Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كيف ندافع عن سلوك كهذا؟" متدينون يهاجمون النظام الإيراني

في غرف المحادثة الإلكترونية وفي المقابلات، يعبّر داعمون سابقون لحكّام طهران عن اشمئزازهم وغضبهم

إيرانيون يحتجون على وفاة مهسا أميني ابنة الـ22 ربيعاً (أسوشيتد برس)

كرّس الـ25 سنة الماضية من حياته في التفاني في خدمة الإسلام وقيم الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو ينتمي إلى "حياة"، إحدى شبكات لجان الأحياء الدينية التي تنظّم دائماً مراسم حداد لإحياء ذكرى وفاة الإمام الحسين، حفيد النبي محمد وإحدى الشخصيات المركزية في المذهب الشيعي الذي تعتنقه الغالبية في إيران.

لكن خلال الأسابيع الخمسة الماضية، انتابته أزمة ضمير وهو يشاهد انفراط عقد [نسيج] إيران في أعقاب وفاة مهسا أميني التي كانت تبلغ من العمر 22 سنة، بعد اعتقالها على يد شرطة الأخلاق وما تبع ذلك من موجة احتجاجات. 

ويقول وحيد خوراميان، المهندس الإيراني والشخصية المعروفة على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال نقاش علني دار أخيراً على "تويتر" وشارك فيه الآلاف "إن الظلم يظلّ ظلماً سواء وقع بيد أميركا أو إسرائيل أو الجمهورية الإسلامية. وما تعلّمته في "حياة" خلال الخمس وعشرين عاماً الماضية هو أن أقف بوجه الظلم وليس إلى جانب الظالم".

يقف قسم كبير من المحافظين المتديّنين والمتشددين في إيران إلى جانب النظام. لكن وفاة أميني وطريقة تعامل الحكومة معها ومع الأحداث التي تلتها أدت إلى شقاق كبير داخل معسكر المحافظين. لم يعبّر أيّ من المسؤولين الكبار تقريباً عن دعمه للتظاهرات، خلافاً لما فعله بعضهم خلال انتفاضة عام 2009. لكن بعض المسؤولين شككوا علناً في قانون فرض الحجاب الذي أدى إلى اعتقال أميني وأثار غضب الإيرانيات.

وبعيداً من النخبة السياسية، انتشر شعور المعارضة بالاستياء بشكل أكبر. ويقول خوراميان، الذي لفت إلى حديثه مع عشرات أعضاء "حياة" منذ بداية الاحتجاجات "يقول المحافظون إن هؤلاء الناس أهانونا نحن أيضاً عندما تصرفوا بهذه الطريقة. ويقولون: كيف لنا أن ندافع عن سلوك كهذا؟".

وتحدّث آخرون عن نشوء وحدة نادرة لا تجمع بين الجنسين ومختلف المجموعات العرقية فحسب، بل بين مختلف الأطياف الثقافية والسياسية.

ويقول طالب العلوم السياسية، أمير، الذي يتحدر من عائلة محافظة في مقابلة هاتفية "يقول الجميع إنه لا يمكن تأييد هذا القمع. وهذا رأي المتديّنين حتى. لديهم انتقادات للحكومة والمنحى الذي تأخذه الأمور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتبر استطلاع آراء المحافظين الإيرانيين والجهات التي قدّمت دعمها للنظام حتى الآن، أمراً شديد الأهمية في سبيل تحديد النتيجة المحتملة لموجة الاحتجاجات. لا تؤدي معظم الانتفاضات الشعبية إلى تغييرات سياسية جذرية في الدول الاستبدادية سوى عندما تنقلب بعض أجزاء النخبة والقواعد الشعبية لمناصريها التاريخيين ضد النظام.

تدلّ عدة مؤشرات إلى تراجع القاعدة الشعبية للنظام الإيراني منذ عدة سنوات. إذ انخفض إقبال الناخبين على الاقتراع خلال الجولتين الأخيرتين من الانتخابات الوطنية، بشكل ملحوظ. كما قاد الفقراء المتديّنون والطبقات العاملة في المدن الصغيرة، الذين يعتبرون من دعائم مؤسسة الحكم، عدة موجات من الاحتجاجات منذ 2017.

