Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعني عودة "حماس" إلى دمشق نهاية "الربيع العربي"؟

من المفارقات اللافتة أن الحركة حظيت في البداية ببعض الثناء بسبب موقفها من الانتفاضات

رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" إسماعيل هنية  بعد توقيع الفصائل الفلسطينية "إعلان الجزائر" (غيتي)

أكثر من عقد من الزمان، فصل ما بين قطع "حركة المقاومة الإسلامية" "حماس" علاقتها مع النظام السوري عام 2012، بعد اندلاع النزاع في سوريا في مارس (آذار) 2011، دعماً للمعارضة السورية وجماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة هناك منذ ثمانينيات القرن الماضي، والداعمة بدورها المعارضة السورية، وعودتها الأخيرة. ودفعت حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، منذ عام 2007، بإعلان استئناف علاقتها مع السلطات السورية مرة أخرى بتحركات مكوكية لتحقيق أهداف طموحة، ما يمهّد إلى عودة فعاليتها ضمن "محور المقاومة" الذي تقوده إيران ضد إسرائيل.

ووصف رئيس "مكتب العلاقات العربية والإسلامية" في حركة "حماس" خليل الحية لقاءه برئيس النظام السوري بشار الأسد بأنه "لقاء تاريخي وانطلاقة متجددة للعمل الفلسطيني السوري المشترك". ولكن ليس من المؤكد ما إذا كان هذا التحول نحو "محور المقاومة" الذي يضم سوريا وتنظيم "حزب الله" اللبناني وجماعة "الحوثيين" في اليمن قادراً على استيعاب طموحات "حماس" الجديدة، أو على أقلّ تقدير احتوائها من جديد. وذلك نظراً للتغييرات الجوهرية التي مسّت صميم العلاقات في منطقة الشرق الأوسط، وتبدل الأدوار، بينما لا تزال "حماس" على صدر قائمة الجماعات الإرهابية المصنفة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأميركية.

وقبل مفارقتها دمشق، كانت "حماس" تتمتع بقاعدة سياسية في سوريا، فضلاً عن الدعم الذي قدمه لها النظام السوري في حملتها ضد إسرائيل. واستمرت حتى بعد تسلّم السلطة في قطاع غزة عام 2007، ولكن هذا الوضع تغيّر بعد اندلاع الحرب في سوريا وإعلان "حماس" دعمها المعارضة السورية.

الخروج الأخير

ومن المفارقات اللافتة أن "حماس" حظيت في البداية ببعض الثناء بسبب موقفها من انتفاضات "الربيع العربي"، وفي الوقت ذاته كان ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها أحد أذرع "الإخوان المسلمين"، كما أنها لم تنكر دعم النظام الإيراني الواسع لها مع اختلافها المذهبي معه، وعزز هذا النهج تحول "حماس" إلى قوة شعبية، إذ ركّز قادتها على كسب نقاط قوة وحافظوا على سمعة ارتباطهم بـ "الربيع العربي" إلى حين، وكانت الحركة مأخوذة بالتغييرات الطارئة من تلك الأحداث وتغيير الأنظمة وعلاقاتها الخارجية، ومحاولات تلميع صورة "الإسلام السياسي".

حينما بدأ "الربيع العربي" في تونس ثم مصر فاليمن وليبيا، وصفته إيران بأنه "ثورة إسلامية"، ثم قادت الأحداث إلى تحالف خفي بين الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح والحوثيين، عقب صراعات طويلة بينهما، إلى أن انهار التحالف ولقي صالح مصرعه في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 2017.

وبمجرد وصول الانتفاضات إلى سوريا، عدّتها طهران "مؤامرة دولية على المقاومة". هنا برزت الفروقات المذهبية بين "حماس"، بموروثها السنيّ والشعبيّ، وإيران بموروثها الشيعي ومن خلفها النظام السوري، فلم تتقبل الحركة التفسير الإيراني حسب نظرية المؤامرة، أو مواجهة نظام الأسد العنيفة للانتفاضة السورية، وحاولت التأثير في النظام السوري من أجل عقد مصالحة مع المعارضة، أو إجراء إصلاحات، لكنها لم تنجح وما لبثت أن انخفضت مكانتها لدى النظامين. وتدرجت "حماس" سريعاً من الدعم للانتفاضة السورية من دون التدخل في السياسة الداخلية، إلى محاولة الوساطة بين دمشق والمعارضة، وعند طلب نظام الأسد من "حماس" عدم التدخل، غادرت دمشق وأعلن إسماعيل هنية رئيس الحركة وقتها دعمه للانتفاضة، كما دعمت قوات الانتفاضة السورية بفصيل "كتائب أكناف بيت المقدس على أرض الشام" التي أسسها القيادي في حركة "حماس" صلاح أبو صلاح.

