة التحقيق والثاني البت بقضايا الموقوفين، ونقل مصدر آخر أن رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يعمل بصمت متجنباً كشف تفاصيل عن المخارج التي قد يتوصل إليها استناداً إلى القانون، يتخوف من أن يؤدي الضجيج الإعلامي الذي رافق هذا الموضوع إلى خربطة الحل مجدداً.

وأكد المصدر نفسه الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن الموضوع قيد الدراسة، رافضاً الدخول في نسب التفاؤل أو التشاؤم مؤكداً في المقابل أن رئيس مجلس القضاء الأعلى يدرس كل الإمكانات المتاحة مع العلم أن القضية ليست سهلة والأمور معقدة، والهدف من إعادة تحريك القضية التي لا يمكن أن تبقى مجمدة إلى ما لا نهاية، هو محاولة فتح باب حل، وليس الدفاع عن قاض أو التخلص من قاض آخر، أو لتحدي أحد.

هل تستأنف التحقيقات في انفجار المرفأ؟

المعلوم أن التحقيقات في انفجار المرفأ المعطلة قسراً منذ عام، شكلت تجميد التعيينات القضائية بفعل التجاذب السياسي عنصراً أساسياً في وقفها.  فاستحالة اجتماع هيئة محكمة التمييز بعد خروج أربعة من أعضائها إلى التقاعد، حال دون بتها دعاوى المخاصمة المقدمة ضد القاضي البيطار وأيضاً ضد القضاة المكلفين النظر في دعاوى البيطار، وكشفت مصادر قضائية لـ "اندبندنت عربية" أن من بين الحلول التي يعمل عليها القاضي سهيل عبود لإعادة تحريك هذا الملف الحيوي، قد تستند إلى اجتهاد قانوني يمكن من خلاله النفاذ لتمكين الهيئة العامة لمحكمة التمييز من الاجتماع بأعضائها الأصيلين والمنتدبين، بالتالي توفير النصاب واتخاذ القرارات المطلوبة لإعادة تحريك التحقيقات، والبت بدعاوى المخاصمة المقدمة ضد البيطار من سياسيين مدعى عليهم في القضية، وكذلك بدعاوى المخاصمة المقدمة ضد قضاة في التمييز مكلفين النظر بدعاوى رد البيطار.

 الاجتهاد القانوني الذي قد يعيد تحريك أعمال الهيئة يعتمد على ما تنص عليه المادة 30 من قانون تنظيم القضاء العدلي 150/83 التي تشير إلى أن الهيئة العامة تتشكل من رؤساء الغرف في محكمة التمييز من دون أن تحدد إذا كان رؤساء الغرف أصيلين أو مكلفين، وانطلاقاً من هذه الثغرة يمكن أن يعيد رئيس مجلس القضاء الأعلى إحياء الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وهو قد يدعو الأسبوع المقبل، بحسب ما كشفت مصادر قضائية، رؤساء محاكم التمييز الأصيلين والمنتدبين لعقد جلسة والمباشرة بدراسة الدعاوى ضد البيطار والقضاة الآخرين، اذا توفرت كل الإمكانات القانونية المطلوبة ولم يجد السياسيون باباً للتعطيل مجدداً.

تخوف من تدخلات سياسية

صحيح ألا سابقة لاجتماع هيئة محكمة التمييز بوجود قضاة منتدبين يكملون نصاب جلساتها، وقال مصدر قضائي إن النص القانوني لتنظيم القضاء العدلي لا يمنع ذلك أيضاً وفق ما أكد الخبير الدستوري سعيد مالك لـ "اندبندنت عربية"، معتبراً أن النصاب يمكن أن يؤمن إذا حضر الأصيلون والمنتدبون، لكن المشكلة الأساسية هي، وفق مالك، في أن من بين القضاة المنتدبين الأربعة، ثلاثة قضاة فرقاء في دعاوى مخاصمة الدولة ومطلوب رفع أيديهم عن الملف، ما قد  يحصر القرار داخل الهيئة وتأمين نصاب انعقاد جلستها بمشاركة القاضي الرابع المنتدب وهو القاضي الشيعي ماجد مزيحم، وتبدي جهات عدة تخوفها من إمكان تغيب مزيحم عن اجتماع الهيئة، في حال مورست عليه ضغوط من قبل "الثنائي الشيعي"، حركة "أمل " و"حزب الله"، المعروف بموقفه ضد القاضي البيطار، خصوصاً أن معظم دعاوى المخاصمة ضد بيطار وقضاة آخرين هي مقدمة من السياسيين المقربين من الثنائي، وتجدر الإشارة أيضاً إلى معلومات عن طموح القاضي مزيحم أن يصبح رئيساً أصيلاً لمحكمة التمييز المنتدب فيها حالياً، بالتالي هل سيخضع للضغوط السياسية إذا مورست عليه، وهل يكون محرجاً ويتجنب المشاركة في اجتماع هيئة التمييز بقرار شخصي؟ علماً أن غياب القاضي مزيحم عن اجتماع هيئة التمييز يعني أن الأمور ستبقى تراوح مكانها وأن التحقيقات في انفجار المرفأ باقية في الدوامة نفسها.

