فيما يجتمع قادة العالم من رؤساء دول وحكومات ومبعوثين وممثلين لمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ (كوب 27)، يبقى التحدي أمامهم هو كيفية "الانتقال من السياسات إلى التنفيذ"، في ما يتعلق باتفاق الحد من الاحترار العالمي وحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، بعد أن بات الاحترار الناتج من الغازات الدفيئة يسجل أرقاماً قياسية تنذر بأخطار كارثية على الحياة في العقود المقبلة، مع توقعات أن ترتفع حرارة الأرض 2.8 درجة مئوية.
على هامش القمة المنعقدة في مدينة شرم الشيخ السياحية على ساحل البحر الأحمر بمصر، قال الأمين العام لمنظمة الأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة بيتري تالاس، إن هناك كثيراً من الإجراءات والممارسات من جميع الدول تؤدي إلى الاحتباس الحراري الذي نعانيه، موضحاً في حوار مع "اندبندنت عربية" أن هناك توقعات باستمرار ارتفاع درجات الحرارة لعقود قادمة بمستويات قياسية إذا لم نتخذ إجراءات نحو الحد من تداعيات المناخ.
وأكد تالاس أن الأزمات السياسية والأمنية الراهنة التي يشهدها العالم لا يجب أن تقلل من أولوية "التضامن والعمل المناخي العالمي"، إذ إن الأزمات ستحل في نهاية المطاف، بينما ستبقى الكوارث المناخية متفاقمة من دون حل، في إشارة إلى الحرب الروسية - الأوكرانية، والتوتر الأميركي - الصيني.
بالتزامن مع القمة كانت المنظمة نشرت تقريراً قالت فيه إن السنوات الثماني الأخيرة أكثر حراً من أي عام سابق لـ2015، مشيرة إلى التسارع في وتيرة ارتفاع مستوى مياه البحار وذوبان الأنهر الجليدية والأمطار الغزيرة وموجات الحر والكوارث القاتلة التي تتسبب بها.
وأوضح التقرير الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنظونيو غوتيرش بأنه "نداء استغاثة وسرد لفوضى مناخية"، أن حرارة الأرض "ارتفعت أكثر من 1.1 درجة مئوية منذ نهاية القرن الـ19، وقد سجل نصف هذا الاحترار تقريباً في السنوات الـ30 الأخيرة".
مفاوضات شاقة والتعاون ملح
وفق تالاس فإن من المتوقع أن تكون المفاوضات المناخية بين الدول المشاركة وممثلي المجتمع المدني والعلماء المتخصصين والقطاع الخاص في قمة شرم الشيخ التي بدأت اليوم، الأربعاء التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد انتهاء قمة القادة خلال اليومين الماضيين "شاقة ومكثفة"، ويأمل المسؤول الأممي أن يبدي المجتمعون "توافقاً على خطط عمل تنفيذية باتت ملحة لإنقاذ كوكب الأرض والبشرية، فضلاً عن الالتزام بالتكيف مع عواقب الظواهر المناخية حتى نتمكن من حماية أنفسنا ومجتمعاتنا، وأن تبذل الدول كل ما في وسعها لخفض الانبعاثات وإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن العالم "أصبح في مواجهة الحقيقة التي لا يمكن التغافل عنها، وأمامه مهمة جبارة يجب الانخراط فيها للحد من الأضرار"، بعد أن أثرت موجات الحر الشديدة والجفاف والفيضانات المدمرة في ملايين وكلفت مليارات هذا العام، وكان عام 2022 كارثياً بسبب ذوبان الأنهر الجليدية.
وذكر تالاس أن "مشكلة المناخ وتداعياته لم تعد تقتصر على شعب من دون آخر، أو على التزام دولة من دون غيرها، فالجميع الآن مطالب بالقيام بأدوار وتنفيذ التزاماته لحماية الناس والمجتمعات في كل مكان من الأخطار الفورية والمتزايدة إلى حال الطوارئ المناخية الجامحة".
وتابع "حتى المجتمعات المستعدة لهذه الظاهرة لحقت بها أضرار كبيرة العام الحالي جراء ظواهر قصوى كما تبين من موجات الحر المطولة والجفاف في أجزاء واسعة من أوروبا وجنوب الصين".
مرحلة مفصلية
وشدد المسؤول الأممي على أن "تداعيات المناخ تطاول الجميع حتى وإن اختلفت بحسب المكان الذي نعيش فيه، إذ قد تكون هذه التداعيات حرائق أو فيضانات أو جفافاً أو ارتفاعاً في الحرارة أو البرودة أكثر من المعتاد أو زيادة في مستوى سطح البحر".
وأوضح أننا "في مرحلة مفصلية، وإذا كانت التوترات السياسية تخيم على اهتمامات وأولويات الدول فإن هذا الأمر يجب ألا ينسينا الالتزام تجاه البيئة والعمل نحو تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية".
وتابع أن "الأمر يتطلب زيادة التعاون على المستوى العالمي"، لافتاً إلى أن هناك ارتفاعاً في مستوى أسطح البحار في العالم "مما ينذر بالخطر، وكذلك زيادة الانبعاثات الكربونية التي تعد إحدى المشكلات الأساسية".
