مع اقتراب دخول الاحتجاجات الواسعة التي تعم المدن الإيرانية شهرها الثالث، وارتفاع عدد القتلى لأكثر من 300 شخص على أيدي القوات الأمنية بمن فيها الحرس الثوري، وفق ما تقول منظمات حقوقية، قالت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية "أمنيستي" أنياس كلامار، إن ما يحدث في إيران "احتجاجات ملهمة وشجاعة ضد القمع والاستبداد المستمر منذ عقود"، معبرة عن قلقها البالغ من "تصاعد حدة التعاطي الأمني واتساع دائرة التوقيف والاعتقالات الجماعية"، ضد الاحتجاجات التي اندلعت منذ وفاة الفتاة الإيرانية الكردية مهسا أميني، في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لمخالفة قواعد اللباس الصارمة.
وأضافت كالامار، في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، على هامش مشاركتها في قمة المناخ المنعقدة بمدينة شرم الشيخ المصرية، أن "شجاعة المحتجين الذين يواجهون رداً فتاكاً متصاعداً من جانب قوات الأمن الإيرانية، تكشف عن وجه استبداد السلطات القائمة، عبر انتهاجها عمليات قتل غير مشروعة وتنفيذ حملات جماعية من الاعتقال والتوقيف فضلاً عن التضييق على النشطاء والمحتجين"، وهو ما يستدعي "إجراءات جادة من قبل المجتمع الدولي لمواجهة القمع الدموي للمحتجين".
وحتى الثلاثاء الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) وثقت منظمات حقوقية، مقتل أكثر من 320 متظاهراً في الاحتجاجات التي تعم البلاد، من بينهم نحو 50 قاصراً، فضلاً عن توقيف آلاف الأشخاص من بينهم أكثر من عشرة محامين كانوا يعملون على الدفاع عن الموقوفين قبل أن يحتجزوا هم أيضاً، في المقابل كانت وسائل الإعلام الرسمية قد ذكرت الشهر الماضي، أن أكثر من 46 من أفراد الأمن لقوا حتفهم، منهم أفراد في الشرطة. ولم يصدر مسؤولو الحكومة أي تقدير أكبر لحصيلة الوفيات.
انتفاضة "شجاعة وملهمة"
بحسب تصريحات كالامار لنا، فإن ما يحدث في إيران هو "انتفاضه شجاعة وملهمة تتصدرها أطياف واسعة من الشعب على رغم أدوات القمع المميتة"، معتبرة أن "منظمتها ستواصل مراقبة وتوثيق عمليات القتل والاعتقال وجميع صور الانتهاكات المستمرة من قبل النظام الإيراني والأجهزة الأمنية، ومن بينها حملات الاعتقال الجماعية التي تطاول المعارضين والفنانين والصحافيين والمحامين منذ اندلاع الاحتجاجات".
وذكرت كالامار أن "ارتفاع حصيلة القتلى هو مؤشر مقلق عن مدى وحشية السلطات في الاعتداء على المحتجين الإيرانيين، في ظل عدم شفافية أو تحقيقات من قبل الحكومة، وهو الأمر الذي يستدعي تحركاً دولياً من أجل تحقيق العدالة في إيران"، مشيرة إلى أن "الغضب العارم الذي تم التعبير عنه في شوارع ومدن إيران أظهر حقيقة رفض الإيرانيين لسنوات الظلم والاستبداد والقمع". وتابعت "بات من السذاجة لدى الإيرانيين تصديق بعض الوعود الإصلاحية من قبل مسؤولي النظام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ انطلاق الاحتجاجات الإيرانية التي يلعب الطلاب والنساء دوراً بارزاً فيها، يتهم زعماء البلاد أعداءها من الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف خلفها بهدف إشعال التوتر والفوضى، فضلاً عن وصف المتظاهرين بـ"المتآمرين والخارجين عن القانون". وتقول السلطة القضائية إن المحاكم ستتعامل بحزم مع من يتسبب في اضطرابات أو يرتكب جرائم خلال موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تجتاح البلاد، مما يشير إلى أن السلطات تعتزم إصدار أحكام قاسية على المتظاهرين الذين ستتم إدانتهم، وتم توجيه اتهامات لأكثر من ألف شخص في طهران وحدها بما تصفه الحكومة بأنه "شغب".
إجراءات دولية
وعلى وقع تردي الأوضاع الحقوقية وحقوق الإنسان في إيران، من إخضاع آلاف للاستجواب، والملاحقة القضائية غير العادلة، والاحتجاز التعسفي لمجرد ممارستهم حقوقهم الإنسانية، والتمييز ضد النساء والأقليات العرقية والدينية، فضلاً عن انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب على نطاق واسع في البلاد بحسب كلامار، ناشدت في الوقت ذاته "بضرورة ضغط المجتمع الدولي على السلطات الإيرانية واتخاذ إجراءات جادة لوقف حملته القمعية".
وتابعت "في الحالة الإيرانية نعرف أن المواطنين يواجهون حملة قمع واستبداد مستمرة منذ عقود، لذلك على المجتمع الدولي أن يدرك خطر التخلي عن حماية حقوق الشعب الإيراني أمام وحشية النظام".
في الأثناء قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" اليوم الأربعاء إن إيران تحاول بشكل منهجي إسكات النساء من خلال توقيف عدد غير مسبوق من الصحافيات في حملتها ضد الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني.
وأوضحت المنظمة "فيما يواصل النظام الإيراني قمع الاحتجاجات التي انطلقت إثر مقتل مهسا أميني، فإن نحو نصف الصحافيين الذين قبض عليهم أخيراً هم من النساء، من بينهن اثنتان تواجهان عقوبة الإعدام". وأضافت في بيان "تزايد عمليات توقيف الصحافيات يكشف عن نية النظام الإيراني إسكات أصوات النساء بشكل منهجي".
وقالت المنظمة التي تتخذ في باريس مقراً، إنها "قلقة جداً في شأن مصير الصحافيتين اللتين تخاطران بدفع ثمن باهظ قد يشمل عقوبة الإعدام، لأنهما تحلتا بالشجاعة للكشف عن حقيقة تسعى السلطات إلى خنقها". وأضافت "يجب إطلاق سراحهما فوراً ومن دون قيد أو شرط". وأشارت المنظمة إلى أنه منذ اندلاع الاحتجاجات أوقف 42 صحافياً على الأقل في كل أنحاء إيران.
كذلك أوقف أمس الثلاثاء الحرس الثوري الإيراني المحامي البارز مصطفى نيلي، وهو واحد من أكثر من عشرة محامين قبض عليهم خلال حملة القمع على الاحتجاجات. وكتبت شقيقته فاطمة نيلي على "تويتر" إن عناصر من استخبارات الحرس الثوري أوقفوا نيلي في مطار مهرآباد الدولي في طهران مساء الإثنين، قبل دهم منزل والدته ومصادرة مقتنيات شخصية. وأكد سعيد دهقان، وهو محام بارز آخر يعتقد أنه في الخارج، توقيف نيلي في منشور على "تويتر".
وتشكل هذه الاحتجاجات أحد أكبر التحديات التي تواجه حكام البلاد منذ الثورة الإسلامية في 1979، إذ تتواصل منذ ثمانية أسابيع على رغم الإجراءات الأمنية الصارمة والتحذيرات الشديدة التي تطلقها قوات الأمن.