وهذه التغييرات في العلاقة هي التي أثرت لاحقاً في فكر واستراتيجيات وعلاقات "حماس" مع النظام السوري، بدأتها تدريجاً بإعلان فك ارتباطها بجماعة "الإخوان المسلمين" عام 2017، وانتهت بإعلان العودة إلى أحضان دمشق.

عوامل العودة

وأدركت حركة "حماس" أن خروجها من سوريا سبّب خيبة أمل لإيران التي كان رد فعلها المباشر، تخفيض دعمها للحركة، وقد توزع ولاؤها بين نقيضين لفترة طويلة ما أغرقها في لجة الوصم بالإرهاب، ولم تستطع التغلب على هذه الميول خدمة لمصالحها. ولم يصدق قادتها أن التنظيم الذي تأسس منذ 14 ديسمبر عام 1987 على يد الشيخ أحمد ياسين، سيتعرض إلى هجوم من إيران وإعلامها، وأن يصل إلى حدّ اتهامها بالخيانة. لكن وقبل أن تنقطع العلاقة نهائياً بين إيران و"حماس"، استأنفت طهران دعمها العسكري للحركة على أثر هجمات نفذتها إسرائيل على قطاع غزة ودخلت مع "حماس" في معركة "حجارة السجيل" عام 2012، قبل أن تتوصل مصر برعاية الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين.

وأدت عوامل عدة إلى إعلان "حماس" العودة إلى سوريا، وهي أولاً، رد الفعل على التغييرات الإقليمية التي قادت إليها "اتفاقات أبراهام"، والإشارات القوية بخروج الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني على أثرها من دائرة الضوء، وعليه، فإن المصالح السياسية في وجود الحركة نفسها يعود إلى وجود حلفاء داعمين. وثانياً، هناك ضرورة أنتجتها هذه التغييرات، بمحافظة "حماس" على هويتها القديمة كتراث سياسي تنظيمي، مع إجراء إصلاحات واسعة تستوعب طموحاتها التي تسعى إلى تجاوز وضعها كحركة سياسية، أو امتداد لتنظيم أيديولوجي، بأن يتمّ التعامل معها ككيان حاكم (ما دون الدولة)، وهذا سيمكّنها من لعب دور إقليمي فاعل. ولعل توقيعها مع حركة "فتح" وبقية الفصائل الفلسطينية برعاية الجزائر، على وثيقة "إعلان الجزائر" أخيراً، لهو تمهيد لذلك بالتزامها بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام واحد ووضع حد للانقسامات بينها.

وثالثاً، تسعى "حماس" إلى استعادة موقعها في الذهن الشعبي العربي بعد رهانها على "الربيع العربي"، وفشلها، حتى لو ضحت جزئياً بصورتها النمطية الممتدة على مدى 15 عاماً، كتنظيم راسخ ضمن محور المقاومة. وهنا ستتخذ نمطاً وسطاً يزاوج بين البراغماتية والتأثير العاطفي. وربما يتعارض تخليها عن المقاومة مع ما تسعى إليه إيران وقد يكون أحد وقود الاختلافات بينها وبين النظام الإيراني، في ما بعد.

الدور الإيراني

وفي الوقت الذي دعمت فيه "حماس" انتفاضات "الربيع العربي" وتبنتها واتخذت من أجلها مواقف، كلفتها خسائر عدة منها خروج مكتبها السياسي من سوريا حيث فقدت حيزاً جيوسياسياً مهماً، كما أوقف الدعم الكامل من إيران وتأثرت علاقتها مع "حزب الله" اللبناني. وعلى رغم ذلك، ظلت إيران تسعى إلى إعادة المياه إلى مجاريها بين "حماس" والنظام السوري، إلى أن نجحت في ذلك أخيراً. ويعود ذلك الحرص بشكل أساس إلى أهداف عدة يصوّب النظام الإيراني عليها جهوده من أجل تحقيقها منها ما هو مستبطن، وما هو معلن.

وتتمثل هذه الأهداف في، الهدف الأول، اتخاذ النظام الإيراني من القضية الفلسطينية تجسيداً لمفهوم "المستضعفين" الذي وضعه الخميني ضمن مبادئ الثورة الإيرانية عام 1979، وإحدى أسس نظرية "ولاية الفقيه"، وعموداً راسخاً لمشروعه "جمهورية المستضعفين الإسلامية"، التي ستمتد إلى الخارج مزيلة الحدود الجغرافية والسياسية، وعابرة للمذاهب والتوجهات الفكرية. وبعودة التنظيم بمكتبه إلى سوريا ربما يعوض فقدان "حماس" موقعها في جنوب لبنان حين استبعدت قياداتها إلى هناك في تسعينيات القرن الماضي واجتمعت بتنظيم "حزب الله" على أرض واحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الهدف الثاني، فهو سعي إيران إلى إقامة تحالف إقليمي مواز لتحالفات إقليمية في الشرق الأوسط، بخاصة إذا كان هذا الحليف سنياً ما يساعدها في تقبل مشروعها التوسعي باعتباره مشروعاً محايداً وغير طائفي. وكذلك ليقف معها ضمن أحلاف داخلية وخارجية ضدّ هذا الحلف الذي تعدّه السبب الأساس في تعثر المفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي 2015، وأنه وراء رفض الإدارة الأميركية رفع اسم "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب، وأنه السبب في تأجيج الاحتجاجات الحالية التي أشعل فتيلها مقتل مهسا أميني، في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد إهانتها وضربها من قبل "شرطة الأخلاق".

ثالثاً، إن التخفيف من حدة الآراء التي صدرت بخصوص التعاون مع النظام السوري ومنها فتاوى دينية دعت إلى تحريم تأسيس علاقة معه، وبسعيها إلى إعادة "حماس" إلى دمشق، تكون إيران قد نجحت في إخماد هذه الآراء باعتبار طابع "حماس" كحركة إسلامية وتراجعها عن مقاطعته.

تغيير الأولويات

تدل هذه المؤشرات إلى أن "حماس" تراهن على الدعم العسكري المالي والسياسي الإيراني من خلال عودة علاقاتها مع سوريا، على رغم التحركات الإقليمية التي تهدف إلى وضع حدٍّ لهذه العلاقة، خصوصاً أن الحركة تعيش ظروفاً صعبة منذ بدء أحداث "الربيع العربي" الذي مثل في بداياته فرصة ذهبية لها. ولكن كل ذلك تبدد، وفاقمت منه خلافات الحركة الداخلية وخلافاتها مع بقية الفصائل الفلسطينية.

ولا أحد ينكر تأثير "الربيع العربي" على الثقافة السياسية عموماً، إذ بدأت الانتفاضات عفوية، ولكن بدخول مرجعيات أيديولوجية ترفع شعاراتها الخاصة بدت كصراع بين العقيدة السياسية المؤمنة بالحريات والتغيير، والعقيدة السياسية المؤدلجة التي تحمل في ثناياها أهدافاً حزبية ضيقة. وبغياب القيادة الهادية المتجردة من هذه النزعات، لم تستكمل الثورات، بل تحولت في جزء منها إلى صراعات دائمة، ولم تفلح دول "الربيع" حتى في العودة إلى ما قبل ذلك التاريخ.

أما "حماس" فقد خرجت بإضافة عقيدة المقاومة إلى التفكير في إدارة علاقاتها وتوسع طموحها في سياسة الحكم، وفي بالها نموذجها تنظيم "الإخوان المسلمين". وقد كانت من قبل ترى أن صعود الإسلاميين إلى الحكم في مصر سيدعمها بأن تكون لها الكلمة في الشأن الفلسطيني، إذ كانت ترى أن "الربيع العربي" أعاد إلى القضية الفلسطينية وهجها الإقليمي.

وبعد سقوط الأنظمة، والفشل في بناء الدولة، واستمرار الصراع السياسي في تونس، والعسكري في سوريا واليمن وليبيا، قفزت الحاجة إلى تغيير الأولويات لدى "حماس"، من المصير الذي لقيته التيارات الثورية في بلدان "الربيع العربي" التي كانت مرشحة للحكم. وأصبح أكثر ما تخشاه، هو أن تتراجع القضية الفلسطينية وتقتصر على الأمور الإنسانية فقط كالمساعدات المالية والإغاثات وإعادة التعمير، وأن يتجاهل العالم العربي قضية القدس والمستوطنات، وأن تضمحل أهمية أفكارها التي انطلقت منها برامجها السياسية في عنفوان زمن "الربيع العربي" الأول، فقنعت من الغنيمة بالإياب، بعد أن تناثرت شعارات "الربيع العربي" التي حملتها، وتفرق دمها بين الفرقاء السياسيين حتى لم يعد من الأجسام السياسية التي تآلفت معها "حماس"، جسم قائم بأكمله.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل