Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبنى البرلمان المغربي... أناقة واحتجاجات وشهداء

تصميم جميل يجمع بين الأساليب الأوروبية وفن العمارة الإسلامية

مبنى البرلمان كان ولا يزال شاهد عيان على أكبر وأضخم المسيرات والوقفات الاحتجاجية في تاريخ المغرب  (مواقع التواصل)

قليلون جداً من يعرفون أن مبنى البرلمان المغربي الذي ينتصب في شارع محمد الخامس الشهير وسط العاصمة الرباط بتصميمه المبهر الذي يزاوج بين الأصالة والمعاصرة شهد خلال أعوام الثمانينيات من القرن الماضي وفاة عدد من العمال بسبب الإجهاد الذي تعرضوا له إبان فترة إعادة تصميمه بإشراف المهندس الفرنسي الشهير باكار.

يتسم مبنى البرلمان المغربي في شكله الحالي الذي يبدو من الخارج مثل "محكمة عليا" من خلال طريقة تشييده ولونه الأحمر الفاقع بتصميم أنيق وجميل يجمع بين الأساليب المعمارية الأوروبية وفن العمارة الإسلامية.

وسط "الشارع"

في شارع محمد الخامس الذي يسميه كثيرون اختصاراً "الشارع" ويعتبر الشريان الرئيس للعاصمة الرباط ينتصب مبنى البرلمان المغربي بمجلسيه "النواب والمستشارين" معلماً سياسياً وتاريخياً وعمرانياً أيضاً يعود تاريخه إلى أعوام العشرينيات من القرن الماضي.

كان مبنى البرلمان المغربي في البداية عبارة عن "قصر العدالة" خلال فترة الاستعمار الفرنسي قبل أن تتغير معالمه الرئيسة في الستينيات من القرن الماضي، ثم "تعصرن" في أعوام الثمانينيات بتحسينات وتصميمات مبهرة جعلته مبنى دستورياً يشكل عصب الحياة التشريعية بالبلاد.

وإذا كان مبنى البرلمان المغربي عبارة عن مؤسسة تشريعية يتم فيها اقتراح القوانين وصياغتها والمصادقة عليها من طرف "نواب الأمة" فإنه أيضاً اشتهر بارتباطه بأبرز الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية.

وتعتبر الساحة المقابلة لمبنى البرلمان المغربي محجاً معروفاً لا محيد عنه لعدد من النشطاء والجمعيات وقطاعات اجتماعية فئوية، وحتى المواطنين أيضاً الذين ينظمون وقفات احتجاجية للمطالبة بحقوق مهدورة أو مشروعة.

شاهد على الاحتجاجات

في هذا السياق قال الناشط الشبابي عبدالخالق أوفلا إن مبنى البرلمان بقدر ما ينتج قوانين عدة منظمة لحياة المغاربة، بقدر ما كان ولا يزال شاهد عيان على أكبر وأضخم المسيرات والوقفات الاحتجاجية في تاريخ البلاد.

وذكر في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" مسيرات "حركة 20 فبراير" التي اندلعت في المغرب بموازاة ما يسمى "الربيع العربي" في بلدن عربية أخرى للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد ورفض زواج "المال والسلطة".

ووفق أوفلا الذي شارك في بعض الاحتجاجات لفئة الأساتذة المتعاقدين فإن مبنى البرلمان كان شاهداً على مسيرات احتجاجية عارمة أخرى كانت تنظم أمامه للأساتذة والأطباء وذوي الشهادات العاطلين من العمل، وأوضح أن مبنى البرلمان بكل بهائه وضخامته وهيبته المعمارية وأدواره التشريعية والسياسية صار أيضاً عنواناً ومقصداً يتوجه إليه المحتجون، بحيث أصبحت التحركات أمامه مشهداً يومياً عند المغاربة، كما بات مشهد أفراد الأمن والسلطات العمومية التي تطوق المبنى أمراً اعتيادياً أيضاً.

معلم العاصمة

من جانبه قال رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان عبدالحي بنيس إن ما يزيد تألق المبنى تصميمه الأنيق الذي يجمع ما بين الأساليب المعمارية الأوروبية وفن العمارة الإسلامية، مما يجعله يحظى بقيمة فنية ومعمارية عالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأفاد بنيس في حديث إلى "اندبندنت عربية" بأن قليلين هم من يعرفون تاريخ هذا المبنى لقلة المصادر التي تؤرخ له، لكن كل زائر للرباط يشعر بقيمته ويلمس عظمته ويقرأ سطور التاريخ على جدرانه بدليل تهافت الأشخاص على التقاط صور أمام واجهة البرلمان، فهو معلم العاصمة بامتياز والتجول في محيطه يتيح للمرء مصادفة وجوه مألوفة من سياسيين وكتاب وفنانين.

ووفق بنيس الذي اشتغل في البرلمان قرابة أربعة عقود حتى بات يلقب بـ"ذاكرة البرلمان المغربي" والذي ألف كتاباً حول البرلمان المغربي فإن هذا المبنى بني عام 1926 ليكون محكمة الاستئناف وكانت المحكمة الوحيدة في المغرب، إذ عقدت بها محاكمات عدة"، وأضاف أنه لا أحد كان يتصور أن تجلب الأيام مفاهيم جديدة ستقلب الدولة رأساً على عقب لتتخذ الديمقراطية شعاراً والبرلمان رمزاً.

ويعود بنيس قليلاً إلى التاريخ عندما تأسس البرلمان بعد استقلال المملكة عام 1956، بحيث تشكل للمرة الأولى المجلس الوطني الاستشاري برئاسة المهدي بن بركة واتخذ قصر المأمونية (وزارة العدل حالياً) مقراً، لكنه لم يستمر طويلاً وتم إيقافه عام 1959.

تحولات

بعد دستور 1962، يضيف بنيس، افتتحت أول ولاية تشريعية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 بإحدى قاعات كلية العلوم بالرباط التي كانت مقراً موقتاً لجلساته إلى حين تهيئة مقر جديد للبرلمان بشكل رسمي واستمر الوضع على ما هو عليه لغاية 22 يناير (كانون الثاني) 1964 بالولاية التشريعية الأولى التي عرفت مناقشات عدة حول بناء مقر جديد للبرلمان، مردفاً أنه حينها اقترح تحويل مسرح محمد الخامس إلى مقر رسمي لمجلس النواب وزارت على أثر هذا النقاش مجموعة من النواب المسرح للاطلاع على إمكانية تحويله إلى البرلمان واتفقوا بعدها على رفع مذكرة إلى الملك الراحل الحسن الثاني من أجل الانتقال إلى مسرح محمد الخامس، لكن القرار لم يتخذ في هذا الشأن لأسباب عدة.

وأكمل بنيس "استمر الوضع على ما هو عليه لغاية عام 1970، إذ صدر قرار بتحويل محكمة الاستئناف إلى مقر للبرلمان، لكن سرعان ما توقفت الحياة النيابية بعد 10 يوليو (تموز) 1971 بسبب محاولتي انقلاب فاشلتين ضد الملك الراحل الحسن الثاني".

وفي المبنى ذاته تم افتتاح الولاية التشريعية الثالثة في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 1977 وفي 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 وضع الملك الحسن الثاني الحجر الأساس لمبنى مجلس النواب على مساحة واسعة بالمصلى بالقرب من "باب زعير" بالمشور السعيد (ساحة تضم القصر الملكي) وكان سيضم هذا المجمع فندقاً للنواب غير القاطنين بالرباط، إضافة إلى مسجد وقاعة للاجتماعات مزودة بأحدث الأجهزة.

تصميم داخلي

وأوضح بنيس أنه تم ترك مقر البرلمان في محكمة الاستئناف بشارع محمد الخامس في موقع استراتيجي على مساحة تقدر بستة هكتارات وواجهته التي تعتبر أكبر واجهة للبنايات المغربية، مما يمنحه نوعاً من المهابة والفخامة أهلته ليكون واجهة الدولة المعاصرة، واستطرد أن التصميم الداخلي لهذا المبنى آنذاك كان يعوق العمل البرلماني بحكم تصميمه على أساس كونه محكمة استئناف، يتميز بقاعة رئيسة كبرى على شكل مستطيل، تحتوي على كراس أفقية من كلا الجانبين، وبها كانت تعقد الجلسات البرلمانية حتى أبريل (نيسان) 1985.

والمثير في الموضوع ما كشف عنه رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان بحيث قال "في الثمانينيات أعاد المهندس الفرنسي باكار تصميم المبنى بشكل كامل واعتمد في المهمة على ثلاث فرق من العمال عملوا ثلاثة أشهر متواصلة ليلاً ونهاراً بمعدل ثماني ساعات لكل فريق، مما أدى إلى وفاة بعض العمال بسبب الإجهاد الكثيف.

ويعود بنيس ليصور المبنى من الداخل "يتكون مقر البرلمان من طابقين، يضم الأرضي مسجداً وقاعتين مخصصتين لاجتماعات اللجان البرلمانية، كما يضم أيضاً مطبعة ومصالح تقنية، إضافة إلى مرأب للسيارات".

وصف داخلي

ويتكون الطابق الأول من قاعة لاجتماعات اللجان البرلمانية أيضاً، إضافة إلى مكاتب إدارية ويتوسطه بهو كبير تقام فيه الحفلات والاستقبالات.

أما الطابق الثاني، فيتوسطه بهو كبير مزين بلوحات لكبار الرسامين ويضم جناحاً ملكياً و10 قاعات أخرى للاجتماعات ومكاتب لرئيس المجلس ورؤساء اللجان والفرق البرلمانية، إضافة إلى القاعة الرئيسة الكبرى المخصصة للجلسات العامة.

 

 

ووفق بنيس "شكل القاعة الكبرى نصف دائري فيها مدرجات ملونة باللونين الأخضر والأحمر (لونا العلم الوطني)، والمقاعد الخضراء مخصصة لأعضاء الحكومة، أما الحمراء فهي مخصصة للبرلمانيين، وخلف هذه المدرجات مقاعد للجمهور وفي الأعلى توجد وحدة للنقل التلفزيوني والإذاعي ومخادع للترجمة، كما هناك قاعتان خاصتان بالصحافة على جانبي القاعة.

والقاعة الرئيسة لمبنى البرلمان مجهزة بجهاز التصويت وسبورة إلكترونية، أما جانبه المعماري، فأهم ما يميزه القبة المزينة بنقوش من الخشب والجبس تشكل لوحة فنية في غاية الجمال والفخامة، إضافة إلى علوها المقدر بعلو مبنى من ثلاثة مستويات".

مداخل وجدران

واستطرد بنيس في الوصف "لمبنى البرلمان المغربي مدخلان، الأول وهو الرئيس يشرف مباشرة على الطابق الأول للبناية ويطل على شارع محمد الخامس مروراً بحديقة في غاية الجمال والرقة، ثم مدخل خلفي يطل على ساحة كبيرة مخصصة لسيارات البرلمانيين والموظفين".

وبحسب المتحدث نفسه، "تمتاز جدران مبنى البرلمان بالقوة والصلابة، إذ بنيت بالحجر السميك وهي مطلية برخام غير لامع، أما الأبواب والنوافذ، فهي من العود الفاخر وتمتاز بارتفاعها الكبير"، وأضاف أن "المغرب اعتمد نظاماً برلمانياً بغرفتين في دستور 1996، فشيد مقر خاص بالغرفة الثانية في البرلمان المغربي إلى جانب مقر مجلس النواب، بحيث تمت الاستفادة من بقية أجزاء البناية التي ظلت المحكمة محتفظة بها".

وشهد المبنى إصلاحات وتوسعات حافظت على خصوصيته المعمارية وتوالت أعمال الترميم والتوسيع ولاية بعد أخرى ليصل المبنى إلى ما هو عليه اليوم، كما أقيمت مكاتب وملحقات جديدة إلى جواره كانت تابعة للخزانة العامة للمملكة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات