Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقيع رسمي على الترسيم بين لبنان وإسرائيل و"حزب الله" يفك استنفاره

تعددت التوصيفات القانونية لما تم التوصل إليه فبيروت اعتمدت كلمة "رسالة" وتل أبيب وصفته بـ"الاتفاق" وواشنطن اعتبرته "اتفاقاً"

الاتفاق على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لا ينسحب على الحدود البرية (غيتي)

بتأخير 10 سنوات طوي ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مع توقيع البلدين على اعتماد الخط (23) خطاً حدودياً بحرياً استعاد لبنان بموجبه مساحة 860 كيلومتراً مربعاً جرى التنازع عليها، والاعتراف بحقل كاريش لإسرائيل في مقابل حصول لبنان على حقل قانا الذي نالت إسرائيل في مقابل حصة منه تعويضاً مالياً حدد بنسبة 17 في المئة من أرباح الجزء المتاخم لمنطقتها في قانا ستحصل عليه من شركة "توتال" الفرنسية.

"يوم تاريخي" عبارة رددها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي نجح في إيصال الملف إلى بر الأمان في لحظة إقليمية دولية مناسبة على رغم تعقيدات حالت دون بته لسنوات طوال.

اتفاق "رابح رابح" كما يصفه عضو الوفد اللبناني السابق في مفاوضات الحدود البرية والمشارك في وضع الخط الأزرق العميد المتقاعد عبدالرحمن شحيتلي، أنهى صراعاً تاريخياً وحقق الطرفان بنتيجته مكاسب اقتصادية وإن كانت متأخرة بالنسبة إلى لبنان خمس سنوات وما فوق عن إسرائيل التي بدأت عملياً استخراج غازها وتستعد لتصديره إلى أوروبا، فيما ينتظر لبنان سنوات طوال للتأكد من وجود الغاز قبل بلوغ مرحلة التنقيب.

وقد سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد إلى تحويل الاتفاق إلى مسار آخر غير مسبوق عندما اعتبر أن "لبنان اعترف بإسرائيل في الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية"، وإذا كان الاعتراف اللبناني بإسرائيل وجهة نظر إسرائيلية تنفيها السلطات اللبنانية التي تذكر بأن الاتفاق لم يوقع بالمباشر مع إسرائيل بل بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، يبقى الإنجاز الأهم بالنسبة إلى الدولة الإسرائيلية أنها تمكنت من الحصول على الضمانات الأمنية وتأمين الهدوء على الحدود مع لبنان، وذلك بتعهد فرنسي حصلت عليه من "حزب الله" وإيران، وأبلغته إلى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وأعطيت بذلك ترسانة "حزب الله" العسكرية استراحة قد تكون طويلة من ضمنها الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة التي لطالما تغنى الأمين العام للحزب حسن نصرالله بامتلاكها.

النتائج الأولى إعلان نصرالله وقف الاستنفار

على رغم أن الاتفاق على الحدود البحرية لا ينسحب على الحدود البرية ومن ضمنها مساحة الخمسة كيلومترات التي تمتد من نقطة الناقورة إضافة إلى النقاط الـ 12 التي لا تزال إسرائيل موجودة فيها لاعتبارات أمنية استراتيجية كما تقول، إلا أن كلام الوسيط الأميركي من قصر بعبدا وقبله الرئيس الأميركي جو بايدن خلال استقباله الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في البيت الأبيض، جاءا ليؤكدا فرضية دخول المنطقة الحدودية مرحلة جديدة، فبايدن الذي اعتبر أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يمثل اختراقاً تاريخياً، قال أيضاً إن الاتفاق "يمهد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً"، فيما أكد هوكشتاين من بيروت أن من شأن الاتفاق توفير الاستقرار على جانبي الحدود، مستبعداً أي خرق له.

وترافق الكلام الأميركي مع كلام لافت للأمين العام لـ "حزب الله" وصف فيه اتفاق ترسيم الحدود بالانتصار الكبير للدولة اللبنانية والشعب والمقاومة، وقال "في ما يتعلق بالمقاومة تكون المهمة انتهت وبناء عليه كل التدابير والاستنفارات الاستثنائية التي اتخذتها المقاومة أعلن أنها قد انتهت"، ووصف نصرالله من اعتبرهم بأنهم صدموا بعد انجاز اتفاق الترسيم بأن حقدهم يعميهم، ونفى أي كلام عن التطبيع واعتبر أنه تجن لا أساس له من الصحة.

لماذا تأجل تشكيل الوفد اللبناني؟

ومع وصول الوسيط الأميركي إلى بيروت مساء الأربعاء الـ 26 من أكتوبر (تشرين الأول)، لم يكن القصر الجمهوري قد حسم بعد أمر الوفد اللبناني الذي سيتوجه إلى الناقورة بسبب عدم الاتفاق على هوية وصفة مُوقع وثيقة الاتفاق الأميركية من الجانب اللبناني، وقد بررت مصادر في قصر بعبدا لـ "اندبندنت عربية" التأخير بأن الجانب اللبناني كان ينتظر الاطلاع على شكل الوفد الإسرائيلي قبل حسم قراره، علماً أن لبنان كان تبلغ عبر نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب كل التفاصيل المتعلقة بهذه المسألة.