محاولات سابقة لم تنجح

وفي محاولته لكسر حال الجمود التي تلف قضية انفجار بيروت، يضع رئيس مجلس القضاء الأعلى هدفاً مشتركاً يجمع أهالي الضحايا من جهة والموقوفين الذين يعتبرون أنفسهم موقوفين تعسفاً من جهة أخرى، وقبل ذلك حصلت محاولات لتحريك ملف التحقيقات في المرفأ، ولكن بجزئه المتعلق بالموقوفين حصراً، واتهم القاضي عبود بإجهاضها، وآخر هذه المساعي كانت لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون ووزير العدل هنري خوري المحسوب عليه، وقد وصفهم عون بـ"أبريائنا" في خطاب الوداع قبل مغادرة القصر الجمهوري، من دون أن يشير إلى ضحايا المرفأ أو إلى أهاليهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسعى القاضي خوري مدعوماً من عون و"التيار الوطني الحر" برئاسة صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل إلى تعيين قاض بديل عن القاضي البيطار، المكفوفة يده بدعاوى مقدمة من حلفاء "التيار الحر"، على أن تقتصر مهمة القاضي البديل على البت بملفات الموقوفين في قضية انفجار المرفأ من دون محاكمات، وتردد أن عون وفريقه دفعا في هذا الاتجاه لمصلحة المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر المحسوب على عون وفريقه السياسي، والموقوف في قضية انفجار المرفأ منذ بدء التحقيقات، واتهم عبود من قبل عون وفريقه السياسي بأنه وافق على تعيين قاض منتدب ثم عاد وتراجع عن قراره وعطل تعيين القاضية سمرندا نصار بعدما رفع اسمها وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى لتعيينها قاضية بديلة عن القاضي البيطار، في وقت يؤكد مصدر مقرب من عبود أنه عندما وافق على تعيين القاضي البديل، اشترط أن يتمتع بالحياد، الأمر غير المتوافر بالقاضية نصار كونها مقربة من "التيار الوطني الحر".

وفي خطوة شكلت رد اعتبار للقاضية نصار ولقضاة عرفوا بقربهم من العهد وبتمايزهم عن رئيس مجلس القضاء الأعلى، منح رئيس الجمهورية السابق القاضية نصار وسام الاستحقاق اللبناني المذهب، كما حظيت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بالوسام نفسه، وقضاة آخرون مقربون من خطه السياسي من ضمنهم القاضي طانيوس الصغبيني. فشكل ذلك سابقة خصوصاً أنهم ما زالوا يعملون في مراكزهم في السلك القضائي، إذ لا يمكن أن يمنح قاض وساماً لأنه يقوم بواجبه، كما يقول قاض متقاعد.

استقلالية القضاء خط احمر دولي

ويتصدر بند استقلال السلطة القضائية وحمايتها من التدخلات السياسية لائحة الإصلاحات التي تطالب بها الدول والمؤسسات المانحة كشرط أساسي لمساعدة لبنان، وآخر نماذج تلك التدخلات تجلت في ملف انفجار الرابع من أغسطس بحيث وصلت إلى حد الترهيب والتعطيل وشل التحقيقات، واستناداً إلى القانون إذ جرت محاولات لتعديله ولم تنجح، تمكنت السلطة السياسية الممسكة بقرار التشكيلات القضائية من ممارسة سطوتها على القضاء عبر تعيين القضاة المحسوبين على القوى السياسية وتحجيم القضاة الذين لا يمتثلون للأوامر، ولم ينظر المجتمع الدولي بعين الرضى إلى كل هذه الممارسات وعبرت أكثر من رسالة دولية آخرها للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن القلق من استمرار غياب الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت وتعطيل التحقيق وحق أهالي الضحايا بمعرفة ما حصل.

ومنذ أيام انضمت مرجعيات قضائية فرانكوفونية إلى التعبير عن قلقها إزاء ما وصفته بالأفعال التي تنال من استقلال القضاء في لبنان، وعلمت "اندبندنت عربية" أن رئيس مجلس القضاء الأعلى تلقى رسالتي دعم وتضامن، الأولى من رؤساء مجالس القضاء الفرانكوفوني الذي عقد اجتماعه في كندا في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، والثانية من مكتب المحاكم العدلية العليا الفرانكوفونية الذي عقد اجتماعه في باريس، وتضمنت الرسالتان دعماً لعمل عبود في "ضمان الأداء السليم للسلطة القضائية وكرامتها واستقلالها"، و"في سعيه لدعم المبدأ الدستوري لاستقلال السلطة القضائية التي وحدها يمكن أن تضمن ثقة المواطنين في عدالتهم".

المزيد من تقارير