ووفق أحدث تقارير المنظمة الأممية، فإن العام الحالي بصدد أن يصبح العام الخامس أو السادس الأكثر حراً حتى الآن، وأوضح التقرير أن مياه سطح المحيطات التي تمتص أكثر من 90 في المئة من الحرارة المتراكمة جراء الانبعاثات الناجمة عن النشاط البشري، سجلت مستويات قياسية في 2021، وقد زادت حرارتها بسرعة خصوصاً خلال السنوات الـ20 الأخيرة، وارتفعت أيضاً موجات الحر البحرية مع تداعيات مدمرة على الشعاب المرجانية وعلى نصف مليار شخص يعتمدون على البحار لتأمين الغذاء وسبل العيش. وشهدت 55 في المئة من مياه المحيطات موجة حر بحرية واحدة على الأقل في 2022.
وقال تالاس إنه "كلما تفاقمت مشكلة الاحترار يصبح العالم أمام تداعيات كارثية"، موضحاً "في كل أرجاء كوكب الأرض تحطمت مستويات قياسية فيما أجزاء مختلفة من منظومة المناخ تنهار".
واقتبس تالاس جزءاً من تقرير منظمته المعني بالاحترار ووضع المناخ العالمي، قائلاً إن "الغازات الدفيئة هي المسؤولة عن أكثر من 95 في المئة من الاحترار الحاصل، وقد بلغت مستويات قياسية مع تحقيق غاز الميثان أكبر قفزة تسجل خلال عام".
شبكة للإنذار المبكر من الكوارث
وحول إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، على هامش قمة المناخ، خطة أممية بحلول خمس سنوات لإنشاء شبكة إنذار مبكر من الكوارث المناخية تفوق قيمتها ثلاثة مليارات دولار أميركي بهدف إنذار كل شخص في العالم من خطر وشيك مع اقتراب الأمطار الموسمية والأعاصير أو أي ظواهر قصوى أخرى على صعيد الأحوال الجوية، أوضح تالاس أن هذه الشبكة تسعى "إلى إنقاذ ملايين الأشخاص حول العالم لا سيما في المجتمعات الضعيفة والمناطق المعرضة للاحترار التي تباغتها الكوارث المناخية من دون أية وسيلة إنذار استباقية"، مضيفاً "يكفي الإبلاغ عن ظاهرة خطرة قبل حدوثها لخفض الأضرار بنسبة 30 في المئة، وهو ما يسهم في إنقاذ الأرواح ويوفر مزايا اقتصادية ضخمة".
وقدرت اللجنة العالمية حول التكيف مع التداعيات المناخية أنه بإنفاق 800 مليون دولار على أنظمة كهذه في الدول النامية ستتجنب هذه البلدان خسائر تتراوح بين ثلاثة و16 مليار دولار سنوياً.
وبحسب تالاس، فإن "عديداً من المناطق الضعيفة أو الهشة حول العالم كما في القارة الأفريقية أو أميركا الوسطى والجنوبية فضلاً عن سكان كثير من الجزر ومناطق عدة في آسيا، يواجهون احتمالات الموت جراء الكوارث المناخية أعلى بـ15 مرة من المناطق الأخرى".
وأضاف أن عمل الشبكة سيركز بالأساس على "أربعة قطاعات، هي معرفة أفضل للأخطار بوقوع كارثة، وإقامة أجهزة مراقبة الأخطار والإنذار، وتعزيز قدرات التحرك على الأرض، ونقل المعلومات حول الأخطار إلى كل الذين يحتاجون إليها".
وعانت الدول الفقيرة، التي تحمل أقل قدر من المسؤولية تجاه التغير المناخي، أكثر من غيرها حيال تداعياته، وذلك بسبب هشاشتها لا سيما أمام تكاثر الكوارث الطبيعية من فيضانات وموجات حر وجفاف وحرائق غابات، وعليه تطالب تلك الدول بـ"آليات تمويل خاصة"، وتسعى خلال القمة الراهنة "كوب 27"، التي يهمين عليها هذا النقاش إلى وضع خطط تنفيذية في شأن مسألة "الأضرار والخسائر".
وللمرة الأولى وافقت الوفود المشاركة في (كوب27) على إدراج القضية الحساسة المتعلقة بما إذا كان يجب على الدول الغنية تعويض الدول الفقيرة الأكثر تضرراً من تبعات تغير المناخ على جدول الأعمال.
وفي حين ترى الدول النامية والفقيرة أن على الدول الغنية الالتزام بتعهداتها انطلاقاً من مبدأ "أن الملوث عليه أن يدفع في إطار التضامن"، تتحفظ الدول الغنية على ذلك، إذ تخشى أن تحمل المسؤولية رسمياً وتفيد بأن نظام تمويل المناخ معقد بما يكفي.
وبحسب تقرير لرئاسة المؤتمر صدر الثلاثاء فإن الدول النامية والناشئة باستثناء الصين، تحتاج إلى استثمارات تتجاوز تريليوني دولار سنوياً بحلول 2030 إذا أراد العالم لجم الاحترار المناخي والتكيف مع تداعياته، ويفترض أن يأتي تريليون دولار من دول غنية ومستثمرين ومصارف تنمية متعددة الأطراف، على ما جاء في التقرير.
ومع انطلاق قمة القادة الأحد كان الأمين العام للأمم المتحدة أطلق صرخة أممية، داعياً فيها إلى التحرك فوراً، وأكد أن "البشرية أمام خيار التعاون أو الهلاك، فإما أن يكون عهداً على التضامن المناخي أو عهداً على الانتحار الجماعي". ودعا إلى "تعديل النظام المالي العالمي ليتمكن من مساعدة دول تتعرض لأضرار هائلة".