وفي المقابل ذكرت مصادر سياسية لـ "اندبندنت عربية" أن تأخر تشكيل الوفد كان بسبب تردد كل من طرحت أسماؤهم من تحمل مسؤولية التوقيع على وثيقة اعتبر كثيرون أنها ستمهد عاجلاً أم آجلاً إلى التطبيع مع إسرائيل، ولأن الرسالة تم توقيعها من الجانب الإسرائيلي على مستوى رئيس الحكومة، فقد قضى الإخراج الذي اتفق عليه مساء الأربعاء بين الوسيط الأميركي وبوصعب في قصر بعبدا أن يوقع رئيس الجمهورية ميشال عون على الرسالة الأميركية التي تنص على الاتفاق وكامل بنوده، فيما تولى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب التوقيع على النسخة التي تتضمن موافقة لبنان وسترسل إلى الأمم المتحدة، فيما فصلت الوثيقة المتعلقة بالإحداثيات الجديدة المتفق عليها بين الجانبين بناء لرغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أصر على العودة للناقورة بناء على اتفاق الإطار الذي كان توصل إليه مع سلف هوكشتاين والتوقيع هناك على الإحداثيات قبل تسليمها إلى الأمم المتحدة بالتزامن مع تسلم هوكشتاين الرسالة الموقعة من رئيس الجمهورية، وترك الإعلان عن الوفد اللبناني إلى صباح الخميس بالتزامن مع وصول الوسيط الأميركي إلى بعبدا لتسليمه نص الاتفاق. وترأس الوفد المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير وضم مفوض الحكومة لدى القوات الدولية العاملة في الجنوب العميد منير شحادة وعضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية في وزارة الخارجية والمغتربين السفير أحمد عرفة.

وشكر شقير هوكشتاين وفريقه على جهوده مع فريق التفاوض اللبناني والأمم المتحدة "لاستضافتها هذا الحدث"، كما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "للعبه دوراً مهماً في تسهيل الوصول إلى خلاصة هذا الاتفاق".

وقال "تم تكليفنا بتسليم الرسالة الموقعة من الرئيس ميشال عون إلى هوكشتاين، ولاحقاً سنسلم الرسالة الموقعة من وزير الخارجية اللبناني إلى المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونيكا كي يتم وضعها في نشرة قانون نشرة البحار وفي الموقع الإلكتروني لشؤون المحيط وقانون البحر".

هل توقيع رئيس الجمهورية يعني عقد اتفاق؟

تعددت التوصيفات القانونية والفذلكات التي أعطيت لما تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل من خلال الوساطة الأميركية وإن كانت النتيجة واحدة، فبين اعتماد كلمة "رسالة" من قبل الجانب اللبناني واعتماد إسرائيل عبارة "اتفاق" وإشارة الراعي الأميركي إلى أن ما حصل هو "اتفاق"، برز أكثر وأكثر الحرج اللبناني والتخبط في الإخراج الذي ترك أكثر من تساؤلات.

وفي المقابل، اعتبر خبراء قانونيون أن توقيع رئيس الجمهورية يعني أن ما حصل هو "اتفاق"، إذ إن الدستور يحدد لرأس الدولة مهمة إجراء المعاهدات الدولية وتوقيع الاتفاقات، والالتباس الذي خلفه توقيع رئيس الجمهورية يبرره العميد شحيتلي بالقول إن الورقة التي وقع عيها رئيس الجمهورية غير محددة في القانون هل هي ترتيبات أم اتفاق؟ ويعتبر شحيتلي أنه بمجرد تضمن النص عبارة تفيد بأن "النقاط الواردة فيه نهائية ولا رجوع عنها" خصوصاً تلك المتعلقة بالإحداثيات يعني أنه تم الاتفاق على النقاط الحدودية، وهي كانت تستوجب وضع اتفاق لكن لم يحصل ذلك.

ويضيف شحيتلي أن ما تم التوصل إليه اتخذ شكل اتفاق خاص أبدى خلاله الطرفان مرونة أسهمت في حصول إسرائيل على حدودها في مقابل رفض لبنان منحها ذلك، مسجلاً تحفظه على نقطة وحيدة تمثلت في ربط الاتفاق بالولايات المتحدة الأميركية، الجهة الضامنة للبنان وليس بالأمم المتحدة وقانون البحار.

