Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"معارك كلامية" تربك عمل النواب في البرلمان المغربي

يرى مراقبون أن "العنف اللفظي" يجسد ضعف البعد السلوكي والسياسي في النقاشات

يمنح النظام الداخلي لمجلس النواب مكتب المجلس صلاحية ضبط ومراقبة احترام قواعد السلوك والأخلاقيات (وكالة المغرب العربي للأنباء)

عادت المعارك الكلامية لتؤسس فضاء أول جلسة برلمانية في المغرب بعد افتتاح الملك محمد السادس للدورة الخريفية، الجمعة الماضية، عندما ساد اللغط والصياح بين نواب برلمانيين عند مناقشة أحد الملفات المطروحة، الإثنين 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بمجلس النواب.

واستخدم نواب مغاربة في أول جلسة من الدورة الحالية للبرلمان ألفاظاً وصفها كثيرون بأنها "شعبوية" وغير لائقة لا تناسب مقام وسمو المؤسسة التشريعية التي ينتسبون إليها.

ويرى مراقبون أن هذا "العنف اللفظي" يجسد ضعف البعد السلوكي والسياسي في النقاشات البرلمانية جراء المناورات الحزبية، ما يجر "نواب الأمة" إلى الخوض في مواضيع ثانوية لا تهم المواطنين المغاربة.

معارك كلامية

وانطلقت الدورة البرلمانية الخريفية مثل سابقاتها بمناوشات وملاسنات وتراشقات بألفاظ حادة، عندما وجه نائب برلماني الخطاب إلى زميل له بقوله "لماذا تقفز من مكانك؟"، بمعنى قدحي، قبل أن يجيبه "اذهب إلى المحكمة لتقاضيني"، وهو ما أثار صخباً وتبادلاً للاتهامات بين النواب في ذات الجلسة.

وتتسم جلسات البرلمان في أحايين عدة بنوع من "العنف اللفظي" الذي يتسم بالتنابز بالألقاب أو التحقير والتبخيس من قيمة الآخر، أو التشكيك في النوايا، وأحياناً أيضاً باستخدام لغة توصف بكونها "سوقية" لا تليق بالمؤسسة التشريعية.

وكان سجال قد اندلع قبل أسابيع خلت تناقلته الصحف المغربية والدولية أيضاً بعد تبادل عبارات تتضمن همزاً ولمزاً بين وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي والبرلماني المنتمي إلى حزب الحركة الشعبية المعارض، محمد أوزين، بعد أن تداولا عبارات من قبيل "رائحة التقاشر" (أي رائحة الجوارب).

ويمنح النظام الداخلي لمجلس النواب مكتب المجلس صلاحية ضبط ومراقبة احترام قواعد السلوك والأخلاقيات واتخاذ الإجراءات المناسبة، سواء كان الأمر يتعلق باللباس أو استعمال الهاتف داخل جلسة البرلمان أو حتى الملاسنات بين النواب.

وسبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس أن دعا أكثر من مرة "نواب الأمة" إلى "تحمل الأمانة العظمى لصفة تمثيلية الناخبين، والحرص على خدمة الصالح العام، من خلال احترام الميثاق الأخلاقي وحسن السلوك".

دوافع العنف اللفظي

ويعلق أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة وجدة عثمان الزياني على الموضوع بقوله، إن المشهد السياسي جد معقد، ويتشكل من فضاءات متناحرة مبنية على مصالح ذاتية، وتحالفات تكتيكية متغيرة، وإمكانية حصول حتى نزاعات عنيفة.

وتابع الزياني، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن هذه الظواهر السياسية على وجه التحديد هي انعكاس لحقيقة أن البشر مخلوقات ديناميكية تدفعهم في كثير من الأحيان النوازع الذاتية الضيقة إلى فتح جبهات للصراع، قد تنتج عنها تعبيرات لفظية عنيفة تصل إلى حد التنابز بالسباب والألفاظ المبتذلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزاد المتحدث ذاته أن "ما يحصل في جلسات البرلمان يعبر عن سيرورة برلمانية قائمة قد تكون ثابتة، تعبر عن منطق النقاش البرلماني المختل، القائم على أساس تكريس مبدأ الصديق والعدو، بدل الانخراط في نسقية الانفتاح والصدق والشراكة والمنافسة المسالمة والتفاهم والتوافق".

وأكمل الزياني "هذا العنف اللفظي الذي يوظف قاموساً من الألفاظ السوقية يعبر أيضاً عن غياب البعد الأخلاقي في النقاش البرلماني والحكمة السياسية، ويؤشر على أن البرلمان أصبح مكدساً بالمناورات الحزبية والمناقشات غير الهادفة".

ووفق المتحدث "هذه ظاهرة غير صحية تكرس الصورة النمطية حول البرلمان التي تشكلت في أذهان عديد من المواطنين، ونجمت عنها أزمة ثقة قد يصعب تجاوزها بسهولة، لأن الأمر يتعلق بأزمة شرعية "المُثل البرلمانية" في حد ذاتها.

واستطرد الأستاذ الجامعي بأن الجدال والنقاش في العمل السياسي والبرلماني على وجه التحديد يجب أن يخضع لمنطق المحاججة البليغة"، مبرزاً أن "المطلوب هو الاستثمار في سلطة النقاش التي يملكها البرلمانيون من دون إساءة استخدامها أو توظيفها في تصفية حسابات سياسية ضيقة."

وزاد الزياني بأن الآراء لا يجب التعبير عنها من خلال تضارب صاخب بين المصالح المتنافسة، ولكن من خلال تبادل الحجج المعقولة"، متابعاً أنه "من المفترض أن تُناقش كل مسألة معروضة على البرلمان والتفاوض بشأنها، والاتفاق عليها في سياق عملية تهدئة، ومداولات مفتوحة ورشيدة وحكيمة".

الخطاب السياسي و"السيرك"

من جهته، يرى الأستاذ في جامعة مراكش محمد بنطلحة الدكالي، أنه من المفترض أن يكون الخطاب السياسي قائماً على مبدأ محاولة إقناع الجهة الموجه إليها هذا الخطاب، إضافة إلى تلقي القبول من خلال عدة وسائل مدعمة بالحجج والبراهين.

وشدد الدكالي، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" على أنه من الواجب أن يوظف الخطاب السياسي الوسائل اللغوية والمنطقية الصحيحة، وكذا جملاً تعبيرية تنم عن نضج سياسي وأخلاقي يتناسب مع الموقف والمقام الذي يتم فيه إلقاء الخطاب السياسي.

واستطرد أن "النائب البرلماني مثلاً يعتبر ممثلاً للأمة، وهو مقيد بقواعد السلوك والأخلاقيات البرلمانية، لهذا يجب أن يكون في المستوى المطلوب من أجل الرفع من جودة العمل البرلماني، سواء من خلال حضور وتتبع أعمال الجلسات العامة، أو المشاركة في أشغال اللجان الدائمة سواء في التشريع أو مراقبة عمل الحكومة".

ورصد المتحدث ذاته ظاهرة غياب كثير من النواب عن جلسات البرلمان المغربي، وحتى إذا حضروا استعمل بعضهم "كلاماً شعبوياً يتسم بالتنابز بالألقاب والألفاظ".

واستحضر الدكالي في هذا الصدد، النعت الذي أطلقه الملك الراحل الحسن الثاني على البرلمان عندما وصفه حينها بـ"السيرك"، في إشارة إلى ابتعاد النواب عن مناقشة القضايا التي تهم المواطنين، والاقتصار على السجال الكلامي بين بعضهم البعض وبينهم وأعضاء الحكومة.

وذهب المصدر إلى حضور تراشق كلامي أمام كاميرات التلفزيون، واختلاق لحظات فرجوية يطبعها جدال عقيم لا جدوى منه يبعد النواب عن مناقشة القضايا الجوهرية التي ينتظرها المواطنون بخصوص مناحي حياتهم ومعيشتهم.

وخلص الدكالي إلى أن "الظرفية السياسية الراهنة تتطلب النأي عن الخطاب الشعبوي والسياسوي والعنف اللفظي، وأن يتم تأسيس شكل جديد من أشكال الخطاب، والتواصل الفعال الذي يضع المصلحة العليا للمواطنين فوق كل اعتبارات سياسية أو حزبية ضيقة".

المزيد من متابعات