 ولو وقع أي انشقاق في صفوف المثقفين المحافظين الغاضبين من النظام الآن، فسوف يسدّد انشقاقهم ضربة أكبر للمرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي، الذي يعتبر نفسه منذ زمن بعيد المثقف الداعم للفنون والعلوم.

 

ويقول علي رضا مصطفي، مضيف غرفة دردشة تحظى بشعبية وتجمع إيرانيين من مختلف التوجهات السياسية، من بينهم محافظون متديّنون ومصلحون من داخل البلاد، كما معارضين للنظام مقيمين في الخارج "عندما ترى سيدة ترتدي التشادور الذي يغطي كل جسدها، تتظاهر في الشارع إلى جانب امرأة لا ترتدي الحجاب، اعلم بأن دور (شرطة) الأخلاق قد انتهى. لكن ما يخشونه هو أنهم إن أصلحوا هذا الجانب [من المشكلة] فسيتعيّن عليهم تفكيك كل ما عداها، وسوف ينهار البنيان بأكمله". 

تختلف النقاشات السياسية التي تدور بين الإيرانيين المحافظين الذين يبتعدون عن النظام عن تلك التي تدور بين الإيرانيين في الخارج بشكل كبير. فهم يستخدمون الحجج الدينية ويستشهدون بقوانين الجمهورية الإسلامية نفسها لإظهار نفاق النظام.

خلال إحدى النقاشات الأخيرة على "تويتر"، دار حوار بين المشاركين حول رواية عن الإمام علي، والد الإمام الحسين وابن عمّ النبي محمد. ويقول أحد المتحدثين إن الإمام علي كان يستجيب لطلب الغالبية باستمرار- على النقيض مما يفعله النظام.

في صفحة دردشة أخرى، ذكر أحدهم أن العديد من الإيرانيين في الداخل يواجهون "قيوداً" على أفعالهم وأقوالهم. وردّ آخر بذكر رواية المعركة البطولية والمأساوية التي خاضها الإمام الحسين ضد مغتصبي الخلافة الإسلامية في سهول العراق الجنوبية، التي تُسمّى معركة عاشوراء، وتُعتبر من أهم الأحداث في المذهب الشيعي.

ويقول "في كربلاء، خلال عاشوراء، كان كثيرون يواجهون قيوداً كذلك".

وأحياناً أخرى يعبّرون عن أسفهم لتأثير الأزمة الحالية على قيم المحافظين مثل العائلة والإيمان.

ويقول السيد خوراميان "تابعت هذه الفتاة محطتكم التلفزيونية طوال 20 عاماً من دون أن تستطيع توجيهها. ومع ذلك سوف تنجحون بإرشادها (إلى طريقكم) في ربع ساعة؟ لا يمكنهم تحويل شخص إلى التديّن في ربع ساعة لكن في عشر ثوانٍ، يمكنكم أن تجعلوا شخصاً يفقد إيمانه كلياً بالله والرسول والدين".

كما أعرب أحد الصحافيين عن أسفه على أن الأطفال الذين يفترض بهم أن ينغمسوا في اللعب والدراسة يقضون الوقت بدل ذلك في الهروب من الرصاص وتعلّم تفاصيل صناعة القنابل الحارقة. ويقول "ينشأ جيل كامل من الفتية والفتيات، وحتى الأطفال، وهو غارق في الخطاب السياسي ويرى أن الاحتجاجات جزء من طفولته".   

وأجاب مستمع آخر بقوله "هذا الذي تصفه، هو الموت. هذا موت إيران".

 

ومن بين الأصوات المعارضة التي تتعالى، صوت أُسر شهداء الحرب الإيرانية - العراقية، والمصابين الذين نجوا من ذلك الصراع، وعائلاتهم المحافظة. 

ويقول السيد حسن آقاميري، رجل الدين الإيراني الذي عزله النظام منذ عدة سنوات، في منتدى إلكتروني "يسألون إن كانت هذه طريقة مناسبة لحكم بلاد. يرزح الناس تحت ضغوط اقتصادية ويعانون من ضغوط نفسية. وهم يواصلون زيادة هذه الضغوط على عاتقهم [تكبيدهم مزيداً من الضغوط والأعباء]".

ثم هاجم شدة عنف النظام فقال "أتضربون فتيات المدارس! ما مدى الغباء الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان؟ أنتم تطلقون غازاً مسيلاً للدموع داخل المدارس. تواصلون الكلام عن القانون. ما الذي يمت إلى القانون بصلة في ما تفعلونه؟ هل الشرطة التي ترتدي لباساً مدنياً جزء من القانون؟". 

حتى الشخصيات التي لم تتدخل في السياسة في السابق واعتُبرت رموزاً وطنية، ضمّت صوتها إلى إدانة النظام. ومن بينها نجما كرة القدم علي كريمي وعلي دائي، اللذان هاجما الفظائع المزعومة التي يرتكبها النظام. 

ويقول آقاميري "لم يتركوا أي مجال للدفاع عنهم. بلغ سلوك الحكومة درجة تجعل الإنسان غير قادر على التزام الصمت حتى".

يستمر النظام الإيراني في اعتبار الاحتجاجات مؤامرة خارجية صنعتها أو أقلّه عزّزتها القنوات الفضائية الدولية التي يموّلها أعداء طهران والحكومات الخارجية. ويدخل بعض الإيرانيين المحافظين على هذا الخط للسخرية من هذه التفسيرات.

ويرى خوراميان  قائلاً "لا يتوقفون عن الكلام عن أميركا وإسرائيل. هل أمرت أميركا وإسرائيل بالقبض على هذه الفتاة؟ من غير الواضح حتى ما الذي فعلوه بها. هل قالوا لكم ألا تعتذروا؟ هل السعودية التي طلبت منكم أن تفعلوا هذا؟ أو أميركا؟ هل قالت إسرائيل، لا تلوموا أحداً؟ ولا تطردوا أي شخص؟ ولا تدعوا أي شخص يستقيل؟ هل اللوم في ذلك يقع على أميركا أيضاً؟".

في أغلب الأوقات، تتبنى وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة نبرة انتصار، وتستخف بأهمية الاحتجاجات وتسخر من المعارضة وتفرح للخلافات التي تنشب بين المنفيين المنقسمين. لكن المحلّلين يلحظون الهواجس العميقة في أوساط المحافظين كذلك. من دون أي إعلان رسمي، سُحبت شرطة الأخلاق، وحدات الدوريات المسمّاة بـ"الإرشاد"، المتورطة في اختطاف أميني ووفاتها أثناء اعتقالها.

يعتقد كثيرون بأن استراتيجية النظام هي إثارة فوضى عارمة على الطرقات ورفع مستوى العنف لدرجة تبثّ الخوف في نفوس معظم المحتجين وتبعدهم عن الشوارع، ومن ثمّ إعادة [إحكام قبضة] شرطة الأخلاق، وتعزيز بنيان الخوف والرعب الذي يمنع الإيرانيين الذين يحتقرون النظام من إعلان العصيان المدني. 

على رغم استمرارها، بدت الاحتجاجات في الأيام الأخيرة أصغر حجماً، وهي إشارة سيفسّرها النظام على أن قمعه يعطي نتيجة [يؤتي ثماره]. 

إجمالاً، يشعر من يعرفون عقلية المتشددين، بالتشاؤم إزاء احتمال أن تسفر الاحتجاجات عن تغيير سياسي، وقد حذّروا في النقاشات والمنتديات العلنية من سوء تقدير نفوذ النظام وقسوته.

ويقول أمير، الطالب الجامعي "كلما أفكّر بهم، ينتابني شعور باليأس. لديهم قوة تبلغ بين 4 و8 ملايين فرد وهذا الحشد قوة دائمة. ولن يثير النظام استياء هذه الشريحة أبداً. في زمن الحرب أو الخطر، يساند هؤلاء النظام دائماً. وسوف يموتون ويقتلون في سبيل النظام".

© The Independent

المزيد من تقارير