وبحسب شحيتلي قرر رئيس الجمهورية تحمل مسؤولية التوقيع وهذا قراره، خصوصاً أن أي تفويض لأي مسؤول للتوقيع لا يمكن أن يتم إلا بقرار من مجلس الوزراء، ولأن الحكومة هي حكومة تصريف أعمال ولا يمكن أن تجتمع كان القرار بأن يتبنى رئيس الجمهورية التوقيع، لأنه لا يحتاج إلى تفويض إلا من الدستور، والدستور قد كفل له ذلك، لكن السؤال هو هل توقيع رئيس الجمهورية يعني أن ما حصل هو اتفاق، وبالتالي على مجلس النواب أن يناقشها؟

الرد الرسمي أتى على لسان رئيس الجمهورية الذي سارع إلى توضيح توقيعه على الوثيقة الأميركية وبنود الاتفاق فيها مخففاً من وطأتها السياسية، إذ حصر إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بالعمل التقني، وأكد "ألا أبعاد سياسية له أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول".

في الناقورة

لم تكن محطة الناقورة كمعبر الزامي لاختتام مسار ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سوى ترجمة عملية لإرادة رئيس مجلس النواب في حصر الاتفاق على الإحداثيات ضمن اتفاق الإطار الذي كان هو من توصل إليه في بدايات المفاوضات، وقد كان بري موضع إشادة من قبل الوسيط الأميركي الذي اعتبر أن بري لعب دوراً رائداً خلال السنوات الـ 10 الماضية، مقدراً له قيادته وجهوده لهذا المسار ودفعه قدماً من أجل الوصول إلى هذا التفاهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن مراسم الناقورة الشكلية لم تخل من بعض الاعتراضات الإسرائيلية التي كادت أن تودي بالترتيبات، عندما عمدت زوارق إسرائيلية بخطوة استعراضية إلى خرق المياه اللبنانية الإقليمية، رفض على أثرها الوفد اللبناني المكلف من قبل رئيس الجمهورية، الذهاب إلى المكان أعد في مقر الأمم المتحدة في الناقورة لاستضافة الحدث، ولم يقبل الوفد الانتقال إلى الموقع قبل مغادرة الزوارق الإسرائيلية المياه الإقليمية اللبنانية.

وبعيداً من الإعلام والصحافيين، وقّع الفريقان اللبناني والإسرائيلي كل في غرفة خاصة، نسخة عن الوثيقة الخاصة بإحداثيات الحدود البحرية التي تم التوافق عليها، وسلم كل وفد نسخته إلى الوسيط الأميركي الذي تسلم أيضاً من الوفدين نص الاتفاق أو الرسالة الأميركية الموقعة من رئيس جمهورية لبنان والنسخة الموقعة من رئيس حكومة إسرائيل.

وحضرت مراسم التوقيع أو تبادل النسخ المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، فكانت الشاهدة على تغيير الإحداثيات الموجودة لدى الأمم المتحدة منذ العام 2011. هذا وعُلم أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ فور إرسال الولايات المتحدة الأميركية الإشعار الموقع من قبل الدولتين والذي يتضمن تأكيد موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في الاتفاق.

دعوى قضائية لإسقاط الاتفاق

وإذا كانت نهاية عهد الرئيس عون بعد أقل من أربعة أيام، صاحب التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل ليست مصدر قلق لدى الوسيط الأميركي، فهل يجب أن يرتاب الوسيط الأميركي من مسار قضائي وشعبي قرر اتخاذه منتقدو الاتفاق في الداخل وصولاً إلى إلغائها.  فهوكشتاين الذي تنقّل بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي ومقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة اختار منبر الرئيس نبيه بري للقول "بغض النظر عن نتائج الانتخابات وعمن سيكون الرئيس المقبل للبنان، أنا متأكد أن هذا التفاهم آمن ومحمي". لكن بالتزامن كانت جمعية الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية وجبهة الدفاع عن الخط (29) تقدم دعوى قضائية لدى النيابة العامة التمييزية في قصر العدل في بيروت ضد كل من يظهره التحقيق مشاركاً في جريمة التخلي عن ثروتنا البحرية، كما جاء في الدعوى التي حملت رقم (4097/ 2022).

وكشف أحد أبرز مؤسسي هذه الجمعية وأشرس المعارضين لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الدكتور عصام خليفة ومرشح نواب التغيير لرئاسة الجمهورية لـ "اندبندنت عربية"، أن المعركة مفتوحة إلى ما شاء الله وأنهم سيتحركون شعبياً ومن خلال القانون الدستوري والقوانين الدولية.

وقال خليفة "لن نقف مكتوفي الأيدي، وبالنسبة إلينا فهذا الاتفاق حبر على ورق، وكما تم الغاء اتفاق "17 أيار" وقبله "اتفاق القاهرة"، سيتم إلغاء هذا الاتفاق، والأيام بيننا".

ونص البيان الصادر عن جمعية الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية على أن "الشعب اللبناني سيلاحق وسيحاسب كل من سيوقع على اتفاق الخيانة من المدنيين أو العسكريين أو السياسيين".

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط