Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بإمكان أميركا أن تساعد الانتفاضة الإيرانية؟

أوباما اعترف بندمه على عدم دعم الثورة الخضراء في 2009 وبايدن غاضب وبلينكن وعد بعقوبات ومدير الاستخبارات على الخط

إدارة بايدن قد تنقلب على النظام الإيراني إذا اقترب الحزب الديمقراطي من الانقسام على نفسه داخل أميركا (أ ف ب)

سؤال يطرح في واشنطن وفي كل مكان منذ انفجار الانتفاضة الشعبية في سبتمبر (أيلول)، واستمرارها بقوة حتى اليوم: هل ستدعم الإدارة الاحتجاجات في إيران؟ وهل هي قادرة أن تدعمها وكيف؟ وكيف سيؤثر ذلك في مسار الثورة ومستقبلها؟ ماذا سيفعل النظام؟

كلها أسئلة منفصلة ودسمة، لكنها مترابطة. فالسؤال الأول حول قرار واشنطن حيال الانتفاضة سيتحكم ببقية التساؤلات. فإذا قررت إدارة بايدن الانخراط في الدعم هو شيء، وإذا قررت ألا تتدخل، شيء آخر، ثم يأتي السؤال الثاني حول كيفية الدعم، إذا قرر البيت الأبيض ذلك. وإن دعمت واشنطن التظاهرات هل ستنتصر هذه الأخيرة أم بالعكس ستضعف؟ والسؤال الأخير يبقى: ماذا سيفعل النظام حيال تدخل أميركي وربما أطلسي؟

بالطبع الإجابات تحتاج إلى مقالات منفصلة، سننشرها مع تطور الأحداث، وقد تحتاج إلى مجلد، إلا أن هذا المقال سيكون نظرة أولية على هذا الموضوع المعقد الذي يتطور خلال علاقات دولية متأزمة.

هل يدعم بايدن الانتفاضة؟

الجواب البراغماتي في واشنطن هو: لا أحد يعلم، كل شيء ممكن، كما هي الحال في إدارة الأزمات العالمية. البعض من المتفائلين يقول إن البيت الأبيض قد يقيم الوضع، ومع تصاعد القمع وتعالي صراخ المتظاهرين وبخاصة المتظاهرات، سيتأثر الرأي العام الأميركي فيضغط على بايدن لكي يتحرك "ميدانياً" ضد الحكم في إيران. فريق آخر يعتقد أن الإدارة لن تغير في موقفها الأساسي الداعم للاتفاق، ولو "لونت" هذا الموقف وأطلقت عبارات منددة بقهر النساء وقمع المتظاهرين، فلوبي الاتفاق لا يزال مسيطراً على السياسة الخارجية، وبخاصة الملف الإيراني، هذا الرأي يعتبر أن الإدارة سيكون لها مواقف تجميلية، لكن لن تتخلى عن النظام ما دام الاتفاق ممكناً.

لذلك يبقى الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، ويبقى الاحتمال الأكبر، ما لم ينفجر الوضع كلياً داخل إيران، هو تزايد الدعم الكلامي من واشنطن للمتظاهرين، لكن مع الاستمرار في التفاوض من أجل "الاتفاق". خطان متناقضان يعكسان الصدام بين التضامن الليبرالي مع المجتمع المدني في إيران من ناحية، والمصالح مع طهران إقليمياً. إدارة بايدن قد تنقلب على النظام الإيراني إذا اقترب الحزب الديمقراطي من الانقسام على نفسه داخل أميركا وبات هنالك خطر على موقع الرئاسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مخاطر سياسية كهذه على إدارة بايدن، باتت ملامحها تظهر مع سلسلة مواقف اتخذتها شخصيات أساسية في واشنطن، وأهمها مدير الاستخبارات المركزية، الذي قال إن الوكالة "تفاجأت" بعزم النساء الإيرانيات والمحتجين للاستمرار في الانتفاضة. وتبعه وزير الخارجية بلينكن الذي وعد بعقوبات على المسؤولين عن الاعتداءات على المتظاهرات، وبعده صرح بايدن نفسه بأنه "غاضب" من القمع و"معجب بالفتيات الشجاعات". لكن أهم تصريح كان للرئيس السابق باراك أوباما الذي فاجأ الأميركيين عندما اعترف بأن عدم دعمه للثورة الخضراء في 2009 كان ناتجاً من "استشارة خاطئة"، وسنعود إلى تصريحه في مقال آخر. هذه المواقف المهدئة لمعسكر بايدن أوباما، إن عنت، فتعني أن الوضع تجاه إيران بات حرجاً وأن استراتيجية هذا المعسكر هي بتهيئة نفسه لاحتمالين معاً: إما أن يسقط النظام وإما أن تنهار الثورة.

كيف تساعد أميركا؟

لو افترضنا ان الإدارة والكونغرس توحدا تجاه دعم الانتفاضة، وتفاهم الحزبان على مساندة الاحتجاجات، وهذا ليس قائماً الآن، لكن إن افترضنا ذلك، ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تقوم به؟ لواشنطن قدرات هائلة، وموارد كبيرة، وقوة عسكرية حاسمة. فكيف يمكنها دعم المجتمع الإيراني؟ هنا أيضاً الأجوبة متعددة ومعقدة. فالتساؤل الأول هو إلى أي حد تريد القيادة الأميركية أن تتدخل؟ إعلامياً، دبلوماسياً، قانونياً، اقتصادياً، أو حتى عسكرياً؟ فهي قادرة أن تنفذ أياً من هذ الضغوط، والنماذج موجودة.

الضغوط السياسية استعملت في مصر وتونس أيام ما سُمي "الربيع العربي"، وكذلك الخيار العسكري من الجو والبر كما فعلت في ليبيا ضد القذافي، وهناك العقوبات كما في دول عدة، أو في نهاية المجال، حملة عبر اجتياح عسكري كما في أفغانستان والعراق. إلا أن الخيار الأضمن والأكثر فاعلية، وهو خيار لم تنجح فيه واشنطن كثيراً، هو دعم متواصل ومتصاعد للمعارضة أو المقاومة. اللائحة طويلة، والسيناريوهات متعددة، لكن خيار الدعم مرتبط بقرار سياسي حاسم، إذ إن نتائج خيارات كهذه ستكون مدوية على المنطقة والداخل الأميركي، واتخاذ قرار كهذا يحتاج إلى التخلي عن سياسة سابقة، وهذا حتى هذه اللحظة، لم يحصل بعد.

هل تستفيد المعارضة؟

بعض أصحاب الرأي، ومعظمهم من الأكاديميين اليساريين، ينظرون إلى الدعم الأميركي كقبلة الموت Kiss of Death، إذا دعمتك واشنطن، ستنفجر ثورات بوجهك وتنهار، كما حدث مراراً، لكن هذه المقولة إما ماركسية أو إسلاموية، تشجع الشعب كي لا ينفتح على الولايات المتحدة، لأن انفتاحاً كهذا سيبني جسوراً مع القوة العظمى ويضرب أجندات الراديكاليين. لكن البعد الفعلي لتحليل كهذا هو بوجود أم عدم وجود خطة استراتيجية ذكية للمعارضة أم لا. المأساة هي فعلاً إذا انقسمت المعارضة، أو فشلت في استبدال النظام، أو عمت الفوضى فيها. أميركا بإمكانها أن تجلب النصر للمعارضة الإيرانية، لكن النجاح هو بين أيدي الثوار أنفسهم.

النخبة الحاكمة في طهران محاصرة بخيارات محدودة، فإما أن تقبل بالتراجع، فتتقدم الثورة وتطيح النظام، وإما أن تضرب الاحتجاجات وتقمعها، وتدخل نفق المواجهة مع مقاومة ميدانية. بالطبع السلطة الخمينية غير قارة على الإصلاح، والتبدل الداخلي، إذ هي عقائدية متحجرة، إذا فتحت نظامها للإصلاح، تنهار. خيارها الوحيد هو الاستمرار في المواجهة، وتدمير الانتفاضة. إذا سكت العالم، قد تكسب بعض الوقت، حتى انفجار الثورة النهائية ضدها. لكن إن ساعد العالم الحر قوى المعارضة في إيران، سيتعرض النظام لخطر الانكسار.

لذا أمام طهران خياران حقيقيان، إما أن تتشدد وتقترب من الصين وروسيا أكثر، وتشن حرباً دامية على شعبها، وإما أن تحاول عقد صفقة مع واشنطن للخروج من مأزقها التاريخي. من هنا تعود الحلقة إلى الولايات المتحدة، إما أن تساعد النظام على خطى الاندثار، أو أن تعطي الضوء الأخضر لإسقاطه.

كل ذلك سيكون مرهوناً بمن معه السلطة في المستقبل القريب، وليست الانتخابات النصفية إلا محطة من محطات التقلبات الأميركية.

سنرى.

المزيد من آراء