Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عبيدات الرما" فن مغربي بدوي عريق يواجه الزوال

فرق شبابية تعيد إحياءه عبر حفلات جوالة حفاظا على تقاليد الثقافة التراثية

لوحة من فن "عبيدات الرما" (خدمة الفرقة)

في الفترة الأخيرة بدأت الأوساط الثقافية والفنية في المغرب تتحرك من أجل إدراج فن "عبيدات الرما" (عبيد الرماة) ضمن قائمة التراث العالمي الثقافي اللامادي لمنظمة اليونسكو. وإن كانت أبرز جهة تقف وراء هذه الحركة هي وزارة الثقافة المغربية ومديريتها الجهوية لمنطقة بني ملال خنيفرة، حيث ينشط هذا اللون الفني بشكل كبير، فإن الفضل في لفت انتباه الجهات الرسمية إلى "عبيدات الرما" يعود بالأساس لمجموعة كبيرة من الشبان الذين أسهموا بشكل لافت في إحياء هذا التراث الفني الذي كان مهدداً بالزوال.

فقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة مجموعات كثيرة تتشكل من شبان من العمر ذاته تقريباً، اختاروا العودة إلى تاريخهم الفني المحلي، وانتقاء أهازيج مهملة ونصوص منسية والاشتغال عليها من جديد. واللافت أن غالب المجموعات أرادت أن تحافظ على الطابع التقليدي لهذه الأغاني بشكل شبه مطلق، إن على مستوى الملابس والآلات والرقصات أو أشكال الفرجة والحضور. في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني لـ"عبيدات الرما" شاركت في إحياء سهراتها أكثر من أربعين مجموعة غنائية. وهذا الرقم يكشف الإقبال اللافت للأجيال الجديدة على هذا النمط الغنائي والاستعراضي القادم من أعماق البادية المغربية.

رقص وغناء على هامش القنص والزراعة

تتنوع الأنماط الغنائية التراثية في المغرب، ويتخذ هذا التنوع بعداً جغرافياً، فلكل إقليم تقريباً موسيقاه وأغانيه. ففي طنجة ونواحيها مثلاً نسمع "الطقطوقة الجبلية"، وفي تطوان "الطرب الغرناطي" وفي فاس "الطرب الأندلسي" وفي مراكش "فن الملحون" وفي آسفي "فن العيطة" وفي المناطق الأمازيغية بالجنوب نسمع "أحواش"، أما لدى أمازيغ الأطلس فتسود أهازيج "أحيدوس". أحياناً تشترك أقاليم متفرقة في نمط غنائي واحد، وأحياناً تتعدد الألوان الموسيقية داخل الإقليم الواحد.

في بوادي مدينتي خريبكة وبني ملال وسط المغرب، انتشر فن "عبيدات الرما" وصار ذكره مقترناً بهذه المناطق، وإن انتشر لاحقاً في عدد من مدن المغرب. وإذا كانت الترجمة الفصيحة لـ"عبيدات الرما" هي "عبيد الرماة" فإننا لسنا بالضرورة أمام شكل صريح من أشكال العبودية. فكلمة "عبيد" تعني "الخدم"، وهم مجموعة من المزارعين والمياومين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة القناصين بالأساس، وفي خدمة جيرانهم وأهل دواويرهم. وإذا كانت خدمة الفئة الأولى تتجلى في المرافقة والمؤانسة خلال الخروج للقنص، فإن خدمة الجمهور هي الفرجة عبر إحياء سهرات ليلية مفتوحة في وجه الذين أتعبتهم مشاغل النهار.

تخلو أغاني "عبيدات الرما" من النزعة البكائية والخطاب الفجائعي، إنها أغان منذورة للفرح والبهجة والتخفيف عن أعباء الفلاحين والمياومين والعمال الذين يقضون يوماً طويلاً في أشغال الزراعة أو البناء أو التجارة، بعد أن كانت حكراً على القناصين لفترة طويلة.

أزياء تراثية وآلات من الطبيعة

ينسحب البعد الفلكلوري في أغاني "عبيدات الرما" على الأزياء أيضاً. فأعضاء الفرق حريصون على ارتداء لباس مغربي تقليدي، هو في الأساس اللباس الذي يرتديه المغاربة في المناسبات الدينية والاجتماعية. ويكون اللون الأبيض هو المهيمن في الغالب على أزياء المؤدين، حيث الجلباب المغربي والقميص والعمامة والبلغة هي العناصر الأساسية في هذا الهندام الفني. ويمكن أن تكون هناك عناصر تكميلية مثل خناجر الفضة ومحافظ الجلد التراثية. وغالباً ما يرتدي رئيس الفرقة ملابس بلون مغاير يميزه عن باقي أعضاء الفرقة. وإن ظهرت لدى الشباب ألوان جديدة للجلباب إضافة إلى الأبيض، فالقاعدة هي أن يكون اللون موحداً لدى الجميع، باستثناء قائد الفرقة، هذا الأخير غالباً ما يتوسط المجموعة أو يتقدمها، ويعطي إشارات صوتية وإيقاعية فضلاً عن حركات رأسه، من أجل ضبط ميزان الأداء، كي تكون الإيقاعات متناغمة مع الحركات الاستعراضية، بالتالي تتحقق الفرجة لدى المتلقي على النحو المأمول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتجنب فرق "عبيدات الرما" الآلات الموسيقية الحديثة، وتستخدم بالمقابل آلات بسيطة مصنوعة من مواد أولية متاحة في البوادي. فالتعريجة (دربكة صغيرة) مصنوعة من الطين وجلد المواشي، والطارة (الدف) من الجلد والخشب، والآلة التي تحدث إيقاعاً مختلفاً هي المقص الكبير الذي يستعمل عادة في جز الخراف.

يؤدي أعضاء الفرقة رقصات تعبر عن مظاهر الحياة البدوية، إذ يقومون بتشخيص حركات الحرث والقنص والحصاد والفانتازيا والخدمات المنزلية في تناغم مع معاني الأغاني المرافقة لرقصاتهم. يتعلق الأمر بعمل مسرحي مشهدي يترجم الدلالات النصية. ونصوص "عبيدات الرما" هي في الغالب إما ذات طابع شذري، خصوصاً في الأغاني التي تستند إلى الحكم والأمثال، أو ذات طابع سردي وصفي في القطع المطولة التي ترصد تفاصيل الحياة القروية. وإن كان الجانب الحكمي حاضراً في أغاني الفرقة ومردداتها، فإن الجانب الهزلي هو المهيمن، ذلك أن هذا النوع من الغناء، بأشكاله الاستعراضية المتنوعة، يروم إلى إضحاك الحاضرين والترفيه عنهم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة